اغتيال هنية اختراق إسرائيلي لإيران وعجز طهران حماية ضيوف المرشد والرئيس
تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT
سرايا - رصد خاص - يوسف الطورة - شكلت حادثة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، ضربة موجعة للجمهورية الإسلامية، وتطورا مزعجا، خصيصا وأنها تتزامن في وقت يتوجب فرض إجراءات أمنية تضمن حفل تنصيب رئاسي.
الحركة الفلسطينية التي حملت سلطات الاحتلال مسؤوليتها لاغتيال رئيسها، لم تترك مجالا للشك مدى الاختراق الإسرائيلي لطهران، وهو ما يجمع عليه محللون، في سياق رصد سلسلة أحداث لطالما شكلت حرجا للجمهورية الإسلامية التي تقدم نفسها بمثابة قوة إقليمية عظمى في المنطقة.
هنية القادم من مقر إقامته الدائمة "الدوحة"، حرص الحضور قبل يوم من مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، اغتيل في الساعات الأولى فجر الأربعاء، في مقر زيارة مؤقتة شمال طهران، بحسب الحرس الثوري الإيراني.
في الغالب ترفض إسرائيل التي تحرص ترك الباب على مصراعية لكثير من التأويل والتكهنات، حيث لا تؤكد أو تنفي الأنباء التي تعقب عملياتها السرية في الخارج عادة، التعليق عليها صراحة.
الثابت لم تتضح بعد التفاصيل بشأن الكيفية التي اغتيل فيها هنية، في حين اكتفت وكالة "فارس" أنه "استشهد بمقذوف جوي"، ما أثار تكهنات بأن الضربة كانت صاروخية أو بواسطة مسيرة.
يرى محللون في الضربة إخفاقاً استخباراتياً كبيراً لأجهزة الجمهورية الإسلامية، وتطورا مزعجا للغاية بالنسبة للقيادة الإيرانية، لا سيما أنها نفذت في وقت يفترض أن الإجراءات الأمنية على أعلى مستوياتها، خصيصا وأنها تزامن مع تدفق الضيوف لحضور احتفال تنصيب رئاسي.
قبل ساعات على حادثة الاغتيال، اجتمع هنية شخصيا بالمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، وفقا الإعلام الإيراني الرسمي.
مجددا الثابت أن "عدم تمكن طهران منع عملية الاغتيال أمر محرج جدا لإيران، ويضعها في دائرة الاتهامات أو حتى الاخفاقات المتكررة على أقل تقدير، ويهز صورتها التي تحرص أن تقدمها منافساً اقليمياً في المنطقة.
واقعة اغتيال رئيس الحركة الفلسطينية، لا تتجاوز الحلقة الأحدث ضمن سلسلة هجمات يسود اعتقاد لدرجة اليقين أن إسرائيل نفذتها في الداخل الإيراني، والشواهد هنا كثيرة، المؤكد فيها لن تكون الأخيرة.
لطالما ساد اعتقاد أن سلطات الاحتلال نفذت عمليات من خلال ابرز اذراعها العسكرية "الموساد" داخل إيران التي ترفض الاعتراف بإسرائيل، ما يثير تساؤلات بشأن كيفية التمكن من الحصول على معلومات استخباراتية مفصلة إلى هذا الحد من الدقة.
هنية بخلاف القيادة العسكرية لحركة لحماس، يظهر علانية إلى حد كبير في زيارات رسمية على" ندرتها"، وآخرها لقاء جمعه مع رجب طيب أردوغان في تركيا، نيسان الماضي.
تظهر عملية الاغتيال، أن المنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية متطورة إلى حد حصولها على جميع المعلومات، وهو ما يطلق يدها لتنفيذ عمليات مماثلة، "متى أرادت ورغبت".
ولعل الذاكرة تعود للعام 2000، وتحديدا لحادثة اغتيال العالم النووي "محسن فخري زاده"، نفذها عملاء جهاز استخبارات إسرائيلي، المثير فيه تجميع رشاش بمقربة من منزله قبل مغادرة الفريق دون افتضاح أمرهم، وصفت حينها الحادثة الأشهر في الداخل الإيراني.
