لم تمض إلا بضع سنوات على افتتاحه، حتى تحوَّل «ميدان الثقافة والفن» بنزوى إلى مكان عامر بالأتربة المتكدِّسة، والعمال الآسيويين اتخذوه مُستراحًا للتدخين وشرب الشاي، تسع سنوات مضت على افتتاحه عام 2015م، بعد أن تم تنفيذه في مركز المدينة، ضمن البرنامج الثقافي لنزوى عاصمة للثقافة الإسلامية، والحال الذي عليه لوحاته اليوم لا تسر الناظرين.

كنت أتابع تنفيذ هذا الميدان منذ أيامه الأولى، بحضور مجموعة من التشكيليين العمانيين، الذين أقاموا في نزوى أيامًا، يأتون إلى الميدان كل يوم، لرسم لوحات على حوامل إسمنتية خصصت لذلك، إحدى عشرة لوحة رسمتها ريشة فنانين متحققين، لهم الخبرة في تشكيل لوحات فنية، بين الحروفيات، والرُّسومات التعبيرية والتجريدية، وأعمال فنية أخرى، كالنَّحت والرَّسم على الجرار، والتشكيل الخطي، وسكبَ كل فنان ما استوحاه من مدينة نزوى.

في عام 2015م، العام الذي احتفلت فيه نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية، أقيمت فعاليات ثقافية وفنية كثيرة، سلطت الضوء على تاريخ المدينة، وأبرزت مكوناتها الثقافية، ونفذت مشروعات ثقافية، من بينها إنشاء «ميدان الثقافة والفن»، في قلب نزوى القديمة، وسوقها التجاري النابض بالحركة والنشاط، وقريب من القلعة الأثرية، والمُجسَّم التذكاري الشبيه بمنارة.

نفذ الميدان كل من وزارة التراث والثقافة، والجمعية العمانية للفنون التشكيلية، في مسمياتهما السابقة، ورشحت الجمعية مجموعة من الفنانين العمانيين، لتنفيذ أعمال فنية في هذه الميدان، ليطلق كل فنان خياله، فيرسم لوحة يستوحيها من تراث وتاريخ المدينة، أو من معايشاته التي ترمز للمدينة، وقد أبدع المشاركون في رسم لوحات وُصِفت بالجداريات، نفذت على حوامل إسمنتية، إلى جانب أعمال فنية أخرى، كالمجسَّمات، والمنحوتات، والجرار الفخارية، رسم عليها بعض الفنانين حروفيات، تعكس ملمحًا من التراث الخطي العماني، فمن نزوى خرج فقهاء وشعراء تركوا إرثًا ثقافيًا وفكريًا، حفظته المخطوطات.

إحدى عشرة لوحة جدارية، ومجموعة من الجرار الفخارية، وأعمال نحتية أخرى، كتبت أسماء مبدعيها في صفائح صغيرة، رصِّعت بجانب كل لوحة، منهم: أنور سونيا، وأيوب بن ملنج البلوشي رحمه الله، وافتخار البدوي، وحمد السليمي، وخلود الشعيبية، وخليل الكلباني، وزهرة الغطريفية، وسالم الكلباني، وسعود الحنيني، وعدنان الرئيسي، وعبدالمجيد كاروه، وفخراتاج الاسماعيلية، ومحمد الصايغ، ونبيلة دشتي، فنانون مبدعون، أقاموا في نزوى بضعة أيام خلال عام 2015م، فرسموا أعمالًا فنية، حولت الميدان إلى جاليري مفتوح في الهواء الطلق، لكنها بعد سنوات اهترأت تلك اللوحات، وبهتت فيها الألوان، وطال العبث بكل عمل مرسوم داخل الجدار، أو المنحوتات القائمة، فسقط أحدها طريحًا على الأرض، كالعمل النحتي للنحات الراحل أيوب ملنج، يبدو أشبه بكائن منتَحِر، حُزنًا على وفاة صاحبه.

ولكن ما هي اللوحات التي رسمها الفنانون في ميدان الفنون بنزوى؟

هناك عدة أعمال فنية شارك بها الفنان المحترف أنور سونيا، إذ لم تقتصر مشاركته على رسم لوحة جدارية، عكست صورة تجارية للناس في السوق، بل قام بالرسم على الجرار الفخَّارية: «الخروس»، وحوَّلها إلى قطع فنية، وهذا العمل ذكرني بحروفيته التي رسمها على مُجسَّم «المَها» ذات يوم، بالاشتراك مع مجموعة من الفنانين، عرضت بعد ذلك في أكثر من معرض، من بينها متحف بيت الزبير.

