د. مقبول التجاني
إن ترتيبات إنها الحرب الأهلية الدائرة الآن في السودان، تحتاج إلى خُطوات مُعقدة و مُتشابِكة، و دائرية و لوابية، و ليس بالضرورة إلى خُطوات خطية و مُستقيمة و متتالية، و ذلك لطبيعة الحرب السودانية نفسها، و تعقيداتها، و تعدد أطرافها الفاعلين المحليين، و تداخلاتها الخارجية، الإقليمية و الدولية.



هناك قصة شعبية سودانية قديمة، عن مزارع سوداني بسيط، كان يعيش في جزيرة نشب بها حريق هائل، و كان لديه خروف و مرفعين و برسيم، و يريد نقلهم الثلاثة إلى الضفة الأخرى مِن النهر، خارج الجزيرة، و بقارب صغير، لا يتسع إلا لشيئ واحد معه.

فهو لا يستطيع ترك البرسيم مع الخروف، لأن الخروف سيأكله، و لا يستطيع ترك الخروف مع المرفعين، لأن المرفعين سيإكل الخروف، فقرر أخذ الخروف معه فِي المرة الأولى، و ترك البرسيم و المرفعين في الجزيرة.

ثم عاد المُزارع إلى الجزيرة مرة ثانية، و أخذ البرسيم مِن الجزيرة، و في العودة الثالثة أخذ معه الخروف إلى الجزيرة مرة أخرى، و ترك الخروف هناك، و عاد بالمرفعين.

في المرة الرابعة، عاد المُزارع السوداني إلى الجزيرة، و أخذ معه الخروف، و بذلك يكون قد نجا بهم جميعاً، و حل هذا الإشكال المُستعصِي، بحكمته السودانية الفطرية.

كذلك هو حريق الحرب الأهلية السودانية، يحتاج التعامُل الموضوعي مَعهُ، إلى إجراءات و ترتيبات و خطوات مُعقدة، مثل تِلك الخطوات الحكيمة و الصبورة، و التى قام بها هذا المُزارع السوداني البسيط، فِي حدود خِبرته الحياتية و بيئته المحلية.

كما أن الحل للأزمة السودانية الراهِنة، و المُتجلية فِي الحرب الكارثية، يُمكن أن ينبع من داخل حدود الذاكرة الشعبية السودانية، و مخزونها القيمي و المعرفي الهائل، و حِكمتها الفطرية المُتوارثة عبر الأجيال، و علاقتها الأنثروبولوجية الوطيدة بالبيئة، و تفاعلاتها الإجتماعية الثقافية البينية، و جدلها التأريخي مع المادة.

مِن حيث المبدأ، فإن عملية وقف الحرب الأهلية فِي السودان، تعلو على أي أهداف سياسية أخرى، و لا يجب أن تربط إبتداءاً بعملية تحقيق التحول المدني الديمقراطي، أو عملية تفكيك الإسلاميين، مِن الأجهزة العسكرية و الأمنية، لأن تلك العمليتين السياسيين لديهما مجال آخر تتحركان فيه، و هو مجال النضال المدني السلمي الديمقراطي، كما كان هو الحال في ثورتي أكتوبر و مارس/ أبريل، و ثورة ديسمبر المجيدة.

فك هذا الإرتباط التعسفي، و الإشتباك الغير موضوعي، بين خروف التحول المدني الديقراطي للشعب السوداني، و مطالب تفكيك مرفعين الإسلاميين فِي الأجهزة الأمنية و العسكرية، مُهم و ضروري للغاية، مِن أجل البدء الفوري فِي الترتيبات العملية لوقف الحرب الأهلية السودانية، و العبور بالسودان و شعبه إلى بر الأمان، و مِن ثم إلى رحابة الديمقراطية و التنمية.

في إعتقادي البسيط، أن هذه هي العقدة الأساسية فِي المنشار السياسي، لأننا إذا إستمرينا فِي ربط موضوع، عملية وقف الحرب الأهلية، بعمليتي تفكيك الإسلامين و تحقيق الديمقراطية، فسوف تستمر هذه الحرب السودانية إلى الأبد، و لن تتحقق فِي النهاية أي ديمقراطية.

كما أن هذا الموقِف السياسي التعسفي، يتجاهل بالكامِل موضوع التكلفة الإنسانية العالية، و مُعاناة الإنسان السوداني البسيط اليومية، و الذي لن يقبل بهذه الحرب الجهنمية، كثمن لتحقيق التحول المدني و الوصول إلى الديمقراطية.

