سحب صلاحيات الإدارة المدنية.. خطة سموتريتش الجديدة لضم الضفة
تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT
القدس المحتلة- عكس مضمون خطاب القائد العسكري للمنطقة الوسطى في جيش الاحتلال الإسرائيلي يهودا فوكس، المكلف بالتدابير الأمنية والعسكرية في الضفة الغربية، الصراع بين الإدارة المدنية التابعة للجيش والمستوى السياسي بالحكومة، ممثلا بالوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي منح صلاحيات مدنية للحاكم العسكري للضفة، كجزء من اتفاقيات تشكيل حكومة اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو.
وانتقد فوكس، الذي أعلن التنحي عن منصبه وإنهاء العمل بالجيش الإسرائيلي بعد 37 عاما في الخدمة العسكرية، ما وصفه بـ"الجرائم القومية" التي تنفذها عصابات المستوطنين في الضفة.
وكذلك "الصمت الحكومي الرسمي" حيال تصاعدها خلال فترة الحرب على غزة، بل وحصول المستوطنين على دعم غير مسبوق من قبل سموتريتش، الذي يرأس تيار "الصهيونية الدينية"، وهو مسؤول أيضا عن الشؤون المدنية بالحكم العسكري للضفة.
ويأتي اعتزال فوكس الحياة العسكرية وانتقاداته العلنية للمستوطنين المحسوبين على تيار "الصهيونية الدينية"، في وقت يواصل سموتريتش، الذي يشغل في الوقت نفسه منصب وزير إضافي في وزارة الدفاع، مساعيه لتجريد الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال من صلاحياتها، وتركها فارغة من المحتوى، ضمن خطته المعلنة باسم "الحسم"، والتي تسعى لضم الضفة إلى السيادة الإسرائيلية.
ومع سعي سموتريتش لإحكام السيطرة وتعزيز صلاحياته، يتكشف الصراع الذي يخوضه من خلال الخلافات الخفية داخل الإدارة المدنية، والتي كشفت عنها صحيفة "يديعوت أحرونوت"، التي اعتبرت أن هذه الخلافات تعكس مضي الوزير بخطته.
واستعرضت الصحيفة كواليس الخلافات بين سموتريتش والمقدم هشام إبراهيم، الذي تولى مؤخرا منصب رئيس الإدارة المدنية، والذي اختلف مع الوزير بعد أن عين المستوطن هيليل روث نائبا عنه للإدارة المدنية، وهي المرة الأولى التي يتولى فيها شخص مدني هذا المنصب منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967.
وزاد حجم الخلافات داخل الإدارة المدنية بعد تسريب تسجيلات منسوبة إلى رئيسها، والتي كشفت عنها الصحيفة، حيث دأب رئيس الإدارة المدنية ومع دخول مندوب سموتريتش إلى منصبه إلى إجراء محادثات مع المسؤولين العسكريين؛ من أجل تحديد خطوط عمل الإدارة المدنية تحت قيادته.
وأظهر مضمون المحادثات التي وثقتها التسجيلات أن سموتريتش يتطلع لسحب صلاحيات الإدارة المدنية وأفرغها من مضمونها، تمهيدا لنقلها إلى المسؤول الجديد الذي يمثله.
ويقول المقدم إبراهيم في المحادثة المسجلة إن "الإدارة المدنية موجودة لتبقى، والحياة مستحيلة بدونها، لا للسكان الفلسطينيين ولا للمستوطنين". واعتبر أنها الوحيدة القادرة على تمكين الاستيطان وخدمة الفلسطينيين، ولن يتم تفريغها من صلاحياتها.
تعيينات جديدةيقول مراسل صحيفة "يديعوت أحرونوت" في الضفة إليشع بن كيمون إن رئيس الإدارة المدنية الجديد يدرك العاصفة التي اندلعت بالأساس بسبب تعيين نائب مدني في الإدارة المدنية، وهو التعيين الذي تم الاتفاق عليه في اتفاقيات الائتلاف الحكومي بين الصهيونية الدينية والليكود.
ويوضح بن كيمون أن شخصيات مقربة من "الصهيونية الدينية" أكدت أن روث الذي ينوب عن سموتريتش بالإدارة المدنية يخضع مباشرة إلى "مديرية التنظيم والبناء وتبييض الاستيطان" التي أنشأها الوزير، وتحظى بدعم المستوى السياسي بحكومة نتنياهو.