وشاركت الفنانة فخراتاج الإسماعيلية، برسم لوحة تتمحور فكرتها حول: «نزوى بيضة الإسلام»، و«نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية»، جسَّدت فخراتاج في لوحتها نافذة تطل على جامع قلعة نزوى، مع مشهد يظهر القلعة، وحولهما إطار إسلامي، ولكن لم يبق من هذه اللوحة إلا بقع لونية، فقد اهترأت وأصبحت تالفة، ويبدو أن لوحة فخراتاج من أكثر اللوحات التي تعرَّضت للتلف بعد مرور تسع سنوات، وكذلك لوحة زميلتها التشكيلية نبيلة دشتي، التي رسمت لوحة تجريدية، جسدت فيها قبة جامع نزوى، مع رموز فنية أخرى، مثلت جانبًا من الموروث التراثي في المدينة، واصطبغت لوحتها باللون الذهبي، ممزوجًا بألوان الفجر والشفق، وكأنها اختزلت في عملها ألوان النهار.

أما زهرة الغطريفية، وهي من مدينة نزوى، فقد رسمت من وحي خيالها ملمَحًا مستوحى من تراث المدينة، أظهرت في لوحتها الحارة ومآذن المساجد والأبراج، اجتمعت معًا في لوحة واحدة، جامعة بين استلهامات المدينة ومناسبتها الثقافية.

ورسم الفنان حمد السليمي صورة فتاة تلوح من سحنتها نضارة الحياة، هكذا بدت في يوم افتتاح الميدان لتمثل وجه الحياة الباسم، ترتدي الفتاة عِقدًا فضيا، وحولها بعض المصنوعات الفخارية والنحاسية، وما تزال اللوحة كما رسمها الفنان.

أما النحاتة خلود الشعبية فقد نحتت عملًا تجريديًا، يمثل التلاحم والتعانق بين الناس، وأظهرت لوحة افتخار البدوي ملابس المرأة العمانية وبعض المشغولات اليدوية.

ولا تزال لوحة الفنان سعود الحنيني صامدة، لم تتأثر بحرارة الطقس والرطوبة، جسَّدت لوحته صورة من إحدى شرفات قلعة نزوى، وعكست ملمحا داخليا من القلعة، وفي وسط اللوحة تظهر مئذنة الجامع وقبته الزرقاء، ومن ورائهما تلوح الجبال الوردية، فيما تزيِّن السحب جانبًا من اللوحة.

وجسَّدت لوحة سالم السَّلامي، صورة من نزوى لشاب يقود درَّاجة نارية، وهي إحدى خصوصيات الحياة في نزوى أكثر من غيرها، فالدرجات هي الوسيلة الأشهر في التنقل بين البيت والسوق، والمدرسة، والأندية، لدى فئة الشباب الذكور، وتظهر مدينة نزوى في خلفية اللوحة، وللأسف الشديد فهذه اللوحة من بين اللوحات التي اهترأت وبهتت ألوانها، بل يكاد تكون ملامحها ذابت، ولم تعد إلا في خيال الفنان، أو في الواقع، حيث نشاهد يوميًا فتيانًا يركبون الدرَّاجات، وكأن أحدهم خرج من إطار اللوحة الصَّغير إلى نهار الحياة.

ولا يزال الفنان الحروفي محمد الصائغ، يتمثل أمامي وفي خيالي، وأنا أراه يرسم لوحته الحروفية الجميلة، وقد التقطت له مجموعة من الصور الضوئية، كان الفنان منهمكًا في رسم شكل إسلامي، يمثل قبة الجامع، مع امتداد أنيق لحرف الألف، الذي تجسَّد على شكل جذع نخلة خضراء، كما بدت الحروف في قاع اللوحة أشبه بأوراق نباتات خضراء، ولعل الفنان أوْمَأ من خلال لوحته، إلى الطبيعة الخضراء في مدينة نزوى.

