التقنيات الحديثة تلعب دورا أساسيا في تنشئة الأجيال وتربيتها
تاريخ النشر: 2nd, August 2024 GMT
الرعاية والتربية للأطفال هما عمليتان مكملتان ومترابطتان، لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض في تنشئة الطفل وتحقيق نموه الشامل، فالرعاية تؤمن البيئة الآمنة والمستقرة للتربية، بينما التربية تساهم في بناء شخصية الطفل وإعداده ليكون عضوا إيجابيا في المجتمع، وقد استطلعت «عمان» آراء عدد من المختصين للحديث بشكل أعمق حول مفهومي التربية والرعاية في تنشئة الأبناء.
المؤسسات التربوية والتعليمية
قالت أسماء بنت عبد الله البلوشية، من لجنة دعم الأعضاء في جمعية الاجتماعيين العُمانية: يمكن تعريف المؤسسات التربوية بأنها البيئة أو الوسط الذي يساعد الأجيال على النمو في مختلف جوانب شخصياتهم وتفاعلهم مع من حولهم، والتكيف مع مختلف الأوضاع والظروف، ومن أبرز المؤسسات التربوية في المجتمع هي الأسرة والمدرسة والأصدقاء، إلى جانب المسجد ووسائل الإعلام والأندية وغيرها من الجهات المختلفة التي تؤثر على تربية الأجيال سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. موضحة أنه يأتي دور هذه المؤسسات التربوية والتعليمية فيما يلي: الأسرة «المنزل»: فهي اللبنة الأولى التي يتكون منها نسيج المجتمع، حيث إنها الوسط الطبيعي الذي يشعر الطفل بالرعاية والعناية منذ سنوات عمره الأولى، ومنها حث الإسلام على تكوينها والاهتمام بها لما لها من أثر أساسي في بناء شخصية الطفل وتحديد معالمه منذ الصغر. وعلى صعيد آخر تعتبر الأسرة من أهم المؤسسات التربوية الاجتماعية، كما أن الأجيال تستقي من الأسرة العقيدة والأخلاق والأفكار والعادات والتقاليد وغيرها من السلوكيات إيجابية كانت أو سلبية.
ومن الجانب الديني يأتي دور المسجد: حيث يعد المسجد جامعا أو جامعة، لنشر الوعي في المجتمع وهو يعتبر أفضل مؤسسة تتم فيها تربية الأجيال وتنشئتهم ليكونوا جيلا صالحا في المجتمع حاصلا على التوعية الشاملة، بالإضافة إلى المدرسة التي أنشأها المجتمع للعناية بالتنشئة الاجتماعية من خلال تربيتهم وتهيئتهم وإعدادهم للحياة، حيث إنها تعمل على نقل الجانب المعرفي والثقافي من المعلمين إلى الطلاب بما يتوافق مع استيعابهم وقدراتهم المختلفة، ليكون الناتج جيلا متعلما ومثقفا. والمدرسة تعمل أيضا على استكمال ما تم البدء فيه من تربية منزلية للطفل، ثم تقوم على تصحيح المفاهيم المغلوطة وتعديل السلوك الخاطئ، وكذلك الأندية: فهي مؤسسات تكون في الغالب «ثقافية ورياضية واجتماعية»، وتكون ملتقى للأجيال حيث إنها تقوم بتقديم إمكانات هائلة لحياة اجتماعية يتفق عليها الأفراد باختياراتهم وطواعيتهم. وللأندية أشكال مختلفة في تنشئة الأجيال مرتبطة بمستوى وعي وثقافة المجتمع. ومنها ما يكون مخصصا للرياضة البدنية وممارسة الألعاب والأنشطة المتنوعة، ومنها ما يكون مخصصا للعناية بالجوانب الثقافية والأنشطة الأدبية والفعاليات الفكرية، ومنها ما هو اجتماعي حيث يهتم بخدمة المجتمع وتلبية احتياجاته.
