ألقى الشيخ الدكتور ياسر بن راشد الدوسري خطبة الجمعة بالمسجد الحرام اليوم، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله عز وجل؛ فإنَّ تقواه أفضل زادٍ، وأحسن عاقبة ليومِ المَعادِ، فاتَّقوا الله في كلِّ حينٍ، وتذكَّرُوا قولَ الحقِّ في كتابِه المبينِ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّه مِنَ المُتَّقِينَ}.
وقال فضيلته: لقدِ انقضَى موسمٌ مِنْ أشرفِ مواسمِ أهل الإسلام، وانتهتْ أيام الحجِّ وشعائرِه العظامِ، وعاشَ الحجاجُ معَهَا أفضلَ الأيامِ، فوقفُوا في المشاعرِ بخضوعٍ واستسلامٍ، ورفعُوا الأكفَّ سائلينَ ربَّ الأنامِ، وتَطَهَّروا مِنَ الذنوبِ والآثامِ، فَهَنِيئًا لهُمْ علَى التمامِ، وهَنِيئًا لهُمْ مَا آتاهُمُ الله مِنَ الفضلِ والإنعامِ، {قُل بِفَضلِ اللَّه وَبِرَحمَتِه فَبِذَلِكَ فَليَفرَحُوا هُو خَيرٌ مّمَّا يَجمَعُونَ}.


