لاشك أن  سبب الرزق والعافية يُعد من أهم وأكثر الأسباب التي يبحث عنها الإنسان طوال حياته، فصحيح أن الرزق مكتوب ومُقدّر إلا أنه ينبغي السعي والأخذ بالأسباب ـ كما علّمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ، ولعل هذا ما يُبين أهمية معرفة سبب الرزق والعافية حيث إنهما أهم الاحتياجات التي لا ينقطع الإنسان عن طلبها مادامت الحياة الدنيا ،  وأفضل ما يؤتى العبد ، وهناك أمر واحد يجلب للإنسان كل الخير والمنافع فهو سبب الرزق والعافية والهداية وقد يغفل عنه الكثيرون.

إذا أردت ألا ترى الفقر ويكثر رزقك.. الشعراوي: علم أولادك هذه السورة لماذا رفض الإمام أبو حنيفة صيام الست من شوال؟.. أسرار ينبغي معرفتها  سبب الرزق والعافية

قال الدكتور علي جمعة،  مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الرحمة تُعد سببًا واصلًا بين الله تعالى وعبده، وبها يهديه ويرزقه ويعافيه ويسكنه دار ثوابه .

واستشهد “جمعة ” عن سبب الرزق والعافية، بما قال قال الفيروز آبادي رحمه الله تعالى: «الرّحمة سبب واصل بين الله وبين عباده، بها أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبها هداهم، وبها أسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعافاهم»، منوهًا بأن هذه الأمة هي أمة الرحمة والهداية.

وأضاف أنه لذلك دأب المحدثون في تبليغ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  لطلبة العلم، على أن يستفتحوا بحديث الرحمة المسلسل بالأولية، هذا الحديث الذي انقطعت أوليته عند سفيان بن عيينه الذي يرويه عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي قَابُوسَ مَوْلًى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- : «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ».

وأوضح أنه ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  أحاديث كثيرة تحث المسلمين على التخلق بالرحمة فيما بينهم ومع جميع الخلق، وقد حذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  أمته بأن ترك هذه الصفة الحميدة قد تستوجب غضب الله يوم القيام حيث قال -صلى الله عليه وسلم- : «لَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ» .

وأشار “جمعة”، إلى أن سبب ورود هذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم-  قَبل الحسين، وقال الأقرع لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-  وذكر له الحديث، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ أَبَا الْقَاسِمِ صَاحِبَ هَذِهِ الْحُجْرَةِ: «لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إلَّا مِنْ شَقِيٍّ».

ودلل بما ورد عن علي رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم-  قال: «اطلبوا المعروف من رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم، ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإن اللعنة تنزل عليهم، يا علي، إن الله خلق المعروف وخلق له أهلا، فحببه إليهم وحبب إليهم فعاله، ووجه إليهم طلابه، كما وجه الماء إلى الأرض الجدبة ليحيي به أهلها، وإن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة».

وتابع: والرحمة لا تنزع إلا من شقي، لأن الرحمة في الخلق رقة القلب، ورقته علامة الإيمان، ومن لا رقة له لا إيمان له، ومن لا إيمان له شقي، فمن لا يرزق الرحمة فشقي، فليعلم الناس أن غلظة القلب من علامة الشقاوة.

فضل الرحمة 

1- دليل على رقة القلب وسمو النفس .

2 – تثمر محبة الله ومحبة الناس .

3 – لا يستحق رحمة الله إلا الراحمون الموفقون .

4 – الجنة هي دار الرحمة لا يدخلها إلا الراحمون برحمة الله .

5 – برحمة الله تعالى يوفق العبد لترك المعاصي ونيل الدرجات .

 مظاهر الرحمة

1- رحمة المسلم بالخدم .

2 – إكرام اليتيم .

3 – بر الوالدين .

4 – رحمة المسلم بالمرضى وذوي العاهات .

5 – الشفاعة الحسنة .

6 – رحمة المسلم بالحيوان مثل منع الرسول صلى الله عليه وسلم  تحريق النمل بالنار .

7 – رحمة الأطفال بتقبيلهم والمزاح معهم .  

8 – صلة الرحم .

9 – إكرام الجار والإحسان إليه وحفظ حرمته .

10- حسن معاشرة النساء .

11- العفو والصفح عن المسيء .

12 – العطف على الفقراء والمساكين .

13 – لين الجانب للناس .

14 – التعاطف بين الأخوان والأصحاب .

15- مشاورة رئيس الجماعة وقائدهم لأهل المشورة منهم رحمة بقلوبهم التي يؤلمها الإهمال .

