مؤتمر السودان في أفريقيا «1968»: وجاءنا علي مزروعي يطلب أن ندفع عنه أجرة التاكسي من المطار
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
عبد الله علي إبراهيم
كان المؤتمر العالمي لمنزلة السودان في افريقيا في شتاء 1968 هو أول تجربة لنا في المعرفة التي تشق لها أكباد الإبل كما تقول العبارة العربية. نظمت الموتمر شعبة أبحاث السودان التابعة لكلية الآداب بجامعة الخرطوم بعد نحو ثلاث سنوات من تأسيسها لقيادة البحث عما كنا نسميه ذاتية السودان، أو هويته في قول المحدثين.
وقد تدرج بالشعبة الي هذا المرقى البروفسير يوسف فضل حسن الذي ورثها وليداً يحبو من بروفسير ساندرسون. وكان هذا مديرها الأول. وقد أجمل فكرة الشعبة في مقال نشره بعدد باكر من مجلة التاريخ الأفريقي. ثم تعهد يوسف الوليد بالرعاية حتي شب عن الطوق وعم نفعه.
لم يكن المؤتمر هو المؤتمر الأكاديمي الأول الذي ساهمت في الاعداد له بل كان أيضاً المؤتمر الأكاديمي الأول الذي احضره. وقد مسني من جلاله ما بقي معي من احترام جدي للأكاديمية ومناهجها وتشقيقها حتي برجها العاجي المزعوم.
عجبت لمن يشقون أكباد الإبل هؤلاء لإطلاع زملائهم علي الجديد من افكارهم بلا ضوضاء. أذكر توماس هودجكن يخطو فارعاً تحف به نبالة انجلوساكسونية واشتراكية يحدثنا عن المهدية والعيسوية والماركسية. وأذكر روبرت كولنز يحدثنا عن الجنوب وما تاخمه جنوباً في بدلته الأمريكية ذات الخطوط الزرقاء الجاذبة.
وأذكر علي مزروعي جاءنا من جامعة مكارري بيوغندا واقتحم غرفة عمليات المؤتمر في موضع مسجد الجامعة الحالي. وكان يطلب من يدفع لسائق التاكسي لأن مندوبنا قد تأخر عليه في المطار. وكنا ننتظر أن يقدم لنا نفسه على نحو أكثر إثارة. فقد قرأنا ورقته للمؤتمر وأخذتنا مادتها عن هامشية السودان المركبة وعنوانها. وقد كان لي شرف ترجمة العنوان لأغراض الإعلام عن المؤتمر. وما تزال الورقة مما يثير الجدل بعد ثلاثين عاماً من كتابتها. فقد جدد الدكتور بيتر وودورد ذكرها في كلمته لجمعية الدراسات السودانية هنا في عام مضى.
وأذكر المرحوم نتالي أوكولوين، الأكاديمي الحدث بكلية القانون، يحدثنا عن الأعراف في الجنوب. وقد نضج نتالي لاحقاً بكتابات غاية في الذكاء غير أن السياسة والموت عاجلا وعده الأكاديمي الباذخ.
وأذكر سميرنوف السوفيتي، وكان مختصاً في مهدية السودان وقد ترجم كتابه الي العربية رفيقنا محمد ابراهيم نقد الحي ومختفي داك (رحمه الله). وقد ساء سميرنوف قول بعض الناس إن الإدارة الأهلية نظام صالح وجيد. فأقتحمنا أنا وزميلي سيد حريز وهو يقول بإنجليزية عليها غبرة روسية: “نيتف أدمينستريشن، بروقريسيف أور نيت بروقريسيف. أوف كورس نيت بروقريسيف” (هل الادارة الأهلية تقدمية او غير تقدمية؟ لا شك انها غير تقدمية). وظللنا وحريز نذكرها للرفيق كل ما التقينا. وكان هذا غيض من فيض الرجال الذين وفدوا لبيت الحكمة الذي رتبناه عن مكانة السودان في افريقيا.
وقد وطنني هذا الموتمر علي أان الأكاديمية تقوي مدنية وخلق في طلب الحقيقة. ولهذا تغافلت عن كلمة تهوين بالمؤتمر صدرت عن أستاذنا عبدالخالق محجوب الذي حضر الجلسة التي تحدث فيها هودجكن. واللينينية لا تكره شيئاً مثل كراهة الأكاديميين. وتعلمت من يومها أن بعض مما يقوله السكرتير العام غير منزل أو ملزم. وقد عاد الرفيق الوسيم بعد عامين من كلمته الخادشة للأكاديميين ليعرض علي التفرغ ك “أكاديمي ” بالحزب الشيوعي. وقبلت عرضه السخي.