ولعل حادثة مقتل الرجل الثاني في "تنظيم القاعدة"عبد الله أحمد عبد الله المعروف 'أبو محمد المصري" في طهران، لا تقل أهمية ضمن عمليات اغتيال خارجية، في هجوم نفذه عملاء إسرائيليون بإيعاز من الولايات المتحدة.
يلفت بدأ التوتر الحالي بعد سلسلة هجمات نفذتها إسرائيل طالت عدد من قادتها في سوريا، إلى جانب استهداف مبنى سفارتها في العاصمة السورية دمشق، وعناصرها من الحرس الثوري في عدد من القواعد والمنشآت العسكرية في الداخل السوري.
إسرائيل في أول هجوم إيراني مباشر على أراضيها، نيسان الماضي، قصفت نظام الرادار التابع لمنظومة صواريخ "إس-300" الدفاعية التي حصلت عليها طهران مؤخرا من روسيا.
لم تتضح تفاصيل الضربة، لكنها شملت صاروخا واحدا على الأقل أُطلق من خارج إيران ومسيرات هجومية صغيرة تعرف بـ"كوادكوبتر" أي مروحية رباعية، رجحت تقديرات أنها أُطلقت من داخل إيران وهدفت لإرباك الدفاعات الجوية.
اللافت إقرار منصات إعلامية، من ضمنها قناة "إيران إنترناشونال" التلفزيونية، أن عملاء إسرائيليين احتجزوا عناصر من الحرس الثوري وحققوا معهم داخل الأراضي الإيرانية للحصول على معلومات استخباراتية.
مؤخرا سرت شبهات بعد انفجارات غامضة وقعت في محيط مواقع حساسة بأن إسرائيل نفذت هجمات بمسيرات داخل إيران، لكن الامر لم يتم تأكيده رسميا.
اغتيال هنية، بعد يوم واحد من قصف إسرائيل معقل حزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية الثلاثاء، مستهدفة القيادي العسكري "فؤاد شكر"، بزعم اتهامات الوقوف وراء الضربة الصاروخية التي أودت بـ 12 طفلا وفتاة في بلدة مجدل شمس الدرزية في الجولان السوري المحتل.
المؤكد في عملية استهداف رئيس حركة حماس الفلسطينية "إسماعيل هنية"، عجز إيران على حماية وتأمين ضيوف المرشد الأعلى والرئيس، وأن طبيعة الهجوم تظهر أن إسرائيل على دراية واطلاع بادق التفاصيل لمعلومات دقيقة للغاية عن مكان هنية وتحركاته.
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
إقرأ أيضاً:
وهم ضعف إيران.. هل يقود التصعيد إلى حرب إقليمية؟
ناقش تقرير في مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، التصورات الغربية عن ضعف إيران ويشكك في فعاليتها، موضحًا أن سياسة "التفاوض أو القصف" تعتمد على وهم هشاشة إيران التي لا تزال تملك نفوذًا معتبرًا رغم ما تكبدته من خسائر إقليمية فضلا عن تطوريها قدرات ردع متقدمة تشمل الصواريخ والطائرات المسيّرة.
وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن الدبلوماسية الجارية بين إيران والولايات المتحدة تُبشّر بأملٍ حذرٍ في كسر الجمود بشأن البرنامج النووي الإيراني. ولكن رفض إيران التخلي عن تخصيب اليورانيوم ونقل مخزونها إلى الخارج قد يؤدي إلى انهيار المحادثات. وقد تلجأ الولايات المتحدة أو إسرائيل إلى شنّ غارات جوية على البنية التحتية النووية الإيرانية.
وذكرت المجلة أن سياسة "التفاوض أو القصف" ترتكز على اعتقاد بأن إيران ضعيفةٌ حاليًا، وبالتالي يُمكن إجبارها على قبول مطالب مُبالغ فيها. تُصوَّر إيران عادةً على أن دفاعاتها الجوية مُتدهورة، واقتصادها مُنهك، وسياساتها الداخلية هشة. و
قد أدّى اغتيال قاسم سليماني في 2020 إلى تراجع محور المقاومة الإيراني، كما أثار هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ردا عنيفًا ضد حماس في غزة وحزب الله في لبنان، مما عجّل من تراجع نفوذهما، ومثّل سقوط نظام الأسد في سوريا أخطر انتكاسة استراتيجية لإيران منذ عقود.
