كيف يفسر خبراء القانون الدولي إعلان المحكمة الجنائية مذكرات الاعتقال الجديدة؟
تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT
لاهاي- في الوقت الذي يتنقد فيه الساسة الإسرائيليون -من كافة المشارب- طلب المدعي العام كريم أحمد خان من المحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال بحق كبار المسؤولين الإسرائيليين، لا تزال ردود فعل الزعماء حول العالم منقسمة.
وقد قدم المدعي العام طلبات لاعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، فضلا عن رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة يحيى السنوار، والقائد العام لكتائب عز الدين القسام محمد الضيف، ورئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، مشيرا إلى مزاعم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من قبل الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.
وفي تصريحات خاصة للجزيرة نت، أشاد خبراء في القانون الدولي بهذه السابقة القضائية، وأكدوا إضافة أسماء جديدة لقادة إسرائيليين، معتبرين أن إمكانية إسقاط التهم عن المقاومة أمر غير مستبعد، وتاليا آراء كل منهم.
تبدأ هذه القضية برئيس الوزراء الإسرائيلي، فبمجرد إصدار مذكرة اعتقال ضده، سيتدفق الأمر لباقي الرتب التابعة له. لذا، لا أعتبر أن ما يحدث حاليا يعكس مجمل التحقيق الذي تجريه المحكمة أو حتى استنتاجا له، وإنما أراه خطوة أولى في تحقيق ضخم سيؤدي إلى إضافة المزيد من المشتبه بهم في المرحلة القادمة.
وبالنسبة لفصائل المقاومة، فيمكنها التأكيد في دفاعها على عدة أمور، من بينها عدم تورطها في انتهاكات للقانون الدولي. لكن في المقابل، قد يجادل الإسرائيليون قائلين إنهم يتصرفون دفاعا عن النفس، وإن تحركاتهم كان متناسبة ومشروعة.
وقد يبدو طلب إصدار المحكمة أوامر الاعتقال جاء نتيجة للضغوط التي تعرضت لها، لكنني لن أصنفها بهذه الطريقة، لأن ما نشهده اليوم خطوة تاريخية لكسر درع الإفلات من العقاب.
وفي الوقت الذي تعوّد فيه الفلسطينيون على اتهامهم بالإرهاب في العديد من الدول الغربية، وتعرضوا للمساءلة عن أفعالهم، يجد الإسرائيليون أنفسهم أمام محاسبة علنية أمام القضاء الدولي، وهي سابقة لم تحدث من قبل.
ولا ننسى أن حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) وافقت على إعلان السلطات الفلسطينية وضع الأراضي الفلسطينية المحتلة تحت اختصاص الجنائية الدولية، في إشارة إلى استعدادهم لمثل هذه الإجراءات.
وفي حال الموافقة على طلب المحكمة، ستظل الطلبات سارية، وسيتم نشرها عبر الدول الأعضاء في الجنائية الدولية، وسيكون عليها الالتزام بها وفقا لأوامر الاعتقال وتسليم مجرمي الحرب المشتبه بهم.
ودعونا لا ننسى أن هذه الجولة من مذكرات الاعتقال وُجهت إلى الجهات الفاعلة الرئيسية، لكن هناك آلة حرب أخرى مكونة من أفراد دعموا ووقفوا وراء جرائم الحرب، بمن فيهم الجهات التي ترسل الأسلحة وأوقفت تمويل وكالات الإغاثة الإنسانية. وبموجب المادة 25 من نظام روما الأساسي، قد يجدون أنفسهم عرضة للاعتقال أيضا، باعتبارهم متواطئين بمساعدة وتحريض إسرائيل.
نعلم أن هذا التحقيق الذي قام به مكتب المدعي العام في الجنائية الدولية استغرق سنوات طويلة جدا، ومؤخرا تلقى أدلة إضافية من مختلف المنظمات والأفراد والشهود أيضا. وبالتالي، يجب على النيابة النظر فيها والمضي قدما في إصدار أمر الاعتقال.
