دمشق-سانا

من همس البيادر ديوان شعر جديد للشاعر أحمد إبراهيم نجار اقتصر في كتابته على شعر الشطرين ملتزماً بالموسيقا والقافية والروي واللغة العربية وبالمواضيع التي عكست قضايا إنسانية واجتماعية صادقة، متأثراً بالعاطفة والبيئة والوفاء لوطنه وأهله وناسه.

ويبين الشاعر نجار مدى محبته للقراءة والمطالعة وشغفه بالتاريخ والأصالة والعراقة كما جاء في قصيدته اذكريني التي التزم فيها البحر المتقارب والراء حرفاً للروي وملائماً للمعنى الذي دفعته لكتابته موهبته:

قضيت زماني بين الكتب

وطالعت فيها طريف السير

صحائف فيها معاني الحياة

وفلسفة الكون ثم العبر

وفي مجموعته الشعرية يعتبر الشاعر نجار الأم من أهم القيم ومن أغلى المخلوقات في حياة الإنسان في حياة كل مخلوق يعيش حياته بشكل طبيعي فقال في قصيدته تأملات في ذكرى عيد الأم محرضاً على الاهتمام بها وعدم إهمالها بأي شكل من الأشكال:

كرموها في صبحها ومساها

واسألوا الله     أن يديم بقاها

وارفعوا قدرها   ولا تهملوها

وأجيبوا إذا دعتكم  نداها

وفي قصيدته بين الهجين والأصيل يحرض نجار على التمسك بأصالة الشعر وعدم

ترك مكوناته والاحتفاظ بالأصالة لأن بالشعر مكونات وأسس لا يجوز التفريط بها فقال:

خجل الشعر يوم صار الهراء

قمة الشعر واختفى الشعراء

يوم صار الهجين يدعى أصيلاً

كثر القائلون   والأدعياء

يا عكاظ القريض أين القوافي

احكموها وطاب  فيها الغناء

ورثى الشاعر المجاهد الكبير سلطان باشا الأطرش في قصيدة مليئة بالحزن والعاطفة والفخر والاعتزاز فاختار لها البحر الكامل وحرف الهمزة ليختم به قوافيه كروي مناسب للموضوع فقال:

خطب أقض مضاجع الأحياء

ورمى البلاد بفاجع الأرزاء

قالوا ترجل شيخ فرسان الوغى

عن مهره مستسلماً لقضاء

واعترض الشاعر نجار على أي مبادرة يلتقي فيها العرب مع الأعداء ولا سيما الفلسطينيون لأن أي لقاء أو اتفاق مع مغتصب يعني إهانة للكرامة والشرف فلا بد من المواقف المشرفة التي ترد على كل المتآمرين كقوله:

إذا ما صالحوا الأعداء يوماً

فقد باعوا القضية واستراحوا

وربان السفينة إن تعامى

عن الأنواء يخذله النجاح

وفي الديوان الصادر عن دار الريان للطباعة والنشر والتوزيع والذي يقع في 311 صفحة من القطع الكبير قضايا أخرى جاءت معبرة عن قدرة الشاعر على التأليف ووجود الموهبة القادرة على الالتزام بالشعر الحقيقي.

محمد خالد الخضر

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

إقرأ أيضاً:

القرآن والشعر مقاربات جمالية في الصورة

#القرآن و #الشعر مقاربات جمالية في الصورة

أ.د. #خليل_الرفوع / الجامعة القاسمية

     تنزَّل القرآن الكريم على العرب أهل البيان فصاحةً وبلاغةً ولم يألوا جهدا في فهمه على الوجه الذي أنزل فيه، ولم يسألوا عن دلالات مفرداته لأنه جاء على سَنَنهم في التعبير اللغوي حقيقةً ومجازًا، بل كانوا من دهشة شعورهم بجمال بيانه أن اضطربوا في وصفه مترددين بين قوة السبك وجمالية القول وشعرية الدلالة، فتقوَّلوا في ذلك بعض الأقاويل، ومنها الدعوة إلى عملينِ اثنين أثناء استماع أي امرئ منهم أو من غيرهم له للخروج من جاذبية العبارة وغرابتها وسحرها: ألَّا يسمعوا للقرآن وأن يشوشوا على من يريد سماعه “وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ”(فصلت، 26). فقد تحول الصراع من جدلية الفكر والحِجاج إلى ضجيج الخُصومة وإغلاق منافذ الاستقبال، ولم نسمع أن أحدًا من العرب استصعب كلمة أو آية منه، بل كان بعضهم يقف بجدار دار الأرقم بن أبي الأرقم يسترقُ السمع إليه في غلَس الظلم.

