مصور فرانس برس: ما يحدث في غزة إبادة وليس حربا
تاريخ النشر: 11th, June 2024 GMT
قال محمود الهمص، المصور الفلسطيني لدى وكالة فرانس برس، الحائز على المركز الأول في فئة الأخبار المتسلسلة بمسابقة "إسطنبول لأفضل صورة" التي تنظمها الأناضول، إن ما يحدث في غزة ليس حربا إنما إبادة جماعية.
وفي حديث مع الأناضول، أوضح أنه يعمل مصورا في غزة لدى فرانس برس منذ 23 عاما، قام خلالها بتغطية الكثير من الحروب والأحداث.
وأكد أن ما يحدث في غزة حاليا مختلف عن الحروب السابقة، قائلا: "هذه ليست مجرد حرب إنما إبادة جماعية، لأنني قمت بتغطية الكثير من الحروب لكن لم أر من قبل هكذا جرائم وأحداث، قُتل الكثير من المدنيين والأطفال".
وشدد على أن الصحفيين يعانون كثيرا بسبب خطورة الأوضاع في غزة، حيث لا يوجد غذاء ولا ماء ولا اتصالات ولا مناطق آمنة.
وأفاد الهمص بأنه لا توجد ضمانات لحرية عمل الصحفيين، مشيرا إلى أنه فقد العديد من أصدقائه وزملائه في غزة.
وأوضح أنه على اتصال مع العالم بفضل عمله مع وكالة أنباء دولية خلال الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.
ولفت إلى انقطاع الكهرباء والاتصالات في غزة مع دخول الحرب الإسرائيلية شهرها التاسع.
وذكر أن الصحفيين يضطرون للنوم في المستشفى أحيانا، والصعود إلى المباني العالية للحصول على إشارة شبكة الانترنت.
وأردف: "أنا فلسطيني ولدت في غزة، وهذه قضيتي، ومن واجبي التقاط الصور وتوجيه رسائل للعالم أجمع من خلالها، لأن الصورة أقوى من الكلمة".
وفي إشارته إلى مقتل جميع أفراد عائلة مصور الأناضول محمد العالول، قال الهمص إنه فقد أيضا منزله ومكتبه وبعض أفراد عائلته، مضيفا أنه يشتاق كثيرا لعائلته في غزة الآن.
وحول صورته الشهيرة لـ"رجل على كرسي متحرك" والتي التقطها عام 2018، ذكر الهمص أن المظاهرات كانت تقام كل أسبوع على السياج الفاصل بين إسرائيل وقطاع غزة.
وأضاف أن الرجل كان يأتي في كل مرة لإلقاء الحجارة تجاه مواقع الجيش الإسرائيلي، مبينا أنه "رغم أن لديه وضع خاص لكن عليه أن يقاتل، فهو لا يفعل شيء فعليا، لكنه يأتي لتوجيه رسالة".
وأعرب الهمص عن اعتقاده في أن كل من يرى تلك الصورة يتساءل من أين كل هذه الشجاعة لرجل على كرسي متحرك.
وتعليقا على صوره الحائزة على جوائز ومسابقة جائزة إسطنبول لأفضل صورة، قال: "جمعت بعض الصور من أماكن مختلفة. لكنني ركزت على العائلات والمباني".
وأردف: "لأنه خلال هذه الحرب، استهدفت إسرائيل عددا كبيراً من المنازل وقتلت الكثير من المدنيين، هذا شيء مهم جدا".
وتابع: "هذا هو الشيء الرئيسي الذي نحتاج إلى التركيز عليه، لأن أغلب الضحايا الفلسطينيين هم مدنيون وأطفال ونساء. يمكنك رؤية ذلك في الصور".
وقال: "أعتقد أن هذه جائزة مهمة للغاية، ويحرص جميع الصحفيين في العالم على المشاركة بهذه المسابقة لأنها أصبحت مشهورة جدًا الآن، وهذه هي المرة الثانية التي أفوز فيها بتلك الجائزة".
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: الکثیر من فی غزة
إقرأ أيضاً:
كريم وزيري يكتب: أرباح الحروب التي لا نراها في نشرات الأخبار
في كل حرب، تتجه الأنظار نحو الجبهات، نحو الدبابات التي تزمجر، والطائرات التي تمطر، والجنود الذين يسقطون على أطراف الخرائط، لكن قليلون من ينظرون خلف الكواليس، حيث تجلس الأطراف الرابحة في صمت، تتابع المشهد من شاشات تحليل البيانات أو مكاتب صفقات السلاح، تحتسي قهوتها بهدوء بينما تُعد الأرواح على الأرض مجرد أرقام في تقارير الأداء، ومنذ الحرب العالمية الأولى وحتى أحدث صراع في أوكرانيا أو غزة، ظل السؤال نفسه يُطرح بين من يجرؤون على كسر السرديات الرسمية وهو من يربح حقًا من هذه الحروب؟
هناك من يعتقد أن تاجر السلاح هو الرابح الأكبر، وهو رأي له وجاهته، فصناعة السلاح هي من أكثر الصناعات التي لا تخسر أبدًا، الحرب بالنسبة لها ليست دمارًا بل موسم رواج، كل دبابة تُستهلك تُستبدل بأخرى، وكل صاروخ يُطلق يُعوض بعقد توريد جديد، وشركات كبرى مثل لوكهيد مارتن، ريثيون، تُضاعف أرباحها كلما احتدمت الجبهات، والحروب تُستخدم كإعلانات حية لمنتجاتهم، ويكفي أن تنجح طائرة واحدة في تنفيذ مهمة دقيقة حتى تصبح نجمة معارض السلاح التالية، والدول لا تشتري فقط القدرة على القتل، بل تشتري وهم التفوق، هالة الردع، وشعورًا زائفًا بالأمان.