ودعا فضيلته إلى شكر الله على نعمه وإمدادهُ، فالشكرُ له مؤذنٌ بالزيادةِ، وبذلكَ تحققُونَ مقصَدًا مِنْ مقاصدِ الحجِّ والعبادةِ، قالَ تعالَى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}.
وخاطب حجاج بيت الله الحرام بالقول: هَا أنتُم يا حجاجَ بيتِ الله قدِ استفتَحتُمْ حياتَكُم بصفحة بيضاء، ورجعتُم بعدَ حَجِّكُم بثيابِ الطُّهرِ والنقَاءِ، فأَرُوا الله مِنْ أنفسِكُم خَيرًا، وَاعزِمُوا على المُحافظة على الطاعاتِ مَا بَقِيتُم، والبعدِ عنِ المعاصِي مَا حَيِيتُم، وحافِظُوا على مَا اكتسبْتُم وَجنيْتُم، وإياكُم مِنْ هَدْمِ مَا شَيَّدْتُم وبَنيْتُم {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّة أَنْكَاثًا}.
وأوضح الدكتور الدوسري أن أمارة الحجِّ المبرورِ ومنارة قَبولِهِ إيقاعُ الحسنة بعدَ الحسنةِ، والمداومة على ذلكَ، قالَ تعالَى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}، وهكذَا حالُ المؤمنِ كُلَّمَا فَرَغَ مِنْ عبادة أعقبَها بعبادة أخرَى، فلله دَرُّ أقوَامٍ أعيادُهُم قَبُولُ الأعمال، ومُرَادُهُم أشرفُ الآمالِ، وأحوالُهُم تَجْرِي على كَمَالٍ.
وبين أن مَنْ لبَّى في الحجِّ للرحمنِ فليُلبِّ بالطاعاتِ في كلِّ مكانٍ وزمانٍ، ومَنِ امتنعَ في حَجِّه عنْ محظوراتِ الإحرامِ فليعلمْ أنَّ هناكَ محظوراتٍ على الدوامِ، فليحذرْ مِنْ خطواتِ الشيطانِ، ولا يقتربْ مِنْ حِمَى الرَّحمنِ، قالَ صلَّى الله عليه وسلَّمَ: «أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ». متفقٌ عليه.
وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن مِنْ توفيقِ الله تعالَى أنْ يعودَ الحاجُّ بعدَ الحجِّ بالتوحيدِ الخالصِ، وقدْ صَلَحَ قَلبُهُ، وازدادَ إيمانُهُ، واستقامَ حالُهُ، وحسُن خُلُقه، وقَوِي يقينُهُ، وزادَ وَرَعُه.. سُئِل الحسنُ البصري رحمَه الله تعالَى: ما الحجُّ المبرورُ؟ قالَ: أنْ تعودَ زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرةِ.
وختم الدكتور ياسر الدوسري بالقول: ما يجري اليوم من اختصارٍ للخطبة وتخفيف للصلاة يأتي مراعاة للزحام وحرارة الأجواء وتيسيرًا على المصلين، وجزى الله ولاة أَمرِنَا في هذه الدولة المباركة على جهودِهِم العظيمة المعهودةِ، وأعمالهِم الجليلة المشهودةِ، التي أثمرتْ بتوفيقِ الله نجاحًا عظيمًا لموسمِ الحجِّ في هذا العامِ وفي كلِّ عامٍ، وإنَّ خدمة الحرمينِ الشريفينِ وقاصديهِمَا مِنَ الحُجاجِ والمعتمرينَ والزوّارِ ممَّا امتازتْ به المملكة العربية السعودية منذُ تأسيسها، فجزاهُم الله عنَّا وعنكُم وعنِ الإسلام والمسلمينَ مِنَ الأجرِ أعظمه ومِنَ الثوابِ أجزلهُ، وجعلَ ذلكَ في ميزانِ حسناتِهِم.
* وفي المدينة المنورة تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور خالد المهنا عن فضل ذكر الله، وأهميته في الكتاب والسنة، مبينًا أن المداومة على ذكر الله وتسبيحه وحمده دليل على تعظيم الله ومحبته وخشيته ورجائه وابتغاء مرضاته ومغفرته.
وقال الشيخ خالد المهنا في خطبة الجمعة اليوم إن ذكر الله سبحانه هو أفضل الطاعات، وأشرف القربات، ومقصد العبادات، وهو الذي من أجله شرعت الشعائر، كما قال عليه الصلاة والسلام: “إنما جُعل الطوافُ بالبيتِ وبين الصفا والمروة ورمي الجِمار لإقامة ذكر الله”، أي ليذكُر العباد ربهم، بقلوبهم عكوفًا على تعظيمه ومحبته وخوفه ورجائه، وبألسنتهم لهجًا بحمده وتكبيره وتهليله وتسبيحه، وبجوارحهم عملاً بطاعته، وسعيًا في مراضيه، فلذلك كان ذكره جلّ جلاله أكبر من كل شيء.
وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن ذكر الله حياة القلوب ونعيمها وقوّتها، وهو قوتُها وغذاؤها، وهو حياة الروح، وروح الحياة، ودليل الإيمان، وإن الإيمان لما كان قولاً باللسان، وإخلاصًا بالقلب وعملاً بالجوارح كان ذكر الله تعالى ترجمانًا له ودليلًا عليه، ولأجل ذلك جاء الذكر في كتاب الله وسنة نبيه مرادًا به مفهومًا واسعًا يعم اللسان والقلب والجوارح.
وبيّن الشيخ خالد المهنا أن ذكر الله تعالى باللسان يشمل تلاوة القرآن في الصلاة وخارجها، والأذكار المشروعة في الصلاة وبعد الفراغ منها، وما أمر به النبي – صلى الله عليه وسلم – وعلمه وفعله من الأذكار والأدعية المأثورة من عمل اليوم والليلة، ويتناول كل ما عظّم العبد به ربه، وأثنى عليه به من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، ويدخل فيه الدعاء، وأجلُّه الاستغفار.
وتابع فضيلته، مذكرًا بما أعده الله للذاكرين الله كثيرًا والذاكرات من المغفرة والأجر العظيم، وما وعدهم به سبحانه من النصر والفلاح والحفظ، وحطّ الأوزار والخطيئات، ورفعة الدرجات وتكفير السيئات.. مبينًا أن ذكر الله تعالى دأب عليه سادة العارفين بربهم من الأنبياء والمرسلين والصديقين، وأولي الألباب الصالحين، فقد كان قدوة المؤمنين وإمام المتقين، لا يفتر عن ذكر الله تعالى في كل أوقاته كما أخبرت بذلك أمنا الصديقة السيدة عائشة بنت الصديق – رضي الله عنهما – ولذلك أرشد عليه الصلاة والسلام من قال له: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثُرت علي فمُرني بأمر أتشبثُ به، إذ أرشده بقوله: “لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله”.
وأضاف: إن العبد متى ذكرَ ربه بلسانهِ فهو على خير، ومتى اجتمع له مع حركة اللسان حضور القلب فتواطأ القلب واللسان على الذكر كان الخير أعظم والفضل أتمّ، إذ يتفكر العبد في معاني ما يلهج به لسانه من ذكر الله، ويتدبر بفؤاده مقاصد تلك الأذكار من تعظيم الله سبحانه وتوحيده، وإخلاص الدين له في عبادته واستعانته، ويتفكر في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء، وما أودع في خلقه من دلائل عظمته وقدرته وقوته ورحمته، وذلكم هو السبيل القويم، والمنهج الواضح الذي يسلك بالعبد إلى ذوق ثمار الذكر اليانعة، ويظفره بنتائجه النافعة، التامة الكاملة، من نيل كريم الأجر، وانشراح الصدر، وتحصيل محبة الله وتعظيمه ومحبته وخوفه ورجائه، فإن من علامة المحب لله المعظم له عز وجل دوامه على ذكر ربه بقلبه ولسانه، وقل ما ولع المرء بذكر الله بلسانه وقلبه إلا أفاد منه حب الله عز وجل.
واختتم فضيلته الخطبة مبينًا أن ليس للقلوب طمأنينة ولا سكينةٌ، ولا راحة ولا قرار، إلا بكثرة ذكر الله في الغيب والشهادة، والسرّ والجهر، فالقلوب إنما خلقت لذكر الله، فلا تحيا إلا به، ولا تثبت على الإيمان إلا به، فهو الفرقان بين أهل النفاق وأهل الإيمان.

