عربي21:
2025-07-05@03:24:05 GMT

في الأضحى فلسطين هي الضحية

تاريخ النشر: 14th, June 2024 GMT

 ستحتفل الأمة الاسلامية بعد يومين بعيد الأضحى، وفي العالم ستستمر الفضائيات بنقل مشاهد أهل فلسطين وهم يتساقطون قتلى وجرحى وأسرى ونازحين "مضحّين" عن أمة كاملة تمارس شعوبها وحكامها "إسلاماتها" بمنتهى التقوى والدعاء بالفرج وبالنصر على أعداء الإسلام.

أقول ذلك مدفوعا بغضب وبوجع وبقلق إزاء ما ينتظرنا، نحن المجتمعات الفلسطينية كل في موقعه؛ فإن كانت غزة هي عنوان الدم الهادر وأم الشقاء الحالي، فالضفة الغربية المحتلة تعرف أنها تقف على باب الأتون المستعر وتنتظر إقحامها في هذه المواجهة، التي تخطط لها إسرائيل كي تكون الأخيرة في معارك السماء، والحاسمة لصالح من يدّعون أنهم اصحاب إرث الرب في هذه البلاد.



كل المشاهد المنقولة من رفح وخان يونس والنصيرات وسائر مناطق القطاع، ومن كفر دان وبيتين وجنين وسائر مناطق الضفة الغربية تهز الأبدان، وتذكّر العقّال بحكمة عدل الخالق، الغائبة عن الذين يسجدون له حتى وهم بين الأنقاض.

يشعر الفلسطيني هذه الأيام، رغم تردد الوهج من الجنوب ووعد ووعيد "بركان الشمال" أن الأمل الباقي يتلوى فريسة بين فكّي الاحتمال. لقد قالوا في المجاز والأحلام، أن فلسطين هي يوسف، لكنّها هيهات؛ فهي، في عصر أحلاف قيصر وزمن الإيلافات الجديدة، صارت سبيةً ترجو رحمة الرحمن. في كل زاوية في فلسطين موت وبكاء ووجع؛ ويبقى وجع الأسرى الفلسطينيين أقرب الأوجاع إلى قلبي، لاسيما ونحن نقف على شرفات التضحيات والأماني.



لقد هزتني مؤخرا صور لبعض الأسرى الفلسطينيين الذين تحرروا من سجون الاحتلال، بعد أن قضوا فترات اعتقالاتهم العادية أو الإدارية.
تبتكر إسرائيل الجديدة طقوس تعذيبها وتمارسها على أجساد ونفوس الفلسطينيين، قاصدة تجويف أرواحهم من الداخل وتحويلهم إلى مجرد هياكل واهية
كنت أعرف بعضهم منذ سنوات طويلة، مثل الإخوة عمر عساف وباسم التميمي وعبد الخالق النتشة وبسام الزماعرة ونبيل النتشة وعزام سلهب ومحمد كرسوع؛ وعندما شاهدت صورهم التي بدوا فيها كأشباح مستنسخة عن أصولها، فهمت كيف تبتكر إسرائيل الجديدة طقوس تعذيبها وتمارسها على أجساد ونفوس الفلسطينيين، قاصدة تجويف أرواحهم من الداخل وتحويلهم إلى مجرد هياكل واهية. 

سمعنا، مع بداية حملات الاعتقال الاسرائيلية المتتابعة منذ السابع من أكتوبر، عن ممارسات إسرائيلية قمعية غير مسبوقة بوحشيتها، تنفذ بحق الأسرى الفلسطينيين؛ لكننا لم نستطع، كمحامين أو كمؤسسات حقوقية تعنى بشؤون الاسرى، توثيق ما يجري، لان سلطات الاحتلال منعتنا من زيارة السجون؛ وحظرت إحضارهم إلى قاعات المحاكم؛ وامتنعت عن نقل أي معلومات عنهم.

ولكن مع مرور الوقت وإفلات قصاصات من أخبار الفظائع المرتكبة داخل السجون ومعسكرات الاعتقال، ومع زيادة الضغوط المحلية والدولية على الاحتلال، وفي أعقاب الإفراج عن عدد من الأسرى بعد انتهاء فترات اعتقالهم، بدأت المعلومات ترشح والأخبار تؤكد وتنشر.