هذه نظرة سريعة إلى الأعمال الفنية المنجزة فيما يعرف بـ«ميدان الثقافة والفن» بنزوى، وقد كان الأمل استغلال الميدان، والاستفادة من ركن المكتبة الذي بداخله، ليقدم للزائر والسائح صورة عن الفعاليات الثقافية والفنية التي تقام في نزوى، وعرض خرائط وكتب تعريفية بأهم المعالم التراثية في نزوى، فهل أُنجِز ما تم التصريح به؟، كان الأمل أن يستفاد من هذا المكان الجميل، بإقامة فعاليات أدبية، وورش فنية متجددة، ولو ليوم واحد في الشهر، في مساء نزوي ذهبي النسمات، أو تحويل جانب منه إلى مكان لبيع الكتب، وما أكثر الكتب التي صدرت عن نزوى تاريخًا وحضارة.

إن «ميدان الثقافة والفن»، يجب ألا يكون مهملًا، وإهمال تلك اللوحات التي تزينه، والأعمال الفنية المعروضة فيه، يفقدها قيمتها وتبهت فيها إشراقتها، فقد رأيناها في يوم الافتتاح تُحفًا فنية، تستحق من الزائر نظرة تأمل، وكأنه داخل متحف في فضاء مفتوح، ولعل الأنسب محاكاتها بأعمال جديدة من هواة الرَّسم، واستضافة أحد من أولئك المشاركين بين الحين والآخر، ليقيم ورشات تدريبية للطلبة، أو هواة الرَّسم، وتخصيص يوم لإقامة هذه الفعالية المفتوحة، ويومًا بعد آخر سيتزايد الإقبال.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: اللوحات التی أعمال فنیة مجموعة من فی نزوى

إقرأ أيضاً:

عاجل ـ غزة تنزف من جديد.. آخر تطورات الميدان تحت القصف والدمار

استشهد 12 فلسطينيًا وأصيب العشرات بجروح مختلفة، في قصف الاحتلال الإسرائيلي اليوم، على مناطق متفرقة في قطاع غزة.
ترافق ذلك مع عمليات نسف لمنازل وممتلكات الفلسطينيين في الأحياء الشرقية من مدينة غزة.
 

ضحايا القصف الإسرائيلي على غزة

وأفادت مصادر طبية فلسطينية، باستشهاد سبعة فلسطينيين في قصف إسرائيلي استهدف شمال قطاع غزة، واستشهاد ثلاثة آخرين في قصف وإطلاق نار بموقع توزيع المساعدات بمحور نتساريم وسط القطاع.
وأشارت إلى استشهاد شابين وإصابة عدد آخر بجروح وصفت بعضها بالخطيرة، في قصف إسرائيلي استهدف موقع توزيع المساعدات بمدينة رفح جنوب القطاع. 
 

الوضع الإنساني في قطاع غزة يزداد سوءًا

قال الناطق باسم منظمة "اليونيسف" جيمس إلدر، إن الوضع في قطاع غزة يزداد سوءًا يومًا بعد آخر، في ظل الحصار والهجمات الإسرائيلية المستمرة.

وأضاف "الدر" في تصريحات إعلامية اليوم الأحد، أن العائلات الفلسطينية في قطاع غزة تعاني الأمرّين لتأمين وجبة يومية واحدة لأطفالها، حيث تدخل إلى غزة "كميات من القنابل والصواريخ تفوق بكثير ما يدخل من الأغذية".

ووصف الحالة الإنسانية في القطاع بأنها "قاتمة ومروعة ومحطّمة للآمال".

وأشار إلى أن الآمال التي ولدت عقب الحديث عن وقف لإطلاق النار في غزة تحسنت قليلًا، حيث شهدت المنطقة تدفقًا جزئيًا للمساعدات وتحسنًا محدودًا في إمدادات المياه والغذاء.

وتابع "إلا أن هذا التفاؤل ما لبث أن تلاشى، بعدما واجه القطاع حصارًا كارثيًا للمساعدات".

وأضاف أن "سكان غزة يعيشون ليال قاسية تحت القصف، ويقضون أيامهم وهم يهربون من الجوع والانفجارات"، مؤكدًا أن "كل ما عرفناه من قدرة الناس على التحمّل قد تحطم تمامًا".

