نظمت مكتبة مصر العامة بالدقي برئاسة السفير عبد الرؤوف الريدي، بالتعاون مع صالون الإعلام، ندوة بعنوان «الصحافة القومية ورسالة الدولة المصرية»، بمشاركة الكاتب الصحفي إسلام عفيفي رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم، والكاتب الصحفي أحمد أيوب، رئيس تحرير الجمهورية، ومحمد إبراهيم الدسوقي رئيس تحرير بوابة الأهرام.

أدار الندوة الإعلامي أيمن عدلي، بحضور رانيا شرعان مدير مكتبة مصر العامة بالدقي، ومجموعة من الشخصيات العامة.

وبدأ أيمن عدلي، بتعريف الحضور والمشاركين في الندوة،  مؤكدا أن مصر تتمتع بالصحافة القومية التي تدافع عن الدولة، بقيادة مجموعة من الشباب الذين يتصدون لكل المغرضين بالدولة المصرية، لافتا إلى أن الصحافة القومية تلعب دورا بارزا في التصدي لكل الشائعات التي تواجه الدولة من الإعلام المعارض لها، والذي يسعى إلى تخريب أم الدنيا لمصالح خارجية.

وأضاف عدلي أن مصر تواجه حرب شرسة إعلامية وثقافية، وهؤلاء الشخصيات المشاركين في الندوة اليوم يقع على عاتقهم دورا بارزا في التصدي لمثل هذه الشائعات، والتصدي للذين يحاولوا إدخال الوطن في معارك مختلفة، وهنا تلعب الصحافة القومية دورا في حماية الوطن من التدمير.

 قال أحمد أيوب: «لا أستطيع أن أقدم للقارئ سواء الحقيقة، فالدولة المصرية فيها من الإنجازات والمواقف الكثير الذي يجب أن يطلع عليه الرأي العام، ونعمل على حماية العقل المصري».

أضاف أن الصحافة القومية تعتبر جيش قومي للحفاظ على المجتمع المصري، وتوعيته من كل ما يبث من الخارج لتدمير البلاد، وضرب مواطنيها، لافتا إلى أن مهمتهم  كصحافة تقديم السلبيات كما تقدم الإيجابيات، ولكن تقديم السلبيات بطريقة النقد البناء، وبطريقة حيادية، من أجل خلق الثقة بين المجتمع والدولة.

وتابع: نحاول استكمال رسالة من سبقونا من رؤساء تحرير في الصحف القومية، ونسعى لإظهار نخبة مثقفة قادرة على إثراء العقول، وحمايتها من السموم الخارجية التي تبث لهم بطرق مختلفة، ومهمة الصحافة القومية، تنمية الوعي الوطني، والتصدي بالمعلومة بكل محاولات تشويه الدولة المصرية ومؤسساتها، والتعامل مع اكتشاف المواهب، ومناقشة السلبيات بكل حيادية، وحماية الأمن القومي للدولة المصرية.

وتحدث محمد إبراهيم الدسوقي عن أخطر تحدي يواجه الصحافة القومية، وهو المعلومة ومدى مصداقيتها، والثقة، موضحا الآن نخوض معارك غير تقليدية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، ودورنا كصحافة قومية التعامل مع تلك المعارك والتصدي لها، بالمصداقية والثقة، فلا يجب إهدار لا وقت ولا جهد في تحقيق المصداقية، ووسائل الإعلام المختلفة يقع على عاتقها دورا كبيرا في مساندة الدولة، لأن دعم الدولة هو دعم للشعب.

وأضاف أن الموضوعية في تناول أي أمر ضروري جدا في الصحافة القومية، وعلينا جميعا أن نرفع رؤوسنا ولا نقدم كثير من المبررات حول لماذا تفعل هذا وذاك، لأن دور الصحافة القومية أساسي في مساندة الدولة المصرية، وهناك الكثير في العالم العربي يتعلم من الصحافة المصرية.