لقد صدمتنا الوقائع وفاقت مضامين شهادات الأسرى المحررين ما تخيلناه؛ لقد تبين أن بعض مراكز الأسر والتحقيق كانت تعمل مثل "المسالخ"، حيث يعذب فيها الأسرى بعنف ويهانون بأساليب لا يليق الكلام عنها، ثم يزج بهم في أقفاص أو غرف أو ساحات في ظروف حياتية وصحية لا تصلح لحياة البشر.

سيكتب التاريخ، رغم سياسات التعتيم وتواطؤ وسكوت وسائل الاعلام العبرية والعالمية، عن هذه الممارسات الإسرائيلية الساقطة، وستظهر حقيقة الظروف التي أدت إلى استشهاد اثني عشر أسيرا قضوا في سجون الاحتلال بعد السابع من أكتوبر، وعشرات الأسرى الغزيين، وليس فقط 36 أسيرا كما اعترفت سلطات الاحتلال رسميا، الذين قتلوا داخل معسكرات الاعتقال، فالأسرى سيبقون أحياء ورواة لقصص الصبر والتضحيات.

لقد اخترت أن أكتب حول هذه الغصة قبل حلول عيد الأضحى، لأنني رفيق هذه التجربة منذ أكثر من أربعة عقود، وأشعر بأنني ملزم، في هذا الظلام الدامي، أن ألفت نظر العالم والمعيّدين من الأمة الاسلامية، إلى واقع الحركة الأسيرة التي تمر بأحلك ساعاتها وأقسى تجاربها، وتواجه محاولة الاحتلال ردم إرثها النضالي العريق والثابت، تحت أنقاض بيوت غزة، من خلال خلق حالة ترهيب وإهانة وقمع وردع "وتحييد" لكل مناضل فلسطيني، أو مناضلة يصرون على مواصلة الطريق ومواجهة الاحتلال وكنسه.



كانت ممارسات الاحتلال الإسرائيلي دائما قمعية ووحشية خاصة ضد الحركة الأسيرة الفلسطينية
كانت ممارسات الاحتلال الإسرائيلي دائما قمعية ووحشية، خاصة ضد الحركة الأسيرة الفلسطينية؛ ولطالما كنت شاهدا على محاولات صناع سياسة القهر الاسرائيلية ضرب هذه الحركة وقصم ظهرها، لكنهم كانوا على الأغلب يفشلون؛ أما ما نراه اليوم فهو حالة غير مسبوقة من التغول والانفلات في الأراضي المحتلة وداخل السجون، وهذه الهجمة تتم بمشاركة منسقة ومتكاملة بين عناصر جيش الاحتلال وعناصر ما يسمى "مصلحة السجون الإسرائيلية" وقطعان المستوطنين الموكلين بتنفيذ عمليات الترهيب والاعتداءات المسلحة والقتل، السريع والكثيف، بالتوازي مع الانقضاض على الأسرى والمعتقلين داخل السجون والمعسكرات وأشهرها، في هذه المرحلة، هو معسكر «سدي تيمان».

 بلغت حصيلة الاعتقالات في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية 9200 أسير، وهذا العدد يشمل كل من اعتقل منذ السابع من أكتوبر، سواء من بقي بالأسر أو حرر.

أما عدد الأسرى الإجمالي الحالي في سجون الاحتلال فيبلغ 9300 أسير، من بينهم 3400 أسير إداري كانوا قد اعتقلوا من دون توجيه لائحة اتهام بحقهم ويخضعون إلى إجراءات قانونية صورية لا تؤمّن لهم دفاعا مناسبا، ولا قواعد المحاكمة النزيهة.

ويوجد في الأسر حاليا 75 أسيرة تخضعن لظروف قاسية للغاية وللتنكيل الدائم، ويذكر أن بينهن أسيرتين حاملين هما: جهاد دار نخلة وعائشة غيظان.

ويوجد في السجون 250 طفلا لا يحظون بأي معاملة ملائمه لجيلهم بمقتضى قوانين القاصرين.

كذلك تحتجز إسرائيل في سجونها بالتقريب 900 معتقل قام الاحتلال بتصنيفهم "كمقاتلين غير شرعيين" علما بأن عدد هؤلاء "المقاتلين" لا يشمل آلاف الأشخاص/ الأسرى الذين قام الاحتلال بأسرهم واحتجازهم في معسكراته وسجونه من دون إعطاء أي تفاصيل عن ظروف واسباب اعتقالهم أو معلومات عن شروط اعتقالهم، ولم يسمح للمحامين بزيارتهم أو لهم بالاتصال مع العالم الخارجي.

