الهيكل التمويلي والقرارات المالية
تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT
تسعى المؤسسات الاقتصادية إلى التوسّع المالي وتحقيق أعلى معدّل للأرباح عبر تكوين هيكل تمويلي مناسب باستخدام المصادر المالية المتاحة بأقل التكاليف. ورغم تأثر المؤسسة الاقتصادية بعدة عوامل داخلية وخارجية عند اتخاذ القرارات المالية والإدارية، فإن أثر العوامل أكبر على اتخاذ القرارات المالية؛ لأهميتها في استقرار المؤسسة وتوسعها خاصة عند اتخاذ قرارات الاستثمار، وتوزيع الأرباح، والتمويل.
وفي ظل المتغيرات الاقتصادية التي تؤثر سلبا وإيجابا على المؤسسات الاقتصادية، فإن البحث عن التمويل لأنشطة المؤسسات أصبح يمثّل أهمية كبرى؛ لتفادي الوقوع في الأزمات المالية، وهو ما يعرف بالإدارة المالية التي تهتم بالاستفادة من الموارد المالية وإدارتها وتوظيفها جيدا، ويعد البحث عن مصادر للتمويل من أصعب القرارات التي تتخذها المؤسسات، وذلك لتنوّع مصادر التمويل، ولتطوّر أساليب جمع البيانات والمعلومات ومنهجياتها المستخدمة لاتخاذ قرار التمويل، مما أدى إلى اهتمام الباحثين والمهتمين كثيرا بالإدارة المالية، والهيكل التمويلي، وما زاد الأمر تعقيدا أن هناك عديدا من السياسات التمويلية والنظريات المفسرة للهيكل التمويلي ظهرت حديثا لاستخدام التمويل الهيكلي الأمثل للمؤسسة، رغم وجود تباين حولها من قبل متخذي قرار التمويل.
ولفهم الهيكل التمويلي جيدا، لا بد من فهم القرارات المالية الاستراتيجية التي تتخذها المؤسسة الاقتصادية عبر تحليل سلوك الأفراد والمؤسسات وفهمها جيدا التي ترتبط بقرار التمويل مثل اتخاذ قرارات الاقتراض، وتوزيع الأرباح، واختيار المشاريع الاستثمارية المناسبة ذات العائد المالي الجيد، إضافة إلى تقييم الأصول؛ فمثلا العوامل السلوكية والعاطفية يمكن أن تؤثر في قرارات المستثمرين والأسواق المالية، وأن الأفراد يتخذون قرارات مالية عقلانية وفقا لتحليل البيانات والمعلومات المتوفّرة وتحليلها، رغم أن المستثمر ينبغي أن يأخذ في الحسبان المخاطر المالية المحتملة مع العوامل الاقتصادية والمالية عند اتخاذ القرارات دون النظر إلى العوامل الأخرى المرتبطة بالعاطفة والسلوك.
وللوصول إلى تحليل مالي مناسب ذي بُعد استراتيجي يساعد على تحقيق أهداف المؤسسة الاقتصادية، لا بد من معرفة الهيكل التمويلي وهو مزيج بين رأي المال والديون؛ لاختيار الهيكل المناسب للنشاط التجاري، واتخاذ القرار المناسب في حال زيادة المبيعات والاختيار بين الحصول على تمويل خارجي من عدمه، إضافة إلى الطريقة المثلى لإدارة السيولة والتحكم بها؛ لمنع أي عجز تتعرّض له المؤسسة؛ فاختيار الهيكل التمويلي المناسب للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة يجنّبها المخاطر المالية المحتملة، والأزمات المالية الناتجة عن المتغيرات والصدمات الاقتصادية، لذلك من الضروري أن تقوم المؤسسات الاقتصادية قبل إطلاقها بدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع لقياس القدرة المالية على الوفاء بالالتزامات المالية طيلة فترة الإنتاج، والقدرة على تغطية تكلفة الإنتاج والاستثمار خلال فترة محددة، إضافة إلى تحقيق التوازن بين الاحتياجات المالية اللازمة ومصادر الحصول عليها.