ما هي الرحمة 

تدور مادّة (ر ح م) حول معنى الرّقّة والعطف والرّأفة، يقول ابن فارس: الرّاء والحاء والميم أصل واحد يدلّ على الرّقّة والعطف والرّأفة. يقال من ذلك رحمه يرحمه إذا رقّ له وتعطّف عليه، والرّحم والمرحمة والرّحمة بمعنى  [المقاييس لابن فارس (2/ 498) ] ، ويقول الجوهريّ: الرّحمة: الرّقّة والتّعطّف، والمرحمة مثله، وقد رحمته وترحّمت عليه، وتراحم القوم: رحم بعضهم بعضا ... ورجل مرحوم ومرحّم، شدّد للمبالغة، والرّحم بالضّمّة: الرّحمة. قال تعالى (وَأَقْرَبَ رُحْماً) [الكهف: 81]، والرّحمة المغفرة، وقوله تعالى في وصف القرآن (هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 52] أي فصّلناه هاديا وذا رحمة. رحمه رحما ورحما ورحمة ورحمة (حكى الأخيرة سيبويه) ومرحمة، وقال اللّه- عزّ وجلّ-: (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) [البلد: 17] أي أوصى بعضهم بعضا برحمة الضّعيف والتّعطّف عليه، وترحّمت عليه أي قلت: رحمة اللّه عليه [الصحاح للجوهرى (5/ 1929) رحم] .

وتطلق الرّحمة ويراد الرّزق، فقد نقل ابن منظور عن الأزهريّ قوله: قال عكرمة في قوله تعالى: (ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها) [الإسراء: 28] أي رزق. (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ) [هود: 9 مكية] ، أي رزقا (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ) [يونس: 21] أي حيا وخصبا بعد مجاعة، وأراد بالنّاس الكافرين. وترحّم عليه: دعا له بالرّحمة، واسترحمه: سأله الرّحمة، وسمّى اللّه الغيث رحمة لأنّه برحمته ينزل من السّماء، والرّحموت من الرّحمة، يقال: لأن ترهب خير من أن ترحم، لم يستعمل على هذه الصّيغة إلّا مزوّجا [لسان العرب (12/ 230) ط. بيروت] ، وأمّ الرّحم مكّة، والمرحومة: من أسماء مدينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [القاموس المحيط (4/ 118) رحم] ، والرّحم علاقة القرابة، ثمّ سمّيت رحم الأنثى رحما من هذا؛ لأنّ منها ما يكون ما يرحم ويرقّ له من ولد [المقاييس (2/ 498) ] .

معنى الرحمة اصطلاحًا

قال الجرجانيّ: هي إرادة إيصال الخير [التعريفات (110) ] ، وقال الجاحظ: الرّحمة خلق مركّب من الودّ والجزع، والرّحمة لا تكون إلّا لمن تظهر منه لراحمه خلّة مكروهة، فالرّحمة هي محبّة للمرحوم مع جزع من الحال الّتي من أجلها رحم، وقال الكفويّ: الرّحمة حالة وجدانيّة تعرض غالبا لمن به رقّة القلب وتكون مبدأ للانعطاف النّفسانيّ الّذي هو مبدأ الإحسان [تهذيب الأخلاق للجاحظ (ص 24)، والكليات للكفوي (2/ 376) ] ، قال ابن الأثير- رحمه اللّه تعالى-: في أسماء اللّه تعالى «الرّحمن الرّحيم» وهما اسمان مشتقّان من الرّحمة، مثل ندمان ونديم. وهما من أبنية المبالغة ورحمن أبلغ من رحيم. والرّحمن خاصّ باللّه لا يسمّى به غيره، ولا يوصف. والرّحيم يوصف به غير اللّه تعالى، فيقال: رجل رحيم، ولا يقال رحمن. والرّحمة من صفات الذّات للّه تعالى والرّحمن وصف، وصف اللّه تعالى به نفسه وهو متضمّن لمعنى الرّحمة  [النهاية لابن الأثير (2/ 210) ] .

