يعجز اللسان عن وصف الحزن الذي أشعر به إزاء مشاهد زحام الأطفال والنساء والكبار على منصات توزيع الطعام في مناطق شمال غزة، التي تصل إلينا يوميا من وسائل الإعلام، ويتمزق قلبي وأشكو بثي وحزني إلى الله لعجزي عن فعل شيء سوى الدعاء لرفع الظلم وزوال الغمة عن إخواننا المكلومين والثكالى والمشردين واليتامى في القطاع.
توزيع الوجبات المطبوخة، التي يجمعوها من نباتات الأرض، ليس بها أرز ولا مكرونة ولا خضراوات ولا فواكه، وتهافت العشرات من الأطفال والنساء للحصول على نصيبهم منها في أطباق يحملونها، تعبر عما وصل إليه وضع إخواننا في غزة عامة، وشمالها خاصة، من ضيق وكرب، نتيجة الحصار المحكم المطبق على القطاع من كل الجهات.
وما أشبه الليلة بالبارحة، عندما حاصر كفار قريش النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بني عبد المطلب وبني هاشم، في شِعب أبي طالب، للضغط عليهم ومنعهم من نشر الإسلام، فالظروف واحدة والحصار واحد والضحية أبرياء، والجاني جاحد لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة.
في بداية انتشار الدعوة، كانت قريش تشعر بتهديد كبير من انتشار الإسلام، وتعتقد أن مكانتها الدينية والاقتصادية في مكة، ستتأثر بتلك الدعوة، فقررت مقاطعة بني هاشم وبني عبدالمطلب، لدعمهما النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وسعت لإجبار النبي وأصحابه على التراجع عن الدعوة.
وحاصرت قريش النبي وأنصاره من القبيلتين لمدة 3 سنوات تقريبًا، من السنة السابعة حتى السنة العاشرة من البعثة النبوية، بوثيقة مجحفة لمنع التعامل مع النبي والقبيلتين، ومقاطعتهما اقتصاديا واجتماعيا، وحظر التجارة معهما ومنع الزواج منهما، ما تسبب في ظروف صعبة ونقصا حادا في الطعام والموارد، واشتدَّ الحصار حتَّى اضطر المسلمون إلى أكل ورق الشَّجر، وجلود البعير، وسمعت أصوات الأطفال المقهورين من وراء الشِّعْب، وهم يئنون جوعا.
ومع أن كفار قريش بلغوا من القسوة في حصارهم لضعفاء أبناء القبيلتين، إلا أنهم لم يصلوا إلى ما وصل إليه اليهود الآن، من غلظة وجحود بحق الأبرياء، في قطاع غزة، فكفار قريش لم يقتلوا طفلا أو امرأة أو كهلا، ولم يهدموا بيتا أو يحرقوا أرضا أو يقتلوا حيوانا، كما حدث ويحدث الآن، منذ 7 أكتوبر، فأي جحود هذا الذي يملأ قلوب الصهاينة، أمام قتل أكثر من 40 ألف شخص، وإصابة أكثر من 70 ألف شخص، وغيرهم ممن واراهم ثرى الركام والبيوت المهدمة، في 8 أشهر فقط، ولم يشعروا بندم،
تلك القسوة التي نراها اليوم من اليهود، لم تكن في كفار قريش وقت حصار بني عبد المطلب وبني هاشم، فقد تعاطفوا مع الضعفاء، ومن ذلك ما فعله كل من هشام بن عمرو، وزهير ابن أمية، والمطعم بن عدى، وأبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، وهم من أكابر كفار قريش وقتها، من نقضهم الصحيفة، حتى قال زهير بن أبي أمية، بعدما طاف بالبيت سبعا، ثم أقبل على الناس: يا أهل مكة؟ أنأكل الطعام ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى لا يباع ولا يبتاع منهم، والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة.
ونحن نرى الآن، كل هذه الدماء ولم يرق قلب أي يهودي، ويقول كفى بربكم ماذا فعلنا وما هذا الجرم الذي نرتكب، ولكنها لعنة الله عليهم مصداقا لقوله في سورة البقرة عنهم: «ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة».
ورغم قساوة الحصار الذي فرضه كفار قريش، وانتهى بنقض الكفار للوثيقة، التي شملت شروط المقاطعة، التي أكلها النمل الأبيض إلا اسم الله، إلا أن المسلمين ازدادوا تماسكا وإصرارا على الدعوة، وانتصروا لمبادئهم ودينهم، حتى مكنّهم الله بعد ذلك، وهو ما أراه بإذن الله سيحدث في أزمة غزة،
نعم ما أقسى المشاهد، وما أقبح الظلم، وما أفجر العالم المتفرج، دعاة حقوق الإنسان كذبا وزورا، ولكن مع ذلك والله ما ساورنا الشك لحظة في انتصار الله للمظلومين، ولكنها فترة للتمحيص وفرز الغث من الثمين، والمناصر للحق من المثبط، تطول أو تقصر ولكنها ستنتهي بنصرة الحق.
