موقع النيلين:
2025-05-06@06:14:25 GMT

التخابر الأجنبي وموازين القسط

تاريخ النشر: 7th, April 2024 GMT


يعتقد كثير من السودانيين أن السلطة القائمة في بلادهم، وبحكم الأمر الواقع قدرا، تقاعست وقتاُ طويلاً في ممارسة سلطاتها في مضمار الأمن الخارجي، وخاصة فيما يتعلق بمساءلة من ينتحل إسمها فيتحدث بإسم أهل السودان في الخارج، كما هو الحال من سلوك بعض معارضيها وعديد الناشطين السياسيين في الشتات، دون تفويض منها، وبما ترتب عليه تأثيرات أضرت بالأمن الوطني، وحماية المواطنين ومكتسباتهم، وسمعة بلادهم بالخارج، وتأجيج نيران الفتن الدموية الغادرة.

ولعل مرجع التهاون المتطاول في الحالة السودانية جاء نتيجة لإلغاء قانون الأمن الوطني، وتشريد كوادره منذ أغسطس 2019، ومع ما تبع ذلك من إجراءات الفصل التعسفي الجائرة لكثير من الدبلوماسيين وموظفي الخدمة المدنية الذين طالتهم الأيدي المسيسة والظالمة، دون قانون ولا محاكمات ولا مساءلة، حتى قيض الله الدكتور محمد علي أبو سبيحة، قاضي المحكمة العليا، ليبطل القرارات الظالمة بالقانون المعتمد والساري النفاذ.

فمن حيث السوابق القانونية وأدلتها تبرز الولايات المتحدة التي تعتبر من أكثر الدول في العالم حساسية إزاء إفشاء أسرار الدولة، أو التحدث بإسمها من قبل مواطنين غير مصرح لهم بحكم القانون. إذ تفرض على الرؤساء المنتهية ولاياتهم والوزراء، وعناصر الاستخبارات السابقين وغيرهم من المسئولين في مفاصل الدولة، قوانين صارمة وحاسمة، تحدد كيفية إعادة توظيفهم خارج القطاع الحكومي.

فقد أجاز الكونغرس القانون المعروف بقانون لوقان The Logan Act منذ عام 1799 وفي عهد الرئيس جون آدمز، لحماية الدستور والجمهورية التي كانت تتربص بها امبرطوريات وممالك العالم القديم الدوائر، بعد إعلان الجمهورية عام 1776، ولا يزال هذا القانون ساريا.

ويحاول الجمهوريون في الكونغرس، منذ فترة، استدعاء حيثياته، لمحاكمة هنتر بايدن، نجل الرئيس الحالي، الذي يتهمونه بالتخابر مع مسئولين في الإتحاد الروسي دون تفويض رسمي.
كما تطال الاتهامات على ذات النسق، ومنذ عام 2013 الصحفي الاستقصائي إدوارد سنودن، الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكي NSA وصاحب منصة ويكليكس المتخصصة في نشر الأخبار الكاشفة لتآمرات الدول وأجهزة استخباراتها، وحبائل مصائدها التي تستهدف بها المستكبرة منها مستضعفيها. حيث تطارده مذكرات المدعي العام الأمريكي المتلاحقة ليقدم للمحاكمة في أمريكا ونقله من بريطانيا التي يقيم بها لاجئاً سياسياً.

وفيما يتعلق بحماية وحساسية الأمن القومي للدول عموما، تحضرنا محاكمة الدكتور محمد مرسي رئيس مصر السابق، الذي وجهت له تهمة التخابر مع الأجانب وتهديد الأمن المصري عام 2013 وظلت محاكمته شاهرة تتناقلها الفضائيات الدولية حتى لحظة سقوطه في منصة الإتهام على رؤوس الأشهاد.

