نواكشوط- في محيط ملتهب بالصراعات والحروب وسياق زمني يواجه فيه الصحفيون حول العالم أبشع المخاطر التي تعيق عملهم وتهدد حياتهم، برزت موريتانيا في 2024 كنموذج في حرية الصحافة عربيا وأفريقيا، واحتلت المركز 33 عالميا خلف النمسا ومتفوقة على دول غربية عظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية.

واحتفلت موريتانيا بتصنيفها من طرف منظمة مراسلون بلا حدود كأفضل بيئة للعمل الصحفي في أفريقيا والعالم العربي، في الوقت الذي تراجع فيه مؤشر حرية الصحافة في أغلب دول العالم، وصنفت فيه منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط على أنها الأسوأ للصحافة تليها منطقة آسيا والمحيط الهادي ثم أفريقيا.

وحققت موريتانيا قفزة نوعية حيث تقدمت بـ53 نقطة هذا العام، بعدما حصلت العام الماضي على المرتبة 86 عالميا، وعلى خلاف ما أفاد به تقرير مراسلون بلا حدود، يعتقد كثير من الصحفيين الموريتانيين أن البلاد شهدت تقهقرا في حرية الصحافة خلال السنوات الأخيرة.

من وقفة لصحفيين موريتانيين ضد استهداف الصحفيين (مواقع التواصل ) عوامل

وعبرت وزارة الثقافة الموريتانية عن سعادتها بهذا التصنيف وقالت في بيان لها إنه "شهادة بارزة وتثمين للجهود الجبارة التي بذلتها الحكومة لتمهين الحقل الصحفي وتمكينه من ممارسة عمله في جو تطبعه الحرية والاحترافية".

ويرى نقيب الصحفيين الموريتانيين أحمد طالب ولد المعلوم أن تصدر نواكشوط مؤشر حرية الصحافة لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة عدة عوامل، من بينها جو التهدئة الذي فتحه رئيس الجمهورية الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني منذ توليه الحكم وتشكيله لجنة لإصلاح قطاع الإعلام، كان لها دور كبير في رصد وتتبع الإخفاقات والمشاكل بعد التشاور مع العمداء والفاعلين في الحقل.

ويضيف للجزيرة نت أن هناك فضاء من الحريات أدى إلى هذه القفزة، حيث يشعر الصحفي في موريتانيا أثناء عمله أنه غير مهدد بالسجن، "حتى إنه يكتب في بعض الأحيان أشياء نعتبرها في النقابة غير مهنية وتتخطى حدود الحرية وفيها تطاول على الآخرين وعلى الدولة أو الرموز، ومع ذلك لا يتم توقيفه ولا حتى مساءلته".

في عام 1978، شهدت موريتانيا أول انقلاب في تاريخها أُلغي بعده العمل بدستور 1961 ولم تعترف المؤسسة العسكرية التي تعاقبت على الحكم لفترات طويلة بحرية الصحافة.

وإن كان عام 1988 يعد البداية الفعلية للصحافة المستقلة في موريتانيا، فإن حرية الصحافة ظلت محدودة في البلاد، تصادَر فيها الصحف والمجلات ويتم فيها التضييق على الصحفيين إلى أن تم إلغاء حق المصادرة وسجن الصحفي بسبب النشر، في الفترة الانتقالية 2005-2007.

لهذا يعتبر نقيب الصحفيين أن هذا التصنيف جاء نتيجة لمسار طويل من نضال الهيئات الصحفية والعاملين في المجال، و يوضح أن النقابة كانت دائما تطالب الجهات المعنية بضرورة تعزيز الحرية وتسهيل ولوج الصحفي للمعلومة ومصادر الخبر.

وتمنع القوانين الموريتانية منعا باتا أن يُسجن صحفي مارس حقه في النشر، وحسب النقيب قد يشكو مواطن من صحفي وهذا أمر طبيعي، "لكن إلى حد الساعة وبعد انقضاء مأموريتنا في النقابة لا يوجد في البلاد صحفي واحد سجين بسبب نشره لخبر ما مهما كان".