ومخطئ من يعتقد أن حصار غزة وليد 7 أكتوبر، فالقطاع يواجه أصعب عملية حصار في تاريخ البشر، منذ منتصف عام 2007، عقب تولي حركة حماس السيطرة على القطاع، برا وبحرا وجوا، وسط قيود شديدة على حركة الأفراد والبضائع، بدعوى الحفاظ على الأمن ومنع تهريب الأسلحة إلى الفصائل المسلحة.
إن من يقرأ التاريخ جيدا وقبل ذلك يؤمن بالله حقا، سيعلم أن تلك الأيام شديدة الظلمة التي يعيشها أبناء القطاع، ستنتهي وستتبعها انفراجة كبيرة بأمر الله، ونصر وتمكين، فهذا وعد رباني ونثق به ونوقن بأنه سيتحقق، فالآية الكريمة «وتلك الأيام نداولها بين الناس» كفيلة بتلخيص القصة، وكذلك «إن مع العسر يسرا» تخبرنا بأن الظلمة إلى انقشاع، فالله عادل، وقوله حق، والنصر قادم لا محالة ولو كره الكافرون والمثبطون والمداهنون.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: شمال غزة غزة كفار قريش النبي محمد بني هاشم حصار غزة حماس حركة حماس کفار قریش
إقرأ أيضاً:
الناس يتساقطون من قلة الطعام.. فلسطيني يروي مشاهد الجوع بغزة
من داخل أحد مخيمات النزوح المكتظة في مخيمات وسط قطاع غزة، كان الغبار يلف المكان، والخيام تصطف بلا نظام، وأصوات الأطفال الجوعى تطغى على كل شيء.
هناك، التقت الجزيرة نت الغزّي أحمد محمد كُلاب، وهو رجل أربعيني أنهكه التعب وظهر عليه الجوع أكثر مما قاله بكلماته "نعيش في مجاعة حقيقية.. لم تمر علينا أيام كهذه، لا طحين، لا طعام، والمبكي أن أطفالنا يسألون في كل دقيقة عن الطعام".
وضع لا يحتملمن منطقة المغراقة وسط قطاع غزة، بدأ أحمد رحلة نزوح قسرية طويلة، تنقّل خلالها بين رفح وخان يونس ودير البلح، ليستقر اليوم في مخيم النصيرات وسط القطاع في خيمة تفتقر لأبسط مقومات الحياة، لا ماء، لا كهرباء، ولا طعام.
يقول أحمد للجزيرة نت "أركض خلف التكيات حتى أوفّر طعاما لأطفالي، وفي كثير من الأيام لا أجد شيئًا أطعمهم إياه، وإن وجدت أقدمه لهم وأبقى أنا جائعا.. الوضع لا يُحتمل، الأمور صعبة بشكل لا يمكن تصوره، من يجد طعاما اليوم في غزة فهذا رزق من الله، نحن في مجاعة حقيقية".
ويتابع وقد غلبه التعب من الحديث عن مأساة باتت هي الواقع اليومي: لم تمر علينا مجاعة بهذه الشدة، أحيانا أسقط على الأرض من شدة الجوع، لا يوجد طحين، وإن وجد فلا يمكننا شراؤه".
إعلانوفي خيمته الصغيرة، لا يجد أحمد ما يسد به رمق أطفاله، ولا يعرف كيف يصمد ليوم آخر. يتساءل بحرقة "إيش نعمل؟ محتارين.. لا أكل، ولا مقومات حياة. نناشد العالم، نناشد كل ضمير حي أن ينقذنا. في أفقر الدول لم يحدث ما يحدث معنا اليوم، المجاعة تضرب غزة".
كارثة إنسانيةويعيش قطاع غزة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخه، إذ يحذر خبراء الأمم المتحدة من أن المجاعة تقترب، إن لم تكن قد بدأت فعليًا في أجزاء واسعة من القطاع، فانقطاع الإمدادات والدمار والحصار الطويل، كلها عوامل أدت لانهيار المنظومة الغذائية بشكل شبه كامل.
والنازحون في المخيمات، مثل أحمد، لا يجدون سوى "التكيات" -المطابخ الخيرية المتنقلة- ويسابقون الزمن والمسافات للحصول على وجبة واحدة. لكن حتى تلك الوجبات، كما يقول أحمد، لم تعد تكفي.
وبينما تستمر الأوضاع في التدهور، يطلق أحمد صرخة إنسانية من قلب المأساة "أنقذونا.. أطفالنا بيموتوا قدام عيوننا، إحنا بحاجة لكل شيء.. حياة من دون طعام لا تُطاق".
في ظل هذه الظروف القاسية، تتفاقم معاناة سكان غزة يومًا بعد يوم، وتبقى صرخات النازحين كأحمد كُلاب شاهدة على مأساة إنسانية تتطلب تحركا عاجلًا من المجتمع الدولي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.