بنادق الجنجويد ضد النسب الثقافي السوداني
تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT
ماذا لو تكلمنا هكذا بشيء من الوضوح والإفصاح وأن نضع كل الأسئلة عن أسباب تمرد الجنجويد وخوضهم هذه الحرب ، والأزمات المكدسة بعضها فوق بعض على ظهور أهل السودان ؟
وحتى نكون على بينة من الكلام :
* هل الجنجويد يقاتلون ضد الجيش لإسقاط الحكومة ؟
نعم !
* هل يقاتل الجنجويد لإقصاء الإسلاميين ونفيهم من الوجود ؟
نعم !
* هل يمارس الجنجويد في حربهم هذه أبشع عمليات التطهير العرقي والإبادة الجماعية والتهجير القسري ، ضد قبائل الزرقة – السود – المساليت ، والإرنقا في غرب دارفور خاصة ، وكل من ينتسب إلى العنصر النوبي أو الزنجي عرقا ودما ولونا لإستأصالهم من أرضهم ومحو آثار أسلافهم ؟
نعم مارسوا كل ذلك في أقليم دارفور عامة !
* هل الجنجويد في تمردهم هذا يقاتلون من أجل
إستأصال وإزاحة الجلابة وأبناء الشريط النيلي من أقصاه إلى أقصاه ، بجميع مكوناتهم القبلية ؟
نعم !
* هل الجنجويد يقاتلون ضد دولة ” 56 ” ؟
نعم وهذا هو شعارهم الأعلى !
* فما علاقة بيت مشكاة العلوم والمعرفة البروفيسور علي شمو بالجيش ؟
* ما علاقة بيت الرياضي نجم فريق نادي المريخ الراحل سامي عزالدين بالجيش ؟
واسألوهم عن الزعيم الازهري ومحمد احمد المحجوب !! هل المدنية مختبأة في بيوت أسرهم ؟
* والسؤال الكبير .
البداهة تقول إن المسألة ، ليست مسألة إسقاط البرهان والبحث عن الديمقراطية ومدنية الدولة ؟ وهل لا يتحقق ذلك إلا بتلك المذابح في دارفور ونفي وإقصاء كل أهل السودان ؟
هذا التمرد الأقبح في تاريخ السودان ليس إلا هو مشروع فكري ثقافي آخر يحمل معتقد وتصورات تهدف أولا للخلاص من الشخصية الثقافية السودانية ، ومحو ملامح سودانويته المائزة . وفق مخطط دولي يخفي في أصله فطرة دكتاتورية ونزعة للتسلط والتفرد والإستئثار بالسودان وجغرافيته .
في فوهات بنادق الجنجويد ومدافعهم الآن أخطر مشروع فكري ثقافي مضاد لإرثنا المعرفي ، والتركيبة السكانية ، بفسيفساء مكوناتها الإجتماعية ، وقوس قزح أعراقها ، ومشاربهم الثقافية المتعددة الوسامة والجمال .
الجنجويد وكلاء دعاة يستترون وراء حدودنا . حرب هي في الأصل دعوة لعمليات إزاحة شعب بثقافته ومياسمه المائزة في الحياة ، وإبداله بشعب ومجتمعات أخرى ذات خصائص قابلة للتشكل وفقا لمعتقد جديد بتصورات ورؤى فكرية ثقافية متخيلة .