وأكدت البلوشية أن التقنيات الحديثة تلعب دورا أساسيا في تنشئة الأجيال وتربيتها، سواء من خلال الأجهزة اللوحية أو الألعاب أو عن طريق البرامج المعدة والموجهة للطفل من مختلف قنوات شبكات التواصل الاجتماعي. وينعكس هذا التأثير في عدة جوانب من حياة الأجيال بشكل خاص والمجتمع بشكل عام. ولا يخفى على الجميع أن هذه التقنيات الحديثة تعتبر سلاحا ذا حدين، بسبب الغزو الفكري من الخارج، ففي الزمن السابق كانت الوسائل التربوية التي يسلكها أولياء الأمور محدودة ومعروفة وكانت الأجيال جميعها متشابهة ولا تختلف في التفكير أو الثقافة. ولكن مع تقدم الزمن وبروز عصر التكنولوجيا، بات هناك جيل لديه أفكار وقناعات مختلفة عما سبقه من الأجيال وبصورة واضحة، فالتقنيات الحديثة أصبحت من المؤثرات والعوامل الرئيسية في التربية ولها تأثير ملموس في حياة الناشئة في عصرنا هذا. فطفل الأجيال السابقة يختلف عن طفل هذا العصر من حيث الطباع والسلوك وكذلك في العادات والتقاليد. بسبب ما يتابعه هذا الجيل سواء الرسوم المتحركة أو البرامج أو حتى في الألعاب المتطورة تقنيا. مشيرة إلى الجانب الإيجابي في التقنيات الحديثة حيث تعد مصدرا للتعلم، وبابا للمعرفة، ومسارا للبحث والتجربة، فتصبح الآثار الإيجابية أكثر ظهورا وبروزا، ولكن عندما يتم استخدام هذه التقنية لممارسة ألعاب العنف والتنمر الإلكتروني، فهي تضيف العنف والانفعالات وزعزعة في شخصية الطفل، وتنعكس على حياته الاجتماعية سلبا بلا شك.
ممارسات ناجحة
من جهتها قالت فهيمة بنت حمد السعيدية- من لجنة الدراسات والبحوث بجمعية الاجتماعيين العمانية: يعتبر مصطلح الرعاية والتربية من المصطلحات المرتبطة ببعضهما البعض رغم اختلافهما؛ ويُنظر للرعاية على أنها جزء من كُل، فهي جزء بسيط من التربية؛ حيث أشار جان جاك روسو في كتابة «الطفولة من المهد إلى الرشد» إلى أنه «حين ينجب الأب أبناءه وينفق عليهم ليغذيهم، فما يقوم إلا بثلث واجبه نحوهم». وتشير الرعاية إلى توفير الأسرة للمتطلبات والاحتياجات الأساسية للأبناء والعناية بهم ومتابعتهم؛ من خلال توفير المأكل والمشرب والمسكن، والاهتمام بصحة الأبناء، ومتابعة واجباتهم واستذكار دروسهم، وإظهار الأبناء بأحسن مظهر، كما تتضمن الرعاية كذلك توفير بيئة آمنة وصحية تحافظ على سلامة الأبناء. أما التربية فهي بناء وتشكيل شخصية الأبناء؛ من خلال اهتمام الأسرة بغرس القيم والأخلاق والمبادئ الحسنة، وتقديم التوجيه والإرشاد، وتعزيز السلوكيات والعادات المجتمعية الإيجابية، والاهتمام بالوجدان والروحانيات، وما يتطلبه ذلك من ترسيخ لبعض القناعات والمعارف والأفكار الإيجابية، وتنمية للمهارات، وتوجيه للاهتمامات لدى الأبناء، وتشجيعهم على التعلم والنمو الشخصي. وبشكل عام يتطلب من الآباء والأمهات الموازنة بين رعاية الأبناء وتربيتهم.
موضحة أن أفضل الممارسات والنماذج الناجحة في توفير الرعاية والتربية للأبناء تبدأ من توفير الأسرة بيئة آمنة ومستقرة ماديا واجتماعيا ونفسيا للأبناء؛ يشعر فيها الأبناء بالأمان، وتشجعهم على التعلم والنمو بشكل صحي ومتوازن مع فهم الوالدين أن لكل طفل احتياجات تختلف عن الطفل الآخر. يليها أن يكون الوالدان قدوة حسنة في كافة نواحي الحياة بحيث يتصرفان بما يتماشى مع القيم والمبادئ التي يريدان غرسها في الأبناء مثل الاحترام، والأمانة، والتعاون، والمثابرة؛ بحيث يتعلم الأبناء أهمية هذه القيم في حياتهم اليومية من خلال النماذج والقدوات في محيطهم الاجتماعي. يليها الحوار وبناء الثقة المتبادلة بين الوالدين والأبناء، التي يساهم في تعرف الآباء والأمهات على مشكلات الأبناء، ودعم الأبناء سواء من خلال المشورة أو مجرد الاستماع في التعامل مع هذه المشكلات، مما يساعد الأبناء على تجاوز التحديات، والشعور بالقبول والدعم، وتعزيز التماسك الأسري، وبناء علاقة قوية مع الوالدين. ومن الممارسات الناجحة في توفير الرعاية والتربية للأبناء أيضا الاهتمام بتنظيم الأنشطة الأسرية المشتركة مع الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والرحلات، ومشاهدة بعض البرامج على التلفزيون أو المنصات الرقمية التي تساعد على تطوير مهارات الأبناء، وتعزيز الروابط الأسرية، وتشجيع الأبناء على التفاعل الاجتماعي والاستقلالية من خلال إسناد بعض المهام والقرارات لهم. وأيضا يعد تشجيع الأبناء على التعلم المستمر من خلال توفير موارد تعليمية متنوعة، مثل الكتب، والدورات، والأنشطة الثقافية من الممارسات الناجحة في توفير الرعاية والتربية للأبناء، لمساهمتها في مساعدة الأبناء على اكتشاف مواهبهم ونقاط قوتهم، وتوجيه اهتماماتهم نحو الاستغلال الأمثل لإمكانياتهم ومهاراتهم الرياضة والتعليمية والاجتماعية وغيرها من المهارات.
كما يعد موضوع تدريب الأبناء منذ سنواتهم الأولى على وضع القواعد والحدود مع تفسيرها من الممارسات الناجحة في توفير الرعاية والتربية للأبناء، فهي تساعد على توجيه سلوك الأبناء، وتدريبهم علة تحمل المسؤولية، واحترام الآخرين. بالإضافة إلى ذلك يساهم تدريب الأبناء على التعبير عن ذواتهم اجتماعيا وانفعاليا باعتباره من الممارسات الناجحة في توفير الرعاية والتربية للأبناء ووقاية الأبناء من الوقوع في العديد من المشكلات، ويعزز من قدرتهم على إدارة مشاعرهم وتفاعلاتهم مع الآخرين.
تحديات
وأفادت هنية بنت سعيد الصبحية - من لجنة الدراسات والبحوث بجمعية الاجتماعيين العمانية بأنه مما لا شك فيه أن الأسرة العمانية تواجه العديد من التحديات الرئيسية في توفير الرعاية والتربية السليمة للأبناء، ويمكن تحديد هذه السياقات وتلخيصها في سبعة أبعاد تتمثل في التحديات النفسية والاجتماعية، والثورة التكنولوجية، والضغوط الاقتصادية والمادية، والتغيرات الاجتماعية والثقافية التي تتعرض لها الأسرة ونقص الوقت، وقلة الوعي والتعليم في تربيتهم والإلمام بذلك، وأخيرا نقص الدعم المجتمعي.