في سلطنة عُمان هناك اهتمام كبير بتنمية قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتطوير مشروعاتها الاستثمارية لرفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي ضمن الجهود الوطنية لتنويع مصادر الدخل عبر اختيار الهيكل التمويلي المناسب للمشروع محل الدراسة والتخطيط المالي الجيد للشركة من خلال القيام بدراسة الجدوى الاقتصادية التي تتضمن تحديد التكلفة الاستثمارية، وإعداد قائمة الدخل المتوقّعة، وإعداد قائمة التدفقات النقدية للمشروع، وتقييم المشروع من حيث معدل العائد الداخلي وفترة الاسترداد ومؤشر الربح. وكثير من المؤسسات الاقتصادية تواجه تحديا ماليا خلال فترة تأسيس المشروع مما ينتهي بها المطاف إلى التعثر المالي؛ بسبب عدم وضع هيكل تمويلي مناسب للشركة أو المؤسسة، ولم تستطع الصمود أمام التحديات الاقتصادية الناتجة عن المتغيرات الاقتصادية، ونتيجة لفشل الهيكل التمويلي المعتمد، اتخذت قرارات مالية غير صائبة أثرت على الأداء المالي والإداري للشركة، وخير مثال على ذلك ما حدث خلال مرحلة كوفيد-19، وتذبذب أسعار النفط عالميا خلال العقد السابق، أيضا من المهم أن تدرك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بأن الإيرادات المالية المتوقعة جراء تمويل المشروعات الاستثمارية هي طويلة الأجل، وعليه ينبغي الوضع في الحسبان اختيار الهيكل التمويلي الملائم لكل استثمار من حيث القروض قصيرة الأجل لتمويل المشروع الاستثماري؛ فاتخاذ القرارات المالية يتطلب تحليلا واسعا لاستشراف أداء المؤسسة الاقتصادية إداريا وماليا مع ضرورة مراجعة الهيكل التمويلي وتقييمه مرحليا؛ لضمان عدم تأثر المؤسسة ماليا عند اتخاذ قرارات مالية مثل توزيع الأرباح وإصدار الأسهم، وسداد المستحقات.
أخيرا، يتبين من خلال ما تطرقنا إليه أعلاه، أن الهيكل التمويلي والقرارات المالية يعدّان من أهم الجوانب الداعمة للسياسة المالية في المؤسسات الاقتصادية التي تسعى لتعظيم الأرباح وخفض التكاليف والمخاطر؛ فالهيكل التمويلي هو المساعد للحصول على الأموال لتوسيع نشاط المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مع الأخذ في الحسبان دراسة المخاطر المحتملة الناتجة عن العوامل الداخلية والخارجية، فيما تحافظ القرارات المالية على استمرارية المؤسسة واستدامتها في حال توفّر هيكل تمويلي مناسب يدعم القرار المالي.
راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المؤسسات الاقتصادیة المؤسسة الاقتصادیة الصغیرة والمتوسطة القرارات المالیة اتخاذ القرارات عند اتخاذ
إقرأ أيضاً:
تحذيرات من خطورة تصاعد التحريض العلني لجماعات الهيكل على تهويد الأقصى
الثورة / متابعات
تصاعدت دعوات جماعات الهيكلة المتطرفة لاقتحام الأقصى وتهويده، حيث أطلقت المدرسة التوراتية التي تتخذ من المسجد الأقصى مركزاً مزعوماً لها دعوةً عامة لاقتحام الأقصى أمس الإثنين 2025 بمناسبة “يوم القدس” الذي يمثل الذكرى العبرية لاستكمال احتلال القدس في عام 1967، فيما كان اللافت هذه المرة بحسب متخصصين بالشأن المقدسي “علنية الدعوات” وكشف الذين يقفون خلفها عن هوياتهم وإطلاق “أغانٍ” تحريضية ونشرها على مختلق مواقع التواصل الاجتماعي.
