هل سيحقق حزب الله نصراً في المعركة؟
تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT
خلال خطابه يوم أمس بمناسبة "يوم القدس العالمي"، قال الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله إن المقاومة في لبنان لا تخشى الحرب وهي على أتم الإستعداد لأي مواجهة، قائلاً إنّ الحزب لم يُخرِج بعد "السلاح الأساسي" خلال معركته مع العدو الإسرائيلي منذ 8 تشرين الأول الماضي.
في غضون ذلك، ما تبينه الوقائع والتحليلات الميدانية هو أنه حتى اللحظة تنحصر مساهمة "حزب الله" في المعركة الدائرة في المنطقة بإستهدافات دقيقة للاليات والجنود الاسرائيليين وللمواقع الامامية للجيش الاسرائيلي، فالحزب يستخدم صواريخ قديمة مثل الكاتيوشا واسلحة كان قد استخدمها عام 2006 مثل الصواريخ المضادة للدروع اضافة الى ادخال جزئي وبسيط لعدد من الاسلحة النوعية الجديدة، وهذا ما يجعل انخراط الحزب في الحرب محدوداً الى حدّ كبير بالرغم من عملية الاشغال الكبرى التي احدثها لاسرائيل شمال فلسطين المحتلة.
بالنظر الى المعركة الحاصلة، يمكن القول إن "حزب الله" بات مؤثراً في معادلات الداخل الاسرائيلي اكثر من قطاع غزة، خصوصا أن عدد الذين هجرهم الحزب من المستوطنات الحدودية وصل الى حدود الـ 150 ألفاً، في الوقت الذي عاد فيه عدد كبير جداً من المستوطنين الى غلاف غزة بفعل تبدل شكل المعركة هناك، مع الإشارة الى ان اصول مستوطني الشمال الاوروبية تجعلهم أكثر قدرة على الضغط على الحكومة الاسرائيلية من اصحاب الاصول الاخرى.
على الصعيد التكتيكي استفاد "حزب الله" من المعركة العسكرية بشكل كبير، وقد تعلم من دروس المعركة واكتشف قدرات لم يكن يعرفها لدى الجيش الاسرائيلي لا سيما على الصعيد التقني والتكنولوجي وتمكن من التعايش والتعامل معها من دون ان يكشف اي من قدراتها المخفية او اسلحته الكاسرة للتوازن او حتى من دون ان يستخدم بنيته التحتية العسكرية التي اعدها للحرب الشاملة، وهذا يعطيه افضلية على الجيش الاسرائيلي الذي تعرضت مواقعه لقصف بأسلحة مدمرة مثل "بركان" وتضررت قدراته التجسسية بشكل كبير.
في الاسابيع الاخيرة، بات واضحاً أن إسرائيل لم تعد قادرة على رفع سقف تهديداتها تجاه لبنان، اذ ان الواقع الفعلي لألويتها العسكرية اصبح مهشماً بشكل كبير في ظل حربها البرية في غزة، كما ان لديها اهدافا ميدانية لم تحققها في القطاع مثل السيطرة على خانيونس او الدخول الى رفح، وليس متاحاً امامها ارسال قوات نخبوية الى الجبهة الجنوبية، وعليه فإن الحزب الذي تمكن من توحيد الجبهة بين الجولان والناقورة سيتمكن من تحقيق مكاسب سياسية لحظة التفاوض.
لكن بالرغم من ذلك، قد تكون خسائر "حزب الله" كبير اذا ما نظر إليها من ناحية استراتيجية، فمن غير المعلوم المصير الفعلي لقطاع غزة حتى لو توقفت الحرب، اي ان القطاع لن يكون قادراً لعشر سنوات على اقل تقدير على الدخول في اي حرب مع اسرائيل ليس لانه بات مردوعاً فقط بل لان لديه اولويات مرتبطة باعادة الاعمار ومعالجة الازمات المعيشية التي ستنتج عن الحرب وبالتالي فإن الجبهة الامامية لمحور المقاومة لم تعد موجودة ليصبح جنوب لبنان هو جبهة المواجهة الفعلية وهذا بحد ذاته ضربة استراتيجية للحزب.
حتى ان خطاب تحرير فلسطين او هزيمة اسرائيل هزيمة كبرى الذي كاد يصبح واقعياً بحسابات القوة، بات اليوم صعب التحقيق بسبب خروج الداخل الفلسطيني من المعادلة لعدة سنوات وحتى الضفة الغربية التي كان يراد لها ان تكون غزة الثانية لم تعد تملك هامشاً كبيراً للمناورة في ظل ما حصل في القطاع، وعليه اصبحت فلسطين سوريا الثانية لناحية عدم القدرة على الدخول في حرب كبرى لاسباب داخلية، من هنا يمكن القول ان انتصار "حزب الله" المرتبط به وبأدائه وبجبهة لبنان لا يعكس انتصاراً شاملاً للمحور الا في حال حصول تطورات غير متوقعة في المفاوضات تحفظ حق الفلسطينيين في غزة وتمكنهم من دون قيود على اعادة الاعمار في وقت قياسي. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
البحرية اليمنية…إنقاذٌ إنساني في قلب المعركة، ورسالة رادعة من عمق البحر
في مشهدٍ يُجسّد التقاء القيم الإنسانية بالصلابة العسكرية، وزّع الإعلام الحربي اليمني مشاهد مصوّرة لعملية بحث وإنقاذ نفذتها القوات البحرية اليمنية لطاقم السفينة «إترنيتي سي»، بعد أيام من استهدافها وإغراقها في التاسع من يونيو نتيجة خرقها قرار الحظر البحري المفروض على موانئ الكيان الصهيوني.