لذلك فإن الموقِف الثوري الصحيح، و الوطني السليم، هو إيقاف الحرب الأهلية الدائرة الآن، بأي ثمن، و تحت أي سقف سياسي مُنخفض، لتستمر بعد إيقاف الحرب، عملية النِضال المدني السلمي الديمقراطي، لاستكمال الثورة و تحقيق أهدافها السياسية و التنموية المرجوة.

على تنسيقية و تجمع القِوى المدنية الديمقراطية "تقدم"، أن تنأ بنفسها عن أي فصيل عسكري مُسلح مُعارِض، و أن تتفاوض مع حكومة الأمر الواقع فِي بورتسودان، بإعتبارها مُعارضة مدنية فِي الخارج فقط، و على حُكومة بورتسودان أن تتعامل مع تقدم بنفس هذه الصفة و الكيفية السياسية.

كذلك على حُكومة الأمر الواقع فِي بورتسودان، أن تتفاوض مع قوات الدعم السريع، بإعتبارها قوات مناطِقية مُتمردة، مثلما تفاوضت الحكومات السودانية السابِقة، مع حركات دارفور و أنانيا و الحركة الشعبية.

فِي إعتقادي أن نموذج إتفاقية نيفاشا عام ٢٠٠٥ م، ليس مثالياً، و لكنه هو الوحيد المُتوفِر الآن، و يمكننا البناء عليه، و تطويره إلى إتفاق سلام يحقِن الدماء، و يفتح الطريق لاحقاً مِن جديد، لعملية سياسية ديمقراطية مُوسعَة.

لذلك، نحن نحتاج الآن إلى عملية سلام شامل، و بين طرفين مُتحاربين فقط، و ليس إلى عملية سياسية مُوسَعة، و التى قد تأتي لاحقاً، و بالضرورة سيكون لها حساباتها و تكتيكاتها المرحلية.

كذلك يجب على تجمع القِوي المدنية و الديمقراطية "تقدم"، أن يتعامل بإنفتاح مع تَحالُف الكتلة الديمقراطية المُوالى لإنقلاب ٢٥ أكتوبر، لأن الإنفتاح السياسيي الحكيم، هو الوحيد القادِر على تعرية هذا التحالُف الهَّش، و خلخلته مِن الداخِل سياسياَ و تنظيمياً.

في لعبة الضمنة الشهيرة، تحتاج أحياناً أن تعطي خصمك فرصة و مساحات للعب، حتى لا يقفِل الضمنة بكماء طرشا، و هو ما حدث عدة مرات في السابق، نتيجة لتصرفات قحت الصبيانية.

تحتاج تقدم الآن، أن تستفيد مِن أخطاء الماضي، و أن تفتح مساحات للغير للعب السياسي، و أن لا تلعب مجددا على ورقة و زريعة مُكافحة الإغراق السياسي، حتي لا تُعمِق مِن حالة الإنسداد السياسي، و ما نتج عنها مِن حرب أهلية.

يُرَّكِز الخطاب الإعلامي المُناهِض للحرب، على تفكيك خِطاب البلابسة الموالي و المُحرِّض للجيش السوداني، و لكنه لا يدخل فِي مساحات تفكيك الخطاب الإعلامي التحريضي الموالي للدعم السريع، أو يقوم مُباشرة، بتوجيه خطاب إعلامي توجيهي راشد لِمقاتِلي الدعم السريع، و الذين يُهاجِمون القُرى و المُدن الآمنة.

ما هو شكل الخطاب الإعلامي الذي يتلقاه يومياً، مُقاتِل الدعم السريع، حتي يقوم بإستهداف المدنيين و مُمتلكلتهم المادية؟ و ما هي تركيبة مُقاتلهم العقلية و السايكولوجية؟

لماذا هناك فزع قبلي بمئات الآلاف، مِن إقليم دارفور، و يُهاجِم المدنيين يومياً فِي قُرى ولاية الجزيرة التي كانت آمنة؟

هل يتعامل جندي الدعم السريع، مع مناطِق الشريط النيلي، بإعتبارها كلها حاكورة قبلية مُعادية؟ كما تربى على ذلك السلوك البربري، في تعاملِه مع الحاكورات المُجاورة فِي دارفور سابقاً، و كما كان يقوم بحرق قرية كاملة فِي دارفور، مِن أجل بقرة أو ناقة مسروقة!

