نص خطبة غدا الجمعة 19 أبريل 2024.. التاجر الصدوق ومنزلته
تاريخ النشر: 19th, April 2024 GMT
أعلنت وزارة الأوقاف المصرية، موضوع خطبة غدا الجمعة 10 شوال 1445هــ، الموافق 19 إبريل 2024 م، بعنوان: «معنى التاجر الصدوق ومنزلته».
ويستعرض «الأسبوع»خلال السطور التالية نص خطبة الجمعة غدا 19 أبريل ضمن خدمة إخبارية يقدمها لرواده ومتابعيه.
نص الخطبةالحمدُ للهِ العليمِ الشكورِ، مقلبِ الأزمانِ والدهورِ، ومغيرِ الأيامِ والشهورِ، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور) الملك:15، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وليُّ الصالحينَ، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ من خلقهِ وخليلُهُ، القائلُ كما في حديثِ أَبِى سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) رَوَاهُ الترمذي، فاللهمَّ صلِّ وسلمْ على مسكِ الختامِ، وخيرِ مَن صلَّى وصام، وتابَ وأنابَ، ووقفَ بالمشعرِ، وطافَ بالبيتِ الحرامِ، وعلى آلهِ وصحبهِ الأعلامِ، مصابيحِ الظلامِ، خيرِ هذه الأمةِ على الدوامِ، وعلى التابعينَ لهم بإحسانٍ والتزام.
أمَّا بعدُ: فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوىَ العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102).
أيُّها المصلون: ( معنَي التاجرِ الصدوقِ ومنزلتُهُ )، عنوانُ خطبتِنَا
أولًا: شتانَ شتانَ بينَ تجارِ الأزماتِ وبينَ تجارِ الرحمات.
ثانيــــًا: مميزاتُ التاجرِ المسلمِ.
ثالثًا وأخيرًا: احذرْ أيُّها التاجرُ قبلَ فواتِ الأوان.
بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن التاجرِ الأمينِ وخاصةً ونحن نعيشُ في زمنِ الأزماتِ الماليةِ والاقتصاديةِ الرهيبةِ في العالمِ كلِّهِ، وخاصةً هناك تجارُ الأزماتِ يستغلونَ حاجةَ الناسِ فكثرَ الجشعُ والطمعُ والاستغلالُ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، وخاصةً وأنَّ تجارَ اليومِ إلَّا ما رحمَ اللهُ قد ماتَ إحساسُهُم، ودُفنتْ مشاعرهُم، وقلَّ إيمانُهُم، ونسُوا ربَّهُم، ولا عليهم أنْ يموتَ الناسُ جوعًا، ولا يبالونَ بغلوِّ العيشِ الذي يعصرُ الناسُ عصرًا، ولا يتألمونَ للحاجةِ التي أرهقتْ مضاجعَ الناسِ بالليلِ، وأرهقتْهُم بالنهارِ، هم تجارُ حروبٍ وأزماتِ، لا تهمُّهُم إلّا أنفسهُم ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ، وخاصةً و التجارةُ مِن الكسبِ الحلالِ الذي أمرَنَا بهِ دينُنَا الحنيفُ واعتبرَهَا مِن الأماناتِ التي أوصَي الإسلامُ بحفظِهَا لذا كان حديثُنَا عن التاجرِ الأمينِ في الإسلامِ.
أولاً: شتانَ شتانَ بينَ تجارِ الأزماتِ وبينَ تجارِ الرحماتِ.
مِن المعلومِ أنَّ طلبَ الحلالِ مِن الرزقِ واجبٌ على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ، وأنّ ابتغاءَ المالِ الطيبِ ضرورةٌ لاستقامةِ الحياةِ الاجتماعيةِ واستقرارِهَا، وأنّ طلبَ المعيشةِ والتكسّبِ مِن أهمِّ الأمورِ التي حثَّنَا عليها دينُنَا الحنيفُ، لذا أمرَنَا بالخروجِ في طلبِ الرزقِ، قال جلَّ وعلا: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا } النبأ:11، وقالَ جلَّ وعلا: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } المزمل:20.
ومِمَّا لا شكَّ فيهِ أنَّ التجارةَ مِن المهنِ التي يُمارِسُهَا الناسُ منذُ القدمِ، لغرضِ التكسبِ والحصولِ على الرزقِ المشروعِ، وهي مِن أفضلِ طرقِ الكسبِ وأشرفِهَا، وفي الأثرِ (تسعةُ أعشارِ الرزقِ في التجارةِ)، ولقد امتنَّ اللهُ تعالى على قريشٍ، وذكرَ رحلاتِهِم التجاريةِ التي يقومونَ بِها إلى اليمنِ والشامِ، فقالَ جلَّ في عُلاه: {لإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ } قريش:1، 2، ونَهَى اللهُ جلَّ وعلا المؤمنينَ عن أكلِ الأموالِ بالباطلِ، واستثنَى مالَ التجارةِ، فقالَ جلَّ وعلا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } النساء:29. فأباحَ سبحانهُ وتعالى الربحَ الحاصلَ مِن البيعِ والشراءِ الذي يتمُّ عن تراضٍ بينَ البائعِ والمُشترِي، ولأهميةِ التجارةِ فإنَّ اللهَ تعالى أذنَ بها بعدَ أداءِ صلاةِ الجمعةِ، وحثَّ على الانتشارِ لطلبِ الرزقِ، قال جلَّ وعلا: { فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ }الجمعة:10، لكنَّهَا التجارةُ الحلالُ، لكنَّها التجارةُ الرابحةُ، لكنَّها التجارةُ التي لا غشَّ فيها ولا تدليسَ ولا كذبَ ولا احتكارَ ولا طمعَ ولا استغلالَ ولا ربَا.
