لجريدة عمان:
2025-05-09@00:29:39 GMT

قانون عصر الأنوار

تاريخ النشر: 25th, June 2024 GMT

قانون عصر الأنوار

في صيف عام 1764، في مدينة ليفورنو بإيطاليا، وتحت تأثير روح فلسفة عصر التنوير والموسوعيين، نشر شاب إيطالي، كان يبلغ يومها ستة وعشرين عامًا، ومن دون أن يكشف عن هويته، مقالة قصيرة تناول فيها «قسوة التعذيب وعدم انتظام الإجراءات الجنائية». إلا أن هُوية الكاتب، لم تبق مجهولة لفترة طويلة، إذ سرعان ما تمّ التعرف على الماركيز تشيزره بيكاريا (1738-1794، كاتب المقالة)، بعد أن حقق النص نجاحًا هائلًا، لينتشر في جميع أنحاء أوروبا بعد أن تُرجم إلى لغات عدة، وبخاصة في فرنسا، حيث وجد هناك صدى واسعًا، ما جعل فولتير وديدرو ودالمبير يهتفون له، معتبرين أن بيكاريا يضع أسس التفكير العقابي الحديث.

من هنا، تحول بيكاريا -عبر احتفال عصر التنوير به- مرجعًا أساسيًا للثورة، (وربما لغاية اليوم لا يزال تأثير فكره، يتخذ حضورًا ما في الفكر العالمي).

في الواقع، وعبر ما كتبه، بدا بيكاريا بمثابة الأخ الروحي، التوأم، للموسوعيين، إذ أراد -فيما عبّر عنه- أن يؤسس «في العقل والإنسانية» مبادئ عدالة جنائية جديدة. لذا سعى في أن يطور فكرًا أصيلًا يرى في العقوبة ضمانة للقانون وليس خروجا عن القانون. من خلال دعمه العدالة العلمانية، وحرصه على الدفاع عن المنفعة الاجتماعية، أدان بيكاريا عقوبة الإعدام وآثارها الضارة، معتبرًا أن أي عقوبة يجب أن تكون مرتبطة بالحرية وليس بالسلطة، كما أن تكون مرتبطة بالمطالب الاجتماعية وليس بتعسف الحاكم أو القاضي.

دعا بيكاريا أيضا في مقالته هذه التي حملت عنوان «حول الجرائم والعقوبات»، إلى التشكيك في جزء كبير من عمل العدالة، أي أنه شكك فيها في النظام القضائي الذي كان قائمًا في ذلك الوقت من القرن الثامن عشر. كذلك جاءت مقالته هذه، لتدين الظلم الذي كان يلحق بالأفراد، مثلما أدان، وبشكل خاص، التعذيب الذي وصفه بالقول إنه «البربرية التي تقدسها الممارسة»، والتي لا تؤدي إلا إلى انتزاع اعترافات لا قيمة لها: فالخوف من العذاب المستقبلي يجعل البشر يقولون أي شيء للهروب منه. عقوبة الإعدام لا تجد استحسانًا في عينيه أيضًا، معتبرًا أن الضغط المستمر يتخلل الضمائر وهو أكثر من مشهد عنيف.

باختصار، كانت المسألة بالنسبة له، تكمن، في المقام الأول، في الحفاظ على فرص إعادة اندماج الشخص المذنب في المجتمع، حتى لو كان ذلك مهمًا في نظره، ولكن الدفاع عن الأخير، من دون تجاوز ما هو ضروري للغاية لتحقيق ذلك، ومن دون أي تقصير أيضا. يمكننا أن نلاحظ بشكل عابر، وربما بشكل مسلّ (فيما لو جاز القول)، منطقه لصالح حمل المواطنين للسلاح، وهو بالضبط ما نسمعه من «جمعية البندقية الأمريكية» مثلا: حتى لا نترك احتكار هذه القدرة على حيازة الأسلحة لأولئك الذين لا يحترمون القانون، واستخدامها ضد المجتمع، إذ على الأخير، أن يمنح المواطنين إمكانية امتلاكها. من دون أدنى شك، يتعين علينا أن نضع هذا في سياقه التاريخي، الذي يكاد يكون أيضا سياق التعديل الثاني لدستور الولايات المتحدة، الذي لا يزال ساريًا، ولكنه لم يعد سياق الكثير من بلدان العالم. في عصرنا هذا، من المفترض أن تعمل أجهزة الشرطة الجيدة التنظيم على تحقيق هدف حماية المواطنين بشكل أفضل بكثير مما قد تفعله لوحدها؛ بشرط، بالطبع، ألا يكون حقهم في استخدام العنف المشروع الذي من المفترض أنهم يحتكرونه بشكل غير قابل للطعن.