وأشار إلى أن هذا التعيين ينسجم مع خطة سموتريتش لحسم الصراع، وضم الضفة بالكامل للسيادة والسيطرة الإسرائيلية، وهو ما عبر عنه زعيم "الصهيونية الدينية"، الذي قال إن هناك نائبا مدنيا لرئيس الإدارة المدنية، وهو موظف بوزارة الدفاع، وليس تابعا لقيادة الجيش، ويتمتع بكافة الصلاحيات بكل ما يتعلق بإدارة الأمور اليومية والحياتية في الضفة.
تأتي التعيينات الجديدة لـ"الصهيونية الدينية" في الإدارة المدنية ضمن خطة سموتريتش للسيطرة المدنية على الضفة الغربية بدلا من السيطرة العسكرية للجيش الإسرائيلي، عن طريق تغيير الواقع وفرض وقائع جديدة على الأرض، دون إصدار قرار رسمي بالضم، بحسب الصحفي الاستقصائي والمختص في الشؤون العسكرية والاستخباراتية رونين بيرغمان.
وأوضح بيرغمان أن التغييرات التي نفذها سموتريتش تتناقض بشكل صارخ مع موقف جهاز الأمن الداخلي "الشاباك"، والقيادة المركزية للجيش الإسرائيلي، اللذين يوضحان أن كل حدث في الضفة له عواقب أمنية يمكن أن تضر بالاستقرار.
وأشار إلى أنه يتم التعامل مع الإدارة المدنية بهذه المرحلة من منظور سياسي بكل المقاصد والأغراض، والوقت وحده سيحدد عدد الصلاحيات الإضافية الباقية في الإدارة المدنية التي ستنتقل إلى مكتب سموتريتش، الذي يدفع نحو إقامة المزيد من المزارع الاستيطانية والبؤر الاستيطانية غير القانونية على أراض خاصة للفلسطينيين، وهو ما قد يجر المنطقة إلى تصعيد أمني.
إنذار أمنيوالتقديرات ذاتها يتوقعها المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" يوآف زيتون، الذي أوضح أن كبار الضباط بالجيش الإسرائيلي يعتبرون نقل الصلاحيات من الإدارة المدنية إلى سموتريتش أو من ينوب عنه، هو بمثابة ضم حقيقي للضفة تحت السيطرة الكاملة لإسرائيل.
وأوضح المراسل العسكري أن الوثيقة السرية التي صاغها فوكس قبل شهرين من إعلان التنحي من منصبه ووجهت إلى كبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي، حذرت من تفريغ الإدارة المدنية من صلاحياتها.
ولفت إلى أن زعيم "الصهيونية الدينية" يُحدث تغييرات كبيرة على أرض الواقع، فهو يأخذ صلاحيات واسعة من الإدارة المدنية ويدفع السلطة الفلسطينية إلى حافة الانهيار، ويشجع الفلسطينيين على الهجرة والعمل في الخارج، وهي الإجراءات التي تنذر بتصعيد أمني غير مسبوق في الضفة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الصهیونیة الدینیة الإدارة المدنیة یدیعوت أحرونوت خطة سموتریتش فی الضفة
إقرأ أيضاً:
تآكل مجتمع الصهيونية “اللقيط” من الداخل.. أرقامٌ ومؤشرات
يمانيون|تقرير|إبراهيم العنسي*
تستمرُّ جِراحُ غزة ويستمرُّ نزيفُ الدم الفلسطيني، وتتصاعدُ أرقامُ الموت كما تتعاظم صورة الدمار في عيون العالم، لكن هناك صورة أُخرى تفترض أن كيان العدوّ (إسرائيل) هو الآخر على قدر إجرامه ودمويته، ينزفُ من الداخل، ونحن لا نتحدَّثُ عن خسائره الاقتصادية التي يتكبدها كمثال، بل هو حديث يخص حال مجتمعه اللقيط؛ الأَسَاس الذي قام عليه هذا الكيان والذي سيكون سببًا في زواله.
بالتزامن مع التكتّم الإسرائيلي عن الخسائر المتلاحقة في المعارك التي تخوضها قوات الاحتلال الإسرائيلي مع المقاومة في غزة، تتزايد المعطيات الرسمية التي ترصد تصاعدًا مُقلقًا لحجم المشاكل العقلية والاضطرابات النفسية التي أصابت عموم الإسرائيليين؛ بسَببِ استمرار الحرب على غزة.
هناك مشهد غير مسبوق من قبل يخص الإقبال الكثيف في كيان العدوّ على عيادات الطب النفسي.
حيثُ يجري الحديث بعمق عن تفشي الأمراض السلوكية، والتي تظل مؤشراً لتحول المجتمع الصهيوني مع مرور الوقت إلى “مجتمع مريض”، يعاني أمراضاً لم تكن معهودة من قبل، وسط عجز الحكومة عن تفاديها، في ظل تزايد المشاكل العائلية، وتصاعد حالات العنف الأسري.
