لجريدة عمان:
2025-05-11@23:43:21 GMT

تهافتُ الوعي مَهْلَكة

تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT

لا شك أن للإنسان طاقات شتى يمكن سردها وتفصيل منطلقاتها وآثارها وإمكاناتها، لكن لا أعظم من ثنائية العقل والكلام، وإن كان الحديث عن العقل لا يقبل الأنماط المختلفة فإن للنطق أنماطا شتى تحملها الكلمة منطوقة أو مكتوبة أو حتى إشارة للتعبير عن مدلولات متعارف عليها، وكما يمكن لنا تخيل طاقة هذه الثنائية أوان توافق الشريكين (العقل والكلام) للخير والسلام وإعمار الكون بما فيه من مخلوقات عديدة ومكونات مختلفة، يمكن كذلك تخيل كمية الدمار أوان اختلافهما، أو أوان توجيههما لغير ذلك، فما المراد بالدمار المتخيل حال تصادم الشريكين أو حال استغلال أحدهما للآخر؟

لعلّ التنمر ظاهرة لها نصيب من سلبيات فشل التوافق بين كل من العقل والكلام حين يعبّر إنسان ما أو مجموعة من الناس عن لحظة انفعال قد يكون منطلقها الغيرة أو الحسد أو حتى مجرد تهالك في الوعي الفكري والأخلاقي حيث لا يحسن المرء حينها توظيف مهارات العقل في الربط المنطقي والتحليل الفكري للنتيجة فيتعجل في نطق أو كتابة أو تعبير عن انفعال ما قد يؤدي إلى كثير مما لا يمكن تصوره من آلام نفسية، وانفعالات عصبية، أو حتى تلبس للشعور بالتمييز أو الطبقية أو العنصرية، فضلا عما قد يتسع من آثار أخرى ناتجة عن تأخر الكلام عن منطق العقل، وتأخر التلقي عن مسار الوعي لينتهي الأمر بمشكلات أكبر متضمنة تحريضا أو تفريقا أو شحنا انفعاليا يصل في بعض آثاره إلى العنف أو الجريمة.

ورغم أن التنمر في الأصل مصطلح حديث يعبّر به تربويا عن «أشكال العنف الذي يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضد طفل آخر، أو إزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة، وقد يأخذ التنمر أشكالًا متعددة كنشر الإشاعات، أو التهديد، أو مهاجمة الطفل المُتنمَّر عليه بدنيًّا أو لفظيًّا، أو عزل طفلٍ ما بقصد الإيذاء أو حركات وأفعال أخرى تحدث بشكل غير ملحوظ» وفقا لتعريف منظمة اليونيسف، فإنه تجاوز الأطفال ليشمل الأقليات والفئات الخاصة وغيرهم من الأفراد أو حتى الجماعات التي من الممكن أن تقع ضحية لاستهداف اجتماعي ممنهج بغية إسقاط الحضور الاجتماعي، والعزلة المؤقتة أو الدائمة الناتجة عن فعل التنمر، وقد سمعنا وقرأنا كثيرا عن حالات انكفاء وتقهقر؛ فردية أو جماعية جراء التنمر المُستهدِف هدم الشخصية، ذلك الانكفاء قد يتمثل في عزلة وصمت، وقد يتجاوز ذلك إلى ردود فعل أقوى يمكن أن تصل إلى الانتحار (كما حدث مؤخرا مع مراهقة فلسطينية في الخامسة عشرة من عمرها مصابة بالبهاق تعرَّضت للتنمر طويلا مما دفعها إلى إنهاء حياتها) ويمكن أن تتمثل في أعمال عنف موجهة ضد الأفراد والجماعات أو حتى المؤسسات إن وافق ذلك التنمر والاستهداف من جهة هشاشة في الثقة وضعفا في الوعي لدى الجهة الأخرى.

وإن شئنا مواجهة هذه الظاهرة -الناتجة عن تأخر استيعاب الوعي رسائل العقل أو تعطيلها لتغليب قوة التعبير السلبية الجارحة- فلا مناص من العودة لأسبابها ومبرراتها التي يأتي في صدارتها الفراغ. إن حالة الفراغ هي بيئة مناسبة لإرسال واستقبال التنمر إذ تمنح المتنمر فسحة الاستهداف وتصيّد الأخطاء والضحايا، كما تلقي على الضحايا سطحية الوعي وضعف الثقة وهشاشة رد الفعل، ومن المؤسف أن تدعم التقنية الحديثة متضمنة وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي ظاهرة التنمر الممنهج ليصير بالإمكان تعميق أثر التنمر عبر سرعة النشر وعموميته، إضافة إلى إمكانيات الذكاء الاصطناعي الحالية في تزييف الحقائق وتلبس الحالات لنجد صوتا حقيقيا هو غير حقيقي في الواقع، ومشهدا مدججا بأدلة بصرية متضمنة شخصيات أو وقائع هي غير حقيقية في الواقع، وقد يقول قائل هنا: إن التقنية قادرة على تبين الحقيقة بعد التقصي والبحث، وهو قول حق لولا أنه لم يضع اعتبارا لسرعة إحداث الأثر بعد وقوع الأمر، ولم يضع اعتبارا أو أهمية لما لا يمكن إعادته سيرته الأولى، أو جبره كأن لم يكن كالألم وترسبات الغصة والخذلان والانكسار والانطفاء حتى ولو ثبت الزيف بعد أمد، كما لا يمكن إعادة ميت للحياة سواء كان هذا الميت جسدا أو روحا أو طاقات معرفية فكرية اجتماعية.