وأكدت الدعوات على إقامة “صلاة المساء” التوراتية بشكل جماعي داخل المسجد الأقصى، في إعلان مفتوح –بات يتكرر مؤخراً- عن إقامة الطقوس التوراتية في الأقصى، وذلك في الساعة 2:15 بعد الظهر وبقيادة الحاخام إليشع وولفسون، حاخام “مدرسة جبل الهيكل الدينية”.
مركزية مخطط تبديل هوية الأقصى
الباحث المتخصص في شؤون القدس زياد ابحيص، قال في تصريحاتٍ للمركز الفلسطيني للإعلام: إنّ المرء يتردد كثيراً في الحديث عن مثل تلك الفعاليات ونشرها، خشية أن تكون مساهمة في التحريض الصهيوني المنهجي ضد المسجد الأقصى المبارك.
واستدرك ابحيص بالقول: إلا أن تطور جرأة أصحابها من محاولة إخفاء هويتهم وطبيعة الجهة التي يعملون فيها حتى عام 2018 إلى إنتاجات تحريضية علنية يظهرون فيها اليوم بوجوههم وأسمائهم وصفاتهم؛ بات يفرض نشرها حتى تعلم الأمة بنخبها وجماهيرها مدى مركزية مخطط تبديل هوية الأقصى بالنسبة للكيان الصهيوني، ومدى ما تحقق لجماعات الهيكل من نفوذ وشعور بالقوة والسيطرة.
وأشار إلى أنّ مؤسس هذه المدرسة ورئيسها الأول الحاخام إلياهو ويبر، كان يغطي وجهه بقبعته ويخشى أي ذكر لاسمه في أيام الاقتحامات الكبيرة في 2013 و 2015، وها هو رئيسها الثاني أليشع وولفسون يطلق أغنية للتحريض مع طلابه وينشرها على مختلف منصات التواصل الاجتماعي.
وأضاف: بعد أن كانت تخشى الإفصاح عن هوية أفرادها في عام 2018: “مدرسة جبل الهيكل الدينية” تطلق أغنية تحرض على تأسيس الهيكل المزعوم في مكان المسجد الأقصى.
باكورة الأغاني التحريضية
ولفت إلى أنّه عشية الاحتفالات الصهيونية بالذكرى العبرية لاستكمال احتلال القدس والتي تصادف يوم الإثنين أطلقت “مدرسة جبل الهيكل التوراتية” أغنيتها التحريضية الأولى، ضمن سلسلة من الأغاني التحريضية لتأسيس الهيكل قالت إنها تعمل على إنتاجها.
وأوضح أنّ مؤدي هذه الأغنية هو الحاخام إليشع وولفسون رئيس “مدرسة جبل الهيكل الدينية”، والكورال الذي يشاركه هو من طلاب هذه المدرسة وحاخاميها، وقد صُورت بعض مقاطع هذه الأغنية داخل المسجد الأقصى المبارك أمام الجامع القِبلي وفي الساحة الشرقية للأقصى، وكذلك على باب المغاربة من حيث يدخل المقتحمون.
وأكد ابحيص أنّ معظم التصوير جرى على سطح متحف “نار التوراة” التهويدي الواقع في الجهة الجنوبية الغربية للأقصى على مسافة نحو 150 متراً منه، وقد أعدت إدارة المتحف هذا السطح خصيصاً لتأجيره في مناسبات الزفاف والاجتماعات العامة، ونصبت عليه شمعداناً ومجسماً للهيكل المزعوم، بحيث بات أحد محطات السياحة الصهيونية المركزية في البلدة القديمة.
ونوه بأنّ التصوير لوحة إرشادية يحملها المغنون في رحلتهم لاقتحام الأقصى تشير إلى الهيكل دون أي ذكرٍ للمسجد الأقصى في المكان، في تجلية واضحة لطموحهم الإحلالي الديني تجاه المسجد الأقصى المبارك، يتلوه توزيع لشارات الهيكل على جنود يلبسون الزي العسكري، في إشارة إلى الوسيلة التي يعتقدونها لتحقيق هذا الإحلال الديني في الأقصى بتحويله إلى هيكل.
