بقلم عمر العمر
الردة من مشارف الأمل إلى فخاخ الفشل عثرة ليست طارئة في مسيرتنا الوطنية. لكن عند المنحنى الراهن لم ننزلق فقط إلى درك التبعثر الوطني بل أفدح من ذلك نعايش عجزاً فاضحا ازاء الحد الادنى من القدرة على النهوض . كأنما باغتتنا الحرب القذرة ،رغم استدراجنا إليها بدم بارد وإيقاع رطب منذ فجر الثورة ثم الانحدارفي الهاوية ليلة الانقلاب على مشروع التحول الديمقراطي .
*****
المنعطفات الحرجة ظاهرة سياسية تورطت فيها شعوب عديدة عبر التاريخ.لكن فقدان الشعب الأمل في القدرة على النهوض أو على الأقل العثور على بوصلة الخروج حالة استثنائية تضع الوطن والشعب عند قاع اليأس و القنوط. حينما يصبح الوطن في مهب الخطر فلا متسع للتباطوء. التصدي لهذا الاستحقاق النبيل ليس واجبا تتحمله نخب المعارضة بل هو فريضة على كاهل نخبة النظام الحاكم.النقد الذاتي فضيلة لا تألفها نخبنا السياسية.فرغم اناشيدنا البهية لم نستكمل طقس الثورة القائل بان السلطة مثل الحرية تُنْتزع انتزاعا. بسبب الغفلة ظلت علاقات الانتاج السياسي عقب نجاح الثورة بيئة خصبة لاستنبات نظام اكثر استبداداً. لأننا لانقرأ التاريخ نعيد استنساخ فشلنا.فكما ارتد الشعب من التقدم لجهة الاماني الوطنية عقب منحنيات مشرقة لعل آخرها اتفاق نيفاشا ،انتكسنا بعد ثورة ديسمبر من انشطار الوطن إلى التجزئه.
*****
لأننا لانقرأ التاريخ نرتضي عند عتبات كل منعرج تنصيب قيادات لا تملك مهارات إدارة مهام المرحلة وعتاد عبورها. فأقصى مؤهلاتهم تتجلى في إعادة تدوير ركام أزماتنا .هم لايصبحون فقط عبءً على المرحلة بل مصدر تهديد على المسيرة الوطنية.في كل مرة تفوح روائح الخيانة من رأس السلطة ثم يتسرب التواطؤ في كل جنبات الهرم. تضييقُ مساحات الحوار، تغييبُ النقد، خنقُ حريات التنظيم والتعبير تشكل بدايات الانهيار.هذه البيئة تعين العناصر الانتهازية على تسلق السلطة من الداخل.هكذا تزداد حمولة التواطوء فتنداح طبقة الاستبداد ،الفساد والتفحُش . في مثل هذه الأجواء تتسع أخاديد الازمات الاقتصادية و السياسية فيتكاثف الانسداد مما يجعل الإنفجارأو الانهيار خياراً حتمياً.
*****
بكل أسف سبق في تجربتنا الخيارالثاني الأول!الشعب ظل كما كان على سطح ساخن داخل عتمة مطبقة مكدسة بالاحباط. مع ذلك الماضي -ياللفاجعة-أفضل الراهن. رياح الفوضى تجتاح الوطن بأسره. الشعب أسراب من النازحين واللاجئين زادهم زكائب من حنين مبهم لأمكنة مجهورة. فالمدائن أطلال خاوية إلا من قبور حفرت على وجل وأشلاء جثث منخورة ومساكن محروقة. المحنة الماحقة تسنزف طاقات أجيال مبعثرة عاجزة كما تبدد أحلام أجيال متناثرة. لا تصمد أي محاججة بأن ماحدث منذ فجر الثورة يحمل أياً من قسمات -ولو قليلاً من - ملامح التحول الديمقراطي!تلك فرية كبرى صدقتها الغالبية عجزا أو غباءً.
