لا شك أن للإنسان طاقات شتى يمكن سردها وتفصيل منطلقاتها وآثارها وإمكاناتها، لكن لا أعظم من ثنائية العقل والكلام، وإن كان الحديث عن العقل لا يقبل الأنماط المختلفة فإن للنطق أنماطا شتى تحملها الكلمة منطوقة أو مكتوبة أو حتى إشارة للتعبير عن مدلولات متعارف عليها، وكما يمكن لنا تخيل طاقة هذه الثنائية أوان توافق الشريكين (العقل والكلام) للخير والسلام وإعمار الكون بما فيه من مخلوقات عديدة ومكونات مختلفة، يمكن كذلك تخيل كمية الدمار أوان اختلافهما، أو أوان توجيههما لغير ذلك، فما المراد بالدمار المتخيل حال تصادم الشريكين أو حال استغلال أحدهما للآخر؟
لعلّ التنمر ظاهرة لها نصيب من سلبيات فشل التوافق بين كل من العقل والكلام حين يعبّر إنسان ما أو مجموعة من الناس عن لحظة انفعال قد يكون منطلقها الغيرة أو الحسد أو حتى مجرد تهالك في الوعي الفكري والأخلاقي حيث لا يحسن المرء حينها توظيف مهارات العقل في الربط المنطقي والتحليل الفكري للنتيجة فيتعجل في نطق أو كتابة أو تعبير عن انفعال ما قد يؤدي إلى كثير مما لا يمكن تصوره من آلام نفسية، وانفعالات عصبية، أو حتى تلبس للشعور بالتمييز أو الطبقية أو العنصرية، فضلا عما قد يتسع من آثار أخرى ناتجة عن تأخر الكلام عن منطق العقل، وتأخر التلقي عن مسار الوعي لينتهي الأمر بمشكلات أكبر متضمنة تحريضا أو تفريقا أو شحنا انفعاليا يصل في بعض آثاره إلى العنف أو الجريمة.
ورغم أن التنمر في الأصل مصطلح حديث يعبّر به تربويا عن «أشكال العنف الذي يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضد طفل آخر، أو إزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة، وقد يأخذ التنمر أشكالًا متعددة كنشر الإشاعات، أو التهديد، أو مهاجمة الطفل المُتنمَّر عليه بدنيًّا أو لفظيًّا، أو عزل طفلٍ ما بقصد الإيذاء أو حركات وأفعال أخرى تحدث بشكل غير ملحوظ» وفقا لتعريف منظمة اليونيسف، فإنه تجاوز الأطفال ليشمل الأقليات والفئات الخاصة وغيرهم من الأفراد أو حتى الجماعات التي من الممكن أن تقع ضحية لاستهداف اجتماعي ممنهج بغية إسقاط الحضور الاجتماعي، والعزلة المؤقتة أو الدائمة الناتجة عن فعل التنمر، وقد سمعنا وقرأنا كثيرا عن حالات انكفاء وتقهقر؛ فردية أو جماعية جراء التنمر المُستهدِف هدم الشخصية، ذلك الانكفاء قد يتمثل في عزلة وصمت، وقد يتجاوز ذلك إلى ردود فعل أقوى يمكن أن تصل إلى الانتحار (كما حدث مؤخرا مع مراهقة فلسطينية في الخامسة عشرة من عمرها مصابة بالبهاق تعرَّضت للتنمر طويلا مما دفعها إلى إنهاء حياتها) ويمكن أن تتمثل في أعمال عنف موجهة ضد الأفراد والجماعات أو حتى المؤسسات إن وافق ذلك التنمر والاستهداف من جهة هشاشة في الثقة وضعفا في الوعي لدى الجهة الأخرى.
وإن شئنا مواجهة هذه الظاهرة -الناتجة عن تأخر استيعاب الوعي رسائل العقل أو تعطيلها لتغليب قوة التعبير السلبية الجارحة- فلا مناص من العودة لأسبابها ومبرراتها التي يأتي في صدارتها الفراغ. إن حالة الفراغ هي بيئة مناسبة لإرسال واستقبال التنمر إذ تمنح المتنمر فسحة الاستهداف وتصيّد الأخطاء والضحايا، كما تلقي على الضحايا سطحية الوعي وضعف الثقة وهشاشة رد الفعل، ومن المؤسف أن تدعم التقنية الحديثة متضمنة وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي ظاهرة التنمر الممنهج ليصير بالإمكان تعميق أثر التنمر عبر سرعة النشر وعموميته، إضافة إلى إمكانيات الذكاء الاصطناعي الحالية في تزييف الحقائق وتلبس الحالات لنجد صوتا حقيقيا هو غير حقيقي في الواقع، ومشهدا مدججا بأدلة بصرية متضمنة شخصيات أو وقائع هي غير حقيقية في الواقع، وقد يقول قائل هنا: إن التقنية قادرة على تبين الحقيقة بعد التقصي والبحث، وهو قول حق لولا أنه لم يضع اعتبارا لسرعة إحداث الأثر بعد وقوع الأمر، ولم يضع اعتبارا أو أهمية لما لا يمكن إعادته سيرته الأولى، أو جبره كأن لم يكن كالألم وترسبات الغصة والخذلان والانكسار والانطفاء حتى ولو ثبت الزيف بعد أمد، كما لا يمكن إعادة ميت للحياة سواء كان هذا الميت جسدا أو روحا أو طاقات معرفية فكرية اجتماعية.