إخفاقات قانونية

وتؤكد منظمة مراسلون بلا حدود في تقريرها أن موريتانيا، ومنذ إلغاء تجريم المخالفات الصحفية فيها عام 2011، أصبح بإمكان الصحفيين العمل في بيئة أقل قمعا، رغم أنهم يعيشون هشاشة كبيرة.

ورغم النقاط الإيجابية التي سجلها التقرير لموريتانيا، فإنه مع ذلك اعتبر أن"قانون الرموز 2021″ في البلاد قد يشكل عائقا أمام الصحفيين، بسبب بعض مواده التي قد يتم تأويلها لقمع الصحفيين في حالة حديثهم عن بعض المواضيع والشخصيات.

وباعتقاد الصحفي أسند محمد سيدي رئيس نقابة متعاوني الإعلام العمومي وعضو نقابة الصحفيين، فإن تصنيف مراسلون بلا حدود لموريتانيا في حرية الإعلام "بُني على مغالطات"، واتهم المشاركين في استبيان الشبكة في نواكشوط بأنهم قدموا "معلومات مغلوطة لها".

وقال أسند للجزيرة نت إن هذه السنوات الأخيرة شهدت تراجعا مؤسفا ومقلقا لحرية الصحافة وخلالها تمت المصادقة على قانون الرموز المكمم للأفواه، مضيفا أن موريتانيا فيها تضييق شديد على الصحفيين يمنعهم من كشف الحقائق خوفا من السجن أو التغييب أو الإقالة، وفق تعبيره.

وذكر أنهم يواجهون الكثير من الحوادث المماثلة التي تقع للصحفيين ورؤساء المواقع الإعلامية بسبب شكاوى مقدمة من وزراء ومسؤولين في الحكومة مجهولي الهوية، فتستدعيهم الشرطة أو الدرك للتحقيق معهم.

أما نقيب الصحفيين ولد المعلوم فيرى أن قانون الرموز فيه بعض الفقرات التي قد تُتخذ يوما ما مطية للتضييق على الصحفيين، لكنه حتى الآن لم يؤثر على أجواء الحريات.

ظروف صعبة

وتعاني الصحافة الخاصة من صعوبة الحصول على المعلومة ويقول أسند إن الصحفي لا تتوفر لديه الوسائل لمتابعة الحدث والولوج إلى المعلومة، مستشهدا بالأحداث الحالية في الشمال وكمية التعسر الموجودة للنفاذ إلى المواقع الحدودية وتغطية الخبر، وفق تصريحه.

ويُرجع نقيب الصحفيين ذلك إلى "الميوعة التي تفتك بالمهنة في موريتانيا، لهذا بعض المسؤولين قد يخشى من تقديم معلومات لأشخاص هم أصلا ليسوا أهلا لذلك"، حسب رأيه.

ولا يخفي النقيب رفضه لهذا التبرير مشددا على أن الصحفي يجب أن يحصل على المعلومة التي يطلبها، من أجل منعه من اللجوء إلى الأخبار الكاذبة والمزايدات وبث شائعات، لأن شح المعلومة يحفز غير المهنيين إلى اللجوء إلى الشائعات التي قد تزعزع الأمن والمجتمع.

ورغم تعهد الحكومة بتحسين ظروف عمل الصحفيين، فإن وضعهم لا يزال يتسم بالهشاشة، كما وصفه تقرير المنظمة، فوسائل الإعلام المستقلة محرومة من إعلانات القطاع العام منذ أن أصدر النظام السابق مذكرة بهذا الخصوص.
ويُعد صندوق الدولة لدعم الصحفيين المتنفس السنوي الوحيد المتبقي الآن للصحافة الخاصة أو ما تبقى من ريع عقود ضعيفة مع شركات الاتصال.

في السياق، أكد نقيب الصحفيين ولد المعلوم أن الصحافة الخاصة تعاني كثيرا بعد أن فقدت مصادر تمويلها، وهو ما يتطلب إعادة النظر في قانون الإشهار وقانون تطبيق المزايا الذي يعود بالنفع على هذه المؤسسات الصحفية. وبرأيه، فإن هذه الوضعية وراء التراجع الملحوظ في الصحافة المكتوبة بسبب مشاكل إيجار المقرات ورواتب الموظفين وتكاليف السحب والنشر والتوزيع.

