تواصل مليشيا الحوثي اغتيال كل المساعي الرامية إلى إحلال السلام وإيقاف الحرب العبثية التي تقودها بإيعاز من إيران، دون مبالاة بأوضاع المواطنين الذين يمرون بأسوأ أزمة إنسانية في العالم.

وصعدت المليشيا الحوثية من تحركاتها العسكرية في مختلف الجبهات، في محاولة منها لتأكيد تهديداتها التي أطلقتها مؤخراً بالعودة إلى خيار الحرب في حال لم يتم التراجع عن الإجراءات الاقتصادية التي اتخذها البنك المركزي اليمني وتسببت في عزل المليشيا مالياً عن الخارج.

وسجلت جبهات تعز خلال الـ24 ساعة الماضية، مواجهات عسكرية متصاعدة عقب شن مجاميع مسلحة حوثية هجمات منسقة على مواقع الجيش الحكومي المتمركز في الجبهات الشمالية والشرقية لمدينة تعز. وأسفرت المواجهات عن مقتل وإصابة عدد من العناصر الحوثية التي انكسرت وتراجعت عقب اشتباكات عنيفة مع قوات الجيش.

وبحسب مصادر عسكرية تركزت المواجهات في تبة ياسين، حيث حاولت المليشيا الحوثية التسلل إلى مواقع الجيش، إلا أن القوات الحكومية تمكنت من رصدها والتصدي لها، ما أسفر عن مصرع اثنين من العناصر المتسللة وإصابة 4 آخرين.

وذكر المركز الإعلامي لمحور تعز العسكري أن محاولة التسلل جاءت بالتزامن مع هجوم حوثي بالطيران المسير، وقصف مدفعي على جبهات الضباب، غربي المدينة.

نوايا مفضوحة

خلال الأسابيع الماضية، فشل مكتب مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن في تحقيق أي نتائج إيجابية في مباحثات "مسقط" بين وفدي الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً ومليشيا الحوثي. وعلى الرغم من التصريحات التي تطلقها القيادات الحوثية بشأن نواياها تجاه ملفات إحلال السلام، إلا أن الواقع مغاير، فالاجتماعات والمشاورات التي تشارك فيها المليشيا لا تفضي إلى أي اتفاقات شاملة، بل تسعى وفودها المشاركة الحصول على مكاسب وامتيازات سياسية مقابل تجزئة الملفات والمماطلة.

في اجتماعات مسقط بشأن ملف الأسرى والمحتجزين، رفضت المليشيا كل محاولات مكتب المبعوث الأممي واللجنة الدولية للصليب الأحمر، بشأن إبرام صفقة تبادل شاملة وكبيرة على قاعدة "الكل مقابل الكل" خصوصاً وأن القيادات الحوثية المشاركة في الاجتماعات أكدت سابقاً على أن عودة مشاركتها لنقاش ملف الأسرى والمحتجزين سيكون على هذه القاعدة، وهو ما رفضت لاحقاً عقب وصولها إلى سلطنة عُمان.

ما جرى في مسقط ليس مغايراً عن اتفاق "طيران اليمنية" الذي تنصلت مليشيا الحوثي من تنفيذه في أقل من 24 ساعة. حيث رفضت المليشيا السماح بإقلاع طائرات اليمنية المختطفة في مطار صنعاء، تحت مبررات واهية، في محاولة ابتزاز مكشوفة فضحت حقيقة هذه المليشيا التي تعرقل جهود السلام في اليمن، وتتنصل من الاتفاقات لصالح أجندتها التدميرية التي تعمّق الأزمة وتزيد من أوجاع اليمنيين.

ومع تجمد كل الجهود الأممية الرامية إلى إحلال السلام وكذا جهود الوساطة العُمانية والسعودية لتنفيذ خارطة طريق السلام؛ عادت المليشيا الحوثية للتلويح بخيار الحرب وتهديد السعودية، رداً على عودة تصاعد المطالبات بصرف المرتبات المنهوبة من الإيرادات الحكومية التي تسيطر عليها المليشيا الحوثية. وكذا رداً على الإجراءات الصارمة التي تقودها الحكومة اليمنية والبنك المركزي اليمني لعزل هذه المليشيا مالياً ومصرفياً.