وتطرق إسلام عفيفي إلى ما تواجه الصحافة القومية من أزمات، مؤكدا أن المؤسسات الصحافية القومية تواجه العديد من التحديات مثلما يواجه الوطن تحديات، خاصة في ظل أزمة ارتفاع أسعار الورق، وهذا تحدي كبير يواجه الصحافة الورقية، مؤكدا أنه لا يتمكن لدمن زيادة أعداد الصحف المطبوعة، بسبب أزمة ارتفاع أسعار الورق، رغم أن الأعداد التي تطبع يوميا لم يكن بها أي مرتجع، أيضا من ضمن التحديات ارتفاع أسعار صيانة المعدات والأجهزة الخاصة بالمطابع، وهذا عبئ مالي كبير جدا.

وأضاف أن الدولة تتحمل الكثير من المسئوليات في الصحافة القومية، ولها الشكر والتقدير على هذا الدور، مؤكدا أن الصحافة هي ذراع الدولة المصرية في القضاء على المخربين بها سواء في الداخل أو الخارج، لأن الدولة بدون الإعلام ليس لها صوت ولا ذراع، ولدينا أمل وطموح كبير في الفترة المقبلة بتطوير الصحافة، وتقديم إعلام الحقائق، وتحقيق الثقة بين المواطن والدولة.

وتابع: كل المشروعات القومية على مدار تاريخ مصر منذ أيام محمد علي، كان يتم الاعتراض عليها، والآن نتحدث عنها بأنها إنجازات ضخمة وحضارية لمصر، وكل المشروعات القومية الكبرى التي تعمل عليها الدولة ستكون مستقبل الأجيال القادمة من أبنائنا، ولدينا قيادة سياسية لا تغامر بهذا البلد، رغم نصب لها الكثير من الفخاخ والمكائد التي نجحت الدولة في تخطيها والانتصار فيها.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مكتبة مصر العامة بالدقي الصحافة القومية رسالة الدولة المصرية الصحافة القومیة الدولة المصریة مؤکدا أن

إقرأ أيضاً:

روسيا التي صنعها بوتين.. كيف أُعيد تشكيل البلاد ؟

قبل أكثر من خمسة وعشرين عاما، ومع مطلع عهد فلاديمير بوتين، كان مستقبل روسيا السياسي يبدو غامضا ومتضاربا. فقد عززت الدولة بعض الحريات وقمعت غيرها؛ وألمحت إلى الديمقراطية، لكنها أبقت على قبضتها المحكمة في إدارة الشؤون السياسية.

فتحت الباب أمام رأسمالية السوق، لكنها سمحت في الوقت نفسه للأوليغارشيين والمقربين من السلطة والمسؤولين بالاستحواذ على تلك الأسواق. وتسامحت مع مساحة محدودة من الصحافة الجريئة وإن كانت تعرض أصحابها للضغوط والتهديد.

والأهم أن ارتفاع أسعار النفط وتحسن مستويات المعيشة وتنامي العلاقات مع الغرب جعلت روسيا تبدو وكأنها توفر حياة مستقرة وواعدة لمواطنيها، ما داموا يلتزمون بالابتعاد عن السياسة.

ما افتقرت إليه الدولة، وليس مصادفة، هو أي توجه أيديولوجي واضح. وكان ذلك انعكاسا مباشرا للواقع السياسي في مرحلة ما بعد 1991، حين اعتاد الروس الشك بعد تجربة تدهور الاتحاد السوفييتي ثم انهياره. فقد أصبح فرض قناعة جماعية مهمة صعبة، ومكاسبها غير مؤكدة.

