انعكاسات أزمة الشرق الأوسط على الانتخابات الرئاسية الأمريكية
تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT
رغم أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط تحكمها العديد من: الثوابت والمحددات والمصالح، بغض النظر عن كون الإدارة تنتمي للحزب الجمهوري أم الديمقراطي، إلا أن شخصية الرئيس الأمريكي والفريق الرئاسي المعاون له تؤثر بشكل كبير في تلك إنفاذ تلك السياسة، سواء من حيث التدخل أو الانعزال، ومن حيث آلياتها ما بين استخدام الأدوات الخشنة، مثل القوة العسكرية، والعقوبات، وبين الآليات الناعمة، مثل: المساعدات، الاحتواء، الحوار، والدبلوماسية.
ولعل الانتخابات الرئاسية الأمريكية للعام 2024 تشكل أهمية خاصة، تنبع من طبيعة وتوجهات برامج المرشحين الرئاسيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.. فإلي أي حد يمكن أن يؤثر انتخاب كاميلا هاريس أو ترامب في مجريات قضايا الشرق الأوسط، ويأتي في مقدمتها بالطبع الحرب المشتعلة بين إسرائيل وحركات المقاومة المدعومة إيرانيًا، وما هو موقف كل مرشح من استمرار تلك الحرب وقدرته على إنفاذ قراره، وأثر هذا على اختيارات الناخب الأمريكي؟
– ووفقا للمناظرة الأولى التي تمت بين بايدن وترامب، قبل انسحاب الاول , وباعتبار كاميلا هاريس نائبة بايدن الحالية والمرشحة المحتملة للحزب الديمقراطى ستسير على نفس سياسات بايدن , خاصة ما يتعلق بملف دعم إسرائيل في حربها بالشرق الأوسط؛ فقد زايد كل من المرشحين على بعضهما البعض في دعم إسرائيل، وهما بهذا يهدرا أي قيمة للاحتجاجات التي عبر عنها الشباب الأمريكي في عشرات الجامعات منذ أشهر قريبة مضت، هذا ونظرًا لأن اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة يمتلك قدرات مالية فائقة، وسيطرة تامة على منصات إعلامية مؤثرة في توجيه الرأي العام، فإنه بالطبع سيوظفها لمن يجد أن مصلحة إسرائيل معه.
لذا ووفقا لمعطيات الموقف الراهن فإنهم سيدعمون ترامب بلا أدنى شك، خاصة بعدما هاجم الأخير بايدن في المناظرة قائلا “أنت فلسطيني” ورغم أن هذا القول يحمل تمييزًا عنصريًا إلا أن ترامب بهذا زايد على خصمه معتبرًا أن الفلسطيني شخص من درجة أدنى.. وهو مؤشر على أن الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة لن يتحقق في عهده، وإن لم يقل بهذا صراحة.
– هذا ووفقا لرؤيتنا التحليلية لمواقف الإدارة الأمريكية من الحرب الإسرائيلية في مواجهة عناصر المقاومة بعد هجوم “طوفان الأقصى” فقد بدت الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن ضعيفة لدرجة الوهن تجاه الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو، ولعل هذا الانبطاح الذي بدت به إدارة البيت الأبيض، يمثل أهم النقاط التي وصمت بايدن بالشخص الخاضع.. فالصورة الذهنية للرئيس الأمريكي الذي يهان من قبل نتنياهو ووزرائه جعلت الشباب الأمريكي ينتفض للاحتجاج ضد رئيسه وإدارته، فالإدارة تستعطف نتنياهو ليقتل المدنيين ولكن دون إفراط.. ونتنياهو يتعامل “كمبيد بشري” يرتكب جرائم الإبادة الجماعية في أبشع صورها.. وسيذكر في التاريخ كواحد من أبرز وأعتى مجرمي الحرب في التاريخ الإنساني الحديث، ويتم هذا بدعم أمريكي لا محدود.. فوجد طلاب الجامعة وبعض من أعضاء هيئات التدريس أنهم يعانون من انفصام بين دراستهم الجامعية وما يتعلق منها بحقوق الإنسان هو مجرد واقع نظري، يطبق وفق معايير مزدوجة من قبل الإدارة الأمريكية.