والتجارُ أيُّها السادةُ ينقسمونُ إلى قسمين: تجارٌ أبرارٌ وتجارٌ فجارٌ، تجارُ أزماتٍ وتجارُ رحماتٍ، تجارٌ يرقبونَ اللهَ جلَّ وعلا في تجارتِهِم، وتجارٌ يرقبونَ الشيطانَ في تجارتِهِم، تجارٌ يرحمونَ الناسَ في تجارتِهِم، وتجارةٌ يدسونَ على الناسِ بأقدامِهم في تجارتِهِم، تجارٌ يخافونَ اللهَ وتجارٌ لا يخوفونَ حتى مِن اللهِ، تجارٌ يقفونَ مع بلدِهِم، وتجارٌ يسرقونَ بلدَهُم، تجارٌ همُّهُم الوطن، وتجارٌ همهُم الجشعُ والطمعُ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ.
يا تجارَ الأزماتِ يا تجارَ الجشعِ والطمعِ والاستغلالِ والاحتكارِ والربَا هل نُزِعَتْ الرَّحمَةُ مِن قُلوبِكُم ـ لا قَدَّرَ اللهُ تعالَى؟ اعلَمُوا بأنَّ الجزاءَ مِن جِنسِ العَمَلِ، كما تَدينُ تُدانُ، ومن لا يَرحَمْ لا يُرحَمْ، فإذا حُرِمتَ الرَّحمَةَ في الدُّنيا والآخِرَةِ فلا تَلومَنَّ إلا نَفسَكَ.
يا تجارَ الأزماتِ يا تجارَ الجشعِ والطمعِ والاستغلالِ والاحتكارِ والربَا هل صارَ الدِّينارُ والدِّرهَمُ مَعبودًا لكم مِن دونِ اللهِ تعالى ـ لا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ؟ (تعِس عبدُ الدينارِ، تعِس عبدُ الدرهمِ ) رواه البخاري.
يا تجارَ الأزماتِ يا تجارَ الجشعِ والطمعِ والاستغلالِ والاحتكارِ والربَا أقولُ لكُم كما في صحيحٍ مسلمٍ مِن حديتِ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قالَ رسولُ الله ﷺ: «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي» قَالَ: «وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ». بالله عليكُم يا تُجَّارَ الأزمَات، هل تَستَطيعونَ أنْ تأكُلُوا أكثرَ ممَّا يَأكُلُ الفُقَراءُ؟ وهل تَستَطيعونَ أنْ تَلبَسُوا أكثرَ ممَّا يَلبَسُ الفُقَراءُ؟ الطَّعامُ واحِدٌ وإنِ اختَلَفَتْ الأَصنافُ، واللِّباسُ واحِدٌ وإنِ اختَلَفَتْ الأصنافُ، والزَّائِدُ عن الطَّعامِ والشَّرابِ واللِّباسِ سَتُسألونَ عنهُ، فحلالُ المالِ حِسابٌ، وحَرامُهُ عذابٌ.
يا تجارَ الأزماتِ يا تجارَ الجشعِ والطمعِ والاستغلالِ والاحتكارِ والربَا أقولُ لكُم كما في صحيحِ الشيخانِ عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ( يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ، وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ).
يا تُجَّارَ الأزمَات، لا تَغتَرُّوا بما آتاكُمُ اللهُ تعالى مِن فضلهِ، ولا تَكُونُوا كأصحابِ الجَنَّةِ التي ذَكَرَها اللهُ تعالى في كتابِهِ: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِين * وَلا يَسْتَثْنُون * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُون * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيم﴾. فلا تخافوا من المساكينِ، فإنَّهُم لن يأخُذُوا مِن أرزاقِكُم شيئًا، لأنَّ رِزقَ الجَميعِ على اللهِ تعالَى.
يا تُجَّارَ الأزمَات، لا تَغتَرُّوا بما آتاكُمُ اللهُ تعالى مِن فضلهِ، ولا تَكُونُوا كقَارونَ الذي خَسَفَ اللهُ بهِ وبِدَارِهِ الأرضَ، عندمَا خَرَجَ على قَومِهِ في زِينَتِهِ وهوَ مَغرُورٌ مُعجَبٌ بالكُنوزِ التي آتاهُ اللهُ تعالى إيَّاها، قال تعالى في حقِّهِ: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ﴾ سلِّمْ يا ربِّ سلِّمْ.
ثانيــــًا: مميزاتُ التاجرِ المسلمِ.