ختاما: لا بد من تعزيز الوعي بكثير من قوة المعرفة، لا بد من تفهم وتقبل المختلف مع إدراك قوة التكامل المبني على ذلك الاختلاف، ثم شغل العقل بما ينبغي الانشغال به من أولويات متعلقة بالإنسان والتنمية بعيدا عن تشتيت الرأي العام وشغل العامة بتوافه عتيقة يعرف الكل مغبّتها، وسخائف مستهلكة لفظها التاريخ كما لفظها الواقع المعاصر، لا بد من إدراك وإدانة أي توجه لتصنيع معارك وهمية «طواحين الهواء» استنزافا لطاقة الأفراد والمجتمعات في نزاعات تافهة وتصادمات يومية لصرفهم (قصدا أو جهلا) عن أولويات وطنية، مجتمعية إنسانية جديرة بالتحليل والنقاش والتدبر.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أو حتى

إقرأ أيضاً:

استعدادات للحرب ضد تركيا: العقل الصهيوني يحرك الهند

صورة الحرب في جنوب آسيا ليست مصادفة. إسرائيل تحرّض دميتها الهند ضد باكستان. وفي هذا السياق، قال خبير الشأن الباكستاني، خالد أوغورلو، إن “الصهاينة يعلمون أنهم سيواجهون تركيا في المستقبل، ويضعون جميع خططهم بناءً على هذا الواقع. إسرائيل تسعى لإضعاف باكستان عبر الهند، من أجل حرمان تركيا من دعم قوة نووية”.

تحالف هندوسي صهيوني ضد محور أنقرة – إسلام آباد

وفي تقرير لصحيفة تركية وترجمه موقع تركيا الان٬ قال خالد أوغورلو، ممثل منطقة موصياد وخبير الشأن الباكستاني، إن “من بين أهداف التحالف الإسرائيلي – الهندي، عداء إسرائيل لتركيا، والسعي لتحييد باكستان ذات القوة النووية”. وذكّر أوغورلو بالأخوة التي تربط تركيا بباكستان، قائلاً: “إسرائيل باتت تضع في حساباتها اليوم احتمال نشوب مواجهة مستقبلية مع تركيا، وتبني كل خططها وفقاً لذلك. وبالنسبة لها، فإن بقاء باكستان، التي وقفت دوماً بجانب تركيا وكانت داعماً نووياً لها، في مثل هذه المرحلة من الصراع، لا يخدم مصالحها، ولذلك تعمل على تحييدها”.

وأضاف: “طبعاً هناك عوامل أخرى تلعب دوراً رئيسياً، مثل الصراع بين القوى العالمية، والعوامل الداخلية في باكستان، وأطماع الهند التوسعية. كل هذه العناصر أوصلتنا إلى المرحلة الحالية”. كما أشار إلى مشروع CPEC الصيني، قائلاً إنه “من العوامل التي تعزز بشكل غير عادي أهمية تركيا كبوابة تجارية بالتوازي مع باكستان. وهناك جهود محمومة لقطع هذا الخط الحيوي، الممتد من منطقة كاشغر حتى منطقة جوادار في باكستان، ومن ثم إلى أوروبا عبر تركيا. وهذا الطريق التجاري يُقلق الغرب وإسرائيل والهند على حد سواء”.

واختتم أوغورلو حديثه بالقول: “الحديث الذي يروّجه رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، عن عمليات مكافحة الإرهاب، ليس سوى قناع يخفي الحقيقة، ويُظهر مدى تقليد الهند للنهج الإسرائيلي السيئ”.

الهجوم نسخة من غزة

اقرأ أيضا

أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة التركية

الجمعة 09 مايو 2025

وقال رئيس مركز الدراسات الآسيوية (GASAM)، جمال دمير، إن حكومة دلهي مستعدة لكل أنواع الجنون، مشيراً إلى أن العالم يشهد تحولات خطيرة، وموضحاً عدة أبعاد للأحداث الجارية. وأوضح دمير قائلاً: “علينا أولاً أن نتذكر أن بنغلاديش كانت تُعرف سابقاً بباكستان الشرقية، وقد تحررت بعد سنوات طويلة من الهيمنة الهندية. وفي كشمير أيضاً هناك تغيّرات كبيرة تطرأ. كما يشهد محور الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا وروسيا والصين تطورات هامة، وتتشكّل طرق جديدة للطاقة والتجارة”.

مقالات مشابهة

  • شيخ العقل: شهداؤنا رمز الدفاع وندعو للحكمة والوحدة
  • كيف تغيّرت عقولنا بفعل الإنترنت؟
  • عُمان صوت العقل ونهج الحكمة
  • اكتشفها الآن.. خمس عادات لتدريب عقلك على السعادة
  • هل يمكن أن تغيب حقيقة كهذه على شخص عنده أدنى قدر من الوعي؟
  • تعديل قانون الانتخابات
  • عون الى الكويت غدا لشكرها على وقوفها الدائم الى جانب لبنان
  • إجراءات صارمة عقب حادثة التنمر التي هزت سيفاس التركية
  • تهافت حكومة الأمارات
  • استعدادات للحرب ضد تركيا: العقل الصهيوني يحرك الهند