نحن نحتاج الآن، أن ننتقِل مِن مرحلة إدانة السلوك اليومي لمقاتلي الدعم السريع، إلى مرحلة تفسير ذلك السلوك و تغييره، و توجيه خِطاب إعلامي قوي لمقاتليهم فِي الميدان، و إيقاف المزيد مِن تحشيدهم القبلي المُستمر.

فِي مشهد مِن مشاهِد فلم "دكتور بارناثيوس"، إضطرت إبنته الصغيرة إلى الرَّقص مع الشيطان، و أغرته بأنها ستختار العبور مِن باب الجحيم، لتخدعه فِي النهاية، و تعبر مِنه إلى باب الجنة و النعيم.

أن عملية الحوار و التفاهم، و المُناورة مع الإسلاميين، فِي هذه المرحلة المفصلية، و التوقيت الحَرِج؟ مُهِمة و ضرورية للغاية، مِن أجل إيقاف الحرب الأهلية، و تحقيق الغايات الإنسانية النبيلة، و إنهاء معاناة الشعب السوداني، و العبور به مِن جحيم الحرب إلى جنات النعيم.

الإسلاميين لم يعودوا ذلك البعبع الذي يُخِيف، كما كانوا فِي عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، و ليس لديهم الآن كوادِر مُؤهلة لحكم كُل السودان، و ليس لديهم قُدرة الآن على تأسيس دولة دينية شمولية لصالحهم وحدهم، حتي لو حسم الجيش السوداني هذه المعركة لصالِحه بالكامِل عسكرياً.

إنتصار الجيش عسكرياً، لا يعني أوتموماتيكياً العودة للديكتاتورية و إنفراد الإسلاميين بالسُلطة، و لكن النصر العسكري الكامِل للجيش غير وارد أصلاً، على الأقل فِي العشرة أعوام القادِمة.

يحتاج الفريق البرهان الآن، أن يُشكِل حكومة مدنية مِن حلفائه السياسيين، لِتُعبِّر هذه الحكومة عن توازنات القِوى الحقيقية، للمجموعات السياسية المُتناثِرة الموجودة حوله، و يخلق فِي النهاية مِن هذه الفسيفساء، كُتلة سياسية مُتجانِسة.

لتقوم حكومة الأمر الواقِع فِي بورتسودان، بعد ذلك بالتفاوض السياسي مع الكتلة المدنية فِي تقدم، و التفاوض العسكري مع الدعم السريع، كُل على حدة، و هو امر يحتاج إلى حكومة قوية رشيقة، و ذات أجهزة إدارية متعددة، و لديها مطبخ سياسي فعال و ذكي.

لا ينبغي لحكومة بورتسودان، أن تُسلِم دفة قيادتها السياسية و الأمنية و العسكرية، لإبتزازات و نعيق الرَّكانة فِي الأجهزة الإعلامية، و صُراخ و ردحي اللايفاتية اليومي، و يجب عليها أن تقوم بأدوارها القيادية، و أن تجعل مِن الإعلام الحربي، مُتغير مُنضبِط تابِع لها، و أن لا تتبع له.

نحن نحتاج الآن، إلى لملمة السودانيين، و إلى تصفير العداد السياسي السوداني، و العودة بالجميع إلى حالة ضبط المُصنِع، لأن جميع المُمارسات السياسية السابِقة الغير رشيدة، و غير حكيمة، هي ما أدت بنا جميعاً إلى حالة البلكنة و الإنسداد السياسي، و ما نتج عنها مِن حرب أهلية شامِلة.

فِي إعتقادي المُتواضِع، أنه بإمكاننا كسودانيين، و بجهدنا الذاتي الخالِص، و بحكمتنا المحلية الموروثة عبر آلاف السنوات، و بدون أي وساطة خارجية مِن إحد، الخروج مِن مُستنقع الحرب الأهلية، و العبور ببلادنا إلى بر الأمان و الإستقرار، تماماً كما فعل ذلك المُزارع السوداني البسيط.

magboul80@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحرب الأهلیة الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

مصيدة المساعدات: فخ التهجير أو الموت جوعا

غزة بين أنياب الجوع ووجه الإبادة الممنهجة

في إطار التدمير المنهجي للبنية المجتمعية في قطاع غزة، ظهرت في عام 2023 شركة "الإنسانية أولا للخدمات اللوجستية" (Humanity First Logistics) ومقرها في سويسرا، كواجهة إنسانية تُقدم المساعدات. لكن الوقائع الميدانية تشير إلى أن تأسيسها جاء ضمن خطة استخباراتية إسرائيلية مدعومة من مؤسسات أمنية غربية، تهدف إلى إدارة الجوع كسلاح ناعم لإخضاع السكان ودفعهم نحو التهجير القسري تدريجيا، عبر آليات مدروسة تُخضع الحاجات الإنسانية لمعادلات أمنية واستعمارية.

التمويل والدعم الحقيقي

رغم تسجيل الشركة في سويسرا، تقود شركة أغرو فود لوجيستيكس الإسرائيلية (Agro Food Logistics) المتخصصة في توزيع الأغذية، العمليات على الأرض، بدعم مباشر من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي والجيش. التمويل يأتي من تحالفات مؤسسات غربية، أبرزها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) ووكالات أوروبية، تقدم مساعدات مشروطة تتيح لإسرائيل التحكم الكامل في توجيه الإغاثة وتوظيفها كأداة لإخضاع السكان.

سرقة المساعدات والتواطؤ الميداني

في 27 مايو/ أيار 2025، وصلت شاحنات المساعدات إلى القطاع عبر شركة الإنسانية أولا، لكن الجيش الإسرائيلي استولى على محتوياتها علنا أمام كاميرات الصحافة ووسط سخرية من الجنود، الذين تعمدوا إذلال المحتاجين وتصوير معاناتهم في مشهد لا يختلف عن عقوبات جماعية تُمارس ضد مجتمع بأكمله.

تصريحات نتنياهو مجرم الإبادة

كشفت صحيفة هآرتس (Haaretz) عن تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماع مغلق قال فيه: "غزة ليست في مجاعة، ولاحظنا ذلك من تعرية السكان للتفتيش والتنقيب عن مقاتلي حماس بل الغالبية بدينون لأنهم لا يتحركون". هذا التصريح، الذي يلخص عقلية الاستخفاف بالحياة الإنسانية، يمثل قمة الانحدار الأخلاقي الذي تُدار به المجازر، حيث يتحول الجوع إلى مادة للسخرية، والمأساة إلى أداة بروباغندا.

مراكز توزيع المساعدات: الفخ

تمر المساعدات عبر أربعة مراكز رئيسية في غزة، مزودة بأنظمة تسجيل بيومتري وكاميرات مراقبة، تُستخدم لتقييد حركة السكان وتحويلهم إلى مجموعات مُراقبة داخل ما يشبه الحظائر الإنسانية. هذه المراكز لا تهدف فقط إلى توزيع الخبز، بل إلى إعادة تشكيل علاقة الفلسطيني مع أرضه، وتفكيك روابطه الاجتماعية وتحطيم أي بنية قادرة على المقاومة.

الأدوار العربية الساقطة في خدمة الاحتلال

تظهر الإمارات بوضوح في تنفيذ هذا النموذج من الاحتلال غير المباشر. عناصر يتحدثون  اللهجة الخليجية ظهروا في عمليات توزيع المساعدات، ما يثبت شراكة علنية في إدارة منظومة التحكم الإمارات.

لم تكتفِ بالدعم السياسي، بل ساهمت في التنسيق الميداني، والتغطية على الجرائم تحت شعار "الدعم الإنساني"، في الوقت الذي تتحول فيه هذه المساعدات إلى خيوط تُخنق بها غزة يوميا.

إذلال عربي ممنهج

بموازاة آلة القتل، يمر المشهد بصمت عربي رسمي، لا يمكن وصفه إلا بالخيانة الكاملة. أنظمة تقايض المواقف بالقروض، وتُكمم أفواه شعوبها كي لا تصرخ في وجه المجازر؛ تواطؤ يُمنح عبره الضوء الأخضر لإسرائيل كي تُكمل جريمتها بلا مقاومة تذكر.

القصف والدمار الدموي

منذ بداية العام، أُلقيت على غزة أكثر من 15,000 قنبلة وصاروخ. مدينة رفح سُويت بالأرض بالكامل، ولم يتبقَ فيها حجر على حجر. شمال القطاع لم يسلم أيضا من الاجتياح والتدمير، ما خلف مئات الآلاف من النازحين في ظروف بالغة القسوة. إنها حرب إبادة تُمارس تحت غطاء محاربة الإرهاب، لكن حقيقتها تفضح نية التفريغ الكامل للسكان الأصليين.

المخطط الإسرائيلي: إبادة وتهجير

السياسة الإسرائيلية لا تهدف فقط إلى السيطرة، بل إلى استبدال السكان الأصليين، وطمس كل أثر لهم عبر القتل والتشريد، مدعومة بخطط أمنية وإعلامية تُشوه الضحية وتُجمّل المجرم، إنها محاولة لتحويل فلسطين إلى مجرد جغرافيا بلا شعب.

تحت عباءة "الإغاثة" وشعار "القضاء على حماس"

تُخاض حرب إبادة كاملة، تتجاوز حدود التنظيمات والمقاومة، لتكشف المفهوم الأمريكي المعاصر للبلطجة الدولية: أن من حق واشنطن، وشريكتها إسرائيل، نزع ملكية أوطان بأكملها، وقلع شعوبها من جذورها، بكل ما تملكه آلة الحرب من فظاعة ووحشية، طالما أن ذلك يخدم مشروع التفوق الإمبراطوري.

في هذا المنطق الكولونيالي الحديث، المدن تُدك، والأطفال يُبادون، والنساء يُسحقن تحت الركام، بينما تُسوّق المجازر على أنها "عمليات تحرير"، وتُغسل جرائم الحرب بمفردات إنسانية باردة. أمريكا لا تكتفي بدعم الاحتلال، بل تمارس دور "الرب المتعالي" الذي يُصدر أحكام الطرد والقتل من على عرشه الحديدي، غير مكترث بصرخات الأمهات ولا بأشلاء الأطفال. إنها إمبراطورية تستمد مجدها من رماد المحارق، وتجد لذتها في سحق الشعوب الفقيرة تحت جنازير هيمنتها، كما فعل أسلافها من الغزاة والمستعمرين.

أشلاء الأطفال على مذبح "الرب المتعطش للدماء"

وفي خلفية هذا المشهد الدموي، تتربع منظومة الهيمنة العالمية التي تغتذي على المذابح وتتنفس من رئة تجارة السلاح المليارية. آلة قتل تعمل بلا توقف، تديرها مؤسسات لا تعرف الرحمة، وتُغذّيها مصالح اقتصادية تستثمر في موت الأبرياء كما لو كانوا أسهما في بورصة لا تعرف الخسارة.

كل ذلك يُدار تحت سقف إعلام ضخم، لا وظيفة له سوى شرعنة الفاشية وتبرير الإبادة، وتحويل القاتل إلى "مُخلّص"، والمقتول إلى "هدف مشروع". ماكينة إعلامية لا تتحدث عن الحق، بل عن القوة، ولا ترى الإنسان، بل "العائق الأمني"، تُخدّر الضمير العالمي وتُزيّن جرائم الحرب بألوان الحياد والموضوعية الزائفة..

وما يحدث في غزة ليس معزولا، بل يُشكل النموذج الأوضح لسياسات البطش العالمي تجاه كل من يجرؤ على رفع صوته خارج جوقة الطاعة الأمريكية. فلسطين هنا تُضرب لتُفهم غيرها، ويُسحق أهلها ليُرهب سائر المارقين، إنها نسخة محدثة من مقولة "اضرب المربوط يخاف السايب"، حيث يُستخدم الدم الفلسطيني كرسالة رادعة لكل من يحلم بالاستقلال أو يرفض الركوع.

مقالات مشابهة

  • ما لعبة إسرائيل وأميركا في مقترح ويتكوف؟ ولماذا لم توافق حماس حتى الآن؟
  • وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود “إماراتية”
  • أسعار الأضاحي في المملكة
  • مصيدة المساعدات: فخ التهجير أو الموت جوعا
  • وزير المالية السوداني: وقف الحرب أولا وشعبنا سيحكم نفسه بنفسه
  • البرهان يصدر قرار عاجل بشأن إتهامات أمريكية بإستخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية في الحرب
  • دولة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يستقبل الشخصية الإعلامية المعروفة والكاتب والمحلل السياسي هادي جلو مرعي
  • كبدة الخروف.. طبق العيد الشعبي الذي لا يغيب عن موائد الأردنيين
  • خطوات تهيئة الحوار والاتفاق السُوداني لوقف الحرب لصالِح السُودان والسُودانيين «1»
  • خطوات مناوي – D•T•B