ولا تتوقف هذه الهشاشة عند الإعلام الخاص، بل تتعداه إلى فئة المتعاونين في الإعلام العمومي الذين يمثلون 70% من العاملين في جميع مؤسسات هذا الإعلام، أغلبهم أرباب أسر يعملون برواتب متدنية ودون عقود تضمن حقوقهم.

 

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات مراسلون بلا حدود نقیب الصحفیین حریة الصحافة

إقرأ أيضاً:

منظومة التصدي للشائعات.. قيد مصري جديد على حرية الرأي

كلف مجلس الوزراء المصري وزارة العدل في البلد العربي الأفريقي الأكثر سكانا بالشرق الأوسط (108 ملايين نسمة في الداخل) بإعداد مشروع قانون تغليظ عقوبات "الترويج للشائعات" عن الأمن والاقتصاد، عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية والمواقع الصحفية.

وفي ظل حملات النقد المتواصلة لسياسات رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي (2014- 2030)، الأمنية (اعتقال أكثر من 60 ألف مصري)، والاقتصادية (الاعتماد على الاستدانة الخارجية 161.2 مليار دولار) تسعى السلطات لزيادة العقوبات التي يقرها القانون بالحبس والغرامة لـ"كل من أذاع عمدا أخبارا أو بيانات أو شائعات كاذبة".

إعلان مثير وتوتر وغضب
البيان الحكومي الصادر من قلب الحي الحكومي شديد الرقي ب"العاصمة الجديدة"، الأربعاء الماضي، أكد أن عقوبات نصوص قانون العقوبات بشأن جرائم الترويج للشائعات، أو نشر الأخبار الكاذبة غير كافية، ويجب إعادة النظر فيها وتشديدها بصورة تتناسب مع خطورة الجرائم، وأثرها على الأمن المجتمعي والاقتصاد الوطني.

وفي ذات السياق، كلفت الحكومة وزارة الاتصالات بوضع وتنفيذ برنامج تدريبي للعاملين بالدولة، للارتقاء بقدراتهم الفنية بتتبع الشائعات، والتحقق من صحتها، ما اعتبره معارضون توجها أمنيا خطيرا يتيح تجسس الموظفين الحكوميين على المواطنين وزملائهم، بما يعرض السلم المجتمعي للخطر.

تسبب الإعلان في توتر بالشارع السياسي والقانوني والصحفي، وقوبل بالانتقادات والاتهامات للحكومة بأنها "لم تكتف بما أصدرته من (قوانين سالبة للحريات)، وتعديلات على قوانين سابقة منذ العام 2013 وحتى 2025.

وأعرب صحفيون عن مخاوفهم من تكبيل أكبر لعملهم، وتعرضهم ونشطاء مواقع التواصل للعقوبات المحتملة، وتحول الصحافة رغم ما طالها من قيود إلى صحافة لا تعتمد التحليل وقراءة الأرقام والأحداث وتكتفي بالبيان الحكومي فقط.

وفي بيان رافض للتوجه الحكومي، قال نقيب الصحفيين المصريين خالد البلشي، إن الحكومة "اختارت الطريق العكسي لمواجهة الشائعات، وهو تغليظ الغرامات"، داعيا إلى "إقرار قوانين مكملة للنصوص الدستورية الخاصة بحرية تداول المعلومات، ومنع العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر".

وفي إطار انتقادهم للتوجه الحكومي، يرى مراقبون أن "رأس النظام قد يكون استبق خطط نظامه المحتملة، والتي يمهد لها الإعلام الموالي، لتعديل الدستور، ومد فترة ولايته الرئاسية بعد 2030، بوضع نصوص قانونية أكثر تشددا لمنع انتقادات المصريين في هذا الملف، وحول أزمتي الاقتصاد، وجرائم التعامل الأمني المفرط".

عقوبة النشر
تعتمد عقوبة نشر الشائعات والأخبار الكاذبة على نية الناشر والوسيلة المستخدمة والأثر المترتب على النشر، ففي (المادة 188) من قانون "العقوبات"، يعاقب بالحبس سنة وبغرامة بين 5 و20 ألف جنيه (أو بإحدى العقوبتين) من قام بسوء قصد بنشر أخبار أو بيانات أو شائعات كاذبة أو مغرضة.