ومع دخول القرن 21، حمل الروس رؤى متناقضة: هل كانت الشيوعية مشروعا نبيلا أم خطأ فادحا؟ وهل شكل انهيار الاتحاد السوفييتي لحظة تحرر وفرص، أم بداية معاناة؟ في ظل هذا الارتباك، بدا للسلطة أن الحفاظ على مساحة رمادية واسعة - تشبه إلى حد ما عالم السياسة الحزبية الأمريكية - أنفع من فرض عقيدة محددة أو تحديد ما يجب على الناس الإيمان به.

لكن الأمر كان أيضا مسألة قانونية. فقد اعترفت المادة 13 من دستور روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي رسميا بالتنوع الأيديولوجي للدولة، وحظرت تأسيس دولة بأيدولوجية واحدة. حتى بوتين لم يُبدِ أي التزام بهذا المبدأ. كما لاحظ الصحفيان الاستقصائيان الروسيان أندريه سولداتوف وإيرينا بوروجان في كتابهما: أصدقاؤنا الأعزاء في موسكو: القصة الداخلية لجيل مكسور(الشؤون العامة، 2025، 336 صفحة).

أجرى زملاؤهما مقابلة مع بوتين عام ٢٠٠٠، في الأشهر الأولى من توليه منصبه، وسألوه عما إذا كانت روسيا بحاجة إلى أيديولوجية جديدة. رفض الفكرة رفضا قاطعا. وقال: «لا يمكن اختراعها عمدا»، مضيفا أن البلاد بحاجة بدلا من ذلك إلى «تعزيز الدولة والاقتصاد والمؤسسات الديمقراطية، بما في ذلك حرية الصحافة».

اليوم، يبدو هذا وكأنه خيالٌ منسيٌّ منذ زمن. لم يعد الكرملين متمسكا بأي ادعاءات ديمقراطية. يبدو أن بوتين مقدر له أن يحكم إلى أجلٍ غير مسمى، وحتى في المراحل الأخيرة من الانتخابات، يمنع المرشحون المستقلون من الترشح.

اختفت الصحافة الحرة، وكذلك جميع أنواع الحريات الأساسية، مهما كانت محدودة: فضغط «إعجاب» على منشور خاطئ على وسائل التواصل الاجتماعي أو تبرع لمؤسسة تُعتبر غير قانونية يكفيان لعقوبة سجن طويلة.

انقطع الاقتصاد إلى حد كبير عن الغرب؛ السفر إلى أوروبا محفوف بالمخاطر ومكلف ومعقد. والأهم من ذلك كله، استغلت الدولة الأيديولوجية لتبرير نفسها أمام الجمهور وتقديم رواية توجيهية: إمبريالية وعسكرية، محافظة ومعادية للغرب.

كتابان جديدان يتتبعان منحنى هذا التحول، ويعرضان عودة ظهور الأيديولوجية كمسألة محورية لكل من الدولة والمواطن في روسيا اليوم. في كتاب أصدقائنا الأعزاء في موسكو، ينظر سولداتوف وبوروجان إلى جيلهم .

يرويان قصة مجموعة من الأصدقاء والزملاء السابقين، الشباب الروس الذين، على مدار سنوات بوتين، تكيفوا بثبات مع النظام الحاكم، وانجرفوا نحو الأفكار والتبريرات القومية وغير الليبرالية، وانتهى بهم الأمر كمؤيدين لحرب روسيا في أوكرانيا. من خلال تركيز كتابهما على القيم المتغيرة لهؤلاء الأصدقاء، يوضح سولداتوف وبوروجان كيف أن استراتيجية بوتين المتعمدة «لعزل روسيا عن الغرب»، كما قالا، قد قويت من قبل الروس أنفسهم.

في كتابها الأيديولوجية وصنع المعنى في ظل نظام بوتن، (مطبعة جامعة ستانفورد، ٢٠٢٥، ٤١٤ صفحة)، توضح المؤرخة وخبيرة العلوم السياسية الفرنسية مارلين لارويل كيف كانت الديناميكية المتغيرة باستمرار بين الدولة والمجتمع أساسية في قوة بوتن. تشير الكاتبة إلى أن جهود بوتين لبناء أيديولوجية وطنية إمبريالية جديدة لا تعتمد فقط على قيم مفروضة من الأعلى، بل تعتمد أيضا على استغلال الأفكار والتوجهات الفكرية السائدة في المجتمع.