وأشارت المجلة إلى أن إيران لا تزال قوة لا يمكن تهميشها رغم تراجعها. لقد ضعفت حماس وقُتل العديد من قادتها، لكنها لم تُهزم بل عززت الحركة صفوفها ولا تزال تحتجز رهائن رغم القصف الإسرائيلي المتواصل والعمليات البرية. وتُشير زيارة كبار قادة حماس إلى طهران في فبراير/ شباط إلى استمرار العلاقات بينهما.
أما حزب الله، جوهرة الردع الإيرانية، فقد تلقى ضربات موجعة حيث أسفرت الغارات الإسرائيلية عن مقتل زعيمه وكبار قادته، لكنه لا يزال مسلحًا وله نفوذ سياسي من خلال تحالفه مع حركة أمل، وربما يردّ إذا تعرضت إيران لهجوم. ورغم انسحاب القوات الإيرانية من سوريا، فإن فلول نظام الأسد والأقلية العلوية قد لا تُتيح لإيران القدرة على تسليح حزب الله.
ورغم الانتكاسات التي واجهتها إيران فإن نجاحات إسرائيل الميدانية لم تُترجم إلى انتصارات استراتيجية مستدامة. وفي الوقت نفسه، تتغلغل إيران بعمق في العراق من خلال وحدات الحشد الشعبي، وتحافظ على علاقات وثيقة مع رجال الدين الشيعة والحكومة في بغداد. لكن هذه الشبكات الخاملة قد تهدد المصالح الأميركية إذا تعرضت إيران للهجوم، بحسب المجلة.
وأضافت المجلة أن الحوثيين في اليمن أصبحوا الحليف الأكثر صمودًا لإيران؛ حيث عطّلوا حركة الملاحة في البحر الأحمر، وهاجموا إسرائيل الشهر الماضي، وأفادت التقارير باختراقهم الدفاعات قرب مطار بن غوريون.
وقد فشلت حملة قصف أمريكية حديثة في اقتلاعهم ومن شبه المؤكد أن الحوثيين سيدعمون طهران إذا تعرضت لهجوم. كما حققت إيران أيضًا مكاسب دبلوماسية ملحوظة؛ فقد طبّعت العلاقات مع جميع دول الخليج العربي، وأصبحت جميع تلك الدول اليوم تدعم الحل السلمي للأزمة النووية.
وقد عزّزت طهران علاقاتها مع الصين وروسيا أيضا، ففي 2021، وقّعت اتفاقيةً مدتها 25 سنة مع الصين وصادقت مؤخرًا على اتفاقيةٍ مدتها 20 سنة مع روسيا، وتهدف كلتا الاتفاقيتين إلى توسيع التعاون في مجالاتٍ مثل الدفاع والاقتصاد. وعلى الرغم من أن بكين وموسكو قد لا تدافعان عن إيران مباشرةً في حال نشوب حرب، إلا أنهما قد تدعمان المجهود الحربي الإيراني بطرقٍ أخرى.
كما أوضحت المجلة أن بعض المتشددين الأمريكيين ينادون بتفكيك برنامج التخصيب الإيراني بالكامل، إما سلميًا على غرار ما فعلته ليبيا سنة 2003، أو عبر ضربات عسكرية. لكن على عكس جهود الرئيس الليبي السابق معمر القذافي البدائية، فإن برنامج إيران متقدم حيث أصبحت إيران الآن قوة نووية على عتبة التخصيب. وبالنسبة لطهران، فإن قبول النموذج الليبي سيكون بمثابة الانتحار خوفًا من الموت.
وأشارت إلى أن شن ضربات عسكرية بناءً على فكرة خاطئة عن ضعف إيران هو تكرار للخطأ الذي ارتكبه الديكتاتور العراقي صدام حسين عام 1980، عندما افترض أن إيران بعد الثورة هشة للغاية بحيث لا تستطيع مقاومة أي هجوم، فبدأ عن غير قصد ما أصبح حربًا استمرت قرابة عقد من الزمان. وبالمثل، في 2003، غزت الولايات المتحدة العراق بناءً على معلومات استخباراتية خاطئة، والثقة اليوم في ضعف إيران تعكس تلك الحسابات الخاطئة المكلفة.