جمعية “كيشر لدمج الأشخاص ذوي الإعاقة” أشَارَت إلى إصابة 100 ألف إسرائيلي محتلّ، منذ بدء الحرب على غزة، بإعاقات مختلفة: حسّية، وحركية، وذهنية، وعصبية، ولم يتمكّنوا من العودة لحياتهم الطبيعية؛ بسَببِ تبعات الهجوم والحرب من بعده. جمعية “ناتال” للمساعدة النفسية الصهيونية تحدثت عن مساعدة قرابة 43 ألف مغتصِب في تسعة أشهر منذ بدء الحرب على غزة.
بينما أعلنت مؤسّسة التأمين الوطني عن إصابة 65 ألف إسرائيلي بأعراض نفسية وعصبية؛ بسَببِ الحرب، منهم عشرات الآلاف مصابون عقليًّا، العديد منهم أُصيبوا بإصابات نفسية خطيرة، فيما يحتاج 30 % من مستوطني غلاف غزة لعلاج صحي نفسي ودوائي لفترة طويلة؛ لأَنَّهم باتوا مختلّين عقليًّا، مرضى نفسيًّا، غير أكفاء.
بحسب عالم النفس الصهيوني يوسي ليفي بلاز، فَــإنَّ العدوان الإسرائيلي على غزة، أسفر عن معاناة ثلث (الإسرائيليين) من اضطراب ما بعد الصدمة، و45 % من سكان المغتصبات من الاكتئاب واضطراب القلق. كما أن 60 % منهم يعانون تدهوراً كبيراً في خصائصهم الاجتماعية والنفسية، و50 % نومهم مضطرب ولا يتحسّن، وباتوا يفقدون صبرهم، ويغضبون بسرعة؛ ما يخلُقُ قدرًا كَبيرًا من العدوانية بينهم، وقدرتُهم على إدارة حواراتهم شبهُ معدومة.
وفقًا لمنظمة “أرانERAN” للإسعافات الأولية النفسية الصهيونية، هناك 48 % من المكالمات التي تصلها تتعلق بحالات القلق، والصدمة، والشعور بالفقد، والعزلة، والوحدة، والاكتئاب، وصعوبة النوم، وهو رقم قياسي ونسبة مرتفعة لم يسبق أن وصلت إليها منذ 1971.
تقول هذه المنظمة الإسرائيلية: إن “عدد المكالمات التي تلقّتها منذ بداية الحرب على غزة، زاد عن 300 ألف مكالمة وكلها تطلب المساعدة النفسية، 40 ألفًا منها وردت من الجنود وعائلاتهم، و58 ألفًا من المراهقين”. وتراها مؤشرات خطيرة، حَيثُ إن بعض الجنود لا يخفون في مكالماتهم أسفهم على أنهم لم يُقتلوا في غزة، في ظل ما يعانونه من توتر وضيق نفسي شديد رافقهم منذ العودة الأولى من حرب غزة، بعد إعلان الهُدنة المؤقتة.
ووفقًا ليوميات الحرب على غزة فَــإنَّ جنود وضباط وسكان المغتصبات الإسرائيلية عُمُـومًا باتوا يدفعون أثمانًا نفسية، وعائلية، ومهنية باهظة؛ فهم عاشوا حالة حرب لفترات طويلة، وما زال العديد منهم لا يستطيع تحمل المزيد من المعاناة.
ويمكن ملاحظة الهروب من التجنيد ورفض الأوامر كمؤشر واضح من مؤشرات التأثير النفسي الكبير على جيش العدوّ ومجتمعه الغاصب.
قبل أسبوع تقريبًا، نقلت هيئة بث كيان العدوّ الرسمية، عن مجموعة من المجندين الصهاينة رسالة لقادتهم قالوا فيها: “بعد 17 جولة دخول إلى غزة، مررنا بعدد هائل من الأحداث العملياتية، قاتلنا لأشهر طويلة، وفقدنا أصدقاءنا، ولم نعد قادرين نفسيًّا على الدخول مجدّدًا إلى القطاع”. هذه ليست الحالة الأولى التي يرفض فيها جنود إسرائيليون دخول غزة.
في أغسطُس الماضي كمثال آخر، طلب نحو 20 مقاتلًا من لواء مشاة من قادتهم عدم المشاركة في القتال بالقطاع، وفق هيئة البث. وقتها، قال الجنود لقادتهم إنهم “بعد عشرة أشهر من القتال في غزة، لم يعودوا قادرين نفسيًّا أَو جسديًّا على العودة إلى القطاع.
