بوابة الوفد:
2025-12-14@11:10:46 GMT

خصائص الخطاب النبوى (3)

تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT

لم تكن لغة الخطاب النبويّ فى خصائصها الخاصّة إلا المثال الذى يُحاكى لغة القرآن الكريم. وقد سبقت الإشارة إلى أنها لغة حق فى حق من حق، صادقة على الدوام، لا تقبل الخطأ الذى يترائى من لغو اللغة العادية، لأن اتصال الخطاب النبوى دوماً بالحقيقة، يعجز اللغة ويمنعها قصراً عن الانحراف.
وبما أن سمة الخطاب النبويّ أن ألفاظه «ألفاظ حقائق»، وأنه صلوات الله عليه، أعطى «جوامع الكلم» فاختصر له الكلام اختصاراً، صار أخص خصائص خطابه ليس مجرد لغة تتردد على الألسنة والسلام، بل ينفذ بين شغاف القلوب فيحولها من حال فى الحياة إلى حال.


ولم تكن «اللغة اللاغية» من جنس ما يتوخّاه اللسان المؤمن تحقيقاً، ناهيك عن القلب وعن الضمير؛ لأن استخدامها فى الخطاب الدينى يقدح فى وعى المؤمن وطواياه قدحاً نهى عنه القرآن الكريم منذ البداية.
ولنا أن نتأمل قوله تعالى :»وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغَوْا فيه لعلكم تغلبون»؛ فماذا تجد؟ تجد «اللغة» هنا إتيان بالباطل من القول، واللغو الصاخب فى أثناء القراءة صرفاً للناس عنه وطلباً للغلبة، ومثاله فى القرآن كثير : أعنى مثال «اللغو» الذى ذكرت فيه «اللغة اللاغية» بسخيف الأقوال بُله الأفعال، نماذجه فى أكثر من عشرة مواضع فى الكتاب الكريم. ونحن نأتى على خمسة منها هنا فقط، وبقيتها توضيح يفرضه سياق الآية فى مناسباتها الواردة فيها.
ففى «القصص» آية (55) قوله تعالى : «وإذا سمعوا اللّغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين»؛ فاللغة هنا لغو يلحق السّماع؛ فبمجرّد سماعه يستحق أن يُلغى من فوره بالإعراض عنه والاكتفاء بالعمل خالصاً حين يشهده الله من المخلصين، ثم إبداء السلام على شرعة الإعراض أيضاً، طلباً للسلامة وتحقيقاً للإخلاص، لكنه هنا إعراض عن العبث وسخف القول وهما بُغية الجاهليين.
وفى «المؤمنون» آية (3) قوله تعالى : «قد أفلح المؤمنون. الذين هم فى صلاتهم خاشعون. والذين هم عن اللغو معرضون»؛ فاللغة هنا لغو أيضاً ليس فيه فائدة لا من قول ولا من عمل، فليس اللغو هنا مقصوراً على اللفظ وكفى، ولكنه أيضاً يتضمّن العمل. ولن يفلح مؤمن وهو فى صلاته ليس بخاشع، وهو عن اللغو ليس بمعرض.
وفى «البقرة» آية (225) قوله تعالى :»لا يؤاخذكم الله باللّغو فى أيمانكم». اللغة فيه سبق اللسان لغواً ممَّا لم يقصد به جزم اليمين؛ فسبق اللسان باللغو بالحلفان لغة صادرة عن اعتقاد الصدق وهى تتضمّن البطلان !