أما في الحالة السودانية، فإن إقدام الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس الحكومة الانتقالية خلال الفترة (2019 إلى 2021) في سابقة غير معهودة للسودانيين، وعلى التواصل المكشوف مع رؤساء دول وحكومات ومسئولين أجانب، وإصدار تقارير حول لقاءاته تلك على منصات التواصل الاجتماعي، ومن تلقاء اعتراف بعض المنسوبين له بتلقيهم تمويلا من جهات أجنبية، دون الكشف عن مصادرها، ولا برامجها ومشاريعها الموجهة للوطن، ولا الكشف عن بنود الصرف والمستندات المؤيدة، فضلاً عن موقع السودان وشعبه من كل ذلك، وفي ظل انعدام أي تفويض من سلطات الأمر الواقع، ولا من الحكومة التي كان الدكتور حمدوك رئيساً لها ثم قدم استقالته منها، رغم إصرار غالبية شعب السودان حينها على استمراريته بنهج مستقل، يعتبر مخالفة صريحة لروح القانون، والعرف الساري بين الدول والحكومات، كما يخالف الذوق العام، والإرث السوداني لسلوك رؤساء الحكومات الديمقراطية المدنية، من لدن الزعيم إسماعيل الأزهري، والإمام الصادق المهدي، ومحمد أحمد محجوب، و سر الختم الخليفة و د. الجزولي دفع الله وحتى المهندس معتز موسى، الذي لم يصرح حتى اليوم لأية جهة أجنبية بما كان من أمره إبان رئاسته لحكومة السودان أخريات عهد الإنقاذ.

ومن تلقاء ذلكم واستشراء ذلكم النشوز السياسي من دكتور حمدوك، فإن هذا السلوك يدخل في بوح وساحات مهددات الأمن الوطني ودون الحاجة لكثير تأمل.

فالسودان منذ أبريل 2023 ظل في حالة حرب مفروضة، ويعلم الكل أنها ممولة ومسنودة بمرتزقة أجانب، وقد أكدت ذلك كل التقارير الموثقة الصادرة من المنظمات الدولية المتخصصة ومنها الأمم المتحدة.

وبالتالي فإنه يحق للدول في مثل هذه الحالات أن تستعصم بإجراءات استثنائية فوق العادة، لحماية أمنها القومي، إن لم يكن لها من القوانين ما يجرم مثل هذه الأفعال المنكرة عرفاُ.

بيد أن الواقع الراهن، والفوضى الإدارية التي ضربت أطنابها في ربوع البلاد، وغياب السلطة التشريعية المنتخبة والشرعية، منذ أبريل 2019 يفرض على سلطة الأمر الواقع المتمثلة في مجلس السيادة توجيه مكتب النائب العام بتوضيح القانون الذي يجرم هذه الأفعال، وحتى يعلم السودانيون جميعا أن إفشاء أسرار بلادهم للآخرين، ليست هملاُ سائباً، يتشدق بها كل من هب ودب، تكسباً وارتزاقا أو بلاهة وسذاجة، بل هي جريمة ضد الدولة تعاقب عليها قوانين كل الدول ولن يكون السودان في هذا استثناء.

ولكيلا تقع الحكومة القائمة اليوم في زلة أخلاقية وقانونية كمن سبقتها من عشوائية إصدار القرارات، وجزافية الأحكام والإجراءات، فيتعين أن تشكل محكمة من قضاة السودان المعتمدين في هذا الاختصاص، لتفصل في هذا الأمر المهم والهام، حماية للوطن والمواطن، وإعلاءا لقيمة العدل ومبادئه التي قامت بها السموات والأرض، واستدراكا للسنن الراتبة التي لا تتبدل ولا تتحول، بأن هلاك الأمم مرتهن بسلوكها الظالم، وأن بقائها يستند على جنوحها للعدل وبسط موازين القسط.

د. حسن عيسى الطالب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

الأموال المجمدة.. ورقة ضغط غربية تتعارض مع القانون الدولي ومبدأ السيادة الليبية

في سياق متجدد يعكس تعقيدات العلاقة بين الدول الغربية وليبيا ما بعد 2011، تعود إلى الواجهة قضية الأموال الليبية المجمدة في الخارج، والتي تقدّر بمليارات الدولارات المودعة في بنوك أوروبا وأمريكا الشمالية.

ووفقاً لتقرير نشره المركز الأوروبي للدراسات السياسية والاستراتيجية، فإن استمرار تجميد هذه الأموال، ومحاولات بعض الدول التصرف بها بشكل أحادي، يهدد مبادئ القانون الدولي ويضع سيادة ليبيا واستقرارها المالي على المحك.

أداة ابتزاز

تعود جذور القضية إلى أعقاب الثورة الليبية في عام 2011، عندما قامت قوى دولية، وعلى رأسها بريطانيا، بتجميد أصول مالية ليبية ضخمة، كانت تعود في معظمها للمصرف الليبي الخارجي وهيئات استثمار سيادية. ورغم مرور أكثر من عقد على انتهاء حكم معمر القذافي، وتغير المعادلة السياسية في ليبيا، فإن هذه الأموال ما تزال مجمدة، في تجاهل واضح للتحولات الداخلية وحق الليبيين في التصرف في ثرواتهم الوطنية.