المصدر: صحيفة الجزيرة

كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية ذکر الله تعالى تعال ى ى الله الله م

إقرأ أيضاً:

الشيخ خالد الجندي: استحضار الله في كل الأمور عبادة تحقق الرضا

قال الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إن الحرص على قول "إن شاء الله" هو من أعظم صور استحضار الله تعالى في تفاصيل الحياة اليومية، مشيرًا إلى أن ثوابها كبير لأنها تعكس حضور القلب مع الله وتعلق القلب بمشيئته.

وأضاف عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الأربعاء: "إن شاء الله، مش مجرد لفظ، وإنما عبادة ومعنى عميق يدل على اليقين والتوكل، "ربنا بيحب تحضره في كل حاجة: في المشوار، في الوعد، حتى لما حد يضايقك، قول لا حول ولا قوة إلا بالله، دي عبادات بتقربك من الله".

هل الحسد مدمر؟.. الشيخ خالد الجندي ينصح: داري على شمعتك تقيدالشيخ خالد الجندي: 4 عبادات للمحافظة على القلب من الفتنالموت لن ينتظرك.. خالد الجندي يروي قصة واقعية عن مصير من يؤجل التوبةالشيخ خالد الجندي للشباب: انتهزوا هذه الفرصة يوم عرفةالشيخ خالد الجندي: مبروك لمن اختاره الله للمغفرة يوم عرفةوفروا فلوسكم.. الشيخ خالد الجندي: هؤلاء حجهم باطل

وأوضح الشيخ خالد الجندي أن هذا الحضور القلبي هو الذي يجعل الإنسان مطمئنًا عند وقوع أي مكروه أو تأخر في الأمور، مضيفا: "لو حصل شيء لا يسرك، فاعلم أنه لصالحك، سيدي ابن عطاء الله بيقول: ما منع عنك إلا ليعطيك، وما ابتلاك إلا ليرضيك، فثق أن في ثنايا المحنة منحة، وفي خفايا البلاء جزاء".

وتابع الشيخ خالد الجندي "المذكور الوحيد اللي يحضر إذا ما ذُكر هو الله.. واللي يذكر ربنا، ربنا يكون معاه.. فحضروا ربنا في كل لحظة.. ومش هتندموا أبداً".

الشيخ خالد الجندي: استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان 

أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن الحديث عن النعم قبل وقوعها بشكل علني قد يعرّض الإنسان إلى الحسد ويمنع الأرزاق، مشيرًا إلى أهمية الكتمان كوسيلة شرعية وواقعية للحفاظ على النعم المنتظرة.

وقال عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الأربعاء: "زي ما بنقول عندنا كده: داري على شمعتك تِقيد.. وده متفق مع صحيح العقيدة.. النبي صلى الله عليه وسلم قال: (استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان)".

وأوضح الشيخ خالد الجندي أن إعلان بعض الأمور الخاصة بشكل مبالغ فيه، خصوصًا ما يتعلق بالرزق أو الجوائز أو المنح، قد يفتح باب الحسد من الناس، موضحا: "لو واحد رايح بكرة ياخد مليون جنيه مثلاً، مش لازم يقول لكل الناس، ده ممكن اللي بيسمعه يزعل أو يتحسد أو حتى يحسبه ويكرهه في النعمة اللي هو فيها".

طباعة شارك الشيخ خالد الجندي خالد الجندي قول إن شاء الله استحضار الله عبادة

مقالات مشابهة

  • ما يجب على أهل مات ولم يحج مع أنه كان ميسور الحال؟.. الأزهر يجيب
  • ليبي يُعثر عليه متوفيًا في منزله بتركيا
  • يسري جبر يحذر: هذا مصير من يهمل القرآن بعد تعلمه في حياة البرزخ
  • خطبتا الجمعة بالحرمين: أولو الألباب يتوقفون عند وداع العام لمراجعة للذات.. ومن علامات الشقاء أن تمرّ الأعوام والإنسان غافل عن محاسبة نفسه
  • بث مباشر.. خطبة الجمعة من الحرمين الشريفين
  • الشيخ خالد الجندي: الإسلام واجه التنمر حتى ضد الحيوانات من أكثر من ١٤٠٠ سنة
  • الإفتاء تنصح بـ 8 كلمات لمن تكاثرت عليه الهموم والمشاكل
  • الشيخ خالد الجندي: الإسلام يحث على الترحم والرفق بجميع المخلوقات
  • الشيخ خالد الجندي: استحضار الله في كل الأمور عبادة تحقق الرضا
  • هل الحسد مدمر؟.. الشيخ خالد الجندي ينصح: داري على شمعتك تقيد