لم تقتصر عمليات الاعتقال، بعد السابع من اكتوبر، على من يقاوم الاحتلال في الميادين، بل شملت جميع شرائح الشعب.


قد تكون الكتابة عن هذه الغصة، والعالم الإسلامي يقف على مشارف عيد الأضحى، غير مناسبة وغير مرضية للبعض؛ لكنه دَين في رقبتي لمن كانوا صنّاع ماضيّ ومؤرّقي حاضري وأعمدة راسخة في مستقبل فلسطين.

أكتب عن الحرية لأنني أخشى أن "يستفحل" الإيمان في القلوب ويفيض فتنسى فلسطين :كأنها لم تكن، تنسى كمصرع طائر، ككنيسة مهجورة تنسى، كحُب عابر وكوردة في الليل تنسى".



وأكتب عن الأمل، لأنني أعرف أنه إذا هزم هناك وسقط فرسانه سيأتي الدور على قلاعنا/سجوننا وعلى فرساننا نحن في الداخل، وأخشى أن هذا اليوم بات وشيكا.

أكتب وأمامي كلمات أحد المناضلين القدامى الذي خاطبني بعد أن قرأ إحدى مقالاتي وقال: "منذ السابع من أكتوبر وأنا في حالة لم أعهدها في حياتي خوفا من الاعتقال. لم أحسب يوما من الأيام حسابا لأي من اعتقالاتي العشرة السابقة، لكنهم داهموا بيتي من بداية الحرب وهددوني بالقتل والاعتقال؛ فأنا لم أخف في يوم من الأيام من سجونهم ولا من تهديداتهم، ولكن ما حدثني به أخوة تحرروا من الأسر حديثا عن السجون وما يتعرض له الأسرى من ظلم وبطش وإهانات لم نعهد مثيلا لها، جعلني أخشى وحشيتهم التي وصفتها في مقالك وحضرت أمامي صورة الشهادة؛ فنحن بهذا السن لا نحتمل الإهانة". 

إنه كلام مرعب ومقلق. حدّثته وقلت إنني لا أوافق على كلامه، ففهمت أنه يعشق الحياة، لكنهم يعيشون في مواسم الخوف الذي يتلاقح حتى يلد مواسم الدم.

إنها دوائر الاحتلال الشيطانية التي تلف على محاورها وتطحن النور ظلاما، وحبة الصبح غضبا، وورد المساء علقما. إنهم يصنّعون الخوف ويصنعونه ولا يقرأون، فيا ليتهم يقرأون ما يقوله هذا الحر وهو يستعد لاستقبال أضحاه بفرح وبتقوى، ويؤمن أن حربه هي حرب بقاء وكرامة، لا حرب سماء وإبادة.

ويا ليت الجميع يقرأ

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الضفة الغربية الأسرى الاحتلال عيد الأضحى غزة عيد الأضحى الضفة الغربية الأسرى الاحتلال مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

انقسام داخل الاحتلال.. وضغوط أمريكية بشأن وقف الحرب على غزة

كشف مقترح جديد لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة عن حالة انقسام عميق داخل حكومة الاحتلال الإسرائيلي، في ظل تصاعد الضغوط الدولية ووسط دعم أمريكي واضح للرؤية التي تدعو لتهدئة مؤقتة تستمر 60 يوماً.

ورغم موافقة بعض الوزراء ورجال المعارضة، تعارض قيادات في اليمين المتطرف هذه الخطوة، مما يعقد المشهد السياسي ويزيد من حالة عدم اليقين حول مستقبل الصفقة.

في تصريح على منصته الخاصة "تروث سوشيال"، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن إسرائيل قبلت "الشروط اللازمة" لوقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً في غزة، معربًا عن أمله في موافقة حركة "حماس" على هذه الشروط.

ويعكس هذا الإعلان الدعم الأمريكي المستمر لإنهاء العنف، خصوصاً بعد أشهر من قصف وعنف الاحتلال الإسرائيلي المكثف الذي خلف أكثر من 191 ألف شهيد وجريح فلسطيني، غالبيتهم من المدنيين.

ومع ذلك، يبقى الانقسام داخل الحكومة الإسرائيلية واضحًا، حيث يعارض وزيران رئيسيان من اليمين المتطرف، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، المقترح بشكل قاطع.

