ماجد المرهون
يتطور الإنسان منذ خلق والتطور من أسمى صفات تأقلم المخلوقات وعلى رأسها الإنسان بطبيعته بل هو أسرعها لما حباه الخالق من ملكة العقل ومواهب متعددة وقدرةٍ كبيرةٍ على التمييز بين الحق والباطل والاختيار بين الصواب والخطأ والتقدير بين الصالح والفاسد؛ فبعد أن كان الإنسان قديمًا يعتمد على أحاسيسه المجردة وشكوكه في البحث والتقصي عن مسبب أحدث خللاً في نظام حياته المعتاد أو انعكس عليه بالضرر كالجريمة مثلًا، تقدم بعدها خطوة إلى الأمام مع عدم ملاءمة الشكوك والأحاسيس في مسعى التحقيق بالتعاون مع غيره من شركاء المجتمع للكشف عن الملابسات بغية إثبات الدليل والوصول إلى الجاني لمُعاقبته وكفه عن الخطأ والضرر.
وبمرور الوقت وازدياد عدد السكان وتداخل المصالح وتشابكها بطرقٍ أكثر تعقيدًا بات من الضرورة الاستعانة بأطرافٍ ذات تبصر وتأمل في مجال التحقيق ممن يعتقد بحكمتهم، ولذلك لجأوا إلى السحرة والمشعوذين لسرعتهم في اتخاذ القرار وإلقاء الحكم نظير مكسب مادي؛ إذ كانوا يتمتعون بنوعٍ من السلطة القضائية في دائرةٍ يشيع فيها الجهل، ومع اطراد التقدم العلمي قليلًا في العصور الوسطى أصبح "الاعتراف سيد الأدلة" كما يقول أرسطو، هو الدليل الوحيد لإثبات الجرم وكان دور الشهود غير معتد به لما قد يشوب شهادتهم من رغباتٍ وأهواء وميولٍ تؤدي للخطأ في الحكم وعليه بات التعذيب هو مصير كل من يلقى بتهمة، وقد يعترف مكرهًا تحت وطأة التعذيب وإن كان مظلومًا حيث كانت طرق التعذيب وأساليبه أقسى من العقوبة.
يستمر التطور الإنساني لإثبات الخطأ وكشف نقاط الضعف ومواطن الخلل متماشيًا مع مقتضيات الحاجة ويواكبة التطور التقني، إذ لم يعد أسلوب الانتقام المبني على الشك مُعترفًا به ولم تعد الإنسانية اليوم مضطرةً إلى طرائق السحرة والدجالين والتفنن بأساليب التعذيب للتحقق فقد حلت المنهجية العلمية للتحقيق محل تلك الطرق البدائية وبشكلٍ أكثر رصانة ودقة وسهولة، ودخلت التقنيات الحديثة على نفس المسار كذراعٍ داعمٍ ومساند لكشف الحقيقة ولعل أجهزة التصوير التي تحفظ الماضي في صورةٍ ثابتةٍ أو متحركة أكثرها قوةً وتأثيرًا وقبولًا، لتنتشر انتشارًا واسعًا حتى أصبحت بيد وجيب كل إنسان تقريبًا فضلًا عن المنشآت والطرقات، ولن نطيل في موضوع حسن وسوء الاستخدام فذلك شأن آخر قد نفرد له مساحة خاصةً نسلط عليها مزيدًا من التركيز في وقتٍ لاحق.
إنَّ من أسهل الأمور اليوم أن يصور المرء ما يشاء تصويرًا عمليًا بجهازه المحمول في جيبه، وبما أن الإنسان مخلوق متطور فقد ساهمت التقنية الحديثة كمواقع التواصل بمشاركة ما يقوم بتصويره، فيعرض التقاطاته عليها ليشاهدها الكثير من الناس ويقومون هم أيضًا بدورهم في إعادة النشر وكلٌ بحسب رغباته وميوله وأهوائه، فمنهم الشكاك غير المُتيقن والمعتمد على احتمال "تصيب أو تخيب" ومنهم الكاره الراغب في الانتقام ولا خصم له سوى "العيار الذي لا يصيب يقلق" ومنهم المقتنع جدًا بصدق أحاسيسه دون دليل معتنق "إحساسي لا يخيب" ومنهم كذلك الإمعة، الواقع في الحيرة بين العالم والمُتعلم ولا يقدم شيئًا سوى المشاركة بعملية إعادة التدوير لمجرد المشاركة.
يذهب الناس إلى بعض الأماكن السياحية بغية الترفيه وقضاء أوقاتٍ ممتعة وقد يتألق النجم السياحي لبعض الدول في فترة من الفترات فيتوافد عليها الناس ثم تخبت جذوته ليجذبهم سطوع نجم سياحي في بلد آخر. وهكذا هو الحال لكن مع بعض الاستثناءات، منها خريف محافظة ظفار؛ حيث إن ما يجذب الناس سنويًا في المقام الأول هو طبيعة المكان المتأثر بالطقس والأجواء الباردة والماطرة في فصل الصيف، ثم تأتي المقومات السياحية الإضافية المدخلة في المقام الثاني ولا نقلل من أهميتها، ويأتي كل إنسان بثقافته وقناعته وفكره وأدبه وتربيته، وفيهم من يعتقد أنه الوفي المخلص والمصحح الذي سيقوم بإصلاح الخلل فورًا عند حدوثه أو مصادفته وإن لم يجد فلا مانع لديه من البحث والتقصي عن الخلل أثناء فترة وجوده القصيرة في محافظة ظفار وقد لا يتسنى له ذلك في بلاده لأسبابٍ هو يعلمها جيدًا، وما أن يصل ولاية صلالة حتى تبدأ مرحلة التنقيب عن الأخطاء مُستعينًا بجهاز تصويره ومواقع التواصل لينطلق في رحلةٍ سياحيةٍ للتحقيق والتحري وليس الترفيه؛ إنَّ هذا النوع من الناس قد اعتادت عيناه على رصد الخطأ وإن خفي وصغر وأغفال الصواب مهما كان واضحًا وكبيرًا.