وردّا على سؤالكم حول سبب عدم ذكر أفراد معينين، مثل رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي في هذا الطلب، فمن المفترض أن يواصل الادعاء تقييم الأدلة، وتبقى إمكانية التقدم بطلب آخر للحصول على مزيد من أوامر الاعتقال أو تعديلها أمرا قائما.
ويجب الإشارة إلى أن الادعاء أدلى ببيان قوي للغاية أمام مجلس الأمن -الأسبوع الماضي- قال فيه إن مكتبه سيبقى مستقلا رغم التهديدات والضغوطات، وأرى أن هناك أملا في حدوث ذلك، وأن تكون المحكمة قادرة على تقييم الأدلة بشكل نزيه، كما أن طلبات مذكرة الاعتقال أصبحت الآن في أيدي الدائرة التمهيدية، أي القضاة.
وإذا وصلت هذه القضية إلى حد القبض على أحد الأفراد وتقديمه أمام المحكمة، فستتاح للدفاع الفرصة لإثارة الحجج دفاعا عنهم، ومن المهم القول إن المدعي العام كان حذرا في استخدام المصطلحات، بما في ذلك "التصفية" بدل "الإبادة الجماعية" كجريمة ضد الإنسانية.
(الجزيرة) عبد المجيد مراري خبير قانوني ومدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة "أفدي"
كفريق قانوني، نثمن هذه السابقة القضائية التي نسعى إليها منذ عام 2009، بالرغم من بعض الفجوات. وفي إطار المادة 58 من ميثاق روما، ستطلع الغرفة التمهيدية على طلب المدعي العام والأدلة، ثم سيجتمع القضاة للنظر في هذا الملف.
ومن المتوقع أن تعدل المحكمة بشكل جزئي طلب المدعي العام، خاصة في الشق الذي يتعلق بالجانب الفلسطيني، على اعتبار أن هناك نوعا من الخلط بين ما هو عسكري وما هو سياسي، وأعني بذلك رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة إسماعيل هنية، كما لا يمكن الموازنة بين "الضحية" و"الجلاد".
ونعتمد في ذلك على المادة 31 من نظام روما، التي تقول إنه "أثناء الدفاع عن النفس والأرض والممتلكات تسقط جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، لأن ذلك الطرف في حالة دفاع ومقاومة" وهذا يؤكد أن أعمال المقاومة الفلسطينية منصوص عليها في قواعد القانون الدولي، ومعترف بها في اتفاقية جنيف وميثاق الأمم المتحدة ونظام روما.
ووفق المعلومات المسربة التي وصلتنا سابقا، كان من المفترض وجود اسم السنوار والضيف وأبو عبيدة. لذا، أنا على يقين أن المذكرة تم تعديلها، لأن الأسماء التي أُعلن عنها مختلفة عن تلك التي وصلتنا من قبل، ويمكن تفسير ذلك برغبة المدعي العام بعدم الكشف عن القائمة كاملة، أو لأنه حاول التخفيف من وطأة المذكرة على خلفية التهديدات التي تعرض لها.
وفي حال المصادقة على هذه المذكرة، سيصدر أمر للدول الأعضاء وغير الأعضاء للاستجابة لطلب التوقيف، بموجب المادة 89 الفقرة الأولى من نظام روما.
للحكومة في النظام السياسي الإسرائيلي مسؤولية جماعية، كما أن القائمة التي أعلن عنها المدعي العام ليست حصرية، ويمكن إضافة أسماء أخرى للقادة أو المؤسسات الإسرائيلية.
وبشأن عدم ذكر السجناء الفلسطينيين في سجون الاحتلال، يأتي ذلك ضمن عقلية الذنب تجاه الإسرائيليين والطريقة الأنجلوسكسونية، في وقت لا يوجد تناسب بين عدد القتلى في الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. ولإحداث التوازن، تطرقت المحكمة إلى مسألة الرهائن الذين تحتجزهم حماس.
