المنحى الخطير للضربات وتهشيم القانون الدولي
تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT
كتب وليد شقير في" نداء الوطن": الضربة الإسرائيلية في دمشق خرجت عن المألوف وطاولت مبنى تعتبره القوانين الدبلوماسية أرضاً إيرانية. وإذا كانت طهران اعتمدت أسلوب الصبر الاستراتيجي في الأشهر الماضية، ومررت الرسائل لواشنطن سواء عبر الوسطاء أو عبر المفاوضات مع المسؤولين الأميركيين في عُمان، بأنها لا تريد الحرب، فإنّ إسرائيل لم تتوقف عن استفزاز طهران ومحاولة زجها في المواجهة العسكرية وجرّ الولايات المتحدة الأميركية إلى دعمها فيها.
من الوقائع الصارخة حول تحدي القانون الدولي:
- قتل إسرائيل عن سابق تصميم سبعة من العاملين في منظمة «وورلد سنترال كيتشن» الأميركية التي تساعد على مواجهة المجاعة في غزة بتقديم وجبات الطعام. والضحايا من الأجانب. وهو ما أدى إلى انسحاب المنظمة كلياً من غزة.
- الانفجار الذي تعرضت له دورية تابعة لـ»اليونيفيل»في بلدة رميش الحدودية وأدى إلى جرح ثلاثة من عناصرها، إضافة إلى المترجم. وهو لم يحصل نتيجة قذيفة أو صاروخ أُطلق على الدورية، بل جراء عبوة ناسفة وضعت على جانب الطريق.
- الإشكال الذي وقع بين «الأهالي» مجدداً وبين جنود دوليين من الوحدة الفرنسية في «اليونيفيل» في بلدة برعشيت. و»الأهالي» لا يتحركون في القرى الجنوبية من دون «غمزة» من «الحزب».
- أذرع إيران تواصل تخطي حدود الدول وتهدد الملاحة الدولية من دون أن تلبس أي قناع. ولا يمس ذلك بمصالح إسرائيل وأميركا بل سائر دول العالم.
لا حرج لدى فريقي المواجهة في تهشيم القانون الدولي وهيبته المشوهة منذ سنوات. فكلاهما يعتبر أنّ القوة وحدها تتكلم. لكن المغزى الأعمق لهذا التهشيم الذي نشهده على امتداد الإقليم، هو أنّ الحلول ووقف الحرب ليست قريبة، بل هي مفتوحة على حسابات توسيعها. وإذا كانت المرجعية الدولية التي سيُعتمد على أدوارها لوقف الحرب مضروبة القدرة على الحركة ومجردة من الهيبة ومن أي توافق على دورها في مرحلة السلم، كيف يمكن التعويل على دور أممي في إدارة ما بعد الحرب؟
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
بعد التصنيف الدولي.. حان وقت تعديل قانون المجلس القومي لحقوق الإنسان
مبروك للحركة الحقوقية المصرية، فقد أثبتت مجددًا أن العمل الجاد وتبديل الوجوه، إلى جانب الدور المحوري للدولة في دعم مسار حقوق الإنسان، يجعل كل ما كان يبدو صعبًا بالأمس ممكنًا اليوم.
فاحتفاظ المجلس القومي لحقوق الإنسان بتصنيفه الدولي (A) ليس مجرد إنجاز إداري، بل لحظة فارقة تؤكد أن الإرادة حين تُستدعى بصدق يمكنها أن تُعيد صياغة الواقع وتفتح أبوابًا جديدة أمام تطوير المنظومة الوطنية لحقوق الإنسان.
لكن الحفاظ على التصنيف ليس نهاية الطريق، بل بدايته الحقيقية، فالمجلس الذي حافظ على مكانته الدولية، بات مدعوًّا إلى أن يُعيد النظر في قانونه «القانون رقم 197 لسنة 2017»، ليواكب التحولات الدستورية والتزامات مصر الدولية، وليصبح أكثر قدرة على ممارسة دوره كمؤسسة وطنية مستقلة وفاعلة بحق.
إن تعديل القانون ليس شأنًا شكليًا، بل خطوة أساسية لضمان أن يتحول المجلس من هيئة استشارية إلى مؤسسة ذات صلاحيات رقابية ومتابعة حقيقية. ومن هذا المنطلق، فإن التعديلات المقترحة ينبغي أن تركز على أربعة محاور رئيسية مستخلصة من الخبرات الدولية المتميزة، مع مراعاة مبادئ باريس التي تحدد معايير الاستقلال والتعددية والفعالية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.
المحور الأول يتعلق بتشكيل المجلس وآلية اختيار أعضائه. فالتجارب المقارنة، كما في المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب واللجنة الوطنية الفرنسية لحقوق الإنسان، تؤكد أهمية أن تقوم عملية الاختيار على أسس الكفاءة والتنوع والاستقلال، لا على التوازنات الشكلية. ومن المفيد أن يتضمن القانون نصًا يلزم بإعلان عام للترشيحات، وأن تخضع الأسماء لفرز من لجنة مشتركة من هيئتي مكتب لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، ولجنة التضامن الاجتماعي وحقوق الإنسان بمجلس الشيوخ، مع إمكانية ضم عناصر مستقلة من خارج المجلسين.هذا الإجراء يضمن الشفافية ويعزز الثقة العامة.
كما يُستحسن مراعاة حسن تمثيل الشباب والمرأة والأشخاص ذوي الإعاقة والمسيحيين والمصريين بالخارج، والتخصصات المختلفة، مع اشتراط المعرفة الحقوقية الواسعة والخبرة المؤسسية في الأعضاء، وحظر العمل الحزبي أثناء شغل العضوية، ووجود قواعد واضحة لمنع تعارض المصالح.