(المادة 30) من قانون "الجرائم الإلكترونية"، الأكثر تطبيقا، تعاقب بـ"الحبس سنة وبغرامة بين 50 و200 ألف جنيه (أو بإحدى العقوبتين)، وتُشدد العقوبة بالحبس سنتين إذا تم إنشاء حساب خاص أو موقع أو بريد إلكتروني بهدف ارتكاب هذه الجريمة، وفق (المادة 31).



وعلى الأغلب، وبموجب قانون "مكافحة الإرهاب"، توجه النيابة العامة تهمة نشر الشائعات والأخبار الكاذبة مع تهم أخرى أشد خطورة: "التحريض ضد مؤسسات الدولة"، و"استخدام وسائل التواصل بارتكاب جريمة"، و"الانضمام لجماعة إرهابية"، في تكييف قانوني يهدف تغليظ العقوبة، والحبس الاحتياطي لفترات طويلة.

وفي مؤشر حرية الصحافة لـ"منظمة مراسلون بلا حدود" عن عام 2025، تحل مصر بالترتيب: 170 من أصل 180 دولة، ما يضعها بالفئة "الأسوأ" عالميا، ويشير إلى حجم القمع، وملاحقة الصحفيين والنشطاء والقوانين المقيدة للعمل الصحفي.

وبحسب "منظمة الشفافية الدولية"، تقبع مصر بالمرتبة 130 من أصل 180 دولة وهو ترتيب متدين بـ"مؤشر مدركات الفساد"، لعام 2025، مسجلة "30 نقطة من أصل 100".

قوانين سابقة.. لماذا لا تكفي؟
ولفت مراقبون إلى إقرار السلطات المصرية عشرات المواد والقوانين السالبة للحريات منها "قانون التظاهر" رقم (107 لسنة 2013) الذي فرض قيودا على حرية التجمع السلمي، مع فرض عقوبات قاسية على المخالفين، والداعين للتظاهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ووسع قانون "مكافحة الإرهاب" رقم (94 لسنة 2015)، النطاق القانوني لقمع حرية التعبير والتجمع وحرية الصحافة، واستهداف المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان.

ومكن قانون "الكيانات الإرهابية" رقم (8 لسنة 2015) السلطات من وصم المعارضين والأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية بـ "الإرهاب"، مع عقوبات تجميد الأموال وحظر السفر وفقدان الحقوق المدنية.

وبينما أتاح قانون "الخدمة المدنية" رقم (81 لسنة 2016)، للحكومة سلطة فصل الموظف العام، المتهم بقضايا سياسة، وسع قانون "مكافحة جرائم تقنية المعلومات" رقم (175 لسنة 2018)، سلطة حجب المواقع، وتقييد حرية التعبير على الإنترنت.

وعزز قانون "تنظيم الصحافة والإعلام" رقم (180 لسنة 2018) سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية مع عقوبات الحجب وتوقيع العقوبات الإدارية والمالية، مما قوّض الاستقلال الفعلي وحرية الرأي والتعبير.

وبتفعيل تلك القوانين تفرض مصر منذ أكثر من 12 عاما، قيودا على حرية الرأي والتعبير، وتوجه نيابة أمن الدولة العليا لآلاف المعتقلين السياسيين تهما تحمل طابعا سياسيا منها: "نشر أخبار وبيانات كاذبة" و"إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي".

ما عرض مئات الصحفيين والحقوقيين للتوقيف والإخفاء القسري الحبس الاحتياطي والمحاكمة والسجن بسبب آرائهم أو منشوراتهم، بجانب حجب أكثر من 600 من المواقع الإخبارية والحقوقية، والاستمرار في الملاحقات القانونية للنشطاء والمعارضين، وتكبيل الحق في التظاهر السلمي، واستمرار القيود على المجتمع المدني.