عجز المواجهة

مع الإجراءات المتصاعدة من قبل الحكومة والبنك المركزي في عدن، وجدت مليشيا الحوثي نفسها في نفق مظلم عاجزة عن مواجهة تلك الإجراءات التي ضيقت من سيطرتها على القطاع المصرفي المالي. فخرج زعيمها عبد الملك الحوثي بخطابات متكررة مؤخراً للتلويح بخيار عودة الحرب واستهداف السعودية وغيره من التصعيد الكلامي الرامي إلى الابتزاز بدرجة رئيسة، خصوصاً مع تعالي الأصوات في مناطق سيطرتها لأجل صرف المرتبات المنهوبة منذ نحو 9 سنوات.

الحكومة اليمنية أكدت أن إجراءات البنك المركزي ذات طابع سيادي وهدفها استعادة السيطرة على القطاع المالي والمصرفي الذي دمرته المليشيا الحوثية وتسببت في انهيار اقتصادي كبير، وقالت إن المليشيا قادت حرباً اقتصادية عنيفة على الحكومة بدءاً من منع تداول الطبعة الجديدة من العملة وصولاً إلى إيقاف تصدير النفط عبر ضرب موانئ التصدير بالطائرات المسيرة.

الكثير من التصريحات التي أطلقها برلمانيون وسياسيون ونشطاء في مناطق سيطرة الحوثيين تطالبهم بصرف المرتبات. وهذه المطالبات ردت عليها المليشيا الحوثية بالتصعيد عسكرياً تحت شماعة مواجهة "المؤامرة الدولية والإقليمية".

عسكرياً، أكد وزير الدفاع اليمني، الفريق ركن محسن الداعري، أن التهديد الحوثي بالتصعيد وعودة الحرب ليس بجديد على هذه المليشيا التي تطلق مثل هكذا تصريحات مع كل جولة مفاوضات؛ فهم يحاولون اختلاق كثير من الذرائع بهدف إفشالها، وبغرض الابتزاز والتنصل من أي اتفاق أو تسوية تم الاتفاق عليها.

وقال: "نحن لدينا تجربة كافية أن هذه المليشيا لا يمكن أن تفي بالعهود على الإطلاق وأنها تتنصل من أي اتفاقيات، كلما كانت الأمور في صالحها هي تستجيب وإذا كانت الأمور لا تخدمها تتمرد وتستخدم أساليب كثيرة للالتفاف على القرارات والاتفاقيات".

وأضاف وزير الدفاع اليمني: "الأشقاء في المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان توصلوا إلى اتفاقات معينة وحاولوا تقديمها كخارطة طريق للسلام، لكن تهديدات زعيم المليشيا تؤكد أنه لا مجال أن يكون هناك سلام مع هذه المليشيا، ونحن مستعدون وجاهزون في أي وقت، وما ننتظره هو قرار سياسي يوجهنا لردع أي مغامرات وتهديدات من قبل المليشيا".

ورقة ابتزاز

ويرى المراقبون أن عرقلة الحوثيين لتنفيذ خريطة طريق السلام والتصعيد والتلويح بالعودة للحرب ما هي إلا ورقة ابتزاز تمارسها هذه المليشيا. كما أن هذه آخر الحيل الحوثية التي تحاول المليشيا اللجوء إليها لمواجهة الإجراءات الاقتصادية.

ربط المراقبون تصعيد الحوثي الإعلامي بالأزمة الداخلية التي يعيشونها من صراع الأجنحة والتنافس على السلطة، أو المتعلقة بالأوضاع المعيشية المتدهورة في مناطق سيطرتهم في ظل نهب المرتبات والإيرادات العامة وسياسة التنكيل والاضطهاد التي تنذر بثورة قادمة ضدهم.

تساؤل وجهه البرلماني البارز في صنعاء أحمد سيف حاشد، حول سبب زعيق من سماهم النهّابين واللصوص تجاه الموظفين البسطاء المطالبين بمرتباتهم المنقطعة منذ سنوات، مستغرباً كيف يتم التعامل مع كل من يطالب بمرتبه وكيف يتم إطلاق التهم عليه من الخيانة والعمالة والتآمر والنفاق وغيرها من الأوصاف.