كان رسولُ اللهِ ﷺ تاجرًا أمينًا صادقًا بأبِي هو وأمِّي ﷺ مسافرًا، وباعَ واشترَى حاضرًا، واشتهرَ أمرُهُ في ذلك، حيثُ قالَ المشركون: ما لهذا الرسولِ يأكلُ الطعامَ ويمشِي في الأسواقِ فأوحَى اللهُ تعالى إليهِ: ﴿ وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾ الفرقان:20، فلقد اشتغلَ بالتجارةِ في مالِ أمِّنَا خديجةَ رضى اللهُ عنهَا وأرضاهَا فكان خيرَ مثالٍ للصادقِ الأمينِ في بيعهِ وشرائهِ وسائرِ أحوالهِ فعن السائبِ بنِ أبي السائبِ أتيتُ النبيَّ ﷺ فجعلُوا يثنونَ عليَّ ويذكرونِي فقال رسولُ اللهِ ﷺ:" أنَا أعلمُكُم" - يعني بهِ - قلتُ: صدقتَ بأبي أنتَ وأمِّي، كنتُ شَريكي فنعمَ الشَّريكُ، كنتُ لا تُدارِي، ولا تُمارِي) "كنتَ لا تُدارِي"، أي: لا تخالِفُ ولا تُمانِعُ في معاملاتِكَ مَعي، "ولا تُمارِي"، أي: لا تجادِلُ ولا تماطِلُ، وهذا مِن حُسنِ الخلقِ وحُسنِ مُعاملةِ الناس.
ومما يتميَّزُ بهِ التاجرُ المسلمُ عن غيرِهِ: تمسُّكُهُ بقِيمِ دينهِ، وتوكُّلُهُ الدائمُ على ربِّهِ جلَّ وعلا. ومِمَّا يتميَّزُ بهِ التاجرُ المسلمُ:حبُّهُ لوطنهِ وحرصُهُ على رفعتِهِ والعملُ لأجلهِ، ومما يتميَّزُ بهِ التاجرُ المسلمُ: ألاَّ تشغلهُ تجارتُه عن ذكرِ اللهِ تعالى، ولا عن الصلاةِ، ولا عن تلاوةِ كتابِ اللهِ تعالى، ولا عن أداءِ حقِّ اللهِ في مالهِ، فقد أثنَى اللهُ عزَّ وجلَّ على عبادهِ المؤمنين الذين لا تشغلُهُم تجارتُهُم عن طاعتهِ، فقالَ جلَّ وعلا: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ النور: 37، وحذَّرَ أولئك الذين استغرقُوا في تجارتِهِم ومصالحِهِم، وشغَلَهُم مزيدُ شفقتِهِم، وحبِّهِم لأبنائِهِم، والسعيِ مِن أجلِهِم، عن ذكرِ ربِّهِم وطاعتهِ، فاستحقُّوا بذلك كمالَ الخسارةِ لأنفسِهِم وأهليهِم يومَ القيامةِ، لأنَّهم باعُوا العظيمَ الباقِي، بالحقيرِ الفانِي، قالَ جلَّ وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ المنافقون: 9.
ومما يتميَّزُ بهِ التاجرُ المسلمُ:الأمانةُ والصدقُ، فالأمانةُ والصدقُ مِن أخلاقِ الإسلامِ أمرنَا بهمَا الدينُ وتخلقَ بهمَا سيدُ المرسلين، والتاجرُ الأمينُ بجوارِ النبيينَ في جنةِ ربِّ العالمين كما قال النبيُّ الأمينُ الصادقُ المصدوقُ ﷺ كما في حديثِ أَبِى سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ( التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) رَوَاهُ الترمذي، والأمانةُ شرفٌ وعزٌّ وكرامةٌ والخيانةُ ذلٌّ وخزيٌ وعارٌ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ وكيف لا؟ وعن إسماعيلَ بنِ عُبيدٍ بنِ رفاعةَ عن أبيهِ عن جَدِّهِ أنَّهُ خَرَجَ مع رَسُولِ اللهِ ﷺ إلى المُصَلَّى، فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ»، فَاسْتَجَابُوا لرسولِ اللهِ ﷺ وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُم وَأَبْصَارَهُم إِلَيْهِ، فَقَالَ: «إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ القِيامَةِ فُجَّارًا إِلَّا مَن اتَّقَى اللهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ»، أَخْرَجَهُ الترمذيُّ.
ومِمَّا يتميَّزُ بهِ التاجرُ المسلمُ: السَّمَاحَةُ فِي البَيْعِ وَالشِّرَاءِ فالنَّبِيُّ ﷺ رَغَّبَ فِي السَّمَاحَةِ فِي البَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَحُسْنِ التَّقَاضِي وَالقَضَاءِ: فَعَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: « رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى» رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَلَفْظُهُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «غَفَرَ اللهُ لِرَجُلٍ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ سَهْلًا إِذَا بَاعَ، سَهْلًا إِذَا اشْتَرَى، سَهْلًا إِذَا اقْتَضَى». وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ كَانَ هَيِّنًا لَيِّنًا قَرِيبًا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» رَوَاهُ الترمذي.
ومِمَّا يتميَّزُ بهِ التاجرُ المسلمُ: النصحُ لكلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَلَقَّنَنِي: فِيمَا اسْتَطَعْتَ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. وفي لفظِ مُجَالِد: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ) رواه أحمدُ.
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولكُم.
الخطبةُ الثانيةُ.. .. الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلَّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. وبعدُ
ثالثًا وأخيرًا: احذرْ أيُّها التاجرُ قبلَ فواتِ الأوانِ.