لم تكن العملية مجرّد ردع عسكري ينتهي بإغراق هدف معادٍ فحسب، بل امتدت لتُبرز جانبًا آخر من أخلاقيات المعركة اليمنية، وهو الالتزام الإنساني تجاه الأرواح، حتى وإن كانت من طاقم سفينة اخترقت الحظر وتعاونت مع عدو الأمة. وعلى مدى يومين متواصلين، خاضت فرق البحرية اليمنية عملية بحث معقدة وسط أمواج البحر المفتوح، حتى تمكنت من إنقاذ 11 فردًا من طاقم السفينة، بينهم جريحان تلقيا الرعاية الطبية اللازمة، في حين تم انتشال جثة أحد أفراد الطاقم من داخل السفينة قبل غرقها، ونُقلت إلى ثلاجة مستشفى ميداني.
إن ما كشفته المشاهد المصوّرة من لحظات الإنقاذ، يعكس بجلاء أن العمليات العسكرية اليمنية لا تنطلق من نزعة عدوانية أو عقلية انتقام، بل من رؤية منضبطة تُحكمها القيم والمبادئ، وتوازن بين مقتضيات الحرب وضرورات الإنسانية. هذه هي المدرسة التي تخرّج منها المجاهدون اليمنيون، الذين لم تمنعهم قسوة المواجهة ولا حرارة الميدان من الالتفات إلى الجريح والناجي، أياً كان انتماؤه أو موقعه.
وفي تسجيلات موثّقة، أدلى طاقم السفينة باعترافات صريحة، مؤكدين أن «إترنيتي سي» كانت متجهة إلى ميناء أم الرشراش (إيلات) في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في مهمة تجارية لصالح الكيان الصهيوني، انطلاقًا من ميناء بربرة في الصومال، في حين تم إدراج ميناء جدة السعودي كوجهة ظاهرية لغرض التموين والتمويه.
لم تكتفِ هذه الاعترافات بتأكيد مشروعية العمل العسكري اليمني، بل حمَلَت معها إدانة ضمنية للكيان الإسرائيلي ولكل من يتعاون معه تجاريًا، إذ وجّه أفراد الطاقم رسائل واضحة وصريحة إلى شركات الملاحة الدولية: «توقفوا عن المتاجرة مع إسرائيل، فالبحر لم يعد آمنًا لمن يخترق قرارات الشعوب الحرة ويستخف بدماء الفلسطينيين.» كما لم يتردد أفراد الطاقم في التعبير عن اعتذارهم للشعب الفلسطيني، مؤكدين أن ما حدث لم يكن خيارًا شخصيًا لهم، بل قرارًا فُرض عليهم في إطار العمل التجاري الدولي.
إن هذا التطور النوعي، الذي يجمع بين البعد الإعلامي والعسكري والإنساني، يؤكد أن البحرية اليمنية لم تعد مجرد قوة دفاعية تحرس المياه الإقليمية، بل أصبحت قوة إقليمية فاعلة ترسم خطوطًا حمراء وتفرض معادلات جديدة في قلب البحر الأحمر وخليج عدن. فلم تكن عملية استهداف «إترنيتي سي» مجرد ضربة عسكرية فحسب، بل كانت رسالة استراتيجية مزدوجة: واحدة موجهة للعدو الصهيوني بأن الحصار لن يمرّ، والأخرى موجهة لكل من يتعامل معه بأنهم تحت طائلة الاستهداف.
لقد غيّرت هذه العملية قواعد الاشتباك، وأعادت تعريف مفهوم السيادة البحرية في زمن الصراع الشامل. فاليمن، رغم العدوان والحصار، لم يتخلّ عن مسؤوليته القومية، بل تصدّر مشهد الردع البحري دفاعًا عن فلسطين وعن كرامة الأمة، في الوقت الذي صمتت فيه أنظمة تمتلك أساطيل بحرية وجوية لكنها رهنت إرادتها للوصاية الأجنبية.
إن رسالة طاقم السفينة، التي بثّها الإعلام الحربي، لم تكن عابرة، بل تعبّر عن حجم التأثير اليمني في وعي الأعداء والمتواطئين، وتؤكد أن من يخاطر بالإبحار نحو موانئ الاحتلال، يخاطر بمصيره وسمعته وربما بحياته.
وفي المحصلة، فإن عملية «إترنيتي سي» لم تكن مجرد نجاح أمني أو عسكري، بل نموذج متكامل لعملية نوعية جمعت بين الحسم والرحمة، وبين الصرامة والإنقاذ، لترسل إلى العالم أجمع صورة ناصعة عن مقاومة تعرف متى تضرب، ومتى تُنقذ، ومتى تتحدث بلسان الأخلاق والمبادئ.
هذه هي اليمن… تصنع المعجزات في زمن الانحدار، وتُبحر بثقة من بحر العزة نحو شاطئ الحرية، حاملةً لواء القدس، وراية الأمة، وضمير الشعوب.