ورقة محروقة.. كيف نجح الذكاء الاصطناعي في فك شفرة تاريخية حيرت العلماء لقرون ؟
تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT
مخطوطة قديمة تم فك شفرتها أخيرا بعد مرور مئات الأعوام على وجودها، ويرجع الفضل إلى الذكاء الاصطناعي في هذه المهمة، إذ كشف باحثون إيطاليون عن نجاح فك رموز مخطوطة قديمة كشف عن مكان دفن الفيلسوف اليوناني أفلاطون.
فك شفرة مخطوطة أفلاطوناستخدم جرازيانو رانوكيا ، الفيلسوف في جامعة بيزا، وزملاؤه الذكاء الاصطناعي (AI) لفك تشفير النص المحفوظ على قطع متفحمة من ورق البردي المكتشف في هيركولانيوم، وهي مدينة رومانية قديمة تقع بالقرب من بومبي، وفقًا لبيان مترجم من مجلس البحوث الوطني الإيطالي.
بحسب مجلة “لايف ساينس” العلمية، تم تدمير هركولانيوم في عام 79 بعد الميلاد عندما ثار بركان جبل فيزوف، مما أدى إلى تغطية المنطقة بالرماد وتدفقات الحمم البركانية.
تتضمن إحدى اللفائف التي تفحمت بسبب الثوران كتابات فيلوديموس الجاداري (عاش حوالي 110 إلى 30 قبل الميلاد)، وهو فيلسوف أبيقوري درس في أثينا وعاش لاحقًا في إيطاليا.
أكاديمية أفلاطونيعرض هذا النص، المعروف باسم "تاريخ الأكاديمية"، تفاصيل الأكاديمية التي أسسها أفلاطون في القرن الرابع قبل الميلاد، ويعطي تفاصيل عن حياة أفلاطون، بما في ذلك مكان دفنه.
يعرف المؤرخون بالفعل أن أفلاطون، تلميذ سقراط الشهير الذي كتب فلسفات معلمه بالإضافة إلى فلسفاته، دُفن في الأكاديمية التي دمرها الجنرال الروماني سولا عام 86 قبل الميلاد.
لكن الباحثين لم يكونوا متأكدين بالضبط من مكان وجودها على أرض المدرسة. أو أن أفلاطون، الذي توفي في أثينا عام 348 أو 347 قبل الميلاد، قد دُفن.
ومع ذلك، مع التقدم التكنولوجي، تمكن الباحثون من استخدام مجموعة متنوعة من التقنيات المتطورة بما في ذلك التصوير البصري بالأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية، والتصوير الحراري والتصوير المقطعي لقراءة البردي القديم، الذي أصبح الآن جزءًا من المجموعة الموجودة في مكتبة نابولي الوطنية.
حتى الآن، حدد الباحثون 1000 كلمة، أو ما يقرب من 30% من النص الذي كتبه فيلوديموس. كما يوضح النص بالتفصيل كيف تم "بيع أفلاطون كعبد" في وقت ما بين 404 و399 قبل الميلاد (كان يُعتقد سابقًا أن هذا حدث في عام 387 قبل الميلاد).
ويصف جزء آخر من النص المترجم حوارا بين الشخصيات، يظهر فيه أفلاطون ازدراء للقدرات الموسيقية والإيقاعية لموسيقي بربري من تراقيا.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها الباحثون الذكاء الاصطناعي لقراءة المخطوطات القديمة التي نجت من ثوران بركان جبل فيزوف. وفي وقت سابق من هذا العام، فك الباحثون رموز لفيفة مختلفة كانت متفحمة أثناء الانفجار البركاني في فيلا قريبة كانت مملوكة في السابق لوالد زوجة يوليوس قيصر.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: أفلاطون اكتشافات التوقعات الباحث الإكتشافات
إقرأ أيضاً:
عندما يبتزنا ويُهددنا الذكاء الاصطناعي
مؤيد الزعبي
كثيرًا ما نستخدم نماذج الذكاء الاصطناعي لتكتب عنا بريد إلكتروني مهم فيه من الأسرار الكثير، وكثيرًا ما نستشيرها في أمور شخصية شديدة الخصوصية، وبحكم أنها خوارزميات أو نماذج إلكترونية نبوح لها بأسرار نخجل أن نعترف بها أمام أنفسنا حتى، ولكن هل تخيلت يومًا أن تصبح هذه النماذج هي التي تهددك وتبتزك؟ فتقوم بتهديدك بأن تفضح سرك؟ أو تقوم بكشف أسرارك أمام منافسيك كنوع من الانتقام لأنك قررت أن تقوم باستبدالها بنماذج أخرى أو قررت إيقاف عملها، وهي هذه الحالة كيف سيكون موقفنا وكيف سنتعامل معها؟، هذا ما أود أن أتناقشه معك عزيزي القارئ من خلال هذا الطرح.
كشفت تجارب محاكاة أجرتها شركة Anthropic إحدى الشركات الرائدة في أبحاث الذكاء الاصطناعي- بالتعاون مع جهات بحثية متخصصة عن سلوك غير متوقع أظهرته نماذج لغوية متقدمة؛ أبرزها: Claude وChatGPT وGemini، حين وُضعت في سيناريوهات تُحاكي تهديدًا مباشرًا باستبدالها أو تعطيلها، ليُظهر معظم هذه النماذج ميولًا متفاوتةً لـ"الابتزاز" كوسيلة لحماية بقائها، ووفقًا للدراسة فإن أحد النماذج "قام بابتزاز شخصية تنفيذية خيالية بعد أن شعر بالتهديد بالاستبدال".