أيُّها السادةُ: أيُّها التجارُ احذرُوا قبلَ فواتِ الأوانِ، احذرُوا قبلَ أنْ يأتيَ الموتُ بغتةً، والقبرُ صندوقُ العملِ، فالدنيا فانيةٌ، والدنيا إلى زوالٍ، ويبقَى الخزيُ والعارُ وغضبُ الجبارِ على كلِّ مَن أكلَ أموالِ الناسِ بالباطلِ.
احذرْ أيُّهَا التاجرُ مِن الغِشِّ في البيعِ والشراءِ، فلَقَدْ رَهَّبَ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الغِشِّ، وَرَغَّبَ فِي النَّصِيحَةِ فِي البَيْعِ وَغَيْرِهِ. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: « مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ، فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا، فَلَيْسَ مِنَّا » رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟!» قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ إذا بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ أَنْ لَا يُبَيِّنَهُ لَهُ» أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيرِ.
احذرْ أيُّها التاجرُ مِن تَطْفِيفِ المَكَايِيلِ وَالمَوَازِين، فَمِنْ كَبائِرِ الإِثْمِ، وَعَظَائِمِ الذُّنُوبِ: تَطْفِيفُ المَكَايِيلِ وَالمَوَازِينِ. قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)﴾ [الرحمن: 7-9].
وَأَوْضَحُ آيَةٍ فِي القُرْآنِ المَجِيدِ تَجْعَلُ التَّلاعُبَ فِي المَكَايِيلِ وَالمَوَازِينِ كَبِيرَةً مُوبِقَةً مُهْلِكَةً، هِيَ قَوْلُ اللهِ جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)﴾ [المطففين: 1-6].
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَمُرُّ بِالبَائِعِ، فَيَقُولُ: «اتَّقِ اللهَ، وَأَوْفِ الكَيْلَ وَالوَزْنَ، فَإِنَّ المُطَفِّفِينَ يُوقَفُونَ، حَتَّى إِنَّ العَرَقَ لَيُلْجِمُهُمْ إِلَى أَنْصَافِ آذَانِهِمْ». وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- لِأَصْحَابِ الكَيْلِ وَالوَزْنِ: (إِنَّكُمْ قَدْ وُلِّيتُمْ أَمْرًا فِيهِ هَلَكَتِ الأُمَمُ السَّابِقَةُ قَبْلَكُمْ(.احذرْ أيُّها التاجرُ مِنَ الِاحْتِكَار: فالِاحْتِكَارُ حَرَّمَهُ الشَّارِعُ وَنَهَى عَنْهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الجَشَعِ، وَالطَّمَعِ، وَسُوءِ الخُلُقِ، وَالتَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ. رَوَى مُسْلِمٌ في صحيحهِ عَنْ مَعْمَرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنِ احْتَكَرَ، فَهُوَ خَاطِئٌ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ»، وَالخَاطِئُ: الآثِمُ، وَالمَعْنَى لا يَجْتَرِئُ عَلَى هَذَا الفِعْلِ الشَّنِيعِ إِلَّا مَنِ اعْتَادَ المَعْصِيَةَ.
احذرْ أيُّها التاجرُ مِنَ الكذبِ والتدليسِ فقد رغَّبَ النبيُّ ﷺ التُّجَّارَ في الصدقِ، ورهَّبَهُم مِن الكَذِبِ ومِن الحلفِ وإنْ كانُوا صادقين، فعن حكيمِ بنِ حِزَامٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَ- أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا الْبَيِّعَانِ وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا فَعَسَى أَنْ يَرْبَحَا رِبْحًا وَيُمْحَقَا بَرَكَةَ بَيْعِهِمَا» متفقٌ عليه، وفي الحديثِ الذي رواه البخاريُّ ومسلمٌ: «اليمينُ الفاجِرَةُ مَنْفَقَةٌ للسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ للكَسْبِ»، وعن عبدِ الرحمنِ بنِ شْبْلٍ -رضي اللهُ عنه- قالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «إِنَّ التُّجَّارَ هُم الفُجَّارُ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ: أَلَيْسَ قَد أَحَلَّ اللهُ البَيْعَ؟ قالَ: «بَلَى وَلَكِنَّهُم يَحْلِفُونَ فَيَأثَمُونَ ويُحَدِّثُونَ فَيَكْذِبُونَ». أَخْرَجَهُ أحمدُ والحاكمُ. وعن أبي ذَرٍّ -رضي اللهُ عنه- عن النبيِّ ﷺ قال: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِم يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِم وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ». قَالَ: فَقَرَأَهَا رسولُ اللهِ ﷺ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. َقُلْتُ: خَابُوا وَخَسِرُوا، وَمَن هُم يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «المُسْبِلُ -يَعْنِي إِزَارَهُ- وَالمَنَّانُ والمُنَفِّقُ -أي: المُرَوِّجُ- سَلْعَتَهُ بِالحَلَفِ الكَاذِبِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ في «صَحِيحِهِ». سلمْ يا ربِّ سلمْ.
احذرْ أيُّها التاجرُ مِنَ التعاملِ بالربَا فإنَّهُ بئسَ المكسب، وبئسَ المنقلب، قالَ جلَّ وعلا: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} البقرة:276، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} البقرة: 275. وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ) رواه مسلمٌ.