وفى «الفرقان» آية (72) قوله تعالى :»والذين لا يشهدون الزور وإذا مَرُّوا باللغو مَرُّوا كراماً « : مرُّوا كراماً على ما ينبغى أن يُطرح بعيداً من قول أو فعل، مرُّوا كراماً لأنهم ارتفعوا عن اللغة التى تصيبهم بالدُّون ممَّا ينبغى أن يُلغى من الأفعال والأقوال، مرُّوا كراماً فما ينالهم إلا ما ينال الكريم من العزوف والإعراض، مرُّوا كراماً والكريم إذا مَرَّ باللغو لم يبال بصاحبه ولا بما يلغو فيه، مرُّوا كراماً فكرمتْ لديهم أنفسهم، وهانَ عندهم اللغو، وسقطت لديهم لغة المحجوبين.
وفي «الطور» آية (23) قوله تعالى: «يتنازعون فيها كأساً لا لغوٌ فيها ولا تأثيمٌ». نعم! يتنازعون فى الجنة و يتجاذبون فيها الكؤوس تنازع محبة وأنس لا تنازع شقاق وخلاف، كلٌّ منهم يجذب الكأس من يد صاحبه تلذُّذاً وتأنُّساً، فليس المقام مقام لغو ولا تأثيم، ولا هو بمقام لغة فاحشة ولا كلام قبيح، كما تفعل كؤوس الدنيا بذويها، فتمنع ألسنتهم عن الصواب بعد أن تعقل عقولهم عن الصحة والسلامة بل: (لا تسمع فيها لاغية) من باطل ولا لاهية من لغو.
وعليه يتبيّن؛ أن ألفاظ اللغة ليست فى كل حال صادقة؛ بل من اللغة ما هو باطل وقبيح، وفيها ما هو شاذ وساقط، ومنها ما يشتمل على سخيف القول وفضول الكلام.
وقد صَوَّر هذا المعنى شيخ المعرة، إذ قال :
ومن النَّاس مَنْ لفْظُهُ لؤُلؤٌ يُبَادُرُه للَّقْطِ إذْ يُلفَظُ
وبَعْضُـهُم قـوله كالحصَـا  يُقَال فَيُلْغَى ولا يُحفَظُ
كما أنّ ألفاظ اللغة تلك ليست فى كل حال صادقة على الواقع التاريخى الذى يشهد الحالة كما يشهد الواقعة تجربة وحدثاً فى مجراه العميق الطويل.
لكن رسول الله،  صلوات ربى عليه، الذى اختاره الله لرسالته، واصطفاه لدعوته، وأرسله إلى الناس كافة مبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات، ويحرّم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم : لم تكن دعوته مجرَّد لغة، ولم تكن ألفاظه كلمات كسائر الكلمات، ولكنها كانت «حقيقة» لا مجرد «لفظ»؛ كما كانت دعوته واقعاً تجرى فيه حقائق الحياة والكون وتشهدها وقائع التاريخ وتجاربه الحيَّة، ممارسة وفعلاً وحياة؛ الأمر الذى يتبيّن لنا فيه، مع معايشة أحواله ومباشرة أقواله والترقى الروحى فى معارج ذكره الباقي، ومدارج حقيقته الروحية، أن أحاديثه الشريفة ومناقبه الكريمة لا تحتاج مع ترقية الأحوال الباطنة إلى بيان الحديث الصحيح من الضعيف.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: خصائص الخطاب النبوى 3 د مجدى إبراهيم الخطاب النبوي قوله تعالى الذى ی لم تکن

