الدولة البديلة هي من تحكم العراق
تاريخ النشر: 23rd, May 2024 GMT
آخر تحديث: 23 ماي 2024 - 11:44 صبقلم:د.منقذ داغر
ذكرت في المقال السابق أن من وضع دستور العراق ،وأتساقاً مع تجربته التاريخية المريرة مع الدولة،كان على ما يبدو مقتنعاً بأن المستقبل السياسي لمكوّنه الطائفي أو العرقي يجب أن لا تضمنه الدولة يعد اليوم (بسبب ما يعتقدونه من ظلمهم التاريخي لها) بل تضمنه لهم تنظيماتهم المكوناتية الذاتية التي لا تسيطر عليها الدولة.
وقد تجسد ذلك عملياً في الممارسات السياسية في العراق،وليس فقط في المدونّة الدستورية التي أوضحت سابقاً كيف أنها أنحازت لقوة المكونات بدلاً من قوة الدولة. وبدلاًمن أن تكون المصدر الأساس لسلطة الدولة باتت أحد مصادر أضعاف الدولة في مقابل اللاعبين السياسيين المنافسين لها.
لقد عكست كثير من الممارسات السياسية(وبعضها خالف حتى الدستور) الفلسفة المكوناتية لسياسة عراق ما بعد 2003. فمثلاً باتت ممارسة المحاصصة “المكوناتية” تتفوق في أهميتها على النصوص القانونية والدستورية للدولة. فقد جرى مثلاً طوي كثير من ملفات الفساد التي تورطت فيها كتل سياسية وأشخاص ذوي نفوذ مقابل غض النظر عن فضائح فساد أخرى لممثلي المكوّن الآخر. وصار العرف للتصويت في البرلمان وأتخاذ القرار في الوزارات والمديريات التابعة لها على أساس مصلحة المكوّن(كما يراها ممثلوه السياسيين) حتى ولو أدى ذلك للإضرار بالدولة. لا بل أنه جرى أبتلاع الماكنة البيروقراطية للدولة بمختلف أذرعها،من قبل المحاصصة العمودية(الطائفية) والأفقية(ضمن الطوائف). وضاع الفصل تماماً بين السياسة والإدارة حتى باتت الإدارة أنعكاس أو صدى للمكونات وليس أنعكاس أو صدى لسياسة الدولة. ووصل الحال أن يتم تعيين مديري المديريات والشعب والأقسام الأدارية حتى البسيطة منها على أساس الولائَين الطائفي أولاً والحزبي ثانياً. بذلك حلّ نظام الغنائم Spoil System محل نظام الجدارة Merit System في البيروقراطية العراقية. بمعنى أنه جرى هدم البنية التحتية للدولة العراقية،والتي تتمثل بالجهاز البيروقراطي حتى باتت النظرة السائدة عن الإدارة العراقية أنها إدارة فاسدة وغير كفوءة.
وفي مقابل هذه الدولة منخورة الأسس،تم تأسيس وتطوير كثير من التنظيمات والقوى السياسية الموازية للدولة والتي باتت فيما بعد أقوى منها،بل وسيّدّة لها. خذ مثلاً ما يسمى بالمكاتب الأقتصادية لأحزاب السلطة. وخذ مثلاً مدراء مكاتب الوزراء ووكلاء الوزراء والمديرين العامين في الدولة العراقية. لقد تحوّل هذين المكتبَين (الأقتصادي ومدير مكتب المسؤول الإداري) الى ما يشبه المطبخ السياسي والأداري لتلك الوزارة أو المديرية. فكل العقود والقرارات الأساسية التي تخص عمل الوزارات وتوابعها يجب أن تمر من خلال هذا المطبخ الذي يقوم بسلقها أو شيّها أو طبخها بحسب رغبة المكوّن و\ أو الحزب وليس بحسب حاجة الدولة.