ما كتبه بيكاريا يومها، كان متقدمًا جدًا على عصره؛ وربما لذلك، يعتبر اليوم بأنه كان أحد رواد تصور ركائز العدالة التي نعرفها في عصرنا الحالي، أي بعد ثلاثة قرون. بدا كتاب بيكاريا حين صدر بمثابة قنبلة موقوتة، أشعلت نار المفكرين العظماء في ذلك الوقت. تمت ترجمته بسرعة كبيرة في جميع أنحاء أوروبا ولا يزال يشكل حتى اليوم عملًا مرجعيًا لطلاب القانون وحتى للآخرين. إزاء هذا النقد، الذي وجهه إلى تلك الممارسة التي كانت سائدة في عصره، قدم بيكاريا عدة مقترحات للإصلاح، منها: الفصل بين السلطات الدينية والقضائية، وتناسب العقوبات مع الجريمة المرتكبة، وتفضيل المنع بدلًا من القمع.

ومع ذلك، تمّ التخلي عن رؤيته للعدالة جزئيًا: فقد رأى بيكاريا أن الجرائم يجب أن يعاقب عليها وفقًا للضرر الذي تسببت فيه، وليس وفقًا لنيّة الطرف المذنب كما هو الحال اليوم. لقد أراد عقوبة «شخصية» لكل نوع من الجرائم، أما في الوقت الحاضر فإن عقوبة السجن/الغرامة هي التي يتم تطبيقها على الجميع. ينبغي لكل مواطن أن يعرف دائما ما إذا كان يخالف القوانين، وهو ما يجب كتابته «بلغة واضحة وسهلة المنال» : فمن الذي يملك المعرفة الكافية بعشرات الكتب التي تشكل القانون والتي لا ينبغي لأحد أن يتجاهلها؟

وعلى الرغم من أن هذه المقالة (تعيد إصدارها منشورات غارنييه فلاماريون في سلسلة الجيب الخاصة بها) - تحتوي على أفكار وأسئلة لا تزال ذات صلة بعصرنا، إلا أن ثمة سؤالًا لا بد أن نطرحه: هل لا يزال النص شابا، كما كتبه ذلك الشاب يومها؟

من دون أدنى شك، نجد أن هذا النص قد تقدم في السنّ، ومع ذلك، فلا يزال يحتفظ بالقوة والحيوية والعمق. لذا يبدو أن إعادة قراءته أمر ضروري، في وقت نجد فيه أن الكثير من البلدان والحكومات، ترغب في إعادة عقوبة الإعدام، وحيث يريد الناس تحقيق «العدالة» بأنفسهم، ويكونون على استعداد للخلط بين الافتراض والشعور بالذنب، ويعتقدون أن الجميع باستثنائهم يستحقون العقاب والسجن، وتحرم الآخرين من أصغر مقومات الكرامة الإنسانية، وتعتبر أن المحكوم عليه ليس له حقوق، بل إنه ينبغي أن يكون سعيدًا بوجوده في السجن بدلا من رجمه... وهكذا والأفضل... باختصار، قراءتها والتأمل في كل شيء.

نص تأسيسي. للقراءة وإعادة القراءة والمناقشة. بهذا المعنى، يشكل عمل بيكاريا هذا كتابًا كلاسيكيًا في فلسفة القانون الجنائي، علينا فعلا أن نقرأه، وهو بالتأكيد ليس مخصصًا للفقهاء فقط بل ثمة هذا الجانب الإنساني الذي ينبثق من أفكار المؤلف.

