تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
مَثّل اعتراف إسبانيا وأيرلندا والنرويج الأعضاء بالاتحاد الأوروبى بدولة فلسطين ضربة أخلت بتوازن حكومة مجرم الحرب بنيامين نتنياهو؛ وانتصارًا للمشروع السياسى للمقاومة الفلسطينية الوطنية الهادف لتحرير الأرض وإقامة دولة مستقلة على حدود يونيو ١٩٦٧وعاصمتها القدس الشرقية.
عبثًا تحاول الحكومة اليمينية المتطرفة فى تل أبيب تشويه خطوة الدول الأوروبية الثلاث بوصفها جائزة لما تسميه بإرهاب المقاومة، سعيًا منها لإثناء دول أوروبية أخرى عن اتخاذ خطوة مماثلة، وهو الأمر المتوقع بحسب تصريحات كل من رئيس الوزراء الإسبانى ووزير خارجية أيرلندا وإعلان سلوفينيا استعدادها للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة نطلع يونيو القادم.
المساعي الإسرائيلية لوقف تمدد ما يمكن وصفه بتيار الوعى الدولى الجديد بضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة لإنهاء الصراع فى الشرق الأوسط محكوم عليها بالفشل؛ فالقرار الأخير الذى اتخذته النرويج وأيرلندا وأسبانيا ليس وليد اللحظة، فقد جاء فى سياق تغير ملحوظ فى النظرة الأوروبية للصراع الدائر منذ ٧٦عامًا.
ديسمبر الماضى أعلن جوزيب بوريل مسئول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى ضرورة البدء فى عمل دولى كبير يشمل مؤتمرًا يضع خطة لحل الصراع على أساس الدولتين؛ وفى يناير مطلع هذا العام قال وزير الخارجية البريطانى ديقيد كاميرون أنه ربما آن الأوان للإعتراف بدولة فلسطينية مستقلة فور البدء فى عملية جديدة فى مفاوضات السلام ودون حتى انتظار نتائج هذه العملية بهدف الدفع للوصول إلى حل الدولتين.
وفى نهاية أبريل الماضى أعلن بوريل أن دولًا فى الاتحاد الأوروبى ستتخذ قرارًا من شأنه الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
صحيح أن الموقف الألمانى الداعم لحرب الكيان الصهيونى على قطاع غزة قد يمنع بحسب مراقبين اقبال جميع دول الاتحاد الاوروبى على اتخاذ خطوة مماثلة فى الوقت الراهن لنصبح أمام موقف أوروبى موحد؛ لكن يبقى أن عملية سياسية بدأت تتحرك فى القارة العجوز نحو فرض خيار التفاوض من أجل إقامة دولة فلسطينية قوامها الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، وأساس هذه العملية نشوء وعى بخطورة استمرار الاحتلال الصهيونى على الاستقرار فى الشرق الأوسط، والمصالح الاستراتيجية الغربية فى المنطقة على وقع طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر وتداعياته الإقليمية.
نعم، ترفض أغلب الدول الأوروبية الاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى مقاومة الاحتلال، وتتشارك مع دولة الكيان الصهيونى فى تصنيف كافة فصائل المقاومة كتنظيمات إرهابية، ولم يصدر عن عواصم النرويج وأيرلندا وإسبانيا أى بيان يدعم حق الفلسطينيين فى تحرير أرضهم وليس من المنتظر حدوث ذلك لا على المدى المتوسط ولا حتى على المدى البعيد؛ لكنهم أدركوا أن استمرار المشروع الصهيونى وما يرتكبه من جرائم ضد الإنسانية لن يفضى إلا إلى مزيد من العنف والتطرف بحسب تعبيرهم.
حكومات النرويج وأيرلندا وإسبانيا ردت على مزاعم مجرم الحرب نتنياهو بشأن أن خطوتهم تعد بمثابة مكافأة لما يسميه بالإرهاب الفلسطينى بأن هذا الحديث لم يعد مقبولًا، فالإصرار الإسرائيلى على رفض إقامة دولة فلسطينية وما ترتكبه من جرائم إبادة جماعية هو ما يؤدى بالضرورة إلى إزكاء الصراع وعدم وضع نهاية له.
موجة الاعتراف الدولى -إنصح التعبير- بالدولةالفلسطينية والتى بدأت بتوصية ١٤٣دولة بالجمعية العامة للأمم المتحدة بحصول دولة فلسطين على عضوية كاملة بالأمم المتحدة، جاءت فى توقيت حساس بالنسبة لحكومة مجرم الحرب، فقد واكبت طلب المدعى العام بالمحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر توقيف بحق بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه جالانت، وانقسامًا غير مسبوق داخل حكومة الحرب (الكابينيت)، وتدنى وإن شئت القول إنحطاط التفكير السياسى الإسرائيلى ليس بالمعنى الأخلاقى وإنما بالمعنى البرجماتى الخاص بمصالح الأمنى القومى العليا للكيان.
وتتجلى مظاهر هذا الانحطاط فى سلوك أغلب الساسة الإسرائيليين فحتى الوزير فى حكومة الحرب جانتس عندما أراد تهديد نتنياهو بالاستقالة وضع ستة شروط هى أصلًا بالنسبة لنتنياهو أهدافًا رئيسية لهذه الحرب ومنها القضاء على حماس، فرض السيطرة الأمنية على غزة، وتشكيل إدارة أوروبية أمريكية عربية للقطاع تستبعد السلطة الفلسطينية وحركة حماس.
جانتس عنون موقفه بضرورة تصديق نتنياهو على خطة لوضع القطاع فى اليوم الثانى للحرب، والواقع أن جانتس نفسه لو كان فى مكان نتنياهو لما استطاع وضع ولو ملامح أولية لهذه الخطة فى ظل الهزائم العسكرية اليومية التى يتلقاها جيشه على يد فصائل المقاومة الوطنية. ومعذلك جاءت المحاولات الإسرائيلية لنشر الأكاذيب حول سلوك الوسيط المصرى لتمثل أبرز تجلى لهذا الانحطاط فى الفكر السياسى فقد روجو إلى أن مصر أبلغت حركة حماس بموافقة إسرائيل على وقف مستدام لإطلاق النار وهو بحسب تلك الأكاذيب التى نشرها موقع CNN الأمريكى ما لم توافق عليه إسرائيل.
المتابعالعابر للأخبار والأنباء التى تحدثت عن موافقة حماس على مسودة اتفاق الهدنة قرأ فى ذات السياق علم وليم بيرنز رئيس المخابرات المركزية الأمريكية بتفاصيل الاتفاق الذى وافقت عليه حماس كما أن نصوص المسودة نشرتها أغلب وسائل الإعلام الدولية والعربية ولم يصدر ولو مجرد تحفظ من الجانب الأمريكى ولا حتى الوسيط القطرى الذى أعلن بدوره استمرار العمل مع مصر والولايات المتحدة وطالب بعدم الالتفات لما ينشر من أكاذيب وترهات وذلك فى تصريحات واضحة صادرة عن المتحدث الرسمى لوزارة الخارجية القطرية.
أكاذيب إسرائيل مجرد محاولة يائسة للظهور بمظهر الراغب فى حقن الدماء بعد أن فضحتها جرائم الإبادة الجماعية أمام الرأى العام العالمى وجعلتها منبوذة، وقودت محاولات حلفائها فى الدفاع عنها.
مصر من جانبها لوحت بالانسحاب من دورها كوسيط فى المفاوضات الجارية بين حكومة الكيان والمقاومة الفلسطينية، وهو ما من شأنه تقويض وتحجيم قدرة حلفاء إسرائيل الدوليين فى التأثير على المشهد برمته.
جرائم الإبادة وممارسات جيش الاحتلال الصهيونى وإصرار ساسة إسرائيل فى الحكومة والمعارضة على رفض حل الدولتين أدى إلى أن يشهد المشروع الصهيونى فى هذه الآونة نكبة غير مسبوقة وظنى أن المصالح الغربية فى المنطقة ومخاوف الولايات المتحدة من تغلل النفوذ الروسى والصينى فيها سيدفع الجميع لفرض خيار حل الدولتين على الدولة العبرية لاسيما وأن حركة حماس أبدت مرونة سياسية فى التفاعل مع المواقف الدولية بإعلانها الاستعداد للتخلى عن سلاح المقاومة وتفكيك كتائب القسام جناحها العسكرى حال المضى فى مسار عملية سلام تقود إلى إعلان قيام دولة مستقلة على حدود يونيو ١٩٦٧وعاصمتها القدس الشرقية مؤكدة أنها ستتحول إلى حزب سياسى يعمل داخل أطر منظمة التحرير الفلسطينية وحددت مدى زمنى أقصاه خمس سنوات تكون فيها هدنة طويلة مع دولة الكيان تتم خلالها عملية التفاوض وتفكيك الجناح العسكرى مع تعهد بوقف استهداف قوات جيش الاحتلال.
مجمل القول: نحن على مفترق طرق ومنعطف خطير؛ فإما أن يصدق البيت الأبيض فى نواياه، وإما أن تنجرف المنطقة بأسرها إلى حرب إقليمية وفوضى ستكون الولايات المتحدة فيها أول الخاسرين مع إطلاق أول رصاصة تعلن اندلاعها.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الكيان الصهيوني قطاع غزة الشعب الفلسطيني مقاومة الاحتلال الدول الأوروبية دولة فلسطینیة
إقرأ أيضاً:
خطة إسرائيل لتعميم نموذج رفح واحتلال غزة.. تصعيد عسكري بحسابات سياسية
البلاد – غزة
في خطوة قد تُنذر بتحول استراتيجي في مسار الحرب على قطاع غزة، كشفت تسريبات إسرائيلية عن خطة عسكرية طموحة تقضي بالسيطرة على ما بين 70% و75% من أراضي القطاع خلال ثلاثة أشهر. الخطة، التي تتضمن “مرحلة تطهير طويلة الأمد”، تمثل تصعيداً كبيراً يتجاوز نطاق العمليات السابقة، وتطرح تساؤلات عميقة حول الأهداف السياسية والعسكرية التي تسعى تل أبيب لتحقيقها في هذه المرحلة من النزاع.
العملية، وفقاً لصحيفة “إسرائيل اليوم”، تهدف إلى تكرار نموذج العملية العسكرية في رفح وتعميمه على مختلف مناطق القطاع. النموذج المذكور اتّسم بتكتيكات تعتمد على الاقتحام البري الكثيف، تفريغ السكان، وفرض سيطرة أمنية كاملة. تعميم هذا النموذج يشير إلى نية الجيش الإسرائيلي بفرض وقائع ميدانية تعزز من موقعه التفاوضي، وتزيد كلفة أي تسوية على حركة حماس.
تتضمن الخطة مشاركة خمس فرق عسكرية، أربع منها هجومية، وواحدة دفاعية، ما يعكس رغبة في تحقيق تقدم ميداني سريع مع الإبقاء على هامش تكتيكي يتيح وقف العمليات مؤقتاً في حال التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن.
لكن هذا لا يُخفي نية القيادة الإسرائيلية فرض “حقائق على الأرض” قبل أي تسوية. ومن منظور سياسي، فإن تكريس السيطرة العسكرية على القطاع قد يُستخدم كأداة ضغط على حماس، كما قد يُشكل محاولة لإعادة رسم خارطة غزة الأمنية والجغرافية بما يتماشى مع الشروط الإسرائيلية طويلة الأمد.
بالتزامن مع التحرك العسكري، قرر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سحب الوفد الإسرائيلي المفاوض من الدوحة، ما يعكس إحباطاً سياسياً من فشل الجهود الدبلوماسية. تل أبيب تتهم حماس بالتمسك بضمانات أميركية لإنهاء الحرب، ما تعتبره شرطاً غير مقبول.
في الوقت ذاته، تواصل إسرائيل التلويح بإمكانية العودة إلى المفاوضات، بشرط أن توافق حماس على مقترح أميركي يتضمن إفراجاً جزئياً عن الرهائن مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار وتمهيداً لمفاوضات أوسع، وهو ما يشير إلى أن الحلول التفاوضية لا تزال خياراً قائماً، لكن بشروط إسرائيلية أكثر صرامة.
التحرك العسكري الإسرائيلي يأتي في ظل تحذيرات متزايدة من مؤسسات أممية بشأن الكارثة الإنسانية في غزة، حيث يتفشى الجوع وينهار النظام الصحي. وفيما تتهم إسرائيل حماس بالاستيلاء على المساعدات، يحمّل المجتمع الدولي تل أبيب مسؤولية الحصار الخانق الذي فرضته منذ انهيار الهدنة في مارس الماضي.
هذا الواقع الإنساني قد يضع إسرائيل أمام ضغوط دبلوماسية متصاعدة، خاصة من حلفائها الغربيين، إذا لم يُرافق التصعيد العسكري بحلول سياسية متوازنة أو ممرات إنسانية فعالة.
خطة إسرائيل للسيطرة على الجزء الأكبر من قطاع غزة خلال ثلاثة أشهر تمثل تصعيداً عسكرياً ذا أبعاد سياسية واستراتيجية. ما يبدو أنه عملية عسكرية قد يكون في الواقع محاولة لإعادة هيكلة القطاع جغرافياً وأمنياً، واستباق أي حلول دبلوماسية بشروط مفروضة من جانب واحد. ومع تعثر المفاوضات واستمرار الكارثة الإنسانية، تبرز المخاطر من اتساع رقعة الحرب وتدهور الوضع الإقليمي والدولي.