في تقريرها الصادر في كانون الثاني/ يناير 2025، ذكرت لجنة حماية الصحفيين، أن مصر بالمرتبة السادسة عالميا من حيث عدد الصحفيين المسجونين، الذين يصلون لنحو 24 صحفيا في تقدير نقابة الصحفيين، وحوالي 37 صحفيا، وفق تقديرات أخرى.

إعادة اختراع العجلة
وفي قراءته قال الكاتب الصحفي والإعلامي المصري المقيم في الولايات المتحدة محمد السطوحي: "لا يمكننا إعادة اختراع العجلة كل مرة في أمور صارت حقائق معروفة في العالم كله؛ فانتشار الشائعات يرتبط بغياب المعلومات والحقائق، وبالتالي علاجها يبدأ وينتهى بمزيد من الشفافية وليس فرض سلسلة جديدة من القوانين".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "ونلاحظ أن أغلب من يتم إلقاء القبض عليهم منذ سنوات توجه إليهم تهمة (نشر أخبار كاذبة)، بما يعنى أن أجهزة الدولة لا تجد ما يعيق حركتها من الناحية القانونية".

ولفت إلى أن "المفارقة هي أن الأخبار الكاذبة هنا ذات لون واحد؛ فهي صادرة عن الناس وتعطى صورة سلبية عن الأوضاع في حين مثلا نجد كبار المسئولين وبعض الإعلاميين يغرقون وسائل الاتصال بتصريحات وردية ثبت خطؤها ولا تتم محاسبتهم".

وتساءل: "فماذا عمن قال إن (الدولار سينزل لأربعة جنيهات)؟، أو من طلب من الناس على شاشات التلفزيون أن يتخلصوا من الدولار لأن سعره سيهبط؟، هل تتم محاسبتهم بنفس المنطق والقانون؟، أم هي فقط لمن يحذر من خطورة بعض السياسات أو يرصد بعض السلبيات والأخطاء؟".

وأعرب عن تفهمه أن "افتقاد الثقة له تأثيرات سلبية كبيرة على الاقتصاد؛ لكن علاج ذلك يكون بخلق واقع أفضل ينعكس في تحسن حياة الناس وليس الاكتفاء بأدوات أمنية وقانونية".

وفي نهاية حديثه وعن وضع الصحافة المصرية في ظل القانون المرتقب، قال: "لا أظنها بحاجة لقوانين جديدة، بعد أن تحولت بالفعل لخناقات بير السلم حول الكرة والفنانين".

الأخطر من القوانين

في تقديره، قال الخبير المصري في الاستراتيجية وإدارة الأزمات، الدكتور مراد علي، لـ"عربي21"، إن "الإشكالية الحقيقية في مصر لا تتعلق بالقوانين أو اللوائح، ولا بغياب أدوات قانونية لدى الدولة، بل على العكس تماما".

أوضح أن "مصر تعيش حالة تضخم تشريعي غير مسبوق منذ 2013، حيث صدرت عشرات القوانين والقرارات التي تقيّد الحريات العامة، وتمنح السلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية صلاحيات واسعة للاعتقال، والحبس الاحتياطي المطوّل، وتجريم الرأي، وتقييد الإعلام والمجتمع المدني".



ويرى أنه لذلك "فالنظام في مصر لا يحتاج إلى قوانين جديدة كي يعتقل، ولا يتوقف عند نص قانوني كي يمنع"، مبينا أن "الأخطر من القوانين ذاتها هو أن النظام القضائي بات، في معظمه، مخترقا ومُسيّسا، ويعمل في قضايا الرأي والتعبير كذراع تنفيذية لا كسلطة مستقلة".

في هذا السياق، يعتقد علي، أنه "لا فرق جوهريا بين وجود قانون أو عدمه؛ فالممارسة الأمنية والقضائية تسبق النص وتعلو عليه"، متسائلا: "لماذا إذا هذا الحرص المبالغ فيه على إصدار مزيد من القوانين المقيّدة للحريات؟".

ترهيب استباقي للمجتمع
الإجابة في تقديره، "ليست قانونية ولا أمنية، بل سياسية ونفسية، والهدف الرئيس ترهيب استباقي للمجتمع وإرسال رسالة واضحة: حتى التفكير في النقد مرفوض، سواء تعلّق الأمر بالوضع الاقتصادي المتدهور، أو احتمالات تعديل دستوري، أو إعادة ترتيب المشهد السياسي، فإن النظام يريد تحصين نفسه قانونيا ضد أي موجة غضب أو نقد".