         ومن المؤكد لغويًّا أن من تُوجَّه إليه الدعوة ليأتي بمثل القرآن أو بشيء منه إنما هم خبراء فن القول من شعراء ونقاد وخطباء، فلم تك دعوة لجمهور العرب عامة من الذين لم تختبرهم فنون اللغة، فالشعر سابق للقرآن وجودًا بشريًّا واستعمالا لسانيًّا، ثم إن أي مقاربة أو مقارنة تكون بين القرآن والشعر الجاهلي الذي كان حاضرًا في الألسنة وأسهم في نضج اللغة معجميًّا وبيانًا. الشعر الجاهلي والقرآن الكريم كانا المؤسسين للسان العربي أسلوبًا وتصويرًا وإيقاعًا؛ بل هما مؤسسا العقل العربي ومنتجه الفكري.

مقالات ذات صلة العراق حصن العروبة 2025/05/22

        إن مصطلحَ الصورةِ حديثُ النشأةِ في الدراسات النقدية، وتكمن قيمتها في أن كلَّ أدواتِ الشعر تعملُ على إبرازها في نسقٍ مشحونٍ بالتخَيُّلِ، فهي وليدةُ تخيل الشاعر، وهي في الوقت ذاتهِ ماثلةٌ أمامَ تصوُّرِ المتلقي، مصادرها: الخيال وتجربة السلوك الإنساني واللغة والبيئة، فالشاعر ليس جامعَ تلفيقات تهدف إلى أن يقول: إن هذا يشبه ذاك فالصورة في رأيي شكلٌ لغوي تصوري يتضمنُ شعورًا أو فكرةً أو موقفًا في آن معًا تعبر عن رؤية متآلفةٍ، فلم يكن الشعر الجاهلي يصف المحسوسات المشاهدة في الصحراء ليعبرَ عن موقف بدوي ساذج، فهو ليس انعكاسًا بسيطًا لعقل رَعوي مغلق قاصر، فحينما يتحدث الشعراء عن صورة الحرب مثلا إنما يصورون رؤيةً متكاملة متعاضدة وتأملًا عميقًا يتآلفان ليشكلا موقفًا رافضًا لها من خلال ما اقتنصوه من صور بشرية وحيوانية وشيئية ومتخيلات مطلقة تتضافر لترِّكبَ وتكون مشهدًا كاملا ينبئُ عن بشاعتها وكراهيتها واقعا مُعَاينًا وتصورًا متخيلا، وتلك هي قيمة الشعر ببعده الإنساني الفني.

        وأعود إلى قيمة الشعر فنيا، إنه شبكة من العلاقات الجدلية: لغةً وإيقاعًا وتصويرًا وفكرًا متجددًا مستفيدًا مما سبقه ومضيفا إليه، يقول تعالى :”فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُم”)محمد،4) ففي قوله: حتى تضع الحرب أوزارها صورة فنية لم يتوقف عندها المفسرون، وأي تفسير للقرآن في سياقاته الفنية بعيدا عن الشعر الجاهلي هو تفسير مقطوع عن سياق الحالة الإبداعية العربية التي سبقته، وأقصدُ بها الشعرَ الجاهلي، يقول الشاعر الجاهلي الأعشى:

وأعددْتُ للحربِ أوْزَارَها       رِمَـاحًا طِوالًا وخَـيلًا ذُكُورا (الديوان، ص99)