وأكدت المجلة أن طهران ستعتبر أي ضربة إسرائيلية عملية أمريكية إسرائيلية مشتركة، معتقدةً أن إسرائيل تفتقر إلى القدرة على التصرف بمفردها، ويمكن أن يتصاعد الهجوم الإسرائيلي بسرعة إلى صراع أوسع؛ بدون تغيير النظام أو غزو بري - وكلاهما مستبعد - فمن المرجح أن تؤدي الضربة إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني، وليس تدميره.
ويمكن أن تؤدي بحسب تقرير المجلة، إلى تداعيات إشعاعية، ووفيات بين المدنيين، وأضرار بيئية، ومن المرجح أن تنسحب طهران من معاهدة حظر الانتشار النووي، وتسرع في صنع القنابل، وتهمش المعتدلين الذين يسعون إلى المشاركة الأمريكية، كما يمكن أن تزعزع خلافة المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، مما يزيد من خطر ظهور خليفة أكثر تشددا.
وغالبا ما يتم التغاضي عن أن عقيدة محور المقاومة ترتكز في جوهرها على حماية الوطن والنظام، مدعومة بترسانة ضخمة من الصواريخ والطائرات المسيرة، ومنصات إطلاق متنقلة، وقواعد محصنة، وقوات مختبرة في المعارك قادرة على خوض حرب تقليدية وغير متماثلة. ورغم أن الضربات الإسرائيلية ألحقت أضرارًا بدفاعات إيران الجوية، إلا أن قدراتها الهجومية لا تزال سليمة إلى حد كبير، مع القدرة على الرد بشكل غير متماثل وإحداث اضطراب في المنطقة.
ولفتت المجلة إلى أن العواقب المترتبة على مثل هذه الضربة قد تشمل ضرب القواعد الأمريكية أو المدن الإسرائيلية أو مواقع الطاقة في الخليج العربي، وقد تعطّل طهران بالتعاون مع الحوثيين مضيقي هرمز وباب المندب في آنٍ واحد، وهذا التهديد وحده كفيلٌ برفع أسعار النفط، وزعزعة الأسواق العالمية، وعرقلة الانتعاش الاقتصادي.
وأوضحت أن استمرار الصدام الأمريكي الإيراني يتعارض مع تعهد ترامب الانتخابي بتجنب المزيد من "الحروب التي لا تنتهي"، ومن المرجح أن يُعرقل تحوّل المنطقة البطيء من الحرب إلى التنمية الاقتصادية، ورغم التكلفة الباهظة التي قد تدفعها إيران في أي مواجهة عسكرية، إلا أن كلًا من إسرائيل والولايات المتحدة ستدفعان ثمنًا باهظًا أيضا.
كما يعتقد البعض أن الضربات العسكرية قد تؤدي إلى انهيار النظام الإيراني أو تُشعل انتفاضة تُشلّ ردّه الانتقامي، لكنها مجرد تمنيات. فالنظام يسير على مسارٍ غير مستدام، لكنه ليس على شفا الانهيار.
وأكد تقرير المجلة، أن الصعوبات الاقتصادية والقمع خلقت حالة من التقلب، لكن النظام لا يزال متماسكًا ومدعومًا بجهاز أمنيّ قاسٍ، والمعارضة مُجزّأة وتفتقر إلى الرؤية، بينما تخشى الطبقة الوسطى الحذرة الاضطرابات دون وجود بديلٍ قابلٍ للتطبيق. ومن المُرجّح أن تُوحّد ضربةٌ خارجية القاعدة السياسية الإيرانية المنقسمة، وتُؤجّج العزيمة الوطنية، وتُحشد حتى المُنتقدين للدفاع عن الوطن.
وختمت المجلة بأن الهجوم على إيران قد يمنح النظام طوق نجاة بدلًا من تهديده، وقد يعتقد الغرب أنه قادر على إكراه إيران بالتصعيد العسكري، لكن كل ما قد يُحققه هو تجاوز استراتيجي قد يندم عليه في النهاية. وبهذا يُعدّ الاتفاق النووي، القائم على التنازلات المتبادلة أقلّ الطرق خطورةً للمضي قدمًا.