وقال في تغريدة على حسابه في موقع "إكس": لما تحدث الموظفون عن مرتباتهم المنقطعة منذ عشر سنوات، أصبحت المطالبة بالمرتبات عنواناً عندها للعمالة والتآمر والنفاق". وأضاف: "لماذا عندما نتحدث عن المرتبات، النهابون واللصوص والفاسدون يزعقون هم وذبابهم؟!". وقال: "المطالبة بالمرتبات عند هؤلاء "وكأنك تكويهم بالنار".

ويؤكد الناشط السياسي في المكلا، محمد سعيد، أن التهديدات ما هي إلا ظاهرة صوتية ودائماً ما يلجأ إليها الحوثيون للخروج من أزماتهم وتضييق الخناق عليهم كما هو حادث اليوم مع القرارات التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي بإيقاف البنوك ونقل مراكز المقار للمنظمات ومكاتب النقل وغيرها من صنعاء إلى العاصمة عدن.

وأضاف إن الحكومة استخدمت الطرق المشروعة لإنهاء الانقسام المالي والمصرفي واستعادة السيطرة على الجانب الاقتصادي والمالي وهو ما يخشاه الحوثي وجماعته الذين أصبحوا بفعل هذه القرارات في معزل عن العالم. وهذا الأمر جعلهم لا يملكون غير التهديد بالحرب وأنهم سوف يصعدون عسكرياً وضرب المطارات والموانئ هنا وهناك.

وقال الناشط الحضرمي: هذه المليشيا حقيقة لا تستطيع أن تعيش إلا في ظروف الحرب، وما جولة المحادثات في مسقط واتفاق "طيران اليمنية" إلا دليل على التعنت الحوثي وحقيقة على نواياهم في العودة للحرب.



المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: الملیشیا الحوثیة هذه الملیشیا

إقرأ أيضاً:

توكل كرمان: النساء صانعات السلام والديمقراطية شرط للأمن العالمي

 

أكدت الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، في مؤتمر "المرأة والسلام والأمن" بأرمينيا، أن السلام يبدأ بتمكين النساء وتعزيز الديمقراطية وترسيخ العدالة.

 

وقالت كرمان في كلمتها خلال الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين لأجندة المرأة والسلام والأمن وإطلاق خطة العمل الوطنية الثالثة لأرمينيا: "يشرفني الانضمام إليكم في يريفان للاحتفال بحدثٍ تاريخيٍّ بارز. مرّت خمسة وعشرون عامًا منذ أن أكّد العالم بالإجماع حقيقةً لطالما أدركتها النساء وعايشتها: أن السلام لا يمكن تحقيقه ولا استدامة له من دون الإدماج الكامل للمرأة".

 

وأضافت أن قرار مجلس الأمن رقم 1325 لم يكن مجرد اعتماد وثيقة أممية، بل كان إعلانًا لضمير عالمي جديد يعترف بالنساء ليس كضحايا للصراع، بل كقائدات ووسيطات وحاميات ومفاوضات وصانعات للسلام.

 

وأوضحت كرمان أن العالم يجتمع اليوم في وقت تتناسل فيه الحروب، وتتوسع فيه الأنظمة الاستبدادية، وتواجه حقوق الإنسان اعتداءات غير مسبوقة، مع صراعات محتدمة في غزة وأوكرانيا والسودان وميانمار واليمن ولبنان. وقالت: "ملايين النساء والأطفال يدفعون الثمن الباهظ لفشل النظام الدولي، فيما تتنامى النزعات القومية والتطرف، ويتوسع القمع الرقمي، ويُستخدم الكراهية كسلاح".

 

وأكدت أن أجندة السلام العالمية تواجه تهديدًا ليس بسبب قصورها، بل نتيجة غياب الالتزام الدولي بها، مشددة على ضرورة تجديدها وتوسيع نطاقها وحمايتها. وأشارت إلى أن رحلة أرمينيا في هذا المضمار هي رحلة بقاء وعزيمة وتطلع ديمقراطي، وأن خطة العمل الوطنية الثالثة ليست مجرد وثيقة سياسية، بل التزام ببناء أرمينيا أكثر أمانًا وشمولًا وديمقراطية.