وقال الخطّابيّ: ذهب الجمهور إلى أنّ «الرّحمن» مأخوذ من الرّحمة. ومعناه ذو الرّحمة لا نظير له فيها، ثمّ قال: فالرّحمن ذو الرّحمة الشّاملة للخلق، والرّحيم خاصّ بالمؤمنين  [بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (3/ 35، 54) ] . قال اللّه تعالى: (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) [الأحزاب: 43]، وقال الغزاليّ: الرّحمن الرّحيم اسمان مشتقّان من الرّحمة. والرّحمة تستدعي مرحوما، ولا مرحوم إلّا وهو محتاج. والّذي ينقضي بسببه حاجة المحتاج من غير قصد وإرادة وعناية بالمحتاج لا يسمّى رحيما، والّذي يريد قضاء حاجة المحتاج ولا يقضيها، فإن كان قادرا على قضائها لم يسمّ رحيما، إذ لو تمّت الإرادة لوفّى بها، وإن كان عاجزا فقد يسمّى رحيما باعتبار ما اعتوره من الرّقّة، ولكنّه ناقص. وإنّما الرّحمة التّامّة إفاضة الخير على المحتاجين وإرادته لهم عناية بهم، والرّحمة العامّة هي الّتي تتناول المستحقّ وغير المستحقّ، ورحمة اللّه، عزّ وجلّ، تامّة وعامّة، أمّا تمامها: فمن حيث أنّه أراد قضاء حاجات المحتاجين وقضاها. وأمّا عمومها: فمن حيث شمولها المستحقّ وغير المستحقّ، وعمّ الدّنيا والآخرة، وتناول الضّرورات والحاجات والمزايا الخارجة عنهما. فهو الرّحيم المطلق حقّا.

وقال- رحمه اللّه تعالى-: والرّحمة لا تخلو عن رقّة مؤلمة تعتري الرّحيم، فتحرّكه إلى قضاء حاجة المرحوم. والرّبّ، سبحانه وتعالى، منزّه عنها. فلعلّك تظنّ أنّ ذلك نقصان في معنى الرّحمة، فاعلم أنّ ذلك كمال وليس بنقصان في معنى الرّحمة، أمّا أنّه ليس بنقصان فمن حيث إنّ كمال الرّحمة بكمال ثمرتها، ومهما قضيت حاجة المحتاج بكمالها لم يكن للمرحوم حظّ في تألّم الرّاحم وتفجّعه، وإنّما تألّم الرّاحم لضعف نفسه ونقصانها. ولا يزيد ضعفها في غرض المحتاج شيئا، بعد أن قضيت حاجته، وأمّا أنّه كمال في معنى الرّحمة، فهو أنّ الرّحيم عن رقّة وتألّم يكاد يقصد بفعله دفع ألم الرّقّة عن نفسه، فيكون قد نظر لنفسه وسعى في غرض نفسه، وذلك ينقص عن كمال معنى الرّحمة. بل كمال الرّحمة أن يكون نظره إلى المرحوم لأجل المرحوم، لا لأجل الاستراحة من ألم الرّقّة.

أمّا الرّحمن فهو أخصّ من الرّحيم، ولذلك لا يسمّى به غير اللّه، عزّ وجلّ. والرّحيم قد يطلق على غيره، ولذلك جمع اللّه، عزّ وجلّ، بينهما، فقال: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الإسراء: 110]. فيلزم من هذا الوجه أن يفرّق بين معنى الاسمين فمن ثمّ يكون المفهوم من الرّحمن نوعا من الرّحمة هي أبعد من مقدورات العباد، وهي ما يتعلّق بالسّعادة الأخرويّة. فالرّحمن هو العطوف على العباد، بالإيجاد أوّلا، وبالهداية إلى الإيمان وأسباب السّعادة ثانيا، وبالإسعاد في الآخرة ثالثا، والإنعام بالنّظر إلى وجهه الكريم رابعا.

وقال ابن القيّم- رحمه اللّه تعالى-: الرّحمة سبب واصل بين اللّه- عزّ وجلّ- وبين عباده، بها أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبها هداهم، وبها يسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم، فبينهم وبينه سبب العبوديّة، وبينه وبينهم سبب الرّحمة [التفسير القيم ص 35 ] .

 


 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: سبب الرزق الرزق والعافية الرزق العافية فوائد الرحمة فضل الرحمة مظاهر الرحمة معنى الرحمة صلى الله علیه وسلم الل ه تعالى رسول الله الر حمة ا رحمة الل رسول الل سبب الر ة القلب الر ق ة

إقرأ أيضاً:

مصطلحات إسلامية: الولاء والبراء

#مصطلحات_إسلامية: #الولاء_والبراء
مقال الإثنين: 23 / 6 / 2025

بقلم : د. #هاشم_غرايبه


الولاء والبراء هما مصطلحان إسلاميان بامتياز، وهما أمران متلازمان يأتيان معا.
في أبسط معانيهما، تأتي كلمة (وَلِيٌّ) في السياق اللغوي بمعنى الناصر والصديق، والتابع المُحب، وهو ضد العدو، وتأتي كلمة (البَرَاء) بمعنى البُعد والتَرفُّع عن الشيء وقطع العلاقة معه، وتجنبه، ويشير مفهوم (الولاء) بين العلماء إلى الحب، والنصرة لله تعالى، ولرسوله (ﷺ) وللمسلمين من خلال تقوية أواصر الأخوة، وتعميق مفاهيم التعاون، والدعم المتبادل في سبيل الدين، ودعم الدولة، في حين يشير مفهوم (البراء) إلى الرفض القلبي لعبادة غير الله، وما يتصل بها من مظاهرَ، وممارساتٍ، ولِمَن يعادون الإسلام والمسلمين، ولا يعني ذلك أن نكره أتباع العقائد الأخرى عمومًا، أو أن نعاديهم، أو نسيء معاملتهم.
الإلتزام بهذين المبدأين يشكل سمة عامة للمجتمعات المسلمة، كما يشكل دليلا مرشدا لنظام الحكم، تحدد السياسة الخارجية له، ومبدءًا يلزم باتباعه في عقد المعاهدات والأحلاف.
الولاء والبراء ليسا آدابا يحسن بالمسلم اتباعهما اختياريا، بل هما أوامر إلهية ملزمة للعامة وللسلطة الحاكمة، وقد ورد الأمر بهما في عدة مواضع في كتاب الله، منها قوله تعالى: “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” [التوبة:71].
كما يبين تعالى ان من يلتزمون بهذين المبدأين هم حزب الله الذين يرضى عنهم الله وسيدخلهم جناته: “لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” [المجادلة:22].
لكن الله تعالى لا يكتفي بالحض على ذلك، بل يحذر من عدم الالتزام بهما، فيقول: “لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ” [آل عمران:28].
وفي موضع آخر ينهى عن موالاة غير المسلمين بأمر مباشر وصريح، فيقول تعالى: “يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” [المائدة51].
نتوصل مما سبق الى أن الولاء والبراء ليسا محل مناقشة، ولا هما خاضعان للقناعة الشخصية، بل هما أمر واجب التنفيذ، وعلى جميع الآصعدة، ابتداء من العلاقات الفردية بين المؤمن والمحيطين به، وبين المجتمع المؤمن، والمجتمعات الأخرى، وبين السلطة الحاكمة والأنظمة السياسية غير المؤمنة.
هنا يجب ملاحظة أن منهج الله لا يذكر العلاقة بين مجتمع اسلامي ومجتمع اسلامي آخر، لأنه يعتبر المسلمين جميعا مهما تباعدت أمصارهم واختلفت قومياتهم أمة واحدة، كما أنه لا يجيز قيام انظمة حكم متعددة للمسلمين بل يجب أن تحكمهم دولة واحدة موحدة.
من المهم أن نفهم أن ميزة المسلم بالحب في الله والبغض في الله لا يعني انعزالية المجتمع المسلم، ولا كراهية غير المسلمين، فالله تعالى خلق البشر وفق سنة الإختلاف والتعددية: “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ” [هود:118]، فليس المراد من البراء هو عدم الإحسان لغير المسلم، أو إعلان العداء له مطلقًا، فالمسلم عليه أن يتعامل مع غيره معاملة طيبة تنم عن فهم التشريعات الإلهية: “إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” [الممتحنة:9].
كما انه يحرم على المسلمين المبادرة بالعداء، بل الرد على العدوان بالمثل: “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” [البقرة:190]، وبلا بغي ولا زيادة: “وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ” [النحل:126]

وعموما فإن المكلف باتباع كل ما سبق هو السلطة الحاكمة لأنها صاحبة القرار، وعليه فإن استحقاقها الحكم وطاعتها منوط بامتثالها لأوامر الله.

مقالات ذات صلة للنقاش الهادئ 2025/06/22

مقالات مشابهة

  • هشام إبراهيم: دخول واشنطن على خط الأزمة بين طهران وتل أبيب يفتح أبواب التصعيد
  • مصطلحات إسلامية: الولاء والبراء
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • هل تعاني ضيق الحال؟.. 9 ذنوب تحجب الرزق وتمحق البركة احذر منها
  • كيف أحقق الخشوع في الصلاة؟ 5 خطوات تنهي على الوسواس
  • ما هو دعاء سورة يس لزيادة الرزق؟.. أمين الإفتاء يجيب
  • إياك وهذا الفعل عند طلب الرزق.. البحوث الإسلامية يحذر
  • ماذا يفعل المسلم فى هذا الزمن المليء بالفتن؟ على جمعة يجيب
  • رئيس جامعة الأزهر: الرزق منحة ولا يأتي فقط بالذكاء أو المهارة
  • دعاء الاستفتاح في الصلاة.. اعرف ما ورد عنه في السنة النبوية