هذه الحرب ليست ضد الجيش وحده ، وإلا ، لماذا دمروا الجامعات والمؤسسات الأكاديمية العلمية وأحرقوا المكتبات الفكرية الثقافية بكل تلك الفظاظة ؟
ما علاقة الجيش بالمتحف القومي ودار الوثائق القومية حتى تنالها مدافع الجنجويد ونيرانهم الحارقة ؟
وما علاقة قبائل الفور والمساليت والإرنقا والنوبة بدولة ” 56 ” ؟
وأسألك بالله يا قارئي ، ما هي نسبة الديمقراطية في دم عرب دول الخليج ، وهل لديهم وسائل للحكم غير الوراثة التناسلية الأسرية أب عن أب ؟
ومن أين للعربان معرفة لمعنى المدنية وأصولها ؟ أليست حياتهم هي تزلف لروح العصبيات العرقية والعنصريات ؟
وأية نكهة للديمقراطية في الطبق القبلي العشائري عند عربان الخليج ؟
أولئك العربان المدججون بالتناقضات ، ما فهمهم للديمقراطية والحوار ؟ وكيف يحددون علاقتهم بالآخر ؟ وما علاقتهم بالأنسنة ؟
الجنجويد في هذه الحرب ليسوا إلا ظهور تم إستإجارها لتحمل أسفار مشروع فكري ثقافي دولي مضاد للنسب الثقافي السوداني المتفرد في أصالة بعده الحضاري .
الدكتور فضل الله أحمد عبدالله
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: ما علاقة
إقرأ أيضاً:
السودان مهدد للسلم الإقليمي والعالمي
إن ما يحدث داخل السودان من حرب على نحو ما شهده العالم، وما أحدثته من دمار واسع قضى على بنية الدولة التحتية والأخطر من ذلك تسببت بفظاعاتها وانتهاكاتها الإنسانية غير المسبوقة، بأسوأ كارثة إنسانية في العالم، حسب التوصيف الأممي. ورغم هول وقائعها اليومية، تركها العالم ـ بسبب فشل كل الحلول المطروحة ـ كأزمة منسية تتفاعل في أتون جحيمها، وإن أبدى العالم خشيته من تصاعد نتائج كارثية أخرى قد يمتد تأثيرها إقليميا إلى دول الجوار، وقد تمدد بالفعل، ودوليا بما تضفيه من أعباء، أو كل ما من شأنه أن يهدد السلم والأمن الدوليين، في سياق منظومة النظام الدولي الموروث منذ الحرب العالمية الثانية، ومعايير تعريفات التهديد لسلم الدولة، كما هو منصوص عليها في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. فالأزمة تشعبت في تعقيداتها، التي تجاوزت بحكم الواقع قدرة الطرفين على التحكم بمساراتها، حربا ونهاية، باتت واجهة عدوانية مفتوحة تستدعي المزيد من أشكال العنف.
جاء في افتتاحية صحيفة «لوموند» الفرنسية مؤخرا، كيف أن حرب السودان أصبحت جحيما منسيا، «لم تعد مجرد شأن داخلي أو إقليمي، بل أصبحت ذات أبعاد تتجاوز حدوده الجغرافية، ما يجعل من انهياره خطرا يطال الأمن والاستقرار على الصعيد العالمي»، وأوضحت الصحيفة، أن تدمير البنية التحتية الحيوية بفعل بعض الهجمات، مثلما حدث في بورتسودان، لن تؤدي إلا إلى تعقيد أكبر في إيصال المساعدات، وتزيد من معاناة ملايين المدنيين العالقين في خضم هذا الجحيم المنسي. ويشير هذا الخطر الماثل للأزمة السودانية إلى النقطة الحرجة التي وصلت إليها بعد عامين من الاقتتال، بين طرفي الجيش والدعم السريع، في أكبر مواجهة عسكرية بين طرفين في تاريخ البلاد. فتمدد الحرب بأزماتها المختلفة من تدخلات إقليمية ودولية، وكوارث إنسانية مثلت تحديا عالميا للجهد الإغاثي، بقدر ما مثل التوصل إلى حل من تحديات مزمنة، وقفت أمام جهود التفاوض السلمي على عدة منابر أخفقت جميعها في الحد الأدنى من التقارب بين الطرفين. ولم تنس الصحيفة المشهورة الإشارة إلى دور دولة الإمارات وأطراف أخرى في الحرب الجارية.