وتشير هذه الكتب مجتمعة إلى أن الأفكار التي حركت حرب روسيا المستمرة في أوكرانيا وصراعها الأوسع مع الغرب، ليست تعسفية أو غير عقلانية، بل إنها نتاج التفاعل الطويل والمتطور بين نظام بوتين والشعب الذي يحكمه.

في الصفحات الافتتاحية من أصدقائنا الأعزاء في موسكو، تم تعيين سولداتوف وبوروجان للتو في صحيفة إزفستيا، صحيفة رسمية سابقة، ثم أصبحت صحيفة مستقلة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

خلال التسعينيات، اكتسبا قدرا ضئيلا من الحرية الجريئة في قول الحقيقة للسلطة، وسرعان ما وجد المؤلفان أنفسهما مندفعين إلى دائرة نشطة وطموحة من الزملاء والأصدقاء والمنافسين وشركاء النقاش الفكري، وحوارات استمرت لسنوات، وتطورت بالتزامن مع تحول روسيا في عهد بوتين.

منذ بدايات حكم بوتين، بدأت ولاءات أصدقاء موسكو تتغير، حيث صُدم سولداتوف وبوروجان من رد جهاز الأمن الداخلي الروسي على أزمات احتجاز الرهائن في نورماندي- أوستريا ٢٠٠٢ وبيسلان ٢٠٠٤. لاحظا زملاءهم يتأثرون بالجهاز، من كتابة مقالات تصدر مباشرة من الأمن الفيدرالي إلى إنتاج أفلام وثائقية مليئة بنظريات المؤامرة ومعاداة الغرب، وشعرا بأن اثنين من أصدقائهما انتقلوا إلى «الجانب الآخر».

مع نهاية فترة الاستقلال النسبي لصحيفة إزفستيا، بدأ مسار سولداتوف وبوروجان ينحرف عن زملائهم الملتزمين بالقواعد. بدت مقاومة الوضع الجديد بلا جدوى، فتوجه الكثيرون للمسارات المهنية والمالية. في الوقت نفسه، أطلق سولداتوف وبوروجان موقعهما الاستقصائي «Agentura.ru» حول أجهزة الأمن الروسية، مشيرين لاحقا إلى شعورهم بعدم مواكبة جيلهم في منتصف الثلاثينيات.

منذ عام 2008، بدا مسار روسيا السياسي غامضا، مع تنحي بوتين مؤقتا لصالح ميدفيديف، ثم عودته للرئاسة عام 2012 وسط احتجاجات وقمع واسع. مع تصاعد السيطرة السياسية، بدأت الأيديولوجية الروسية الرسمية في الظهور، وبرزت مجموعة من القيم «الروسية» التي دافع عنها بوتين واعتبر معارضوه أعداء للبلاد. وفي هذه الأثناء، تغيّرت مواقف العديد من أصدقاء سولداتوف وبوروجان: بعضهم أصبح مؤيدا قويا للسلطة وشارك في دعم الحروب، بينما اضطر سولداتوف وبوروجان للفرار إلى لندن مع الغزو الشامل لأوكرانيا عام 2022.

يكتشف سولداتوف وبوروجان، أثناء مراجعة مسار أصدقائهما القدامى، أن الكثير من هذه النخبة المثقفة تحوّلت طوعا إلى أدوات في آلة الحرب الروسية، مؤيّدين الغزو وأيديولوجية الكرملين المعادية لليبرالية والغرب.