يرصد الحادثة وهي الخلل، يصورها فيحدث الإثبات ثم يطلق عليها حكمه المباشر من خلال اعتقاده وربما مشاعره أو شكوكه أو رغباتٍ وأهواءٍ أو شؤونٍ أخرى هو أعلم الناس بها وقد اقتنع بحكمه القاضي بصحة ما يعتقد، كما أنه لن يقوم بنقل تلك الصورة أو المقطع إلى جهات الاختصاص المعنية بالأمر، كلا فذلك ظلم في حق نفسه؛ إذ يجب على النَّاس معرفة ذلك الشخص العظيم الذي قام بالكشف والرصد والتحقيق والحكم والذي سيسجل التاريخ فضل التغيير له لاحقًا- كما فعل السحرة والمشعوذون قديمًا نظير مكسبٍ مادي- فيقوم بالنشر سريعًا على مواقع التواصل محققًا سبقًا وزخمًا كبيرين ولن تطاله أية عقوبة من باب حرية التعبير والرأي وغيرها، كما أنه يتمتع بحصانة الضيف على الجميع في مفهومها العربي الواسع ولا جناح عليه إذا نشر ما يُسيء للمُضيف فهو مُحقق يريد لنا الخير.
لا شك أن فاعلية مواقع التواصل لم تعد خافيةً على أحد ويصل تأثير صوتها الصاخب إلى أبعد مدى ليعود التفاعل مع صداه على جهات الاختصاص ذات الشأن باتخاذ إجراءٍ سريع والسرعة هنا غير مفضلة؛ وعليه فإنَّ تصعيد نظام الشكاوى إلى المستوى العملي الثاني بات أمرًا ملحًا بالغ الضرورة حتى تلمس الناس مصداقية ولا تلجأ إلى بث شكواها على مواقع التواصل ليعرب عنه خبرًا عامًا في متناول الجميع بعد أن كان مبتدءًا في صميم اختصاص جهة محددة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
المقاومة تسلم جثة أسير عُثر عليها شمال غزة
أفاد مراسل الجزيرة ببدء إجراءات تسليم جثة أسير إسرائيلي -عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر- عثرت عليها كتائب القسام وسرايا القدس شمال قطاع غزة.
وكان ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن اليوم الأربعاء إن إسرائيل تستعد الساعات المقبلة لاستلام جثة أسير عُثر عليه اليوم خلال عمليات البحث شمال القطاع، مؤكدا أن الجثة ستخضع للفحوص الجينية اللازمة للتعرف على صاحبها.
وكانت كل من سرايا القدس وكتائب القسام أعلنتا اليوم أنهما ستسلمان الساعة الخامسة مساء بتوقيت غزة (13.00 بتوقيت غرينتش) جثة أحد الأسرى الإسرائيليين تم العثور عليها شمال قطاع غزة.
ويأتي ذلك بعد يوم من إعلان إسرائيل أنها تسلمت بقايا جثة أحد الأسيرين المتبقيين في قطاع غزة قبل نقلها إلى معهد الطب الشرعي قرب تل أبيب للتعرف عليها.
وترهن إسرائيل بدء التفاوض لتدشين المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بتسلمها كل جثث الأسرى. ومقابل رفات كل أسير تفرج إسرائيل عن جثث 15 فلسطينيا قتلتهم خلال حرب الإبادة على غزة وتحتجز جثثهم.
وأظهرت معظم جثث الأسرى الفلسطينيين التي تم تسليمها تعرّضهم لتعذيب شديد، فضلا عن تجويع وإهمال طبي، بل وقتل بعضهم خنقا.
كما يوجد 9500 مفقود فلسطيني قتلهم الجيش الإسرائيلي، ولا تزال جثثهم تحت أنقاض حرب الإبادة، وفقا للمكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة.
إلى جانب ذلك، يقبع في سجون إسرائيل أكثر من 10 آلاف أسير فلسطيني بينهم أطفال ونساء، ويعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، واستشهد عديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
ومنذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ بعد أكثر من عامين على اندلاع حرب الإبادة الجماعية على أهالي قطاع غزة، تقوم إسرائيل يوميا بخرق الاتفاق وشن هجمات على مناطق مختلفة من القطاع، في وقت يعاني السكان من أزمة إنسانية خانقة جراء الدمار الواسع الذي خلّفته العمليات العسكرية الإسرائيلية.
إعلانوقد خلّفت حرب الإبادة الإسرائيلية بغزة أكثر من 70 ألف شهيد ونحو 171 ألف جريح فلسطيني معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا قدرت الأمم المتحدة تكلفة إعادة إعماره بنحو 70 مليار دولار.