وأنا متأكد من أن كريم خان مرعوب في تعامله مع هذه القضية. ففي ملف روسيا مثلا، أقنعت وجندت بريطانيا 43 دولة أعضاء في المحكمة لتقديم شكوى إلى مكتب المدعي العام ضد بوتين، بينما قدمت واشنطن التمويل للمحكمة، وأرى أن "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول بحاجة إلى تحقيق دولي مستقل، لأننا لا نعرف حتى الآن ما حدث فعليا.
وأعتقد أن قرار الجنائية الدولية جاء متأخرا وأعرج، لأنه اختار 3 فلسطينيين (الطرف الضعيف) مقابل اثنين من القادة الإسرائيليين، لكن ما قام به المدعي العام عملية ذكية بشكل مزدوج، فمن ناحية أعلن الطلب لإشراك القضاة في اتخاذ قرار الاعتقال، ومن ناحية أخرى يجبر المحكمة على المضي قدما في الملف، ويبرئ نفسه من الانتقادات التي طالته بسبب تأخره في إصدار القرار.
أعتقد أن الجنائية الدولية تحاول اللعب على كلا الجانبين، وأرى أنه من المنطقي ـمن وجهة نظر قانونية ـ إصدار المحكمة مذكرة اعتقال وتحاكم أعضاء حركة حماس، لكنني لا أفهم محاولة محاكمة القادة الإسرائيليين وتقرير الجنائية الدولية بشأن طلب أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت لا يستند إلى أي دليل.
وكوني محاميا، لا يمكنني اعتبار التقارير حول أعداد الضحايا الفلسطينيين دليلا، لأن الكثير منها لا يزال مثيرا للجدل، كما أرفض وصف ما يفعله الجانب الإسرائيلي بالإبادة الجماعية لغياب النية المسبقة، ولا يجب مقارنة عدد الضحايا من كل جانب.
ومن المفترض أن يكون المدعي العام موضوعيا ونزيها عندما يتحدث عن وجود أدلة، لأنني لم أر هذه الأدلة التي لم تُعرض بعد. في المقابل، يمكن للحكومة الإسرائيلية وأعضاء حماس طلب الاستئناف على هذا القرار واتباع الإجراءات اللازمة، لأن النظام القانوني الديمقراطي يتيح الحق بمحاكمة عادلة.
أنا متيقن من أنه ستتم إضافة أسماء إسرائيلية جديدة، ولن يقتصر الأمر على نتنياهو وغالانت، ولهذا ما نشهده اليوم مجرد بداية، وكنت أتوقع أن المدعي العام سيستهدف حماس والقادة الإسرائيليين لإحداث نوع من التوازن بين الطرفين، لكن أهمية القضية تتمثل في مواجهة مسؤولين إسرائيليين المحاكمة للمرة الأولى.
وفيما يخص الاتهامات الموجهة لأعضاء حماس، أعتقد أن كريم خان مدرك لحقيقة أن فلسطين تقع تحت احتلال غير قانوني، وأن إسرائيل لا تملك حقا في الدفاع عن النفس، بينما يحق للفلسطينيين مقاومة الاحتلال، وهذا ما جعله يركز على مسألة الرهائن الإسرائيليين.
وإذا تمت مقارنة هذه القضية بأوكرانيا وروسيا، فإن مذكرة الاعتقال التي صدرت بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استغرقت حوالي 3 أسابيع من تاريخ تقديم الطلب حتى إصدار مذكرة الاعتقال النهائية. وعليه، سيُطبق نفس الإطار الزمني، إن لم يكن أسرع من ذلك.