والقول إن السودان أصبح مهددا عالميا في حال انهياره – وقد انهار بالفعل- قد يشكل خطرا داهما على محيطة والعالم، لم يكن من قبيل التضخيم الإعلامي، فالأطراف الداخلية المتقاتلة لديها ارتباطاتها الإقليمية المباشر والمؤثرة في مجريات الصراع، وهذا الارتباطات الوثيقة التي أصبحت ذائعة، رغم حالة النفي والإنكار من الدول والمجموعات المتهمة بذلك، ومع اختلاف دعمها العسكري واللوجستي للطرفين، وعلى المنصات الدولية والدبلوماسية والقضائية، تظل دول عربية معينة، تسهم بنصيب وافر في التدخل المباشر. فالتحول الذي حول من طبيعة الصراع باستخدام منظومة الطيران المسير، لضرب أهداف بعيدة، كما حدث في مدينة بورتسودان، على مدى أيام من شهر مايو الجاري، كشف عن حجم هذا التدخل ووسائله وطرق تنفيذه عسكريا. وتكونت خريطة للحرب من عناصر متنافرة وإن كانت تجمع بينها الحرب، كهدف لتحقيق ما لا يتحقق بغيرها، فالإدارة السياسية وبطبيعية الحال العسكرية للقيادات التي تقود الحرب من الطرفين، لا تملك قرارها في حدود ما يعني القرار في بعده السيادي؛ إلا ما يميله داعموها المستترين (الدول) أو استجابة إلى ما خلقته الحرب من مراكز نفوذ ومصالح داخلية. وهكذا انتجت هذه الخريطة المشوهة حالة من الدولة الفاشلة أو اللادولة، بمعايير ما يقاس عليها من بؤر مهددة تنتقل عدوى حروبها إلى نطاق أوسع يشمل دولا في محيطه. فإذا كانت علاقة السودان بمحيطه الجغرافي الافريقي والعربي يشوبها توتر منذ أن اندلعت الحرب في الخامس عشر من أبريل 1923 على المستوى الرئاسي ومنظماته الإقليمية كالاتحاد الافريقي ومجموعة دول الإيقاد، التي قاطعت حكومة الأمر الواقع قرارتها، متهمة إياها بانحيازها إلى الدعم السريع؛ وأما عربيا فإن أزمة السودان احتلت مقعدها في هامش عضويته في أولويات الجامعة العربية.
وقد امتدت تعقيدات الأزمة في ارتباط شرطي مع الأزمات والصراعات الإقليمية والدولية من إيران واليمن وروسيا، إلى العلاقة مع إسرائيل، فقائد الجيش ورئيس حكومة الواقع الجنرال عبد الفتاح البرهان، فزع إلى لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي في العاصمة اليوغندية كمبالا في فبراير 2020 قبل الحرب، في خطوة صادمة وقام بفتح الممرات الجوية للطيران الإسرائيلي في الأجواء السودانية. ودخول إسرائيل أو الطلب منها التدخل في ظل الصراع التقليدي بينها وبين العرب، وإن تكن قد خفت وتيرته، يرتبط بالوجود الإسرائيلي في القارة الافريقية، خاصة ما يتعلق بأزمة المياه مع إثيوبيا ومصر، التي تقف إلى جانب حكومة البرهان. ووجود إسرائيل من أي موقع قريبا من الصراع الجاري في السودان، يعني أن عاملا دوليا آخر يدخل بكل أشكال التدخلات الملازمة للصراع العربي الإسرائيلي وطبيعة سياساته في المنطقة، حتى بعد التطبيع والتسابق من الأنظمة العربية نحوها، سلاما، أو استسلاما، يكون السودان على قدر ما يشهد من اقتتال وتمزيق ستنتقل إليه أزمات المحيط العربي في جدلية العلاقة بين إسرائيل والعرب.