*****
مع ذلك لم تفق النخب السياسية من غفلتها.إذ لا تزال تتوغل في التشرذم.لا تزال عاجزة عن العمل بروح الفريق.لاتزال تراهن على جنرالات يقودون انجاز وهم التحول الديمقراطي المزعوم ! لا نزال تترقب عونا من وراء الحدود يعينها على استرداد سلطتها المضاعة. حتما تحتاج النخب المعارضة إلى النقد حاجتها إلى الإنجاز. فمن اليسير الاتفاق على ان أداء معسكر المعارضة إبان وجوده في السلطة ليس على قدر طموحات جماهير الثورة. لكن تلك ليست معضلة المعارضة. فرغم أعراض وهنها ظلت المعارضة عبررتاريخها المعاصر تتعرض إلى مطارق النقد أكثر بكثير مما تناله الأنظمة الحاكمة الغارقة في مستنقع العجز،الفساد والاستبداد.
*****
فالمعارضة ليست معرضة فقط للمطاردة والتجريف والتجريد، بل موسومة بالعمالة والخيانة .بما أن المعارضة ظلت تحترف النقد أكثر من صوغ مشروعات البناء فكثير ما ارتفعت أصوات ناقدة تجلدها من داخل وسطها. هذه الأصوات لا تستهدف التقويم بل تصب لصالح حملات التيئيس وصولا إلى التفكيك. فالأصوات الجالدة مثل حملات التكريه لاتطرح قراءات عميقة في حال او مستقبل العمل السياسي بل تجتر مظاهر سطحية.فقدظلت السن الطاعن لشيوخ القوى السياسي عاهة للتنفير كأنما كل تلك القيادات مصابة بغيبوبة العقل أو شلل في التفكير. لا أحد يتحدث عن شرعية تتابع الأجيال او المساكنة التاريخية.
*****
عندما قدمت ثورة ديسمبر (سنابلها) في واجهة السلطة تعرضت هي الأخرى لرياح الاستهداف المدمرة نفسها. هذه المرة أصبحت طراوة الشباب مكمن الخطر على الدولة والوطن.الآن أصبحت الحكمة رهينةبالتقدم في العمر. فأكثر حملات النقد على قيادات المرحلة الإنتقالية تركز على تدني أو انعدام الخبرةالمكتسبة عبر الأيام . القدرة على الابداع لا ترد بخاطر ناقم ناقد.لابد من الاعتراف باغتراف قيادات شابة أخطاء على عتبات المرحلة الانتقالية. ربماجاء بعضها صادما.لكن العمل السياسي انتاج تراكمي فيه الخطأ والصواب. كما أن تقويم الأخطاء يعتمد على النقد العقلاني الأخلاقي ليس على التجريح والتيئيس.معسكر المعارضة يفتقد فصيلا مبادرا اوقياديا كرازماتيا يتصدى لمهمة تجميع قواهاوطاقاتها على مشروع وطني مرحلي.
*****
بالطبع الصراع على السلطة ليس كله عملا منزها خالصا من الآثام والخطايا. لكن الانتصار في الحلبة السياسية لا يعتمد فقط على الجهد الذاتي بل في الوقت نفسه وعلى نحو مواز على أخطاء الطرف المنافس.كما أن النصر لايتحقق بكسب جولة واحدة بل بحسم النتيجةالنهائية في الصراع.نخبنا السياسية تريدنا دوما وهي في السلطة أن نتناسى أن الإنتماء للوطن ليس معناه الولاء للنظام! هذا الخلط الضار المتعمد أبرز خطايانا الوطنية.
aloomar@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
باحث يهودي روسي: الموساد ينشط في كردستان العراق ويتسلل إلى إيران عبر المعارضة
أكد المؤرخ والباحث في الشؤون الإسرائيلية، أرتيوم كربيتشونك، أن جهاز "الموساد" الإسرائيلي ينشط في كردستان العراق عبر شبكة من الجواسيس الذين يتسللون إلى داخل إيران، ويستغلون معارضي النظام الإيراني لتنفيذ مخططات استخباراتية لصالح تل أبيب.