ويحذر المركز من أن هذه الأموال بدأت تُستغل من قبل بعض الدول الغربية كورقة ضغط سياسي، أو كوسيلة لتعويض ضحايا نزاعات لا علاقة لليبيا الجديدة بها، ما يثير علامات استفهام حول نوايا الجهات التي تحتفظ بها.

بريطانيا في الصدارة

يشير التقرير إلى تحركات بريطانية متكررة لمحاولة شرعنة استخدام الأموال الليبية المجمدة داخل المملكة المتحدة، تحت ذريعة تعويض ضحايا هجمات الجيش الجمهوري الإيرلندي (IRA).

وتأتي هذه المحاولات استناداً إلى اتهامات قديمة موجهة للنظام الليبي السابق بدعم جماعات مسلحة في أيرلندا الشمالية، وهي اتهامات لا يمكن تحميل الدولة الليبية الحالية تبعاتها، لا سياسياً ولا قانونياً.

وقد برزت مؤخرًا مطالبة علنية من عضو مجلس اللوردات البريطاني، البارونة هوي، باستخدام هذه الأموال لتعويض الضحايا، على غرار ما فعلته الحكومة البريطانية مع الأموال الروسية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

ويرى المركز الأوروبي أن هذا الطرح يفتح سابقة خطيرة تخرق مبدأ الحصانة السيادية للأموال العامة للدول.

أبعاد قانونية مقلقة

ينبه المركز إلى أن التصرف في الأموال الليبية المجمدة دون موافقة السلطات الليبية يُعد انتهاكاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، كما يُعد خروجاً على قواعد القانون الدولي التي تحمي ملكية الدول لأصولها المالية.

كما أن تسييس هذه القضية من شأنه أن يزعزع الثقة في النظام المالي العالمي، ويخلق سوابق تهدد أموال دول أخرى قد تجد نفسها مستقبلاً في وضع مشابه.

الأبعاد الليبية

يؤكد التقرير أن ليبيا تمر بمرحلة حساسة من إعادة البناء السياسي والاقتصادي، وأن هذه الأموال المجمدة تمثل ركيزة أساسية في أي خطة مستقبلية للتنمية.

ويضيف أن حرمان الشعب الليبي من هذه الأصول، أو التلاعب بها تحت ذرائع سياسية، يُعد حرماناً من حقوق أساسية، ويؤخر جهود الاستقرار الوطني.

ويشدّد الباحث الليبي حسون بركات، في تصريح للمركز، على أن هذه الأموال ليست مجرد أرصدة مصرفية، بل هي رصيد من الحقوق السيادية التي لا يجوز لأي جهة المساس بها.

وأضاف أن ليبيا، كدولة ذات عضوية كاملة في الأمم المتحدة، لها الحق في المطالبة باستعادة هذه الأموال دون قيد أو شرط، وعلى المجتمع الدولي أن يدعم هذا المطلب العادل.

دعوة لتحرك دولي 

ختامًا، يدعو المركز الأوروبي للدراسات السياسية والاستراتيجية الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف موحد من هذه القضية، وممارسة ضغوط حقيقية على الدول الغربية المعنية بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الأموال الليبية المجمدة.

كما يؤكد أن التراخي في معالجة هذه الأزمة قد يفتح الباب أمام مزيد من الانتهاكات التي تطال حقوق الشعوب في التصرف بثرواتها الوطنية.

مقالات مشابهة

  • تعديل الإيجار القديم.. ما هي العقود التي ينطبق عليها قانون الحكومة الجديد؟
  • "العدل الدولية" ترفض دعوى الإبادة الجماعية التي رفعها السودان على الإمارات
  • العدل الدولية ترفض دعوى الإبادة الجماعية التي رفعها السودان على الإمارات
  • ‏"رويترز" عن مصدر مطلع: الولايات المتحدة واليونان من أبرز الدول المحتملة التي قد تزود أوكرانيا بأنظمة "باتريوت"
  • ضبط 7 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة
  • قضايا قيمتها 7 ملايين جنيه.. ضربات متتالية ضد تجار النقد الأجنبي
  • وزراء الداخلية العرب: حوادث المرور إحدى أكبر المشاكل التي تعاني منها الدول
  • اسرة “منعم منصور” من الأسر التي شكلت تاريخ السودان الحديث
  • الأموال المجمدة.. ورقة ضغط غربية تتعارض مع القانون الدولي ومبدأ السيادة الليبية
  • ضبط قضايا اتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 8 ملايين جنيه خلال 24 ساعة