وفي ظل التهديد بالسجن لرفض الأوامر يحاول مجندو العدوّ الإسرائيلي في غزة مواصلة القتال، لكنهم في الواقع يعانون أزمات نفسية كبيرة مُستمرّة منذ بدء الحرب على غزة وحتى اليوم. الصراخ والعويل والبكاء هي ردود فعل يشترك فيها مجندو العدوّ، حَيثُ فكرة الموت تبقى كابوساً مؤرقاً لهم.
ومن ضمن الصورة القاتمة لمجتمع الخوف الصهيوني، هناك ما يزيد عن 300 ألف إسرائيلي مغتصب يعانون من أمراض نفسية خطيرة، (ما قبل الحرب على غزة)، إلى جانب أن هناك (مليون مغتصب) في طوابير انتظار العيادات النفسية.
صفارات الإنذار:
لقد تركت الحرب على غزة آثارها الكارثية على الجسد والذاكرة والنفسية الإسرائيلية كما تظهرها الأرقام. ومنها آثار صفارات الإنذار ودوي الانفجارات.
هناك التوترات المتكرّرة والمصاحبة لأصوات الإنذار المتكرّرة مع وصول أَو سقوط الصواريخ.. أصداء الانفجارات التي تُسمع في المستوطنات والمدن، واقع خلق اضطرابات شديدة في الروتين اليومي لمجتمع المغتصبات، ومعه انحسار مؤشر الحياة الجيدة، التي يتمتع بها جزء من المجتمع الاستيطاني المحتلّ.
يمكن تصور واقع مجتمع الصهيونية اللقيط، مع سماع دوي صفارات الإنذار في أنحاء المدن والمغتصبات ومعها ترقب الذهنية الإسرائيلية المرهقة وردة فعلها التلقائية في قصد الملاجئ الداخلية أَو الخارجية، وما يرافق ذلك الموقف من انفعالات، وصراخ… إلخ.
مع تكرار هذا المشهد منذ بدء الحرب على غزة وحتى اليوم، يمكن إدراك أن هذا المجتمع المطبوع بحالة الخوف، معرض بكليته لاضطرابات جسدية وسلوكية ونفسية شديدة ومعقَّدة.
ومع إضافةِ الأرقام السابقة التي تقدِّمُها الإحصائياتُ الإسرائيلية والمراكز البحثية يمكن الحديث عن تضاعُفِ هذه الأرقام بعد عشرين شهرًا من حرب غزة. هناك زيادة بنسبة تقارب 900 % في عدد من يتلقّون الرعايةَ الصحية النفسية السريرية منذ اندلاع الحرب؛ أي مضاعفة هذا الرقم 15 مرة تقريبًا منذ بدء الحرب على غزة؛ ما يؤكّـد أن هذا الكيان المسخ والمجتمع اللقيط المصطنع سيكون أمام معضلة عميقة وتأثير استراتيجي، على تركيب هذا الهيكل الهزيل.
تآكل الثقة:
الآثار النفسية غير المسبوقة التي تركتها الحرب على الإسرائيليين، رافقها شعورٌ بالخيانة من الكَيان، وعدمُ ثقة بحكومة الكيان، وشعورُ 67 % من مجتمع العدوّ الإسرائيلي بعدم الأمان، وهذا رقمٌ كبير جِـدًّا.
وفيما يخص مستقبل الكيان هناك تعاظم في مؤشر اللا انتماء والبحث عن بدائلَ للعيش خارج جغرافية فلسطين المحتلّة. هذا المؤشر قد لا يكون ذا أثرٍ سريع ومباشر، لكن تأثيره العميق سيكون ضمن التأثير الاستراتيجي على وجود وقوة كيان العدوّ.
اعترف 65 % منهم أن شعورهم بالانتماء لـ (إسرائيل) انخفض بشكل كبير، 67 % يُفكِّرون بالانتقال إلى دولة أُخرى، وهذه أرقامٌ لم تُشاهد من قبل، لكنهم يبرّرونها بأنهم “ليسوا مضطرين للعيش هُنا”.
رغم كُـلّ هذه الإحصائيات، إلا إنها تظل أرقامًا أولية، استنادًا إلى اعتماد الكيان على سياسة التعتيم الصارم. فحجم وصورة الضرر الظاهر المادي السلوكي والنفسي على الكيان ما تزال سطحية ومبسطة. ما تحت رماد الحرب والعدوان على غزة هناك تداعيات سيكون لها التأثير العميق، في تآكل وانفراط عقد هذا الكيان الهزيل، في ظل جيل صهيوني لن يكون مستعدًّا أَو قادرًا على الاستمرار في مواجهة صمود ومقاومة أهل الأرض.
*المسيرة نت.