      فأوزارُ الحرب في أبيات الأعشى الرماحُ التي أُتْـقِـنَ صنعُها، وطولُها ينبئ عن أن الذين سيستخدمونها فرسانٌ طِوالٌ، والخيل ذكور وليست إناثا وذلك أقوى، والدروع مصنوعة من عهد داود- عليه السلام- فالأسلحة هي من أجود الصناعات، والكتيبة كثيرة العدد متنوعة الأسلحة، فالأعشى يصور حالةً استعدادية محكمة وتخطيطا متقنا للحرب في سياق القوة والفخر، فكل أدوات الحرب هي أحمال عليها، لكن السؤال هو: لِـمَ أنثَ الحربَ وأنثَ أدواتِها؟ والإجابة هنا تتماهى مع الصورة العامة للحرب في الشعر الجاهلي وهي أنها وصورَها مؤنثة، وفي ضوء ذلك تفهم الآية القرآنية التي جاءت كذلك في سياق القوة وشدة البأس؛ حتى تضعَ الحربُ أوزارَها، فللحرب أحمالٌ كثيرةٌ ثقيلةٌ تدَّرِعُها هي وتلبسُها وتضعُها أنَّى تشاء، لقد نَقلتِ الآيةُ الحربَ من العالم المطلق إلى العالم الإنساني، إنها أنسنةُ المطلق، فهي تخطط وتفكر وتشعر وتعلم وتعرف وتتحرك كما يفكر البشر ويفعلون، إنها لا تشبه المرأة بل هي امرأة كاملة المشاعر، وفي ذلك قوة وتفاؤل بعد تحقيق النصر، ولم تقل الآية: حتى تضعوا أنتم أيها المحاربون عن الحربِ أحمالَها، كل ذلك يعزز فكرة أن القرآن جاء على سَنَنِ العرب في التعبير، ولا يمكن فهمُه فنيًّا إلا بفهم الشعر الجاهلي ضمن السياق التاريخي للدلالات اللغوية بيانًا وانزياحًا وجمالًا.

    إننا بذلك نخرج الفن الشعري من دوائر القواعد البلاغية المُقَوْلَـبَةِ مثل: التشبيهات والاستعارات إلى فضاءت عريضة من جمالية التعبير؛ ونخرجُ الشعرَ من الطِّلاء الخارجي والأصباغ اللونية للبحث في ما وراء المعنى كما يقول عبد القاهر الجرجاني، وبذلك يُسْتَطَاعُ استكناهُ الوجدانِ وسبرُ المشاعر التي توجِّهُ القولَ ليكونَ فنا إبداعيًّا يعيد تركيبَ الأشياء كما يريدها الشاعر لا كما تأخذها القواعد البلاغية الجامدة إلى سذاجة المعنى وشكلية اللفظ، وفي ذلك يفهم الشعر الجاهلي وإن شئت يتدبرُ القرآن الكريم، فهما المؤسسان للعقل العربي أسلوبا تركيبيًّا وبناء فكريا وإيقاعا مُمَوْسَقًا، والصور كثيرة في الشعر والقرآن، ففي الشعر: دِمْنَة أُمِّ أوفى لم تَكَلَّمِ (وليس لم تتكلم)، ويا دارَ عبلةَ بالجِواءِ تكلمي، وكان الرماحُ يختطفْنَ المحاميا، وفي القرآن: والليلِ إذا عَسْعَسَ، والصبح إذا تنفس، ولما سكتَ عن موسى الغضبُ، فأجاءَها المخاضُ، أضغاث أحلام، واشتعلَ الرأسُ شيبًا، إنها صور بيانية تستنفر الخيال، وتستنفر مكامن التأمل اللغوي وعلم الجمال.

مقالات مشابهة

  • القرآن والشعر مقاربات جمالية في الصورة
  • محافظ أسوان يكرم منى نجار الأم المثالية الثانية على مستوى الجمهورية
  • الكوميديا الشعرية.. كيف سخر ألكسندر بوب من مجتمعه؟
  • هل يجوز لي الحج عن غيري وما حكم أداء فريضة عن الميت؟.. الأزهر للفتوى يجيب
  • شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا تسخر من إبراهيم الميرغني: (المرأة في دارفور تساوي 10 زيك ودولة 56 انت كنت وزير فيها وعودك كان راكب)
  • موفق محمد .. لسان حال الناس
  • نائب رئيس جامعة الأزهر: الوعي المجتمعي له دوره الكبير في مواجهة الشائعات
  • علي جمعة: الحج فريضة على الفور وشعيرة عظيمة تطهر النفس وتقرب العبد إلى ربه
  • فضل الحج في الإسلام .. يُنقّي العبد من الذنوب والآثام
  • "استبدل ملّة إبراهيم باتفاقيات أبراهام".. داعش يهاجم أحمد الشرع بعد لقائه ترامب