وإذا كان الصراع بين طرفين خدمة لأجندة خارجية، فإن أهم ما يوفره مثل هذا الصراع خلق مساحة واسعة تنشط وتتفاعل فيها منظمات وجماعات تصنف كجماعات إرهابية، لا تتحكم في دولة بعينها، وعادة ما تستدعيها مساحات الدولة المنهارة أمنيا، أو الفاشلة بالتعريف التعميمي السائد في السياق الغربي على وجه التحديد. ففي إقليم تتعدد فيه بؤر الصراع وتتسع دائرة المؤامرات في تداخل سياسي واستراتيجي، يأخذ من المواجهات المكتومة والمعلنة أكثر من أي مؤشرات استقرار وغياب لمعظم دوله لآليات الحكم الديمقراطي لشعوبه، ستسهم الأزمة السودانية في تفجير أوضاع مماثلة في دول الجوار الداعمة لطرفي النزاع. فالجماعات الداخلية ذات الخلفية الجهادية في الحرب الجارية، أبدت بعض الدول أو دولة جارة تتشدد في محاربة جماعات الإسلام السياسي لعقود، مخاوفها من تطور دورها التحشيدي الجاري في الحرب، من جماعات تقاتل بهوية سياسية معينة، قد يحفز نظيراتها في دول أخرى.
وأيا تكن الآمال التي علقها الطرفان على الداعمين من الخارج في حربهما العبثية، فقد أضرت هذه التدخلات بهما أكثر من أي طرف آخر. ومع أن الصراع في مرحلته الحالية، فقد أي مبرر لاستمراره بالمعنى الإنساني للأزمة مع إصرار الطرفين على مواصلته، مهما كانت كلفته البشرية. فإن ترتهن الحرب بهذا الوتيرة العنيفة تحقيقا لسياسات من خارج الحدود يفقد الطرفين أي دعوة لشرعية، أو سيادة وطنية مدعاة، ولم تعد سيناريوهات الحرب خفية على السودانيين الذين يدفعون ثمن هذا الارتهان.
والحقيقة أن التهديد للسلم والأمن الدوليين، وما يتطلبه من تدابير وقائية، كما في تفسير وثائق مجلس الأمن، في حالة الحرب بين الدول، إلا أن الأمر يختلف في الأزمة السودانية كحرب داخلية تغذيها دول خارجية، تملك من سطوة المال والنفوذ الدولي والتدخل الإقليمي ما يجعل قيادات الجيش والدعم السريع تذعن إلى إرادات لا تملك أمامها إلا الاستجابة إلى شروطها وتحقيقها حربا. ويكون تعريف التهديد المرشح للانتشار تنفيذا لإملاءات أكثر مما تفرضه الحرب نفسها من أوضاع مستجدة. وما كان يرغب فيه السودانيون من تدخل بشأن ما يدور في بلادهم، أن يكون تدخلا إنسانيا وبما يسهم في وقف الحرب تحت كل التدابير والمسميات القانونية المختلفة، تحيل إليها المنظمات الدولية (الأمم المتحدة) وهيئاتها المعنية بالسلام وفق مواثيق تواضع عليها العالم. ولكن أن يكون التدخل من أطراف دولية لا يعينها السودان إلا في موارده، التي سخّرت فيه أطراف القتال خدمة لأجندتها، فلا يفضي ذلك إلى المزيد من القتل والتدمير، بما سيؤثر حتى على تلك الأطراف الداعمة. فإن الخيار العملي الوحيد المتاح لمجلس الأمن ينطوي على التدخلات الأمنية الجريئة، وتفعيل مواد الفصل السابع، التي تحدد صلاحيات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للحفاظ على السلام. يتعين على المحكمة الجنائية الدولية المساعدة في تمهيد الطريق للإجراءات التي يتم اتخاذها من قبل مجلس الأمن، ويتعين على الأمم المتحدة تعزيز جهودها لحماية السودان واستعادة السلام والأمن.
كاتب سوداني
نشر بالقدس العربي اللندنية# 23 مايو 2025م
nassyid@gmail.com