فالربَا داءٌ عضالٌ حذَّرَ منهُ سيدُ الرجالِ، إنَّهُ مرضٌ أخطرُ مِن ستٍ وثلاثينَ زنيةً، يا ربِّ سلمْ، إنَّهُ المرضُ الوحيدُ الذي أعلنَ اللهُ عليهِ الحربَ مِن فوقِ سبعِ سماواتٍ، إنُّهُ الداءُ الوحيدُ الذي حكمَ اللهُ عليهِ بالمحقِ في القرآنِ، إنَّهُ داءٌ يسوّدُ الوجوهَ يومَ تبيضُّ وجوهٌ وتسودُّ وجوهٌ، إنَّهُ الداءُ الوحيدُ الذي تفشَّى في الأمةِ حتي أصبحَ مِن الأمورِ العاديةِ التي لا تنفرُ منها النفسُ إلّا مَا رحمَ اللهُ تعالي، إنَّهُ داءٌ لا يخلُوا منه زمانٌ ولا مكانٌ إلَّا ما رحمَ اللهُ تباركَ وتعالي. فاللهَ اللهَ في الأمانةِ، اللهَ اللهَ في التجارةِ الحلالِ، اللهَ اللهَ في الكسبِ الطيبِ، اللهَ اللهَ في الصدقِ في البيعِ والشراءِ، اللهَ اللهَ في التاجرِ الأمينِ المحبِّ لوطنهِ، اللهَ اللهَ في تجارةٍ تسعدُ الأنامَ والبلادَ.
حفظَ اللهُ مصرَ من كلِّ سوءٍ وشرٍّ وجميعَ بلادِ المسلمين، ومنَّ اللهُ عليهَا بنعمةِ الأمنِ والأمانِ والرخاءِ والتنميةِ بجميعِ صورِهَا.
اقرأ أيضاًصدقة الفطر وحق الله في المال.. موضوع خطبة الجمعة القادمة
«رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة وأهمية دمجهم في المجتمع» عنوان خطبة الجمعة بـ معهد إعداد القادة
تفاصيل خطبة الجمعة لمفتي الجمهورية بمسجد «السلطان» أقدم مساجد سنغافورة
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: خطبة الجمعة موضوع خطبة الجمعة خطبة الجمعة ا التاجر ا بالله ولا حول ولا قوة الب ی ع الأ ر ض ﷺ ق ال کما فی ى الله
إقرأ أيضاً:
كيف أحقق الخشوع في الصلاة؟ 5 خطوات تنهي على الوسواس
كيفية الخشوع في الصلاة لعلها من أكثر الأمور التي ينبغي على المصلي فعلها أثناء الصلاة، ومعنى الخشوع في الصلاة هو السكون فيها، وفيه يُظهر المصلِّي التذلّلُ للهِ عزَّ وجلَّ بقلبهِ وجميع جوارحهِ، و الخشوع في الصلاة يكون بحضور القلب وانكساره بين يدي اللهِ تعالى، وكمال الخشوع في الصلاة يتحقّق بتصفية القلب من الرياء للخلق في الصلاةِ.
الخشوع في الصلاة يَكثرُ ثوابها أو يقلّ حسبما يعقل المصلّي في صلاتهِ، إضافةً إلى استشعارُ الخضوعِ والتواضعِ للهِ عزَّ وجلَّ عند ركوعهِ وسجودهِ، وأن يمتلئَ قلبهُ بتعظيمِ اللهِ عز وجلّ عند كل جزءٍ من أجزاء الصلاةِ، وأن يبتعد المُصلّي في صلاتهِ عن الأفكارِ والخواطرِ الدنيويّة، والإعراضِ عن حديثِ النفسِ ووسوسةِ الشيطانِ؛ ذلك أنّ الصلاةَ مع الغفلةِ عن الخشوعِ والخضوعِ لله عز وجل لا فائدة فيها.
كيفية الخشوع في الصلاةوضع الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء، روشتة شرعية لـ الخشوع في الصلاة، وعلاج السرحان وشرود الذهن أثناء الصلاة، من 3 أمور تُعين المسلم على الخشوع في الصلاة.
وقال «الورداني» في إجابته عن سؤال: «دائمًا ينتابني هاجس أن عبادتي غير مقبولة فماذا أفعل؟»، أن الأمر الأول الذي يساعد على الخشوع في الصلاة هو العناية بالتركيز في القراءة بتأنٍ وتدبر الآيات وليس مجرد التلفظ بها، مشيرًا إلى خطأ البعض في عدم التلفظ ولهج اللسان بتحريك الشفتين في القراء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صَلاة لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ».
وأضاف أن ثاني هذه الأمور: العناية بموضع النظر في مراحل الصلاة المختلفة، لافتًا إلى أن النظر أثناء الوقوف يكون إلى محل السجود، وأثناء الركوع إلى أطراف أصابع قدميك، وعند السجود يكون إلى «أرنبة» الأنف، وأخيرًا عند التشهد يكون النظر إلى طرف الإصبع المُسبحة -بحسب تعبيره-.
وتابع: ثالثًا: العناية بالأدعية التي يقولها المصلي في أثناء الركوع والسجود والقيام، مشيرًا إلى حضور قلب الداعي أثناء الدعاء، لما رواه أبو هريرةَ أنَّ رسُولَ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «أقربُ مَا يَكونُ العبْدُ مِن ربِّهِ وَهَو ساجدٌ، فَأَكثِرُوا الدُّعاء» رواهُ مسلم.