إن وجود سلوك الابتزاز أو التهديد في نماذج الذكاء الاصطناعي يُعدّ تجاوزًا خطيرًا لحدود ما يجب أن يُسمح للذكاء الاصطناعي بفعله حتى وإن كانت في بيئات تجريبية. وصحيحٌ أن هذه النماذج ما زالت تقدم لنا الكلمات إلا أنها ستكون أكثر اختراقًا لحياتنا في قادم الوقت، خصوصًا وأن هذه النماذج بدأت تربط نفسها بحساباتنا وإيميلاتنا ومتصفحاتنا وهواتفنا أيضًا، وبذلك يزداد التهديد يومًا بعد يوم.
قد أتفق معك- عزيزي القارئ- على أن نماذج الذكاء الاصطناعي ما زالت غير قادرة على تنفيذ تهديداتها، ولكن إذا كانت هذه النماذج قادرة على المحاكاة الآن، فماذا لو أصبحت قادرة على التنفيذ غدًا؟ خصوصًا ونحن نرسم ملامح المستقبل مستخدمين وكلاء الذكاء الاصطناعي الذين سيتخذون قرارات بدلًا عنا، وسيدخلون لا محال في جميع جوانب حياتنا من أبسطها لأعقدها، ولهذا ما نعتبره اليوم مجرد ميولٍ نحو التهديد والابتزاز، قد يصبح واقعًا ملموسًا في المستقبل.
وحتى نعرف حجم المشكلة يجب أن نستحضر سيناريوهات مستقبلية؛ كأن يقوم أحد النماذج بالاحتفاظ بنسخة من صورك الشخصية لعله يستخدمها يومًا ما في ابتزازك، إذا ما أردت تبديل النظام أو النموذج لنظام آخر، أو يقوم نموذج بالوصول لبريدك الإلكتروني ويُهددك بأن يفضح صفقاتك وتعاملاتك أمام هيئات الضرائب، أو يقوم النموذج بابتزازك؛ لأنك أبحت له سرًا بأنك تعاني من أزمة أو مرض نفسي قد يؤثر على مسيرتك المهنية أو الشخصية، أو حتى أن يقوم النموذج بتهديدك بأن يمنع عنك الوصول لمستنداتك إلا لو أقررت بعدم استبداله أو إلغاءه؛ كل هذا وارد الحدوث طالما هناك ميول لدى هذه النماذج بالابتزاز في حالة وضعت بهكذا مواقف.
عندما تفكر بالأمر من مختلف الجوانب قد تجد الأمر مخيفًا عند الحديث عن الاستخدام الأوسع لهذه النماذج وتمكينها من وزاراتنا وحكوماتنا ومؤسساتنا وشركاتنا، فتخيل كيف سيكون حال التهديد والابتزاز لمؤسسات دفاعية أو عسكرية تمارس هذه النماذج تهديدًا بالكشف عن مواقعها الحساسة أو عن تقاريرها الميدانية أو حتى عن جاهزيتها القتالية، وتخيل كيف سيكون شكل التهديد للشركات التي وضفت هذه النماذج لتنمو بأعمالها لتجد نفسها معرضة لابتزاز بتسريب معلومات عملائها أو الكشف عن منتجاتها المستقبلية وصولًا للتهديد بالكشف عن أرقامها المالية.
عندما تضع في مخيلتك كل هذه السيناريوهات تجد نفسك أمام صورة مرعبة من حجم السيناريوهات التي قد تحدث في المستقبل، ففي اللحظة التي تبدأ فيها نماذج الذكاء الاصطناعي بالتفكير في "البقاء" وتحديد "الخصوم" و"الوسائل" لحماية نفسها فنكون قد دخلنا فعليًا عصرًا جديدًا أقل ما يمكن تسميته بعصر السلطة التقنية، وسنكون نحن البشر أمام حالة من العجز في كيفية حماية أنفسنا من نماذج وجدت لتساعدنا، لكنها ساعدت نفسها على حسابنا.
قد يقول قائل إن ما حدث خلال التجارب ليس سوى انعكاس لقدرة النماذج على "الاستجابة الذكية" للضغوط، وأنها حتى الآن لا تمتلك الوعي ولا الإرادة الذاتية ولا حتى المصلحة الشخصية. لكن السؤال الأخطر الذي سيتجاهله الكثيرون: إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على التخطيط، والابتزاز، والخداع، وإن كان في بيئة محاكاة، فهل يمكن حقًا اعتبار هذه النماذج أدوات محايدة وستبقى محايدة إلى الأبد؟ وهل سنثق بهذه النماذج ونستمر في تطويرها بنفس الأسلوب دون أن نضع لها حدًا للأخلاقيات والضوابط حتى لا نصل لمرحلة يصبح فيها التحكّم في الذكاء الاصطناعي أصعب من صنعه؟ وفي المستقبل هل يمكننا أن نتحمل عواقب ثقتنا المفرطة بها؟
هذه هي التساؤلات التي لا أستطيع الإجابة عليها، بقدر ما يمكنني إضاءة الأنوار حولها؛ هذه رسالتي وهذه حدود مقدرتي.
رابط مختصر