– ولنطرح تساؤلاً يتعلق بالأهمية الاستراتيجية الحالية لإسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وبتعبير آخر: هل إسرائيل مازالت هي أداة الغرب في السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، أم أنها أصبحت عبئا على الولايات المتحدة الأمريكية ؟
لعل ما نراه واقعًا؛ أن إسرائيل تسعى لتحقيق ما تراه يحقق مصالحها، حتى لو كان متعارضًا مع مصالح الولايات المتحدة العليا أو أمنها القومي، فنتنياهو من زمن يسعى لتوريط الولايات المتحدة في حرب ضد إيران وأذرعها في الشرق الأوسط، وهو ما يجعل الأخيرة تستنزف بقوة في هذه الحرب، وفي وقت بالغ الحساسية.. لذا كان ترامب محقًا عندما صرح بأنه سيوقف حرب أوكرانيا من ناحية، وسينهي أيضًا الحرب في الشرق الأوسط. ونؤكد في هذا الصدد بأن؛ الولايات المتحدة تستطيع ترويض إسرائيل في أي وقت، ولكنها لا تفعل، بل ويستجيب بايدن كثيرًا للابتزاز الإسرائيلي.. ولعل هذا نوع من الاستيطان الإسرائيلي على الأراضي الأمريكية، والاستيطان هنا بمعنى “السيطرة على مراكز صنع القرار الأمريكي” وربما يأتي يوم تكون أمريكا كلها تحت سيطرة اللوبي اليهودي.
– ونشير في هذا السياق لنموذج آخر صارخ لإهانة نتنياهو للإدارة الأمريكية؛ فعقب تسرب أنباء عن عقوبات ضد عناصر كتيبة “نتساح يهودا” التي ارتكبت فظائع في حق المدنيين الفلسطينيين، وقتلت فلسطيني يحمل الجنسية الأمريكية بدم بارد.. لذا فقد تسربت أخبار إعلامية عن اعتزام وزارة الخارجية الأمريكية توقيع عقوبات على الكتيبة المشار إليها، وهنا صرح نتنياهو في الإعلام بقوله: “سنحارب كل من يعتقد أن بإمكانه فرض عقوبات على الجيش الإسرائيلي.. وأن هذه العقوبات سخيفة، وتمثل نوعًا من الانحطاط الأخلاقي“.
كما صرح أيضًا بن غفير وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي بأن: “مشروع القرار الأمريكي يعد تجاوزا للخطوط الحمراء“، وزايد عليهما سموتريتش وزير المالية بقوله: “أن في هذا الأمر جنون من الإدارة الأمريكية”. وعقب هذه التصريحات تراجعت الإدارة الأمريكية عن توقيع العقوبات المشار إليها !!! وفي ضوء هذه الإساءات العلنية غير المسبوقة من قبل قيادات الحكومة الإسرائيلية للمسئولين في الإدارة الأمريكية، فإننا لا نتعجب بعدها من قيام طلاب أهم الجامعات الأمريكية وجانبًا من أعضاء هيئات التدريس بالاحتجاج تارة والاعتصام تارة أخرى اعتراضًا على الإبادة الجماعية من ناحية، وعلى وقاحة المسئولين الإسرائيليين وإهدارهم للكرامة الأمريكية من ناحية أخرى، خاصة وأن هذه التصريحات جاءت في اليوم التالي مباشرة من موافقة الكونجرس الأمريكي على اعتماد سبعة عشر مليارًا من الدولارات الأمريكية كمساعدات عسكرية لإسرائيل !!! ولنتساءل: هل كان لنتنياهو ووزرائه المتطرفين الجرأة على القيام بهذا التصريحات وترامب رئيسًا ؟؟؟
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: السياسة الخارجية الأمريكية الشرق الأوسط الديمقراطي الرئيس الأمريكى الإدارة الأمریکیة الولایات المتحدة الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
واشنطن تقود الإرهاب في الشرق
محمد بن سالم التوبي
الرئيس الأمريكي أو الرئيس رقم واحد في العالم وهي الحقيقة التي لا مناص من الاعتراف، بها لأنه الواقع المُرّ الذي يعيشه العالم وتعيشه البشرية سواءً، كان ترامب أو سابقوه ممّن جعلوا سيوفهم في رقاب الملايين من البشر الذين سفكت دمائهم منذ الحرب العالمية الأولى إلى يومنا هذا. وما زالت الآلة الأمريكية تفتك بالبشرية شرقًا وغربًا، ولنا في اليابان عبرةً وعظه؛ فقد قُتِل من جرّاء القنابل الذريّة ما يزيد عن (٣٠٠) ألف شخص إمّا بالموت المُباشر أو من خلال الأمراض الفتّاكة التي سبّبتها الإشعاعات
إن المُتتبّع للحروب الأمريكية منذ حرب الاستقلال إلى يومنا هذا يجد أنّها حروب عبثية مُقيته لم يكن الإنسان فيها ذا قيمة؛ سواء كان الإنسان جُندي أمريكي أم شعوب يُمَارَسْ ضِدَّها الاستعمار أو القتل من أجل القتل والتصفية. لقد خاضت الولايات المتحدة الأمريكية حروبها في الشرق والغرب من غير أسباب مُقنعة، وحتى حربهم على السُّكّان الأصليين من الهنود الحُمر الذين ما زالوا يعانون من التمييز في القرن الواحد والعشرين هي حرب تطهير عرقي .