وأردف أن "العالم يبدو منشغلًا فقط برؤية الجرحى والحديث عن المساعدات، متجاهلًا العبء النفسي الهائل الذي يعيشه السكان، والواقع القاسي للعائلات التي تُجبر على النزوح مرارًا بعد فقدان كل شيء.

ولفت إلى أن العديد من الأسر تقيم في خيام منذ ستة أشهر، تحت نيران الدبابات، ويُجبرون الآن على الانتقال من جديد، مؤكدًا أن غزة تعيش هذا المشهد المأساوي منذ أكثر من 600 يوم.

وأشار إلى أن الأمهات يقضين يومين من دون طعام ليتمكنّ من توفير وجبة واحدة لأطفالهن.
وبين أن تقدير أعداد الأطفال الذين يموتون جوعًا يوميًا أو أسبوعيًا أمر بالغ الصعوبة في مثل هذه الظروف، لكنه شدد على أن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية يموتون "لأسباب بسيطة كان يمكن علاجها بسهولة".

وأوضح أن "سوء التغذية الحاد يزيد احتمال وفاة الطفل بسبب أمور بسيطة بمقدار 10 مرات. هذه هي الحلقة المميتة التي تقتل الأطفال. نقص الغذاء، تلوث المياه، وانعدام الرعاية الصحية الأساسية".

وحذّر من أن الوصول إلى المستشفيات لم يعد آمنًا للأطفال المرضى أو الذين يعانون من سوء التغذية، مؤكدًا أن المستشفيات نفسها لا تتوفر فيها المستلزمات الطبية الأساسية.

وقال إلدار: "ربما تصل نسبة المساعدات الإنسانية إلى 10% فقط مما يحتاجه الناس فعلا. تدخل إلى غزة كميات من القنابل والصواريخ تفوق كثيرًا ما يدخل من الأغذية".

ونوه إلى أنه خلال فترة وقف إطلاق النار، تمكنت الأمم المتحدة وشركاؤها الفلسطينيون من إنشاء 400 نقطة توزيع لتقديم المساعدات الإنسانية.

وأكد أنهم استطاعوا عبر هذا النظام الوصول إلى المحتاجين بشكل فعّال.

وانتقد "الدار" النظام الجديد لتوزيع المساعدات الذي يتم فرضه حاليًا في جنوب غزة من قبل "صندوق المساعدات الإنسانية لغزة" المدعوم من الولايات المتحدة و"إسرائيل". ووصفه بأنه "عسكري الطابع" ويشمل فقط مواقع محدودة للتوزيع.

وأضاف "هذا النظام يؤدي يوميًا لسقوط ضحايا، حيث يُقتل أطفال فقط لأنهم كانوا يحاولون الحصول على علبة طعام".

وتابع محذرًا: "الآن تم تصميم نظام من قبل إسرائيل عمدًا لدفع السكان من شمال القطاع إلى جنوبه، وهو يهدد بتقويض نظام توزيع المساعدات الفعّال الذي أنشأناه". 

وبدعم أميركي مطلق، ترتكب قوات الاحتلال منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 جرائم إبادة جماعية في غزة تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، خلفت أكثر من 183 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات آلاف النازحين.

مقالات مشابهة

  • الخضيري: من يعاني من الشحوب عليه بالغذاء المتوازن الذي يشمل كل نوع
  • عاجل ـ غزة تنزف من جديد.. آخر تطورات الميدان تحت القصف والدمار
  • جامعة نزوى تتصدر الجامعات العمانية في النشر العلمي
  • الوجه الأكثر شهرة في التاريخ.. أسرار لوحة السيدة التي خلدها دافنشي.. من هي ليزا ديل جوكوندو المرأة التي حيّرت البشرية؟
  • ميدان نجران للهجن يعلن نتائج سباقه لسنّ “المفاريد”
  • ما المبلغ الذي سيحصل عليه الفائز بكأس العالم للأندية 2025؟
  • كريم الحسيني يعبر عن سعادته لحضور وزير الثقافة عرض مسرحية «كازينو» | صورة
  • تحفة فنية نجت من انفجار بيروت.. والترميم يكشف هوية الرسامة
  • تقرير إسرائيلي: رفح مُحيت وهي ليست المدينة الوحيدة التي أبادها الجيش
  • عروض فنية وندوات وورش رسم وأشغال يدوية بمختلف بيوت الثقافة والمكتبات العامة والفرعية بالفيوم