المحور الثاني يتصل بالصلاحيات والاختصاصات. من الضروري أن يُضاف نص صريح يخول للمجلس زيارة أماكن الاحتجاز ومتابعة أوضاع المحتجزين دون إخطار مسبق، أسوةً بالتجربة الدنماركية التي تمثل نموذجًا رائدًا في تطبيق «الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب» وفق بروتوكول الأمم المتحدة الاختياري، ولكن وفق ضوابط معينة تراعي اعتبارات السيادة والسلامة العامة اهمها جواز اعتراض الجهة المسؤولة كتابةً في حال وجود كوارث طبيعية أو مخاطر جسيمة أو اعتبارات تتعلق بالأمن العام في المكان المزمع زيارته، كما نص عليه القانون المغربي رقم 76 لسنة 2018 في مادته (11).
كما يُستحسن أن يُلزم القانون الجهات التنفيذية بالرد على تقارير المجلس وتوصياته كتابةً خلال فترة محددة، على أن تُنشر تلك الردود في التقرير السنوي للمجلس ضمانًا للشفافية والمساءلة.
المحور الثالث يرتبط بالعلاقة مع البرلمان والسلطة التنفيذية. فالتجربة الفرنسية تبرز أهمية تمكين المجلس من رفع تقاريره مباشرة إلى البرلمان ورئيس الجمهورية دون وساطة، ومناقشتها في جلسات عامة أو في لجان نوعية متخصصة. إن هذه الممارسة تعطي لتقارير المجلس وزنًا سياسيًا حقيقيًا، وتحوّلها من مجرد وثائق فنية إلى أدوات إصلاح فعّالة تترتب عليها التزامات تنفيذية. كما يجب تشجيع الدولة على التصديق على الاتفاقيات الدولية والإقليمية ذات الصلة بحقوق الإنسان تعزيزًا للموقع الدولي لمصر.
أما المحور الرابع فيتعلق بالاستقلال المالي والإداري. فالمجالس الوطنية التي تحافظ على تصنيفها الدولي في الفئة (A) تتمتع جميعها باستقلال مالي كامل، حيث تُدرج موازناتها كبنود مستقلة في الموازنة العامة، تُصرف مباشرة تحت إشرافها، وتخضع فقط لرقابة الأجهزة العليا للمحاسبة. كذلك، ينبغي أن يتضمن القانون المصري نصوصًا تتيح للمجلس تلقي المنح الخارجية في حدود اختصاصه دون اشتراط موافقة مسبقة من مجلس النواب، مع الالتزام الكامل بقواعد الشفافية والمراجعة اللاحقة.
كما يُستحسن إعادة النظر في هيكل الأمانة الفنية للمجلس، بحيث يكون الأمين العام مسؤولًا أمام المجلس مجتمعًا لا أمام الرئيس فقط، وأن يُشترط في شاغلي المواقع القيادية التفرغ الكامل والخبرة الحقوقية المتخصصة. وتُراجع كفاءة الجهاز الإداري كل ثلاث سنوات لتجديد الدماء واستبقاء الكفاءات.
ومن المهم كذلك تعزيز آليات الانفتاح والتواصل مع منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام الوطنية. فالمجالس الأكثر تأثيرًا — مثل المغربي والتونسي — نجحت لأنها بنت شراكات حقيقية مع الفاعلين الميدانيين وخلقت جسورًا بين المؤسسة الرسمية والمجتمع. لذا، من المفيد أن ينص القانون على حق المجلس في دعم الجمعيات الحقوقية في بناء القدرات ونشر ثقافة حقوق الإنسان، وأن يُتاح له إنشاء مراكز تدريب ومراصد رقمية متخصصة لرصد الانتهاكات وتحليلها.
هذه المقترحات، وإن بدت فنية في ظاهرها، إلا أنها تمثل جوهر التحول المطلوب في فلسفة عمل المجلس. فالقوانين لا تُكتب لتجميل الواقع بل لتغييره، ولا تُراجع لتزيين التقارير بل لتوسيع مساحات الفعل العام والمشاركة، ومتى صيغ القانون بروح استقلالية ومهنية حقيقية، صار المجلس شريكًا في البناء الوطني لا مراقبًا من الهامش.
وإذا كانت مصر قد أثبتت قدرتها على تصويب مسار مؤسساتها الوطنية، فإنها اليوم أمام فرصة تاريخية لقيادة جهد مؤسسي لإصدار الاستراتيجية الوطنية الجديدة لحقوق الإنسان (2026- 2030)، بالتعاون الوثيق بين المجلس القومي لحقوق الإنسان واللجنة الوطنية الدائمة لحقوق الإنسان بوزارة الخارجية، لتكون تلك الاستراتيجية ترجمة حقيقية لرؤية الدولة المصرية في التمكين، والعدالة، والكرامة الإنسانية.
إن الربط بين تعديل القانون وصياغة الاستراتيجية المقبلة هو ما يمنح التجربة المصرية خصوصيتها وعمقها، ويجعل من المجلس القومي لحقوق الإنسان ركيزة أساسية في بناء عقد اجتماعي جديد بين الدولة والمجتمع، يقوم على الشراكة، والمسؤولية، واحترام الإنسان باعتباره غاية التنمية ووسيلتها.
(يوسف ورداني «مدير مركز تواصل مصر للدراسات - مساعد وزير الشباب والرياضة السابق»).
اقرأ أيضاًمحافظ بورسعيد يستقبل وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان