بقلم/ اوهاج م صالح
السودان والشعب السوداني يعيشون الآن حالة مفصلية اعتبرها مرحلة زوال الوطن وتوهان الشعب السوداني بلا رجعة. وبكل صراحة انا اخشى على السودانيين من سنوات للتيه اشبه بتوهان بني اسرائيل الذين تاهوا في بقاع الأرض أربعين سنة مما تعدون. وحقيقة قد وجدنا ما وعدنا به حاخامات الكيزان حقاً وحرفياً، فوددت ان اصورهذه المآساة في هذه القصيدة التي تجسد ما يحدث في وطني المكلوم، واعذرونا على ما يشوبها من ركاكة، كركاكة هذه الحرب العبثية.
واقول في القصيدة:
قد ماتت احلام وآمال * بسقوط الدانة بلا استئذان
احلام منقوشة في الجدران* فألتهمتها السنة النيران
وصغار الجيران الأبرار * قد ماتوا والعائلة موت الضان
ومرتع صبحي مدرستي * لم تسلم من قذف الطيران
وجامعتي دكت أرضاً * فأضحت سكناً للغربان
ومسجد حارتنا يا هذا * قد اسكت فيه صوت الآذان
ومشفانا الكان يعالج مرضانا * قد اصبح في غمدة عين مرضان
وجيراني قد تاهوا في الأرض * ويهيمون في كل مكان
ومقابرنا ضاقت بالموتى * وجثث في الطرقات تثير الغثيان
فأتتها جوارح كاسرة * وهوام غازية من كل مكان
فأستهوتها جثث ملقاة * لتقر وتسكن أرض السودان
وتوارى أهل العقد وأهل الحل * وطغى في السطح الجرذان
من ناس المتك وناس البل * والزومبى و فلول الكيزان
وصعاليك الكيبورت يديروا الحرب * فيوجهوا بوصلة البرهان
حطم جسرا واحرق مصفاً* وابرهة ينفذ بي إذاعان
افصل هذا واعدم ذاك* واقصف عشيرة بن حمدان
يُخونوا هذا ويعدموا ذاك * ان قال رفقاً بالإنسان
يتيم شعب صرفة صوته* يصدر تعليماته لمن في الميدان
ورويبضة في الطرف الآخر* يبث غثاء يثير الإستهجان
فاختلط الحابل بالنابل * ورأينا اسد تلد الفئران
وضريح اخرج من فيه * لتلهو برفاته دواعش طالبان
ومتحف فيه عبق التأريخ * نالته الجهوية والحقد العميان
ومتحف آخر في الفاشر * فهل يسلم متحف قصر السلطان
وألفنا الموت المجاني * فهل الموت يموت كمان
والميت يُسلخ سلخ الشاة * وحشاه يأكلها الغلمان
لا منظر ابشع من ذلك *أهند بعثت من تحت الكثبان
ما حل بنا فاق الوصف* بل وتخطى خيال الولهان
ما هذا ولماذا يحدث هذا * افتوني يا اهل السودان
قد كان الموت بعيدا عنا * فحل علينا شره نشوان
يقبض اطفالا في المهد * وشباباً وكهل قعيد مرضان
وأخرى حبلى تمني النفس * بفارس يحميها من جور الأزمان
فطفق الموت يرديها صرعى * فتصبح كان يا ما كان
وجموع ماتت بالمجان * والموت سيموت ويصبح فان
والجوع الكافر حل بأرضي * ثقيل الظل قليل الإحسان
فصار غني القوم فقيرا * وعفيف النفس ذليلُ حيران
ويطرب أصحاب اللاءات لهذا * فيزيدوا عسفاً على بهتان
قد اختلط الحابل بالنابل * والخاين بالوطني كمان
ما عاد في بلدي خفيف الظل * فالكل دميم ثقيل الأوزان
مسؤول لا مزعة خجل فيه * ثرثار غوغائي طنان
لا موثق لا عهد يشكمهم * ففريق ينقض غزل الثان
وقول الكذب غدى ديدن* يتعاطاه المسؤول حد الإدمان
وديك العدة هجو الكحيان * يقول البحر كرتك يا برهان
اعطي روسيا والأكران* وضع امريكا جوار ايران
وباقي البحر قطعه إربا * محاصصة مابين الجيران
فيجيك سلاحُ فتاكُ * لمسح معالم باقي السودان
فتخلد وحيداً في الحكم * لتحكم ارض ما بعد الطوفان
وترضى عنك شواذ القوم* وقونات الهندي زميل عثمان
رفقا مولاي بنا يا رب* فار التنور وهاج البركان
لا حل لدينا غير دعاك * فانت تجيب دعاء الغلبان
لا للحرب ونعم للسلام
awhaj191216@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
محمد دياب يكتب: «حادث كفر السنابسة»
لم تكن "كفر السنابسة" تعرف أن الجمعة الأخيرة من يونيو ستكون موعدًا مع الوجع.. لا أحد كان مستعدًا لتلك الجنازة الجماعية التي هزّت ضمير الوطن، حين ودّعت القرية 19 زهرة من بناتها خرجن مع الفجر بحثًا عن رزق نظيف، فعدن في نعوش بيضاء، بعد حادث مروع على الطريق الإقليمي.
■ نعوش الفجر.. وبداية الكارثةمشهد النعوش المصطفّة، والأمهات المفجوعات، والآباء المنكسرين، كان كفيلًا بأن يُخيّم الصمت على الجميع، غير أنّ الصمت في مثل هذه اللحظات لا يُعدّ حكمة، فالمأساة تجاوزت كونها حادثًا عارضًا، وتعكس واقعًا يحتاج إلى مراجعة شاملة لمنظومة السلامة على الطرق.
■ طريق الموت.. وشبح الغياب الرقابيسائق شاحنة يسير في الاتجاه المعاكس، وطريق يُعرف بين الأهالي بـ "طريق الموت"، وسط غياب واضح لعناصر الرقابة والرقابة المرورية في الوقت الذي كانت فيه عشرات الأسر تنتظر كلمة عزاء أو حضورًا رسميًا يواسيها، غاب المسؤولون عن المشهد، فلم تصدر بيانات توضيحية، ولم تُقدَّم تفسيرات للرأي العام بشأن ملابسات الحادث، ولا ظهرت مؤشرات للمحاسبة أو التحرك العاجل. واقتصر الأمر على بيانات تعزية رسمية، لم تخفف من حجم الألم، ولم تروِ ظمأ العدالة.
■ شهادة حبيبة.. الصوت الوحيد الذي نجاومن بين كل من كانوا على متن الميكروباص، لم ينجُ سوى فتاة واحدة: "حبيبة"، التي قالت بصوت مكسور:
"كنا 22 بنت جوه الميكروباص، قاعدين فوق بعض، مش لاقيين مكان نتحرك فيه، رايحين نشتغل عشان 130 جنيه"
130 جنيهًا فقط هي اليومية التي خرجت من أجلها هؤلاء الفتيات في الخامسة فجرًا، بحثًا عن لقمة كريمة. رقم لا يكفي ثمن وجبة في مطعم بالعاصمة لكنه بكل قسوه كان ثمنًا لحياتهم.
ثم أين الحد الأدنى للأجور الذي أقرّته الدولة بـ7 آلاف جنيه للعاملين؟ وأين مظلة الحماية الاجتماعية التي تضمن للعمالة غير المنتظمة عملًا كريمًا وأجرًا عادلًا وبيئة آمنة؟
أين الرقابة على وسائل النقل التي تقلهن فجرًا وتعيدهن ليلًا أو... لا تعيدهن أبدًا؟
أن يولد الإنسان فقيرًا فذاك أمر لا يُحاسب عليه، أما أن يُدفن تحت أنقاض الإهمال، فذلك يستوجب محاسبة من استهان بحياته.
نعم، أنجزت الدولة كثيرًا في مشروعات الطرق، غير أن الطريق لا يكون إنجازًا حقيقيًا ما لم يصن حياة السائرين عليه، ويُحكم برقابة لا تغفو، وأمان لا يخون.
فجوهر الأزمة لا يتعلق بعملية البناء ذاتها، بل يكمن في سوء الاستخدام، وغياب الرقابة، وغياب أدوات الردع، وصمت المؤسسات الرقابية والتشريعية، ما يفتح الباب لتكرار المآسي دون محاسبة أو تغيير. فكيف لطريق كلّف الدولة أكثر من مليار جنيه أن يكون بغير رقابة؟!
نحن لسنا في فيلم من إنتاج يوسف شاهين، ولسنا نكتب سطورًا من روايات يوسف إدريس، نحن أمام واقع من دم ولحم وألم لا يحتمل التأجيل، ولا ينتظر بيان لجنة تقصِّي.
دماء على الأسفلتكفر السنابسة دفنت بناتها، لكن الوطن كله مدعو أن يفيق، لأن الموت القادم قد يأتي من ذات الطريق.. وربما تكون الضحية التالية من بيتك.
فهل نبكي على ما حدث، أم ننتفض قبل أن تبكي علينا قرية جديدة؟
الدماء على الأسفلت تنادينا.. فهل يستيقظ الضمير؟