الشارقة.. رحلة بين عمق مليحة وضوء "مهرجان تنوير" وبيت الحكمة
تاريخ النشر: 3rd, December 2025 GMT
◄ منتزه مليحة الوطني.. صحراء تحمل أكثر من 210 آلاف عام من التاريخ
◄ تنوير الشارقة.. الضوء يتحوّل إلى لغة وفن
◄ بيت الحكمة.. صرح يرفع المعرفة إلى ضوء السماء
الشارقة – فايزة سويلم الكلبانية
عندما هبطت الطائرة في مطار دبي الدولي، شعرتُ أنني أسافر نحو ضوء لا يشبه أي ضوء آخر... كانت ردهات المطار في الصباح المبكر تنبض بالحركة، وكأن المدينة تستعد لكتابة فصل جديد في ذاكرة الزائر.
كان الطريق إلى فندق سنترو أشبه بعبور بين عالمين؛ المدينة التي تستيقظ على زحمة الحياة، والشارقة التي تحتفظ بملامحها الهادئة وهي تحتضن البحر والمعمار الراقي. وعند الوصول، بدأتُ أشعر أن الرحلة لن تكون مجرد زيارة، بل حكاية مكتوبة بالدهشة والتاريخ.
منتزه مليحة الوطني
يُعد منتزه مليحة الوطني أحد أبرز المشاريع التي تتماشى مع رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لحماية التراث والحفاظ على البيئة الطبيعية، تأسس المنتزه بهدف تحويل صحراء مليحة إلى موقع وطني يوازن بين الحفاظ على الطبيعة والاستدامة، ويجسّد أهمية التراث البشري والجيولوجي في المنطقة.
يقع المنتزه في منطقة الفاية المدرجة ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي، ويحتوي على مكتشفات أثرية تعود إلى أكثر من 210 آلاف عام، تشمل أدوات حجرية، مستحاثات بحرية، ومقابر قديمة تحكي قصة تعاقب الحضارات التي استوطنت المكان منذ القدم، كما تضم المنطقة تكوينات جيولوجية فريدة تعود إلى 93 مليون عام، توثق امتداد المحيط القديم وأجناسًا من الحيوانات المنقرضة، لتقدم للزائر نافذة على تاريخ الأرض قبل الإنسان.
يتميز المنتزه بنظامه البيئي الصحراوي المتكامل، حيث يوازن بين حماية الحياة البرية والتكوينات الطبيعية، مع تنظيم الأنشطة السياحية والترفيهية بشكل مستدام، ويقدّم للزوار تجارب فريدة تمزج بين المغامرة والمعرفة والطبيعة، من خلال برامج تعليمية ومعارض تفاعلية، تعكس تاريخ الشارقة وتبرز أهمية الحفاظ على التراث البيئي والثقافي.
في مليحة، كل حجر وكل تلّ، وكل أثر قديم، يشهد على رحلة الأرض والإنسان معًا، ويمنح الزائر فرصة للاكتشاف والتأمل في عمق الزمن.
ليلة تتوهج بالسكينة
مع الغروب، أُعد لنا عشاء صحراوي وسط الطبيعة، حيث النار تشتعل بلطف والسماء معلّقة كقبة من النجوم، كانت تلك الليلة أشبه بمشهد من رواية عربية قديمة، حيث يتقاطع التاريخ مع السكون، والحكايات مع رائحة الرمل البارد، ووجود جهاز التلسكوب الذي يسمح برؤية النجوم.
في المساء التالي، توجهنا إلى مهرجان تنوير الشارقة، الحدث الذي يحوّل الإمارة إلى لوحة ممتدة من الفن والضوء، لم يكن المهرجان مجرد عروض بصرية، بل تجربة تفاعلية تضع الزائر في قلب السؤال: كيف يمكن للنور أن يكون رسالة ثقافية وفلسفية؟ وفي قلب فعاليات المهرجان الذي جاء برعاية كريمة من سمو الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي المؤسسة وصاحبة رؤية المهرجان كان الجواب واضحاً أمام الجماهير وفي سطور كلمتها الافتتاحية والختامية أيضا، وفعاليات المهرجان.