إقرأ أيضاً:

هل كل إنسان له قرين؟.. لديك 3 في الدنيا وأمر واحد يُضعف شيطانك

لعل السؤال عن هل كل إنسان له قرين ؟، يعد من الأسرار الواردة بالقرآن الكريم، ففيما ورد بقوله تعالى : ( مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) الآية 36 من سورة الزخرف، فرغم أن الآية الكريمة تقر حقيقة وجود قرين من الشياطين ، لكنها في الوقت ذاته لم تجب عن سؤال هل كل إنسان له قرين أم أن وجوده مشروط بالبعد عن ذكر الله عز وجل؟، ولعل أهمية هذا الاستفهام تنبع م ذلك الخوف الذي يثيره فيؤرق البعض ويثير فضول الآخرين، وذلك لارتباطها بعالم الجن الخفي والمرعب ، فمسألة وجود قرين من الجن قريب منك ويلازمك هي فكرة ليست سهلة الاستيعاب والقبول ، وهذا ما يطرح أهمية معرفة هل كل إنسان له قرين ؟.

متى يظهر لك قرينك من الجن؟.. احذر هذا الفعل يجعلك تراه أمامكهل دخول الحمام في الظلام يعرضك لـ مَسّ الجن؟.. 7 كلمات تقيك أذاهمعلامات وجود الجن في البيت .. 11 أمرا يحدث أمامك فكم رأيت وسمعت؟هل كل إنسان له قرين

قال الدكتور رمضان عبد الرازق، عضو اللجنة العليا للدعوة الإسلامية بمشيخة الأزهر، إن "للإنسان ثلاثة قرناء مقيدين له: الأول قرين الشيطان يوسوس للإنسان لفعل المعاصي، مستشهداً على ذلك بقوله تعالى «وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ».

وأوضح «عبدالرازق» في إجابته ن سؤال: هل كل إنسان له قرين ؟، أن القرين الثاني هو قرين من الملائكة ، لقوله تعالى «مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» ، والثالث هو قرين الدنيا وهو الصديق، مؤكداً أن ما يقوله بعض العوام من أن قرين الإنسان يكون مثله في الشكل والصفات فهذا كلام خطأ ولا أساس له من الصحة.

وروي عن عبدالله بن مسعود ، في صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 2814 ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال: (ما مِنكُم مِن أحَدٍ، إلَّا وقدْ وُكِّلَ به قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ، قالوا: وإيَّاكَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: وإيَّايَ، إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَنِي عليه فأسْلَمَ، فلا يَأْمُرُنِي إلَّا بخَيْرٍ. [وفي رواية]: وقدْ وُكِّلَ به قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ وقَرِينُهُ مِنَ المَلائِكَةِ).

وجاء في روايةٍ أُخرى قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وَقَد وُكِّلَ به قَرينُه مِنَ الجِنِّ وقَرينُه مِنَ المَلائكةِ»، فَكما أنَّه قُيِّضَ له شَيطانٌ يُغويه ويُضِلُّه ويَأمُرُه بالشَّرِّ، كَذلك قُيِّضَ له مَلَكٌ يُسدِّدُه ويُرْشِدُه، فيكونُ آمِرًا له بالخيرِ ومُلهِمًا له في قَلبِه بالخيرِ.

 وفي الحديثِ: حِرصُ الشَّيطانِ على إغواءِ بَني آدَمَ، وأنَّه لا يَنفَكُّ عنِ الإِغواءِ، وفيه: أنَّ اللهَ قَيَّضَ لِلإنسانِ مَلَكًا يُعينُه ويُرشدُه، في مُقابلَةِ إغواءِ الشَّيطانِ وفِتنَتِه، وفيه: دَليلٌ عَلى عِصمَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أنْ يُؤثِّرَ فيه الشَّيطانُ بأَذًى في عَقلِه أو قَلبِه بضُروبِ الوَساوسِ.

وبين الحديث أن الجِنُّ أجسامٌ ناريَّةٌ قابلةٌ للتَّشكُّلِ بأشكالٍ مُختلفةٍ، وهُم مَخلوقاتٌ غيرُ مَنظورةٍ لنا، وقدْ يُرِيها اللهُ مَن شاءَ مِن خَلْقِه، وهُم مُكلَّفونَ مِثلَنا، منْهم المؤمنونَ والكافرونَ والعُصاةُ، ومنهم الطَّيِّبُ والخَبيثُ.

 وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بوُجودِ الجِنِّ مِن حَولِنا، وأنَّ منهم مَن وُكِّلَ بالإنسانِ فلا يُفارِقُه، ويَكيدُ له لِيُوقِعَه في الشُّرورِ والآثامِ، وأنَّه ما مِن أحدٍ مَهما بَلغَ منَ العِبادةِ والعِلمِ ما بَلغَ، إلَّا وقدْ وُكِّلَ به قَرينُه مِنَ الجِنِّ، وهو شَيطانٌ سُلِّطَ عليه ليُغوِيَه، ويُسوِّلَ له ويُشَكِّكَه في الدِّينِ ويُوسوِسَ له؛ لِيَصرِفَه عن الطَّاعةِ، ويُوقِعَه في المعصيةِ، فيَنْبغي الحَذَرُ الشَّديدُ منه.