 

وقالت كرمان إن الخطة تقر بثلاث حقائق أساسية: أن المرأة عنصر لا غنى عنه للأمن الوطني، وأن الديمقراطية والسلام لا ينفصلان، وأن السلام يتطلب العدالة والمساواة، مؤكدة أن بدون الحقوق والمساءلة والإشراك يصبح السلام مجرد وقف إطلاق نار هش. وأضافت أن أرمينيا ترسل رسالة للعالم بأنها اختارت طريق القيادة المسؤولة والتعاون الإقليمي، حتى بعد سنوات من عدم الاستقرار والصراع.

 

وأشارت إلى تجارب النساء حول العالم، قائلة: "في جميع أنحاء العالم، كانت النساء القوة المعنوية التي واجهت الحرب والتطرف والاستبداد: في ليبيريا، قادت النساء حركة تاريخية سلمية أنهت 14 عامًا من الحرب الأهلية. في كولومبيا، صاغت النساء اتفاقية السلام مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) من خلال ترسيخ العدالة والتعويضات وحقوق الناجين. في اليمن، قادت النساء لجان الحوار الوطني ووضعن خارطة الطريق الشاملة الوحيدة للانتقال الديمقراطي قبل أن تأتي عليها الحرب. في جميع أنحاء أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا وأوروبا، تواصل النساء مساعي حماية المجتمعات والمطالبة بالمساءلة".

 

وأضافت: "تُذكرنا هذه التجارب بحقيقة بسيطة: عندما تقود النساء، يدوم السلام. عندما تمتلك النساء السلطة، تتعافى الأمم. ونحن نحيي هذه الذكرى، يجب أن نسأل: أي عالم نريد بناءه للجيل القادم من النساء والفتيات؟ نحن بحاجة إلى أجندة متجددة للمرأة والسلام والأمن، تطالب بما يلي: المساءلة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. الحماية من الرقابة الرقمية، والعنف الإلكتروني، والحرب السيبرانية. التمكين الاقتصادي، والمساواة في الوصول إلى الموارد. قيادة المرأة على جميع مستويات مفاوضات السلام والحوكمة. إنهاء سباق التسلح، وتحويل الأولويات العالمية من العسكرة إلى التنمية. إيجاد حلول لأزمة المناخ، التي أصبحت الآن محركًا للصراع والنزوح. هذه ليست مثالية، بل ضرورة".

 

وقالت كرمان: "تقف أرمينيا اليوم عند مفترق طرق بين جراح الماضي وإمكانيات المستقبل. خطة العمل الوطنية الثالثة الخاصة بكم هي فرصة - ليس فقط لحماية النساء، بل لإطلاق العنان لطاقاتهن الكامنة كركائز للديمقراطية، وحارسات للاستقرار، وصانعات للسلام".

 

واختتمت كلمتها قائلة: "السلام ليس مجرد غياب الحرب؛ السلام هو العدالة؛ السلام هو المساواة؛ السلام هو الكرامة الإنسانية؛ السلام هو الشجاعة في مجابهة الظلم. السلام هو أن يعلو صوت على نحو لا يُقهر ولا يقبل المساومة. ونحن نحتفي بمرور ٢٥ عامًا على أجندة المرأة والسلام والأمن، فلنلتزم بالـ 25 عاماً القادمة بلا مواربة وبشجاعة وأمل. شعبنا يستحق السلام؛ ونساؤنا يستحقن القيادة؛ وعالمنا يستحق ما هو أفضل من الحرب".

مقالات مشابهة

  • توكل كرمان: النساء صانعات السلام والديمقراطية شرط للأمن العالمي
  • اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى
  • وزير العدل: الحكومة السودانية تعاملت بانفتاح مع كل مبادرات السلام
  • ترامب يتراجع عن ترشيح بلير لـ”مجلس السلام” تحت ضغط عربي وإسلامي
  • فشل خطة السلام الأمريكية فى أوكرانيا
  • لماذا يظل السلام في أوكرانيا أملا بعيد المنال؟
  • مسؤول كوردي يكشف أسباب فشل الاتفاقات بين أربيل وبغداد
  • ترامب: زيلينسكي ليس مستعدا للتوقيع على مقترح السلام لإنهاء الحرب مع روسيا
  • تحشيد عسكري بين الحكومة والحوثيين.. هل تدق طبول الحرب مجددا باليمن؟
  • تقرير حقوقي يوثق 1654 انتهاكاً ارتكبتها كتائب "الزينبيات" الحوثية