تُضاء المباني والمعالم برسائل فنية مستوحاة من الإنسان والطبيعة والمعرفة، وتتداخل الألوان مع الإيقاعات في عروض ثلاثية الأبعاد تروي قصصًا عن الزمن والعلاقة بين الضوء والهوية. كان المهرجان أشبه بسفر بصري يحرّر العين من عادتها، ويمنح الذاكرة فرصة لتشهد ولادة مدينة تزداد إشراقًا كل عام.
بيت الحكمة
في اليوم الأخير، زرنا بيت الحكمة، المشروع الثقافي الذي أسسه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ضمن احتفالات الشارقة باختيارها عاصمة عالمية للكتاب 2019.
بيت الحكمة ليس مجرد مكتبة، بل مفهوم معماري وثقافي جديد، يستلهم روح “دار الحكمة” العباسية بأسلوب حديث يليق بعصر المعرفة.
المميزات المعمارية:
واجهات زجاجية واسعة تسمح للضوء الطبيعي بالانسياب عبر مساحات القراءة. توازن بين الظل والضوء عبر مظلّات هندسية مبتكرة تمنح المكان روحًا من الهدوء. حدائق محيطة تجعل الكتاب امتدادًا للطبيعة.في الساحة الخارجية ترتفع مسلةٌ سامقة، رمز المكان وفكرته، تجسّد صعود المعرفة وتذكّر بأن الكلمة لا تُقرأ فقط… بل تُرفع مثل منارة تهدي السائرين.
أما داخل بيت الحكمة فنجد:
أكثر من 300 ألف كتاب في العلوم والآداب والفلسفة والفنون. مكتبة للأطفال وكُتب مصوّرة. قاعات مطالعة، مختبرات إبداعية، ومساحات للكتّاب والباحثين. منصات عرض تحتفي بالمؤلفات الجديدة والكتب النادرة.القراءة هنا ليست فعلًا معرفيًا فقط؛ بل حالة وجودية، وكأن المكان يدعوك لتصبح جزءًا من نص أكبر.
ختام الرحلة
كانت هذه الرحلة الإعلامية أكثر من مجرد تغطية، كانت سفرًا في طبقات الزمن بين صحراء مليحة التي تروي قصة الأرض، ومهرجان تنوير الذي يحوّل الضوء إلى لغة، وبيت الحكمة الذي يبني مستقبل المعرفة بحجر وكلمة.
الشارقة مدينة تُقرأ مثل كتاب مفتوح، وكل زيارة تمنحك فصلًا جديدًا… لا لتكتبه فقط؛ بل لتعيشه.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أشرف عبدالغفور… صوت الدراما الهادئ ووجه الحكمة في ذاكرة الفن المصري
تحل اليوم (الأربعاء ) الذكرى الثانية لرحيل الفنان الكبير أشرف عبدالغفور، أحد أبرز الوجوه التي رسخت حضورها في المسرح والدراما المصرية على امتداد أكثر من ستة عقود، قدم خلالها نموذجا مميزا للرصانة والالتزام، وصنع مكانته بموهبة راسخة ومعرفة عميقة وتجربة ثرية، ليبقى اسمه حاضرا في ذاكرة جمهوره ومحبيه كأحد أهم أعمدة الأداء الديني والتاريخي في الدراما العربية.
ولد أشرف عبدالغفور في 22 يونيو 1942 بمدينة المحلة الكبرى،ثم انتقل إلى القاهرة ، و درس في مدرسة الجيزة الثانوية، واكتشف موهبته الأستاذ محمد فريد صقر -ناظر المدرسة- العاشق للفن ، فعرض عليه الانضمام إلى فرقة التمثيل المدرسية التي كانت تقدم مسرحية كل شهرين بدلا من مسرحية واحدة تعرض في الحفل السنوي للتخرج ، وتعاون مع زميله المخرج الراحل محمود سامي خليل في تقديم مسرحية مسلسلة مدتها ربع ساعة تعرض يوميا في "الفسحة".
التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية -قسم التمثيل- وتعلم على يد المخرج محمد كريم والفنان الكبير عبدالوارث عسر، الذي غرس فيه حب فن الإلقاء واللغة العربية ، وتخرج عام 1963، وخلال فترة دراسته انضم إلى مسرح التليفزيون ، وشارك في مسرحية «جولفدان هانم» عام ١٩٦٢ مع الفنان محمد عوض.