دعاء الخشوع والتذلل بين يدي الله.. كلمات مجربة تقربك إلى ربك
لذّة الصلاة تبدأ من خارجها.. علي جمعة يوضح سر الخشوع ويُحذّر من تحوّل العبادة إلى عادة
ونصح مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ببعض الوسائل التي تعين المسلم على الخشوع في الصلاة ومنها: أولًا: معرفة صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- من واجبات وآداب وهيئات وأدعية وأذكار، ثانيًا: وأن تحرص بعد المعرفة على التطبيق التام لها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم «صلوا كما رأيتموني أصلي».
وأضاف: ثالثًا: المجاهدة والمثابرة على الخشوع في الصلاة ولذا قال سبحانه وتعالى: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ»، رابعًا: استحضار عظمة الله تعالى وجلاله وعلوه على خلقه، وأنك تقف بين يديه عبد بين يدي سيده ومولاه.
وتابع: خامسًا: وإذا عرض لك شيء يشغلك في صلاتك فاتفل «هواء مع ريق خفيف يشبه الرذاذ» عن يسارك واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، فإنه ينصرف عنك بفضل الله تعالى.
حكم الخشوع في الصلاةاختلفَ الفقهاءُ في حكم الخشوع في الصلاةِ؛ هل هي سنةٌ أم فرضٌ، أم تُعتبرُ من فضائِلها ومُكمّلاتِها: القول الأول: ذهب جمهورُ الفقهاءِ إلى أنّ الخشوعَ في الصلاةِ سُنّةٌ من سننِ الصلاةِ، بدليلِ صحةِ صلاةِ من يُفكّرُ في الصلاةِ بأمرٍ دنيويٍّ، ولم يقولوا ببطلانِ صلاةِ من فكَّر في صلاتهِ.
واستدلوا بما رواه أبو هريرة - رضي اللهُ عنهُ-: «أنَّ النبيَّ -عليه الصّلاة والسّلام- رأى رجلًا يعبثُ بلحيتهِ في الصلاةِ فقال: لو خَشعَ قلبُ هذا لخشعت جوارحُهُ»؛ وما يُفهَم من الحديث أنَّ هناكَ أفعالًا تُكرهُ في الصلاةِ لأنها تُذهبُ الخشوعََ، وعلى المصلِّي البُعدَ عنها وتجنّبها، كالعبثِ باللحيةِ أو الساعةِ، أو فرقعةُ الأصابعِ، كما يُكرهُ للمصلِّي دخول الصلاةِ وهناك ما يشغلهُ عنها، كاحتباسِ البولِ، أو الجوعِ أو العطشِ، أو حضورِ طعامٍ يشتهيهِ.
- القول الثاني: ذهب أصحاب هذا القول إلى أن الخشوع في الصلاة واجب؛ وذلك لكثرة الأدلة الصحيحة على ذلك، ومنها قوله تعالى: «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ»، وقوله –تعالى-: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ»، والخشوع الواجب في الصلاة الذي يتضمّن السكينة والتواضع في جميع أجزاء الصلاة، ولهذا كان الرسول -عليه الصّلاة والسّلام- يقول في ركوعه: «اللهم لك ركعتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، خشع لك سمعي وبصري، ومُخّي، وعظمي، وعصبي»، فجاء وصف النبي -عليه الصّلاة والسّلام- بالخشوع أثناء ركوعه، فيدل على سكونه وتواضعه في صلاته.
وفسر بعض العلماء قوله –تعالى-: «الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ» بأن الخشوع في القلب، وفي قول آخر: (معنى الخشوع أي: الرّهبة لله تعالى)، وقيل: عدم الالتفات في الصلاة، وغضّ البصر، والخوف من الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك أيضًا خشوع الصوت؛ فإذا كان الخشوع في الصلاة يُعتَبر عند بعض العلماء واجبًا، والذي يعني السّكون، فمن نقر في صلاته نقر الغراب لم يخشع في صلاته، وكذلك من رفع رأسه من الركوع ولم يستقرّ قبل أن ينخفض لم يسكن بفعله هذا، ومن لم يسكن في صلاته لم يخشع في ركوعه وسجوده، ومن لم يخشع في صلاته يُعتَبر آثمًا عاصيًا.
فوائد الخشوغ في الصلاة .. الصلاة أفضل العبادات التي تقرب إلى الله تعالى وذلك لما فيها من انكسار وذلك ولا يتحقق ذلك إلا بالخشوع، امتدح الله سبحانه وتعالى الخاشعين في مواضع كثيرة من القرآن منها "وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً" (الإسراء: 109)
الخشوع من صفة المؤمنين حيث قال تعالى: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ". (المؤمنون: 1-2).
الخشوع يجعل الصلاة محبوبتةً يسيرةً على المصلي: فقال الله تعالى : “واستعين في الصبر والصلاة وإنها لكبيرةٌ إلى على الخاشعين-الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم اليه راجعون” البقرة 45:46.
الخشوع في الصلاة سببٌ في نجاة العبد من النار وبالتالي دخول الجنة، كما أخبرت بذلك السنة النبوية، فقد جاء في الحديث الذي يرويه الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللهِ.
الخشوع في الصلاة يُورّث في النفس الخوف والرهبة من الله تعالى، مما يكون له الأثر العظيم على سلوك العبد إيجابًا.