وقد زُرعت الأهواء والشهوات في نفوس الآدميين، وذلك ليحصلوا على ما ينفعهم، ويدفعوا عن أنفسهم الضرر بغضبهم، ورُزقوا بالعقول للعدل بين الأمور والموازنة بينها، إلا أن الشيطان يحرّض الإنسان على الإسراف فيما يُبعد عن نفسه أو يقرّب، والواجب على العاقل أنْ يحذر من الشيطان العدو منذ زمن آدم عليه السلام، كما أنّ الله تعالى حذّر العباد منه، وأمرهم باجتنابه، حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).

ومن الجدير بالذكر أن كل إنسان له قرين يأمره بالتقصير في واجباته، ويدفعه إلى فعل الشر والضرر، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، حيث قال: (ما منكُم من أحدٍ إلَّا وقد وُكِّلَ بهِ قرينُهُ منَ الجنِّ . قالوا : وإيَّاكَ يا رسولَ اللَّهِ ؟ قال : وإيَّايَ إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَني علَيهِ فأسلَمَ فلا يأمرُني إلَّا بخيرٍ . غيرَ أنَّ في حديثِ سفيانَ . وقد وُكِّلَ بهِ قرينُهُ منَ الجنِّ ، وقرينُهُ منَ الملائكةِ).

وبناء عليه فالواجب على كلّ مسلم الحذر من إغواء الشيطان ووساوسه، فالطريق التي يسلكها القرين تتمثّل بإيقاع العبد في معصية الله تعالى، ثمّ يقيّده بها، فيمنعه من الخير والبر في الأفعال والسلوكيات، كأن يمنعه من الإمامة بالناس في الصلاة، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بحجة المعصية التي اقترفها.

وينسى العبد أنّ اجتناب المعاصي فرض عين عليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية على المسلمين، ويجب على العبد أن يعلم أن الوقوع في المعاصي لا تعدّ مبرراً لعدم التزامه بالواجبات المفروضة عليه.

حقيقة القرين بالقرآن

ذُكِر القرين في القرآن الكريم في عدّة مواضع، وبيّنت هذه المواضع أنّه يضرّ الإنسان، ويزيّن له المعاصي في أغلب الحالات، ومن ذلك:

- قوله تعالى: «ومَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ»، (الزّخرف 36).

- قوله تعالى: «قال قائلٌ منهم إنّي كان لي قرين»، (الصّافات 51).

- قوله سبحانه: «حتّى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين»، (الزّخرف38).

ما هو القرين

يُطلق القرين على الشيطان الموكّل بكلّ إنسان بهدف إغوائه وإضلاله، وذلك ما دلّت عليه نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهّرة، والتي بيّنت أنّ عمل القرين يتمثّل فقط بالإغواء والإضلال، دون أي عمل حسي آخر، إلا أنّ إيمان العبد له الدور الأساسي في إغواء القرين، فإن كان الإيمان قوياً فإغواء القرين يضعف أمام ذلك.

طباعة شارك هل كل إنسان له قرين كل إنسان له قرين هل الكل له قرين له قرين حقيقة القرين بالقرآن حقيقة القرين القرين بالقرآن

مقالات مشابهة

  • 3 أمور ترفع قدرك عند الله.. مركز الأزهر يوضح
  • ما حكم من نسى الاغتسال قبل دخول مكة المكرمة؟.. علي جمعة يجيب
  • اعتقاد خاطئ عن آية وأما بنعمة ربك فحدث
  • ما سر قل أعوذ برب الفلق؟.. علي جمعة: تحصنك من 8 شرور مهلكة
  • هل كل إنسان له قرين؟.. لديك 3 في الدنيا وأمر واحد يُضعف شيطانك
  • ما حكم الوضوء بماء المطر وفضله؟.. الإفتاء توضح
  • خطيب الأوقاف: من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن
  • هل عرفت الله؟.. خطيب المسجد النبوي: تتجلى عظمته في هذا الكون الفسيح
  • البذاءة بوصفها إستراتيجية جمالية للمقاومة وتفكيك السلطة
  • حكم إسناد سبب نزول المطر إلى كثرة البحار والأنواء.. الإفتاء تجيب