هجر عبدالغفور السلك الاكاديمي ، حيث كان معيدا في معهد السينما ، لينضم للمسرح القومي ووقف على خشبته مع عمالقة الفن المسرحي من أمثال حسين رياض ، فؤاد شفيق ، عبدالمنعم إبراهيم وحسن البارودي وغيرهم.
قدم عددا من الأعمال المسرحية البارزة مثل: "سليمان الحلبي"، "ثلاث ليال"، "موتى بلا قبور"، "مصرع جيفارا"، "وطني عكا"، و "النار والزيتون".
ورغم حضوره المسرحي الراسخ، ارتبطت شهرته الأوسع بالأعمال التلفزيونية الدينية والتاريخية ، حيث جسد شخصيات مركبة بعمق واقتدار، من بينها : شخصية ورقة بن نوفل في "ساعة ولد الهدى" ، والوليد بن عبد الملك في "عمر بن عبد العزيز"، وموسى الهادي في "هارون الرشيد"، إلى جانب بطولته لمسلسل "الليث بن سعد" .
كما شارك في عدد من الأعمال الدينية المهمة مثل عروض أوبريت "الليالي المحمدية"، وحلقات برنامج "أسماء الله الحسنى"، وقدم أداء صوتيا مميزا في سلسلة "الكتاب المسموع".
وخلال مشواره الفني، شارك الراحل فيما يزيد على 300 عمل تنوعت بين المسرح والسينما والدراما، ومن أبرزها: افلام قصر الشوق (1966)، الشيطان (1969)، برئ في المشنقة (1971) ، ومسلسلات الكنز (1969)، عادات وتقاليد (1972)، المدينة الهادئة (1977)، الإمام البخاري (1982)، جمال الدين الأفغاني (1984)، كنوز لا تضيع (1990)، عمر بن عبدالعزيز (1994)، نوادر العرب (1996)، دعاة الحق (2001)، فارس بلا جواد (2002)، الظاهر بيبرس (2005)، حضرة المتهم أبي (2006)، حدف البحر (2009)، الإمام الغزالي (2012)، جبل الحلال (2014)، طاقة نور (2017)، بت القبايل (2020)، و"حرب الجبالي" الذي عرض بعد وفاته.
وقد تقلد الفنان أشرف عبدالغفور منصب نقيب الممثلين لمدة ثلاث سنوات من 2012 حتى 2015.
ولم تتوقف مسيرته المؤثرة عند رحيله؛ إذ نال بعد وفاته سلسلة من التكريمات التي تؤكد مكانته في الوجدان الفني المصري، ففي نوفمبر 2023 كرمه المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية ضمن احتفالية "الرواد"، ثم أقام المركز في أبريل 2024 احتفالية موسعة بالمسرح القومي لتكريم اسمه، شملت عرض فيلم تسجيلي بعنوان «شكرا أشرف عبدالغفور» وتسليم أسرته درع التكريم وشهادة تقدير، بحضور نخبة من الفنانين ، واستمرت المؤسسات الثقافية والإعلامية في الاحتفاء بذكراه.
على الصعيد الشخصي، كان الفنان الراحل متزوجا من ابنة عمه، وأنجب ثلاثة أبناء : الفنانة ريهام عبدالغفور، وتامر وريم عبدالغفور.
وفي الثالث من ديسمبر عام 2023، رحل عن عالمنا الفنان أشرف عبدالغفور عن عمر ناهز 81 عاما ، اثر تعرضه لحادث سير أثناء سفره مع زوجته، وتم نقلهما إلى مستشفى الشيخ زايد بمدينة 6 أكتوبر، إلا أن محاولات إنقاذه فشلت بعد توقف عضلة القلب، واقيمت صلاة الجنازة عليه في مسجد الشرطة بالشيخ زايد، قبل أن يوارى جثمانه الثرى فى مقابر الأسرة بطريق الواحات بالسادس من أكتوبر.
رحل الفنان أشرف عبدالغفور تاركا إرثا فنيا ثريا وضميرا مهنيا نادرا، إنه فنان اختار الطريق الأصعب وهو الالتزام، محافظا على هدوئه ومكانته في قلوب الجمهور وزملائه، وستظل أعماله حاضرة، وصوته في المسلسلات الدينية علامة فارقة، ومسيرته نموذجا للفنان الذي صان موهبته وأخلص لفنه حتى اللحظة الأخيرة.