لكن الصورة تغيرت، فخلف الكاميرات، هناك لاعب جديد دخل الساحة، لا يرتدي زيًا عسكريًا ولا يظهر في نشرات الأخبار، إنه من يملك المعلومة، من يستطيع أن يوجه الرأي العام، أن يصنع العدو، أن يعيد تعريف النصر والهزيمة حسب مزاج مصالحه، من يملك المعلومة يملك القوة الناعمة والصلبة في آنٍ واحد، شركات مثل غوغل وميتا وأمازون لم تُصنف حتى الآن ضمن "شركات الدفاع"، لكنها تملك بيانات عن الشعوب أكثر من حكوماتها، وتستطيع حرف المسارات السياسية عبر خوارزمية، أو إخماد ثورة بتقليل ظهورها في "الترند".
لم تعد المعركة فقط على الأرض، بل على الشاشات، في كل ما يُقال ويُعاد ويُضخ، في كل إشعار يصل لهاتفك ويستهدف وعيك قبل أن يستهدف جسدك، باتت المعلومة أقوى من القنبلة، لأنها تهيئ لها الطريق، وتُشيطن طرفًا، وتبرر الحرب، وتمنح الضوء الأخضر النفسي قبل العسكري، ومن يتحكم في الصورة، يتحكم في المعركة، ومن يتحكم في التحليل، يتحكم في المصير.
صانع السلاح يربح عندما تشتعل الحرب، لكن صانع المعلومة يربح حتى في الهدنة، بل أحيانًا يُشعل الحرب لتخدم روايته، والمشكلة أن كثيرًا من الصراعات التي نشهدها الآن لم تُخلق من نزاع حقيقي على الأرض، بل من تضخيم إعلامي أو سردية مصطنعة، أصبح بالإمكان تصنيع "عدو"، ثم بث الخوف منه، ثم تسويقه كمبرر لحرب لاحقة، وكل ذلك دون أن يخرج مطلق المعلومة من مكتبه.
منذ سنوات بدأت شركات السلاح تستثمر في شركات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، والعلاقة بين الاثنين لم تعد منفصلة، وهناك من يصنع السلاح، وهناك من يصنع القصة التي تُبرر استخدامه، وهناك من يجهز الطائرة، وهناك من يجهز عقل المواطن ليتقبل القصف.
المعلومة أصبحت سلاحًا موازيًا، بل سابقًا على القذيفة. فالقصف يبدأ من رأسك، من فكرة يتم زرعها، حتى تصدّق أنها "حرب عادلة" أو "دفاع عن النفس".
السؤال الآن من يربح أكثر؟ من يبيع الموت في شكل معدني أم من يبيعه في شكل رواية؟ من يملك المصنع أم من يملك التأثير؟ من يتحكم في الجيوش أم من يتحكم في العقول؟ الواقع أن كليهما رابح، لكن الفارق أن تاجر السلاح يربح مرئيًا، في حين أن تاجر المعلومة يربح في الخفاء، دون أن يُسأل أو يُحاسب، بل الأسوأ قد تراه بطلًا، أو خبيرًا محايدًا، وهو في الحقيقة من يدير المعركة بطرف إصبع.
الربح في الحروب لم يعد فقط ماليًا، إنه أيضًا في التأثير، في إعادة رسم الخرائط، في التحكم في السرديات الكبرى، والأدهى من ذلك أن الشعوب نفسها باتت هي السلعة، بياناتهم، عواطفهم، مخاوفهم، سلوكهم على الإنترنت، كل ذلك أصبح يُباع ويُشترى ويُستخدم كوقود في حروب غير تقليدية، حروب لا يُطلق فيها رصاص بل تُحقن فيها العقول بما يكفي لتدمير ذاتها.
صانع السلاح يربح حين تسقط الجثث، لكن صانع المعلومة يربح حين تنهار الثقة، حين تصبح الحقيقة مشوشة، والواقع ضبابيًا، والعقل هشًا، قد لا تراه، لكنه موجود في كل إشاعة، في كل فيديو مفبرك، في كل خطاب تعبوي يُبث، في كل "ترند" يُدير الوعي الجمعي دون أن ينتبه أحد.
الحروب القادمة لن تكون فقط على الأرض، بل في الفضاء الإلكتروني، في غرف الاجتماعات المغلقة، في مراكز تحليل السلوك البشري، وساحة المعركة لن تكون فقط الجبهة، بل أيضًا شاشة هاتفك، عقل ابنك، وتصوّرك لما يجري من حولك.
قد لا تشتري سلاحًا، لكنك تستهلك المعلومة، وقد لا تقتل أحدًا، لكنك قد تقتل الحقيقة دون أن تدري.