كانت أفريقيتنا تصدر عنا بغير إعلان. فالنمر لا يزأر بنمريته في قول وول شوينكا (من إرشيف ومع ذلك).
صورة المؤرخ الماركسي توماس هودجكن (1910-1980) الذي شق طريقاً باكراً لكتابة التاريخ الأفريقي. وهو من أسرة هودجكن النبيلة التي كان منها روبن هودجكن الذي تولى إدارة مكتب النشر التابع لبخت الرضا في أوله وله أعجاب مؤسس بالتربويين السودانيين. ثم جاءت من بعده ليز هودجكن لتدرس التاريخ بجامعة الخرطوم وفيها سخاء ولطف كثير. وتوماس تزوج من دورثي هودجكن التي نالت جائزة نوبل في العلوم. وماركسيته هي التي من وراء سعي أستاذنا عبد الخالق لحضور ورقته عن الماركسية في أفريقيا.
الوسومعبد الله علي إبراهيمالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
غزة وتشكيل لوبي عربي في سلم أولويات مؤتمر الجاليات العربية بلندن
لندن ـ بعد شهور من الاحتجاجات المتواصلة المنددة بحرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، تسعى الجاليات العربية في بريطانيا إلى تحويل الزخم الشعبي إلى عمل سياسي منظم وفاعل، من أجل التأثير في دوائر صناعة القرار البريطانية لصالح القضية الفلسطينية.
وتجلى هذا الزخم من خلال انطلاق أعمال المؤتمر الأول للجالية العربية في بريطانيا بمشاركة نخبة من الشخصيات السياسية والفكرية من أبناء الجاليات العربية، في خطوة تعد الأولى من نوعها، وتهدف إلى البناء على حالة التلاحم التي تجلت بين قوى المجتمع العربي المدني والسياسي في المملكة المتحدة دعما لفلسطين، لتأسيس إطار ضاغط ومنظم على الحكومة البريطانية.
واعتبر السفير الفلسطيني في لندن حسام زملط، خلال كلمته في المؤتمر، أن بريطانيا تمثل ساحة اشتباك مركزية مع الرواية الصهيونية، نظرا للدور التاريخي الذي لعبته جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في ترسيخ هذه الرواية داخل المجتمع البريطاني ومؤسساته.
وفي حديث خاص للجزيرة نت، أكد زملط أن الحراك الشعبي المناصر لفلسطين في بريطانيا -والذي استمر بشكل غير مسبوق منذ أكثر من عامين- يمثل فرصة ينبغي التقاطها وتحويلها إلى مسار مؤسسي يقوم على جهد عربي موحد وفعال، في ظل ما وصفه بـ"الاختراقات المهمة" التي حققها هذا الحراك داخل المجتمع البريطاني.
وتشهد لندن منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023 مظاهرات حاشدة ومتكررة، دعت إليها منظمات مدنية وحقوقية بريطانية، وانضمت إليها أطياف واسعة من الحركات الشبابية والسياسية. وقد اعتبرت هذه المظاهرات من الأضخم في التاريخ السياسي البريطاني المعاصر.
ورغم أن الجالية العربية في بريطانيا لا تتجاوز 356 ألف نسمة، وفق آخر الإحصاءات الرسمية، فقد تخطى الحراك التضامني مع فلسطين بعد حرب غزة الإطار العربي والإسلامي ليشمل تنظيمات ومجموعات بريطانية تعتبر القضية الفلسطينية رمزا عالميا للنضال من أجل العدالة والاستقلال.
ويقول رئيس تحرير منصة "عرب لندن" وأحد مؤسسي المؤتمر محمد أمين، في حديثه للجزيرة نت، إن الجاليات العربية بدأت تتدارك تأخرها في بناء منظومة تأثير سياسي، وتسعى لتشكيل لوبي عربي فاعل داخل المملكة المتحدة، من خلال شبكة تحالفات تستثمر التعاطف الشعبي الواسع مع القضية الفلسطينية.
إعلانويضيف أمين أن الحركة الصهيونية أدركت منذ قرن أهمية العمل المنظم والمؤتمرات والتجمعات السياسية في بناء نفوذها، في حين تأخر العرب في بريطانيا طويلا عن إدراك هذه الحقيقة.