ولم تقتصر الممارسات المحاصصية المضعِفة للدولة على الجهاز البيروقراطي لها،بل تعدته في كثير من الأحيان الى المؤسسات الكبرى للدولة فضلاً عن جهازها التنفيذي. خذ مثلاً أحد قادة الأحزاب السياسية(المسلحة) الذي يصرّح علناً أن رئيس الوزراء هو مدير عام بيد أحزاب السلطة يحركونه كيف يشائون وينفذ لهم ما يقرروه هم وليس ما تقرره الدولة أو رئيسها!! وهذا فصيل مسلح يدخل للمنطقة الخضراء ويحتلها، لا بل ويقتحم معسكر أهم جهاز أمني(مكافحة الأرهاب) ويعتقل ضباط منه لأنهم تحدوا سلطة ذلك الفصيل. ثم لا يكتفي ذلك الفصيل بهذا ولا حتى بالدوس بأقدام مسلحيه على صورة رئيس الوزراء،بل يهدد علناً بقطع(أذن) رئيس الوزراء. وقبل ذلك فأن رئيس أحدى أهم الكتل السياسية التي شاركت في (بناء الدولة) في العراق بعد 2003 يعترف عبر الإعلام أنهم (أي الأحزاب السياسية) ساهموا في إضعاف السلطة القضائية من خلال تدخلهم المستمر في قراراتها!! أما المؤسسة الأخرى بالغة الأهمية للدولة(البرلمان) فقد فَقَدً ثقة من يمثلهم من جمهور منذ مدة طويلة حتى أن أعلى درجة ثقة حاز عليها من قبل الشعب خلال العقدين الماضيَين كانت بحدود 25% ‘في حين أنها كانت بين 10-20% في معظم أستطلاعات الرأي العام التي أجريت منذ 2005 ولغاية اليوم. ولعل عزل رئيس البرلمان من قبل المحكمة الأتحادية بسبب أتهامه بالتزوير(تصوروا رئيس برلمان العراق مزوِّر) ثم عجز البرلمان عن أنتخاب بديل عنه بعد أكثر من سبعة أشهر،مع ما رافق ذلك من أحداث مؤسفة في جلسة أنتخاب البديل أدلّة مضافة على ضعف ووهن الدولة العراقية ومؤسساتها وقوة وعُلوية منافسيها السياسيين. لقد باتت الدولة العراقية ألعوبة الأحزاب والقوى المنافسة لها،وصار الحديث عن دولة موازية لدولة العراق،أو دولة عميقة ضمن دولة العراق حديث غير صحيح واقعاً. فهناك فعلاً دولة بديلة،ومعيقة هي التي تحكم العراق فعلاً. فدولة العراق كما تبدو عليه اليوم،غريقة، أما الدولة البديلة فهي قويّة وعميقة.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: دولة العراق کثیر من
إقرأ أيضاً:
تقرير المجلس الأعلى للحسابات يكشف انخفاض دعم الدولة للأحزاب السياسية
زنقة 20 | الرباط
نشر المجلس الأعلى للحسابات اليوم الثلاثاء ، تقريره المتعلق بتدقيق حسابات الأحزاب السياسية برسم سنة 2023.
و كشف تقرير المجلس، أن موارد ونفقات الأحزاب السياسية التي قدمت حساباتها (27) حزبا من أصل (33)، بلغ مجموع الموارد المصرح بها ما يناهز 104,97 مليون درهم موزعة بين الدعم الممنوح من طرف الدولة بنسبة 58 (60,48 مليون درهم والموارد الذاتية بنسبة 44,4942 مليون درهم).
وسجل الدعم الممنوح من طرف الدولة وفق التقرير ، انخفاضا بنسبة 25,5 ، حيث بلغ 60,48 مليون درهم مقابل 8117 مليون درهم سنة 2022.
ويعزى هذا الانخفاض يورد التقرير، إلى عدم صرف الدعم السنوي الإضافي لتغطية مصاريف الدراسات والأبحات والمهام برسم سنة 2023.
وتوزع هذا الدعم بين مساهمة الدولة في تغطية مصاريف التدبير لفائدة 17 حزيًّا (99,21%) ، والدعم المخصص لتغطية مصاريف تنظيم المؤتمرات الوطنية العادية لفائدة حزب واحد (0,62%) ، والدعم المخصص لتشجيع تمثيلية النساء لفائدة حزب واحد (0,17%).
في حين لم يتم صرف الدعم السنوي للتدبير لفائدة 16 حزبا من بينها حزبان لم يستفيدا من الدعم المخصص لتغطية مصاريف تنظيم المؤتمرات الوطنية العادية)، وذلك بسبب عدم استيفائها شرطا أو أكثر من الشروط المطلوبة قانونا.
أما بالنسبة للموارد الذاتية، فقد سجلت عموما انخفاضا ملحوظاً بنسبة 38%، حيث بلغت 44,49 مليون درهم سنة 2023، مقارنة مع 71,79 مليون درهم سنة 2022 مع تسجيل ارتفاع لدى عشرة أحزاب (حزب الاستقلال، وحزب الحركة الشعبية، وحزب الاتحاد الدستوري، وحزب جبهة القوى الديمقراطية والحزب الاشتراكي الموحد، وحزب الديمقراطيين الجدد، وحزب الوسط الاجتماعي،وحزب الإنصاف، وحزب الخضر المغربي، وحزب النهج الديمقراطي العمالي). وتوزعت هذه الموارد أساسا بين واجبات الانخراط والمساهمات ،(89)، وعائدات غير جارية (%11) وعائدات مالية (0,23%).
ويعزى هذا الانخفاض بشكل رئيسي، وفق التقرير، إلى التراجع الكبير المسجل في العائدات غير الجارية لسنة 2023 ، حيث بلغ مجموعها 4,79 مليون درهم مقارنة بـ 19,21 مليون درهم سنة 2022، إضافة إلى انخفاض واجبات الانخراط والمساهمات إلى 39,60 مليون درهم سنة 2023، مقابل 52,49 مليون درهم سنة 2022