كما أن مقدمة روبير بادينتر تستحق القراءة بعناية، إذ يلخص النقاط الأساسية في فكر بيكاريا ويقيم روابط مع أنظمتنا القضائية الحديثة؛ لا سيّما في ظلّ هذه المناقشات الراهنة حول العدالة ووظيفتها وإيديولوجية القضاة، وما إلى ذلك. أليس هذا هو الوقت المناسب لقراءة هذا العمل الشهير، الذي كان له على ما يبدو التأثير الكبير في الجزء الثاني من القرن الثامن عشر على الجمهور المستنير، وحتى على القضاة أنفسهم، وبلا شك في فرنسا أكثر ممّا كانت عليه في بلد المنشأ؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: لا یزال من دون

إقرأ أيضاً:

الحبس 4 سنوات وغرامة 200 ألف جنيه عقوبة التحرش الإلكتروني طبقا للقانون

تهدف تعديلات قانون العقوبات إلى تشديد العقوبات على بعض الصور المستحدثة من الجرائم التي ظهرت في الآونة الأخيرة، مثل جرائم التعرض للغير، و التحرش الجنسي ، والتنمر، حال ارتكاب أي من هذه الجرائم في مكان العمل أو في إحدى وسائل النقل أو من شخصين فأكثر، نظراً لخطورة هذه الجرائم الشديدة على المجتمع وانعكاساتها النفسية والاجتماعية على المجني عليه وذويه.

ويستعرض “صدى البلد” من خلال هذا التقرير عقوبة التحرش الإلكتروني.

عقوبة التحرش الإلكتروني

ووفقا للتعديلات الجديدة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز أربع سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة ألـف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير فـي مكـان عـام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو الإلكترونية، أو آية وسيلة تقنية أخرى.

قرار عاجل بشأن المتهم بالتحرش بسيدة أجنبية في القاهرةتفاصيل حبس سايس تحرش بسيدة في الجيزةقبلها عنوة.. التحقيق مع سايس بتهمة التحرش بسيدة في مدخل عقار بالعجوزةضبط شخص بتهمة التحرش بطفلة من ذوي الهمم داخل قطار أشمونعقوبة التحرش فى مكان العمل

وطبقا لتعديلات قانون العقوبات تكون عقوبة التحرش الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تجاوز خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائتي ألف جنيه ولا تزيد على ثلاثمائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ إذا ارتكبت الجريمة في مكان العمل أو في إحدى وسائل النقل العام أو الخاص أو من شخصين فأكثر أو إذا كان الجـاني يحمل سلاحا أو إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه.

وطبقا لتعديلات قانون العقوبات إذا توافر ظرفان أو أكثر من الظروف المشددة الواردة بالفقرة السابقة يكون الحد الأدنى لعقوبة الحبس أربع سنوات.

وطبقا لتعديلات قانون العقوبات في حالة العود؛ تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى.

طباعة شارك تعديلات قانون العقوبات التحرش الجنسي التنمر وسائل النقل وسائل الاتصالات السلكية

مقالات مشابهة

  • الحبس 4 سنوات وغرامة 200 ألف جنيه عقوبة التحرش الإلكتروني طبقا للقانون
  • الحبس 6 أشهر وغرامة عقوبة تعذيب الحيوانات طبقا للقانون
  • بعد تحرك البرلمان .. عقوبة تنفيذ رحلات الحج بالمخالفة
  • الحبس 5 سنوات وغرامة 300 ألف جنيه عقوبة التـحر.ش في وسائل النقل
  • سلطان بن أحمد: نعاهد حاكم الشارقة على ترسيخ العدالة
  • عمرو درويش: مشكلة الإيجار القديم تعود لأكثر من 40 سنة
  • وهبي: لا معنى لاستمرار السجن المؤبد وعقوبة الإعدام
  • علي جمعة: يجب إقرار عقوبة رادعة ضد من يصدر فتاوى دون مرجع شرعي
  • دينية النواب: عقوبة رادعة ضد مَن يفتي دون مرجع شرعي.. والأزهري يرد
  • بعد مطالبات بتغليظها.. كيف واجه القانون مرتكبي الجرائم الإلكترونية؟