ختاما: لا بد من تعزيز الوعي بكثير من قوة المعرفة، لا بد من تفهم وتقبل المختلف مع إدراك قوة التكامل المبني على ذلك الاختلاف، ثم شغل العقل بما ينبغي الانشغال به من أولويات متعلقة بالإنسان والتنمية بعيدا عن تشتيت الرأي العام وشغل العامة بتوافه عتيقة يعرف الكل مغبّتها، وسخائف مستهلكة لفظها التاريخ كما لفظها الواقع المعاصر، لا بد من إدراك وإدانة أي توجه لتصنيع معارك وهمية «طواحين الهواء» استنزافا لطاقة الأفراد والمجتمعات في نزاعات تافهة وتصادمات يومية لصرفهم (قصدا أو جهلا) عن أولويات وطنية، مجتمعية إنسانية جديرة بالتحليل والنقاش والتدبر.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أو حتى
إقرأ أيضاً:
متى تتحول الكحة البسيطة إلى خطر؟.. العلامة رقم 5 لا يمكن تجاهلها
الكحة من الأعراض الشائعة في فصل الشتاء، وغالبًا ما تكون بسيطة وتزول خلال أيام قليلة. ومع ذلك، هناك حالات تتحول فيها الكحة من مجرد عرض مؤقت إلى مؤشر لمشكلة صحية أكثر خطورة.
معرفة هذه العلامات يمكن أن ينقذ حياتك أو حياة أحد أفراد أسرتك.
الكحة متى تكون طبيعية؟بحسب ما نشره موقع إكسبريس، أن الكحة تبدأ عادة كرد فعل للجهاز التنفسي لطرد المخاط أو تهيجات الحلق.
أغلب نزلات البرد أو الإنفلونزا تتسبب في كحة قصيرة الأمد لا تتجاوز أسبوعًا، وتزول مع الراحة، شرب السوائل الدافئة، أو تناول وصفات منزلية بسيطة مثل العسل والليمون.
ولكن ليس كل أنواع الكحة بسيطة أو مؤقتة. بعض المؤشرات تشير إلى ضرورة استشارة الطبيب فورًا.
علامات تحذيرية للكحة الخطيرة1. استمرار الكحة أكثر من ثلاثة أسابيع
إذا لم تتحسن الكحة بعد مرور 21 يومًا، قد تكون علامة على مشكلة أكثر خطورة مثل التهاب الشعب الهوائية المزمن أو الربو.
2. الكحة المصحوبة بالدم
ظهور دم مع الكحة ليس أمرًا طبيعيًا، ويجب التوجه للطبيب فورًا. هذا العرض قد يشير إلى عدوى شديدة أو مشاكل في الرئة مثل الالتهاب الرئوي أو حتى أورام.
3. ضيق التنفس أو الصفير
الكحة المصحوبة بصعوبة في التنفس، صفير عند التنفس، أو ألم في الصدر، قد تكون مؤشراً لمشاكل رئوية مثل الربو، الانسداد الرئوي المزمن، أو التهاب الرئة.
4. ارتفاع شديد في درجة الحرارة
إذا صاحبت الكحة حرارة مرتفعة مستمرة تتجاوز 38.5 درجة، فهي غالبًا علامة على عدوى فيروسية أو بكتيرية قوية تتطلب تقييم طبي عاجل.
5. فقدان الوزن غير المبرر أو التعب الشديد
الكحة التي تأتي مع فقدان الوزن المفاجئ، الإرهاق المستمر، أو التعرق الليلي قد تشير إلى مشكلات صحية مزمنة أو خطيرة تستدعي إجراء فحوصات دقيقة.
الكحة لا تأتي بدون سبب. الأسباب المحتملة التي تحوّل الكحة البسيطة إلى خطيرة تشمل:
العدوى البكتيرية أو الفيروسية الشديدة، مثل الالتهاب الرئوي.الربو أو أمراض الرئة المزمنة، التي تتفاقم مع تغير الطقس أو المهيجات البيئية.ارتجاع المريء المزمن، حيث يسبب تهيج الحلق وكحة مستمرة.الحساسية المزمنة أو التدخين، والتي تؤدي إلى التهابات مزمنة في الجهاز التنفسي.متى تذهب للطبيب فورًا؟القاعدة الذهبية: أي كحة غير معتادة أو مصحوبة بأعراض شديدة يجب تقييمها طبيًا فورًا.
كحة مع دم أو إفرازات صفراء خضراء غزيرة.كحة تصاحبها صعوبة في التنفس أو ألم بالصدر.كحة طويلة الأمد لا تستجيب للعلاجات المنزلية.استشارة الطبيب مبكرًا يمكن أن تمنع تطور العدوى، أو كشف أي مرض مزمن مبكرًا، مما يسهل العلاج ويقلل المضاعفات.طرق تخفيف الكحة البسيطة في المنزلللكحة البسيطة غير المصحوبة بعلامات خطيرة:
شرب سوائل دافئة مثل الشاي بالعسل أو الزنجبيل.الغرغرة بالماء والملح لتخفيف تهيج الحلق.استخدام المرطبات في الغرفة لتقليل جفاف الهواء.تناول أطعمة سهلة الهضم وغنية بالفيتامينات لتقوية المناعة.لكن يجب التأكيد: إذا ظهرت أي من العلامات التحذيرية السابقة، توقف عن الاعتماد على الوصفات المنزلية وراجع الطبيب فورًا.