وذهب للقول: "بمعنى أدق؛ نحن أمام إرهاب قانوني نفسي أكثر منه ضرورة أمنية حقيقية"، مؤكدا أن "المشكلة ليست نقصا في القوانين، بل غياب دولة القانون، وليست في (الشائعات)، بل في فقدان الثقة والشفافية والمحاسبة، وليست في حرية الرأي، بل في نظام يرى أي صوت مستقل تهديدا وجوديا".

وختم مؤكدا أن "ما يجري اليوم من تشديد تشريعي ليس إلا حلقة جديدة في مسار طويل هدفه: إخضاع المجتمع، لا تنظيمه، وإسكات النقد، لا حماية الحقيقة، وهو مسار، كما تثبت تجارب التاريخ، لا يصنع استقرارا، بل يؤجّل الانفجار".

عصا السلطة.. وإيذاء الخصوم
وفي رؤيته، قال الكاتب الصحفي والإعلامي قطب العربي، لـ"عربي21": "المشروع الجديد كغيره من قوانين سيئة؛ يعبر عن طريقة حكم تستخدم القانون كعصا للسلطة تؤذي به خصومها لا لتقيم به العدل"، واصفا السلطة بأنها "عقلية تقييدية تلجأ لمزيد من القيود التشريعية لمواجهة أزمات تصنعها بنفسها".

ويعتقد أن "انتشار الشائعات يجد بيئته الخصبة في أجواء الانسداد السياسي والعقوبات المغلظة، أما في ظل الحكم الديمقراطي فالشائعات لا تقوى على مواجهة الحقائق المتاحة، والحكومة التي تتشدد بالعقوبات ضد الشائعات ترفض إصدار قانون (حرية تداول المعلومات) تطبيقا للنص الدستوري لأنها تريد استمرار احتكار المعلومات وعدم إتاحتها للمحتاجين، ما يغذي بيئة الشائعات".



مدير "المرصد العربي للإعلام"، أوضح أنه "حين تصدر الحكومة القانون الجديد فهي ستستخدمه ضد كل صاحب رأي أو نقد سياسي باعتبار ذلك شائعة تعرضه للعقوبات، ومن ذلك أي حديث عن احتمالات تغيير الدستور لفتح مدد الرئاسة".


وأكد أنه "في هذه الأجواء لا يمكن للصحافة العمل دون خوف، ولا تستطيع توجيه نقدا لفساد إداري واقتصادي خشية تعرضها للعقوبات، وستفضل نقل البيانات الحكومية كما هي بما فيها حتى من أخطاء علمية وإملائية تجنبا للمساءلة، ما يهبط بمركز مصر على مؤشر حرية الصحافة العالمي، ويسئ لسمعتها بمجال الشفافية والإفصاح فيتسبب في هروب الاستثمار الأجنبي".

مقالات مشابهة

  • بعد الاعتذار وتنازل نادي الزمالك.. الأعلى للإعلام يحفظ الشكوى المقدمة ضد الصحفي خالد طلعت
  • مساع منذ 10 أعوام.. هكذا يطوّع نتنياهو الصحافة في إسرائيل
  • صريح جدا : هذه هي حدود الغيرة بين الزوجين عند الجزائريين
  • منظومة التصدي للشائعات.. قيد مصري جديد على حرية الرأي
  • مناقشة رسالة دكتوراة بكلية إعلام القاهرة عن مستقبل الصحافة في الثورة الصناعية الرابعة
  • ياسمين عبد العزيز عن الشهرة: "مفيش حرية"
  • العراق السادس عربياً بعدد المصابين بمرض السكري
  • “الندوة العالمية” تطلق قافلة طبية لجراحة العيون في موريتانيا
  • بالأرقام: منذ عودته إلى البيت الأبيض.. 2.4 مليون كلمة لترامب أمام الصحافة
  • “قداسة البابا “: من الأسرة يخرج القديسون وهي التي تحفظ المجتمع بترسيخ القيم الإنسانية لدى أعضائها