ويصف المؤلفان كيف يعيش الروس اليوم كما لو كانوا متفرجين على قوى لا يمكن مقاومتها، كما حدث في عهود الاستبداد السابقة. الخيار أمامهم - كما يرونه - إما البقاء خارج النظام مع حتمية الإقصاء والقمع، أو البقاء داخله والقيام بدور فيه. وقد اختار معظم أصدقاء المؤلفَين الطريق الثاني، مدفوعين بالطموح والرغبة في البقاء ضمن المنظومة.

ترى لارويل أنّ قصة أصدقاء سولداتوف وبوروجان تعبر عن القوى العميقة التي شكلت عهد بوتين. فالعلاقة بين النظام والمجتمع ليست استبدادا خالصا، بل علاقة تشاركية قائمة على عقد اجتماعي غير معلن يعاد تشكيله باستمرار.

لكن ثابتا واحدا لم يتغير: قناعة بوتين بأن مهمته هي إعادة روسيا إلى مكانة القوة العظمى. الوسائل وحدها هي التي تغيرت، إذ لجأ النظام إلى خليط من الأفكار- الأرثوذكسية والقيصرية والإرث السوفييتي والشعبوية و»الأوراسية»- لتبرير سياساته وتفسيرها.

توضح لارويل أن نظام بوتين انتقائي ونفعي، لا يقوم على عقيدة سياسية ثابتة، بل يسحب من «مخزن» الأفكار ما يخدم رؤيته ومصالحه في اللحظة. داخل هذه الديناميكية، يمكن للأفكار أن تصعد من النخب إلى القيادة كما يمكن أن تُلقى من فوق نزولا إلى المجتمع.

تضرب مثالا بإيفان إيلين الذي تبنى بوتين بعضا من أفكاره، بينما لم تصمَّم كتاباته أصلا للجمهور العام، بل للنخبة المحيطة بالسلطة. وتشير أيضا إلى «رواد الأعمال الفكريين» الذين يسمح لهم النظام بالدفع بأيديولوجياتهم الخاصة طالما أنها تفيد الدولة أو تتقاطع مع مصالحها- مثل الأوليغارشي المحافظ مالوفيف أو المنظّر المتطرف دوجين، الذي تُستخدم أفكاره بشكل انتقائي كلما احتاجها الكرملين.

وفق تحليل لارويل، بعد عودة بوتين للرئاسة عام 2012، تخلّى النظام بوضوح عن النموذج الغربي الحديث لصالح عقيدة انتقامية تبرز العداء للغرب والليبرالية، وتمجد عظمة روسيا وقادتها عبر التاريخ. تراكمت لدى بوتين والدائرة الأمنية حوله مظالم جيوسياسية- من الثورات الملونة إلى توسع الغرب شرقا- فتحولت إلى رؤية تعتبر النظام الليبرالي العالمي مجرد غطاء للهيمنة الأمريكية ومحاولة لتطويق روسيا.

هذه الرؤية دفعت بوتين إلى تبني دور «مهندس الفوضى» خارج حدوده، ومع تقدم النظام في العمر ازدادت نظرته للعالم تصلّبا. يبرز هنا مفهوم «روسيا الكاتيكونية»، الذي يصور روسيا كقوة مكلفة بحماية النظام العالمي من الانهيار، مستندة إلى مزيج من الأرثوذكسية كدرع روحي والقوة النووية كدرع مادي. في هذا الإطار تبرَر السياسات العدوانية- من ضمّ القرم إلى التدخل في سوريا- وتقدّم كأفعال ضرورية وفاضلة، وهو المنطق نفسه الذي يبرر الحرب الواسعة على أوكرانيا.

منحت الحرب في أوكرانيا نظام بوتين أيديولوجية أكثر تماسكا، إذ أعادت إحياء النزعة الإمبريالية الروسية وجمعت أفكار النظام المختلفة في قضية وجودية واحدة. ثلاثة عوامل خدمت الكرملين: تجنب الهزيمة في الميدان، خوف الروس من خسارة الحرب بغض النظر عن موقفهم من بدايتها، وضمان بقاء سلطة بوتين.