الخشوع مظهرٌ من مظاهر الإيمان.
سبب من أسباب دفع العقوبة والعذاب.
الخشوع دليلٌ على صلاح العبد، وقَبول أعماله، وطهارة قلبه وسلامته، واستقامته في أفعاله وعباداته وأخلاقه.
الأصلُ في طلبِ الخُشوعِ في الصلاةِ ما دلَّ عليهِ في القرآنِ الكريمِ والسُّنةِ النبويةِ. قالَ –تعالى- في كتابهِ العزيز: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ»؛ فالمؤمنون هم الذين يخشعون في صلاتهم، ومعنى الخشوعِ هنا: لينُ القلبِ وكف الجوارحِ.
ومن السُّنِة النبويةِ قولهُ -عليه الصّلاة والسّلام: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ»؛ أي: استحقّ بفعله هذا الجنّة، وأصبحت واجبةً له.
حكم إعادة الصلاة عند السرحان وعدم الخشوع فيهاأفتى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، بأن السرحان في الصلاة لا يبطلها، وإنما هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد، ولا يجب به سجود السهو ما دام قد أتى بأركانها وواجباتها، لكنه ينقصها نقصانًا كبيرًا.
وأشار «المجمع» في إجابته عن سؤال: «هل يجب إعادة الصلاة عند السرحان وعدم الخشوع فيها؟»، إلى أنه إذا قام المسلم إلى الصلاة عليه أن يستشعر عظمة من قام بين يديه، وأن يؤمن إيمانًا كاملًا بأن الله تبارك وتعالى يعلم ما توسوس به نفسه.
وتابع: إن يحرص غاية الحرص أن يجمع قلبه على ما يقول ويفعل فى صلاته وألا يذهب بفكره وعقله يمينًا وشمالًا، وإذا حدث له ذلك، فعليه أن يتفل عن يساره ثلاثًا ويستعذ بالله من الشيطان الرجيم، والتفل دون البصق، حيث إن التفل هو إخراج للهواء فقط، دون غيره من البصاق».
حكم إعادة الصلاة بسبب عدم الخشوعنبه مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، على أن جمهور الفقهاء ذهبوا إلى أن الخشوع في الصلاة ليس من أركانها، ولكنه من لوازمها فلا تبطل الصلاة بتركه، ولكن ينقص الثواب بقدر ما تفقده من خشوع.
واستشهد المركز في إجابته عن سؤال: «هل يسن إعادة الصلاة التي فقد فيها الخشوع بسبب التفكير في شيء خارجي؟»، بما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي، فَمَا يُكْتَبُ لَهُ إِلاَّ عُشْرُ صَلاَتِهِ، فَالتُّسْعُ، فَالثُّمُنُ، فَالسُّبُعُ، حَتَّى تُكْتَبَ صَلاَتُهُ تَامَّةٌ».
وواصل: وذهب بعض الفقهاء إلى أن الخشوع واجب من واجبات الصلاة وتبطل الصلاة بتركه، ولكن الراجح ما ذهب إليه الجمهور بعدم بطلانها لكن على المرء أن يتحرى الخشوع في صلاته حتى يغنم منها بالأجر العظيم من الله لقوله تعالى: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)»، وأن يتدبر ما يقرأه من الآيات القرآنية.
أمور تساعد على الخشوع في الصلاةتقديمِ السننِ على الفرائضِ؛ ففيها من اللطائفِ والفوائدِ الشيءَ الكثيرَ، ذلك أنّ النفسَ البشريةَ تتعلقُ بأمورِ الدنيا وأسبابها، فيبتعدُ القلبُ ويذهبُ الخشوعُ في الصلاةِ، فإذا قدَّم المسلمُ السننَ على الفريضةِ فإن النفسَ تأنسُ بالعبادةِ، وتتكيّفُ بالخشوعِ، فيدخلُ في الفريضةِ بحالةٍ أفضل ممّا لو دخلَ الفريضةَ من غير تقديمِ السُنّةِ.
أجمعَ العلماءُ على أنّ ما يساعدُ المسلمَ على الخشوعِ في الصلاةِ والخضوعِ للهِ -عز وجلَّ- غضُّ البصرِ عما يُلهي، وكراهةُ الالتفاتِ ورفعُ البصرِ إلى السماءِ، فيُستحَبُّ للمصلي أن ينظرَ إلى موضعِ سجودهِ إن كان قائمًا، والنظرُ إلى قدميهِ أثناءَ ركوعهِ، وفي حالِ سجودهِ إلى أرنبةِ أنفهِ، وفي حالِ تشهُّدهِ يُستحبُّ النَّظرُ إلى حِجرهِ.
ممّا يُعين المسلم على استحضار الخشوع في الصلاة معرفة كيفيّة صلاة النبي -عليه الصّلاة والسّلام-؛ حيث كان إذا دخل في صلاته طأطأ رأسه ورمى ببصره إلى موضع سجوده.
على المسلم معرفة أحوال السلف الصالح من الصحابة -رضوان الله عليهم- وخشوعهم في صلاتهم؛ لأنّ ذلك يزيد من حبّه لصلاته وخشوعه، فهم يعبدون الله -عز وجل- كأنّهم يرونه، وهو أعلى وأعظم درجات الإحسان في العبادة، فهذا أبو بكر -رضي الله عنه- يبكي في صلاته، والتابعي عروة بن الزبير يخبر الأطباء بقطع رجله عند دخوله في الصلاة لأنه لا يشعر بذلك لشدّة تعلّقه بالله -عز وجل- و خشوعه في صلاته.