لقد قتل الجيش الأمريكي من جنوده ما يزيد عن المليون جندي في حروب عبثية لا يمكن وصفها بالحروب التي تنادي بها أمريكا من أجل حُرّية الشعوب، أو من أجل الديموقراطية أو مكافحة الإرهاب؛ بل جُلّها حروب تتمحور حول الإمبريالية والسلطة والتوسع والنفوذ؛ فالعقيدة الأمريكية من أجل النفوذ يجب أن تشعل حروبا هنا وهناك حتى يتأتّى لها أن تمسك بقيادة العالم ليأتوا إليها صاغرين تتسابق إليهم الرقاب حتى إذا ما وجدت الفرصة للتخلص منها أقاموا عليها الحدّ وأتوا بقيادة جديدة تكون خاضعة منقادة مسلوبة الحرية والكرامة .
لقد عانى العالم من الحروب الأمريكية سواء في أمريكا اللاتينية أم في الشرق القريب أو البعيد كما هي الحرب في كوريا (١٩٥٠–١٩٥٧) التي أودت بحياة ما يزيد عن ٣٦ ألفًا من الجنود الأمريكان، وما يزيد عن مليوني إنسان من الكوريتين ومن الصينيين الذين دخلوا الحرب عندما وجدوا الأمريكان على حدودهم وهذه الحرب جرّت لاحقًا إلى الحرب في فيتنام (١٩٥٠-١٩٧٥) التي راح ضحيتها ما يقارب ٦٠ ألفًا من الجنود الأمريكان وأكثر من مليونين من الأبرياء الفيتناميين إلى أن تحررت وخسرت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب وعادت منكسة الرأس، وما هو الداعي لهذه الحرب التي شنّتها واشنطن من أجل دحر الشيوعية وكانت النتيجة أن توحّد المعسكر الشمالي والجنوبي تحت حكم شيوعي .
الحرب في العراق كلّفت العراق أمنه واستقراره وتفكيكه؛ فبعد أن كان بلدًا ينعم بالاستقرار والوحدة تحوّل إلى وطن تحكمه الطائفية والقبلية والمذهبية التي مزّقته شر ممزق وكلّفت اقتصاده رقمًا فلكيًا لا يمكن أن يحصره مركز بحثي ولا حجم الدمار الذي تعاني منه العراق في الوقت الحالي أو مستقبلاً. لقد شردت الحرب ملايين من أبناء العراق وقتلت الجيوش ما يزيد عن مائتي ألف مدني وتسببت الحرب في فشل منظومة الخدمات وزيادة مستوى الفساد وانهيار البنى التحتية لكل العراق. كما أن ما زاد وعمّق المشاكل الاقتصادية هو ظهور ميليشيات مسلّحة وتفشّي الطائفية وانقسام المجتمع إلى سنّي وشيعي.
حصيلة الحرب في أفغانستان ونتائجها على مدى عشرون عامًا كانت وخيمة على الشعب الأفغاني؛ حيث قتل ما يزيد عن ٤٧ ألف مدني و٦٦ ألف قتيل من الجيش الأفغاني وما يقارب من ٦٥ ألف من حركة طالبان، والملايين من البشر الذين نزحوا داخل أفغانستان وخارجها، وفي نهاية المطاف حكم طالبان افغانستان وخرج الأمريكان من الحرب بخسائر تقدر بما يزيد من ٢ ترليون دولار ضاعفت من حجم الديون في الخزانة الأمريكية التي تعاني من أثر هذه الديون، وقد صُنّفت تلك الحرب كأطول الحروب على البشرية وقد استنزفت الكثير من الموارد المالية؛ مما أدّى إلى فقدان الثقة في قيادة الولايات المتحدة الأمريكية للتحالفات في الحروب
إن التدخلات التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية في ليبيا وسوريا والسودان واليمن ومؤخرًا ضرباتها الأخيرة لإيران على إثر رد إيران المستحق على ما قامت به إسرائيل من هجوم مباغت عليها، وكذلك قيام واشنطن بوقوفها مع إسرائيل في حرب الإبادة في غزة ومدّها بالسّلاح والجنود والتكنولوجيا المتقدمة؛ كل ذلك يثبت جليًا إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على جعل الشرق الأوسط منطقة غير مستقرة من أجل هيمنتها وحماية إسرائيل الدولة اللقيطة التي صنعها الغرب على حساب الفلسطينيين.