تستعرض لارويل ملامح «الإمبراطورية الروسية» كما يراها النظام: تعزيز نفوذ الدولة خارجيا، واستخدام خطاب قومي، وحماية النظام، ودور بوتين التاريخي الذي لا يُمس. وفي الوقت نفسه، نجحت موسكو في ترويج الحرب للداخل وللجنوب العالمي كـ«حرب تحرير» ضد الهيمنة الغربية، وهو تأطير براجماتي لكنه يعكس جانبا من رؤيتها للعالم.

وبما أن الاندماج مع الغرب بشروط روسية لم يتحقق، ترى موسكو أن التحالف مع العالم غير الغربي لتغيير النظام الدولي هو الخيار الأجدى.

ورغم أن الحرب صنعت دولة أكثر وحدة وأيديولوجية أوضح، إلا أن ذلك لا يعني أن بوتين يملك سلطة مطلقة. فحكمه يوصف بأنه لا يسعى لقولبة عقول الناس بل لتهميش الأيديولوجيات المنافسة وتقديم حوافز ضخمة للولاء. وترصد لارويل بدايات «فاشية مجزأة» يدعو بعض الروس من خلالها إلى عسكرة كاملة، في حين يفضل معظمهم عدم الانجرار للحرب وإبقائها بعيدة عن حياتهم اليومية والاقتصاد الثقافي والمدني.

يستفيد نظام بوتين حاليا من خضوع الناس لا حماسهم، لكن استمرار الحرب سيجبره على تجنيد مزيد من المقاتلين، معظمهم من المناطق الفقيرة التي تُغريها المكافآت المالية. ويعتمد نجاح أيديولوجية الدولة على قدرة الكرملين على حماية الطبقات العليا والمتوسطة من تأثير الحرب.

تتوقع لارويل أن الحرب ستنتهي، لكنها لا ترى أنها ستقود إلى انفتاح ليبرالي جديد؛ فالإعجاب السابق بالغرب تلاشى داخل المجتمع والنخبة. مؤيدو الحرب يرون الغرب عدوا، وحتى معارضوها يشعرون بالمرارة تجاه عجز الغرب وموقفه العقابي من الروس. كما أن الأوروبيين، في 2024، دفعوا لشراء الطاقة الروسية أكثر مما قدموا لأوكرانيا من مساعدات.

جوشوا يافا مراسل صحيفة النيويوركر في موسكو عين زميلا في مؤسسة نيو أمريكا لجهوده في روسيا، وحائز على جائزة برلين من الأكاديمية الأمريكية

عن فورين أفيرز «خدمة تربيون»

مقالات مشابهة

  • “بدر-250”.. الطائرة التي جسّدت رؤية الإمارات في الاستثمار بالإنسان
  • صحفيو تونس يحتجون: لن نكون أبواقا للسلطة (شاهد)
  • روسيا التي صنعها بوتين.. كيف أُعيد تشكيل البلاد ؟
  • محافظ المنيا يشدد الرقابة.. تحرير 31 محضرًا وتنفيذ 40 قرار غلق لمحال غير مرخصة
  • «البلدية» تطلق مبادرة ازرع وطنك بمشاركة 47 مدرسة
  • "تعليم الشورى" تناقش الإطار التنفيذي لخطة عمل دور الانعقاد الثالث
  • محافظ الأقصر يتفقد أعمال إحلال وتجديد مكتبة مصر العامة
  • شاهد بالصورة والفيديو.. ردد أغنياته التي يحفظها بصوت جميل وطروب.. الفنان تامر حسني يبدي إعجابه بشاب سوداني يعمل بأحد المصانع المصرية
  • الأمة التي اختارت دولتهـــا تختار اليوم مستقبلها
  • محافظ قنا يوجه بتسريع وتيرة التقنين والتصالح واستكمال معاينات المتغيرات المكانية