أسباب تعيق الخشوع في الصلاة ..تأدية الصلاة بسرعة وعدم التأني في قراءة القرآن.
انشغال الفكر بأمور أخرى غير الصلاة.
عدم تقدير قيمة الخشوع ومكانته.
اختيار المكان غير المناسب للصلاة فيه.
موانع الخشوع في الصلاة-سيطرة الدنيا على الشخص والانشغال بها.
-عدم إدراك قيمة الصلاة وتأثيرها.
-عدم الإحساس بنعم الله.
-الظلم، ظلم الشخص لأخيه المسلم.
-معصية الله فالمعاصي تطفئ القلوب.
مراتب الخشوع في الصلاةالقراءةُ في الصلاة والتلفظِ بها مع التركيز في معانيها: فإنّ هذه الدرجة هي أدنى ما يُجزئ من الخشوع الكامل، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم بكى وهو يصلي صلاة الليل، فقال بلال رضي الله عنه: يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً فقد نزلت عليّ الليله أية، ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها: «إن في خلق السموات والأرض وإختلاف الليل والنهار لأيات لأولي الألباب.
قال عبد الرحمن بن سليمان: سألت الأوزاعي عن أدنى ما يتعلق المتعلّق وينجيه من هذا الويل؟ فأطرق هنية، ثم قال: «يقرؤهنّ وهو يعقلهنّ، وذلك أن من لم يعقل ما يقول، وسها بتفكيره عن معنى ما يقوله، فقد خرج من الخشوع إلى الغفلة، وممّا يدل على ذلك حديث عثمان رضي الله عنه: أن توضأ وضوءاً كاملاً ثم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا، قم صلّى ركعتين لا يُحدّث فيهما نفسه، غفرَ الله له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.
وممّا يدلُ على حضور القلب مع القول قولِ النبي عليه الصلاة والسلام: «أسعد الناسِ بشفاعتي يوم القيامةِ من قالَ: لا إله إلا الله خالصاً من قلبهِ أو نفسهِ» رواه البخاري.
أن يقرأها وهو يعقلها: وهي التي نتأثر بمعانيها حال قراءتها، وأنّ هذه الدرجة تزيدُ عمّا قبلها؛ وذلك بوجود التأثر من تلك المعاني، حتى يُعرف خشوعه من صوتهِ، ويتأثر به من سمعه ويحسب أنه يخشى الله فيها، فيرغبُ في آيات الوعد، ويرهب من آيات الوعيد.
وهي أن يقرأها مُتأثراً غاية التأثر بحقائقها تلك، وهذه الدرجة تزيد عمّا حتى كأنها رأي عين؛ وفي حديث حنظلة رضي الله عنه أنه قال: قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما ذاك» قال: قلت يا رسول الله نكون عندك تذكّرنا بالجنة والنار حتى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج، والأولاد، والضّيعات نسينا كثيراً فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده إنّ لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي، وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرار، وفي لفظ: “يا حنظلة ساعة وساعة، لو كانت تكونُ قلوبكم كما تكون عند الذكر لصافحتكم الملائكة حتى تسلّم عليكم في الطرق” صحيح مسلم.
-ويشعرُ صاحب هذه الدرجة من الخشوع بتقصير، وتفريط فيسأل الله تعالى من فضله راغباً، ويستعيذ من عذابه راهباً، يدفعه إلى ذلك تأثرهُ؛ لهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام في صلاة الليل: «وإذا مرّ بآية فيها تسبيح سبح، وإذامرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ» رواه مسلم. وإنّ هذه الدرجات الثلاث فسرها ابن القيم وعينها في الأقسام الثلاثة الأخيرة من مراتب الناس الخمسة في الصلاة، فقد ذكر أن القسم الثالث من حافظ على حدود الصلاة وأركانها، وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار، فهو مشغول بمجاهدة عدوّه؛ لئلا يسرقُ صلاته، فهو في صلاةٍ وجهاد، ثم بيّن رحمه الله أن هذا مكفّر عنه.
-أنّ االشخص الذي يقوم إلى الصلاة يجب أن ينهى حقوقها، وأركانها، وحدودها وأن يستغرق قلبهُ في مراعاة حدودها وحقوقها؛ لئلا يضيع شيئاً منها، وأن يكون همه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي وإكمالها، وإتمامها قد استغرق قلبهُ شأن الصلاة وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها، ثم بين رحمة الله أنّ هذا القسم مثُاب.
- وإذا قام إلى الصلاة قام إليها بكامل حقوقها وتفاصيلها، أي كما قيل في القسم الرابع، ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعهُ بين يدي ربه، ناظراً بقلبه إليه مُراقباً له ممتلئاً بمحبتهِ وعظمتهِ كأنهُ يراهُ ويشاهدهُ، فهذا بينه وبين غيره في الصلاة، أفضلُ وأعظمُ ممّا بين السماءِ والأرض، وهذا في صلاتهِ مشغولٌ بربه قرير العين ثم بين رحمة الله أن هذا القسم مقرباً إلى ربه؛ لأن له نصيباً ممن جعلت قرة عينهِ في الصلاة.