وبينما نعلم أنه لا توجد إمكانية لتسليم أي شخصية سياسية أو عسكرية إسرائيلية نفسها إلى المحكمة الدولية، اتخذت حماس دائما موقفا مفاده أنها ستتعاون مع أي تحقيق تجريه المحكمة، بينما من غير الواضح إمكانية استسلام الإسرائيليين من عدمه، لكنهم إذا سافروا إلى أي دولة عضو بالمحكمة الفدرالية المشتركة، فسيتم اعتقالهم ونقلهم إلى لاهاي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجنائیة الدولیة طلب المدعی العام القانون الدولی أوامر الاعتقال هذه القضیة
إقرأ أيضاً:
لماذا فرضت أمريكا عقوبات على قاضيات المحكمة الجنائية بسبب نتنياهو؟
أعلنت الولايات المتحدة، عن فرض عقوبات على 4 قاضيات في المحكمة الجنائية الدولية، وذلك على خلفية قضايا مرتبطة بواشنطن ودولة الاحتلال الإسرائيلي، بينها: إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، المطلوب من المحكمة جرّاء العدوان المتواصل على قطاع غزة.
وبحسب المحكمة فإنّه: سيحظر على القاضيات الأربع دخول الولايات المتحدة، كما سيتم تجميد أي أموال أو أصول يملكنها في البلاد، وهي تدابير غالبا ما تتخذ ضد صانعي سياسات دول مناهضة للولايات المتحدة، وليس ضد مسؤولين قضائيين.
وفي السياق نفسه، قال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، في بيان له، أمس الخميس: "ستتخذ الولايات المتحدة كل الإجراءات التي تعدها ضرورية من أجل حماية سيادتنا، وسيادة إسرائيل، وأي حليف آخر للولايات المتحدة، من الخطوات غير المشروعة للمحكمة الجنائية الدولية".
وتابع "أدعو الدول التي لا تزال تدعم المحكمة الجنائية الدولية، والتي كلفت الحرية في الكثير منها تضحيات أميركية كبيرة، إلى التصدي لهذا الهجوم المخزي على بلدنا وعلى إسرائيل".
وفي ردها على القرار الأميركي، اعتبرت المحكمة الجنائية الدولية، ومقرها في لاهاي، أنّ: "العقوبات هي: محاولة جلية لتقويض استقلالية مؤسسة قضائية دولية تعمل بتفويض 125 من الدول الأطراف من كل أنحاء العالم".
وكانت قاضيتان في الجنائية الدولية، وهما بيتي هولر، من سلوفينيا، ورين ألابينيغانسو، من بنين، قد شاركت في إجراءات أفضت لإصدار مذكرة اعتقال في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بحق نتنياهو.
وخلصت المحكمة، آنذاك، إلى ما اعتبرته: "وجود أسباب معقولة" لتحميل نتنياهو ووزير حربه السابق، يوآف غالانت، المسؤولية، عن أفعال تشمل جرائم حرب على غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
أما القاضيتان الأخريان، البيروفية لوث ديل كارمن إيبانيث كارانثا، والأوغندية وسولومي بالونغي بوسا، فإنهما قد شاركتا في السابق، بإجراءات أدّت لفتح تحقيق فيما يوصف بأنّ: "القوات الأميركية قد ارتكبت جرائم حرب خلال الحرب في أفغانستان".
إلى ذلك، دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الدول الأخرى، إلى: "رفع الصوت وإعادة التأكيد على استقلالية المحكمة الجنائية الدولية التي أنشئت عام 2002 لمقاضاة الأفراد المسؤولين عن أخطر الجرائم في العالم، عندما تكون الدول غير راغبة أو غير قادرة على تحقيق العدالة بنفسها".
وأوضحت مديرة برنامج العدالة الدولية في المنظمة الحقوقية، ليز إيفنسون، أنّ: "العقوبات تهدف إلى ردع المحكمة الجنائية الدولية عن السعي إلى المساءلة وسط الجرائم الخطيرة التي ارتكبت في إسرائيل وفلسطين، بينما تتصاعد الفظائع الإسرائيلية في غزة، بما في ذلك بالتواطؤ مع الولايات المتحدة".