ترسيخ المكانة التوراتية للهيكل المزعوم
وأكد الباحث المختص بشؤون القدس أنّ الأغنية تصور راية الهيكل التي سبق أن رفعها بعض جنود الاحتلال على دباباتهم خلال حرب الإبادة في غزة، وتصور نصب صورٍ متخيلة للهيكل المزعوم تطابق في تصورها مساحة المسجد الأقصى كاملة وتضع بنيانه المركزي “المسمى في التوراة قدس الأقداس” في مكان قبة الصخرة المشرفة، كما أنها تصور عنصراً من شرطة الاحتلال ينتمي إلى جماعات الهيكل وهو يستقبلهم على بابه في رسالة يقصدون منها التأكيد على امتلاكهم النفوذ اللازم.
ولفت إلى أنّ كلمات الأغنية ركزت على المكانة التوراتية للهيكل المزعوم باعتباره “محل سكن روح الرب” كما تعتقد جماعات الصهيونية الدينية، وتمجيد الهيكل باعتباره رمزاً لفرض هوية يهودية تامة على القدس، وعنواناً لاستكمال جمع شتات اليهود من العالم.
وحذر ابحيص في ختام تصريحاته، من أنّ شكل التحريض الذي أعدته جماعات الهيكل لهذا العام مختلف في مضمونه وأدواته عن السنوات السابقة، ويؤشر إلى دخول المسجد الأقصى مستوىً جديداً من العدوان مع يوم غدٍ الإثنين، ما لم تحصل متغيرات تستعيد الردع تجاه المسجد وتؤثر على قدرة المقتحمين على الحشد، كما سبق أن حصل في سيف القدس في 2021.
استراتيجية فرض السيادة
بدوره شارك الباحث المتخصص في شؤون القدس، علي إبراهيم، المخاوف السابقة، من خطورة إعلان جماعات الهيكل، معتبراً إياه جزءاً من استراتيجية الاحتلال لفرض السيادة “الإسرائيلية” الكاملة على الأقصى.
وقال إبراهيم في تصريحات صحفية، إن “ما يميز هذه الدعوة هو علنيّتها وتنظيمها بقيادة أحد أبرز حاخامات (جماعات الهيكل)، بما يؤكد أننا أمام مرحلة متقدمة من نقل الطقوس التوراتية إلى داخل المسجد، لم تعد تقتصر على الأفراد بل أصبحت طقوساً جماعية ومحمية من جيش الاحتلال، كجزء من مشروع (التأسيس المعنوي للمعبد) على حساب الأقصى”.
وأضاف “استغلال ذكرى احتلال شرقي القدس عام 1967 لإحياء هذه الطقوس يكشف الأبعاد الرمزية لهذه الاقتحامات، ويجعل منها محطات تصعيد ممنهج ضد المسجد، بالتوازي مع مشاريع التهويد والأسرلة التي تطال المدينة”، بحسب “قدس برس”.
اختبار سياسي وأمني لرفع فعل الأمّة
وأكّد أن استغلال مناسبة “يوم القدس” لتنفيذ اقتحامات جماعية يتعدى الطابع الديني، ليمثل اختباراً سياسياً وأمنياً لردة فعل الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي.
وقال: “السؤال الذي يجب أن يُطرح: هل هذا الاقتحام هو مجرد طقس ديني؟ أم أنه اختبار جديد لحدود الصمت العربي والإسلامي، بعد شهور من العدوان على غزة وعمليات تهويد ممنهجة في القدس؟”.
ولفت إلى أن “أحداثاً مشابهة وقعت في عام 2021، حين تزامنت هذه المناسبة مع يوم 28 رمضان، وانتهت بإشعال معركة (سيف القدس) بعد تدخل المقاومة الفلسطينية لنصرة المرابطين، وهو ما يدفع الاحتلال اليوم إلى تكثيف الحشد، وقيادة الطقوس بشكل أكثر علانية، في محاولة لإثبات تفوق ميداني رمزي بعد فشل الردع العسكري في غزة”.