 ونقلت صحيفة "هآرتس" عن مصادر إسرائيلية أن الوزيرين يخططان لعقد اجتماع عاجل لمناقشة سبل منع إتمام الصفقة، مؤكدين رفضهم لوقف إطلاق النار أو أي انسحاب من غزة، وداعين بدلاً من ذلك إلى احتلال القطاع وفرض مزيد من السيطرة.


في المقابل، أبدى وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر دعمه للخطة، موضحًا عبر منصة "إكس" أن "هناك أغلبية كبيرة داخل الحكومة والشعب تؤيد إطلاق سراح الأسرى"، مؤكدًا على ضرورة استغلال الفرصة في حال توفرت.

كما تعهدت المعارضة الإسرائيلية، بقيادة يائير لابيد، بتوفير شبكة أمان برلمانية تضمن بقاء نتنياهو في السلطة في حال أقدم على توقيع الاتفاق، مما يعزز فرص نجاح الصفقة رغم الانقسامات.

المقترح الذي تمت مناقشته يحتوي، بحسب مصادر إسرائيلية لم تسمها صحيفة "هآرتس"، على ضمانات أقوى لإنهاء الحرب، لكنه لا يتضمن وعدًا قاطعًا بذلك، حيث أبدت إسرائيل مرونة فيما يتعلق بعمق الانسحاب الإسرائيلي وتوزيع المساعدات الإنسانية من خلال الأمم المتحدة، كما يشمل مقترح وقف إطلاق النار آلية للوسطاء لضمان استمرار المفاوضات إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي خلال 60 يومًا.

على الجانب الفلسطيني، طالبت حركة "حماس" بإدخال تعديلات على مقترح المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، مطالبين بضمانات أمريكية أقوى لإنهاء الحرب، إلى جانب انسحاب كامل لجيش الاحتلال الإسرائيلي من القطاع، وهو ما لم يتلقَ ردًا رسميًا بعد.

ومرارا، أعلنت "حماس" استعدادها لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين مقابل إنهاء الإبادة وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من غزة، والإفراج عن أسرى فلسطينيين، لكن نتنياهو يتهرب بطرح شروط جديدة، بينها نزع سلاح الفصائل الفلسطينية.


أما ملف الأسرى، فيتضمن المقترح إطلاق 10 أسرى أحياء وإعادة 15 جثة خلال فترة الشهرين، فيما يرفض الاحتلال الإسرائيلي أي تنازلات بشأن نزع سلاح الفصائل الفلسطينية أو الإبقاء على "حماس" في السلطة، ما يثير تساؤلات حول مستقبل إدارة غزة بعد الاتفاق المحتمل.

منذ بداية تشرين الأول / أكتوبر 2023، يشن الاحتلال الإسرائيلي حملة عسكرية واسعة في غزة خلفت دمارًا هائلًا وعددًا مهولًا من الضحايا المدنيين، وسط اتهامات دولية بارتكاب جرائم حرب، ورفض للنداءات الدولية بوقف العمليات العسكرية.

مع استمرار حالة الجمود السياسي، تتجه الأنظار إلى تحركات نتنياهو الداخلية والخارجية، ومحاولات بناء تحالفات داخلية وخارجية، لتأمين صفقة تبدو حاسمة في محاولة لإنهاء هذا الصراع المستمر.

مقالات مشابهة

  • تجويع وأوبئة في سجن مجدو: جثمان أسير شهيد بدون أنسجة دهنية في جسمه
  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تنصب حاجزا عسكريا يعيق حركة الفلسطينيين غرب بيت لحم
  • نقابة الأطباء تدعو المجتمع الدولي لوقف المجازر الوحشية بحق الفلسطينيين
  • إصابة مراسلة تلفزيون فلسطين إسلام الزعنون برصاص الاحتلال في غزة
  • علماء المسلمين: الوقف الفوري لحرب الإبادة ضد الفلسطينيين واجب ديني وإنساني
  • انقسام داخل الاحتلال.. وضغوط أمريكية بشأن وقف الحرب على غزة
  • أفرجت عن بعضهم.. ضياء رشوان: الاحتلال الإسرائيلي اعتقل مليون فلسطيني منذ عام 1967
  • فلسطين تحذر من محاولات الاحتلال إفشال وقف إطلاق النار في غزة
  • إصابة معتقل في سجون الاحتلال بشلل جزئي جراء التعذيب
  • ارتفاع عدد الصحفيين الفلسطينيين المعتقلين إداريا إلى 22