وفي حين لا تمثل الجاليات العربية كتلة انتخابية ضخمة في بريطانيا، فقد أطلق نشطاء عرب مبادرات سياسية نوعية، أبرزها حملة "الصوت العربي" بالتعاون مع حملة "الصوت المسلم"، لتوجيه أصوات الناخبين نحو المرشحين المناصرين للقضية الفلسطينية، في مقاربة وصفها مراقبون بـ"المقايضة السياسية" بين الأصوات والمواقف.
وأسفرت الانتخابات البرلمانية السابقة عن فوز مرشحين اثنين فقط من أصول عربية بمقاعد برلمانية، غير أن رقعة الدعم السياسي لفلسطين اتسعت داخل البرلمان، وشهدت تشكل تكتلات جديدة من نواب مستقلين داعمين لغزة، إلى جانب تحركات داخل بعض الأحزاب الكبرى لدفعها نحو مواقف أكثر وضوحا من العدوان الإسرائيلي.
ويشدد مدير مركز التفاهم العربي البريطاني كريس دويل، في تصريح للجزيرة نت، على أهمية تعزيز تمثيل الجاليات العربية داخل المؤسسات البريطانية، داعيا إلى تجاوز الانتماءات الحزبية والخلفيات الأيديولوجية وتوحيد المصالح العربية داخل البلاد.
لكن هذه الجهود السياسية تصطدم أحيانا بتحديات داخلية، إذ يرى كثيرون أن الجاليات العربية تنقل خلافاتها السياسية من بلدانها الأصلية إلى المهجر، وتعيد إنتاج الانقسامات بدلا من بناء جبهة موحدة.
وفي هذا السياق، دعا الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، في كلمته خلال المؤتمر، إلى تجاوز الانقسامات السياسية التي عانت منها المجتمعات العربية، والعمل على تقديم نموذج جديد لوحدة الجالية العربية في بريطانيا.
وشدد البرغوثي على ضرورة تصعيد حملات المقاطعة للاحتلال الإسرائيلي في بريطانيا، والاحتجاج ضد استمرار تصدير الأسلحة لإسرائيل، في ظل مواقف حكومية بريطانية وصفها بـ"الرمزية والخجولة".
وتزايدت في الفترة الأخيرة مطالب نواب برلمانيين لحكومة كير ستارمر بفرض حظر شامل على تصدير السلاح لإسرائيل، بينما رفعت "مؤسسة الحق" الفلسطينية دعوى قضائية ضد الحكومة البريطانية لدفعها إلى وقف تصدير قطع الغيار المستخدمة في طائرات "إف-35" التي تشكل ركيزة أساسية في سلاح الجو الإسرائيلي.
كما تسببت مواقف ستارمر الداعمة لإسرائيل في انشقاقات داخل حزب العمال، إذ غادره في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 عشرة نواب وعشرات الأعضاء في المجالس المحلية احتجاجا على تصريحاته، في حين يواصل عدد من نواب الحزب المنتمين لتيار اليسار الضغط على قيادته لتغيير نهجها تجاه العدوان على غزة.
وقد بدأ ستارمر بالفعل تبني خطاب أكثر تشددا تجاه إسرائيل، إذ أعلن فرض عقوبات على وزيرين في الحكومة الإسرائيلية، وعلّق مباحثات الشراكة التجارية معها.
لكن هذا المسار السياسي لا يخلو من تحديات إضافية، أبرزها تنامي الخطاب اليميني المتطرف في بريطانيا، خاصة بعد النتائج اللافتة التي حققها حزب الإصلاح الشعبوي في الانتخابات المحلية الأخيرة، وهو ما أثار قلق الجاليات العربية والمسلمة من تصاعد العنصرية وتهميشهم سياسيا.
إعلانوبحسب البيانات الرسمية، فقد ارتفعت جرائم الكراهية ضد العرب والمسلمين في بريطانيا بنسبة 13% خلال العام الماضي، حيث سجلت الشرطة أكثر من 3866 بلاغا، تتعلق كلها باعتداءات مدفوعة بالإسلاموفوبيا.
وفي كلمتها خلال المؤتمر، قالت الأكاديمية الفلسطينية غادة الكرمي إن ما جرى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وما تلاه كشف الطبيعة الإقصائية للنظام الرسمي الغربي، والذي ينطوي على نزعة عدائية تجاه القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
ودعت الكرمي الجاليات العربية إلى إعادة تعريف هويتها السياسية، وبناء فهم أعمق للقيم الغربية الحاكمة للمجتمعات الأوروبية، والانطلاق منها لتأسيس خطاب سياسي فاعل يعزز حضورها ويخدم مصالحها العادلة.