وفي حديثه لبرنامج "قصارى القول" على قناة "روسيا اليوم"، أشار كربيتشونك إلى أن الهجوم الذي وقع في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 شكّل نقطة تحول نفسية كبرى داخل الاحتلال الإسرائيلي، حيث عمّ الذعر الأوساط الشمالية والجنوبية من البلاد، ما أدى إلى نزوح قرابة 300 ألف مستوطن نحو الوسط، وهي سابقة تاريخية غير مسبوقة، رافقها نزوح آلاف الإسرائيليين إلى خارج البلاد، رغم تعتيم تل أبيب الإعلامي على هذا الواقع.
وأوضح الباحث أن التقديرات تشير إلى مغادرة نحو 300 إلى 350 ألف شخص الأراضي المحتلة خلال السنوات الأخيرة، وهو رقم ضخم قياساً بعدد السكان البالغ 10 ملايين نسمة. وأضاف أن غالبية المغادرين من أصحاب الكفاءات في مجالات التقنية العالية، مشيراً إلى أن العديد من هؤلاء نقلوا معهم شركاتهم إلى الخارج، مما يمثل استنزافاً للعقول والاستثمارات.
وتابع كربيتشونك: "رغم أن صواريخ غزة خفيفة التكتيك ولم تُسفر غالباً عن أضرار جسيمة، فإن الصواريخ الباليستية الإيرانية اليوم تحمل رؤوساً متفجرة أكبر، وقد تسببت في دمار واسع داخل شوارع المدن الإسرائيلية، إمّا بشكل مباشر أو بفعل موجات الانفجار، ما ترك أثراً بالغاً على معنويات السكان".
وكشف المؤرخ، الذي عاد إلى روسيا بعدما رفض السياسات الصهيونية، أن الحكومة الإسرائيلية تبذل جهوداً حثيثة لإعادة مواطنيها العالقين في الخارج، بينما أعلنت وزيرة النقل ميري ريغيف عن توجه حكومي للحد من مغادرة الإسرائيليين، في ظل استمرار إغلاق مطار بن غوريون، وحصر إمكانيات الخروج بطرق برية عبر الأردن أو سيناء. وأشار إلى أن تكلفة "الهروب" من إسرائيل وصلت إلى 20 ألف دولار للفرد، في ظل تفاقم الأوضاع الأمنية.
كما لفت كربيتشونك إلى تراجع الخطاب الاحتفالي الذي أعقب الضربات الإسرائيلية الأولى على إيران، قائلاً: "في اليوم الأول للهجوم، عجت وسائل التواصل الاجتماعي بصور الأسود في دلالة على النصر، لكن مع بدء الضربات الإيرانية العنيفة على المدن الإسرائيلية، اختفت تلك الحماسة، وساد الذهول، وأصبح كثيرون يبحثون عن سبل للخروج من البلاد".
وبشأن تحقيقات السلطات الروسية مع مواطنين روس يحملون الجنسية الإسرائيلية، أوضح كربيتشونك أن الإجراءات منطقية، لكون العديد من هؤلاء قدموا دعماً مالياً للجيش الأوكراني أو لمنظمات مصنفة إرهابية من قبل موسكو، وبعضهم تطوع للقتال في صفوف قوات كييف.
أما عن التقارير التي تتحدث عن نفاد مخزون القبة الحديدية من الصواريخ الاعتراضية، فقد أكد الباحث أن هذه المعلومات دقيقة، مرجعاً الأمر إلى محدودية الموارد البشرية والمالية للاحتلال الإسرائيلي، ما يجعلها عاجزة عن خوض حرب طويلة الأمد دون دعم مباشر من الولايات المتحدة، التي ستتدخل بقوة إذا خرجت الأوضاع عن السيطرة، على حد تعبيره.