وأضافت الصبحية: نظرا للضغوط النفسية والعاطفية التي يتعرض لها الآباء فإنها تؤثر على قدرتهم في على تقديم الرعاية الفعالة لأبنائهم، وتحديدا ضغوط العمل والحياة اليومية وكيفية الموازنة بينها، وهنا يمكن تحديد دخول المرأة لسوق العمل، مع العمل لساعات طويلة، إذ يمكن الإشارة إلى أن دور المربية أو ما يسمى بعاملة المنزل أحد التحديات المؤثرة والكبيرة على تربية الأبناء ورعايتهم حيث إن الوالدين يأتيان من العمل منهكين ومتعبين ويحتاجون للراحة فيمكثون أوقاتا قليلة مع أبنائهم وهذه تعتبر غير كافية في السنوات الأولى لمرحلة طفولة الأبناء، كما يعد غياب الوالدين أحد التحديات التي حلت محلها العاملة أو المربية فيكون التعلق بها أكثر من الأم والأب. مؤكدة أن الثورة التقنية والاعتماد المفرط عليها يؤدي إلى قلة التفاعل الاجتماعي بين الأطفال وآبائهم، مما يؤثر على جودة رعايتهم وتربيتهم، وقد أشرنا إلى أن الاعتماد على الشاشة وعدم لقاء الأطفال بذويهم يقلل من الاعتماد على أنفسهم وعدم تفاعلهم مع المحيط الاجتماعي من ذويهم فتستغل التكنولوجيا بشكل سلبي عليهم وأحيانا يمثل تسليم الشاشة للطفل الحل الأسهل للوالدين، ناهيك عن الاضطرابات الأخرى التي قد تؤثر على شخصية الطفل مستقبلا. وجديرا بالذكر أن الأسرة تواجه أحيانا ضغوطا اقتصادية تؤثر على نوعية الحياة والقدرة على تلبية احتياجاتهم، وأحيانا تفرض على نفسها نمطا معينا من الاستهلاكيات وفيما بعد لا تستطيع الاستمرار على تلبية الاحتياجات ولا تستطع التعامل مع ذلك، بسبب مظاهر الاستهلاكية المفرطة في المجتمع والمقارنات التي تعيشها الأسرة العمانية والأسر ككل فإنها لا محالة تؤثر عليها في تربية النشء، وبذلك تشكل إحدى التحديات العقيمة التي تجعل الطفل طفلا استهلاكيا.
وأشارت إلى أن التغيرات في القيم والمعايير الاجتماعية تؤثر على طرق التربية والرعاية، مما يتطلب من الآباء التكيف مع هذه التغيرات. على سبيل المثال الاستخدام التكنولوجي وطرق التواصل مع الأطفال والأسر أحيانا مما ينشئ صراعا بين الطفل وأسرته كون الأسرة غير قادرة على التكيف وتوفير ما دخل عليها من أجهزة كهواتف وشاشات وغيرها أيضا الصراع الذي تعيشه الأسر أحيانا لاختلاف ثقافة الأم عن ثقافة الأب فيواجه الطفل صراعا في اتباع أي من الوالدين إذا لم يتفقا على الطريقة السوية للتربية الفعالة للطفل. وكذلك دخول ثقافة تربية المربية في الأسرة ولغتها التي تؤثر على اللغة والهوية والدين وكل ما هو مرتبط بتربية ورعاية الطفل.
وكما أوضحنا أن العديد من الآباء والأمهات يعمل لساعات طويلة، مما يقلل من الوقت المتاح لهم للتفاعل مع أطفالهم واللعب معهم أي أنه لا يوجد وقت كاف للمكوث مع الطفل حيث غالبية جلوس الطفل مع العاملة أو المربية أو على الشاشات. قد يكون هناك نقص في الوعي والمعرفة لدى الآباء حول أفضل طرق التربية والرعاية، مما يؤدي إلى استخدام أساليب غير فعالة وغير سوية. وهذا يحتاج لفهم حالة الطفل ويكون الوالدان غير مدركين لأنواع الذكاء عند طفلهم أو غير واعيين بالمتخصصين والمستشارين إذا حصلت مع طفلهم أي مشكلة أو سلوك غير سوي وربما لا يدركون أهمية ذلك.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المؤسسات التربویة التقنیات الحدیثة الأبناء على شخصیة الطفل فی المجتمع فی تنشئة تؤثر على من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
بعض الأجيال الحالية بلا أهداف
لكل جيل من الأجيال أهداف مهمة في حياته يرتبط تحقيقها بإطار زمني محدد تبدأ معه من المراحل الدراسية المختلفة وخاصة في مرحلة الثانوية العامة التي أصبحت في المملكة بنظام المسارات التخصصية التي تُحدد هدف التخصص الجامعي الذي يرغبه، ثم التخرج من الجامعة في سن محددة (كمثال 22 عاماً) ثم التوجه إلى سوق العمل أو إكمال الدراسات العليا التي قد تمتد لثلاث أو أربع سنوات بحد أقصى، ثم الزواج في سن الثلاثين والإنجاب، ثم هدف تملك منزل في سن الخامسة والأربعين مثلاً، والبعض منهم تكون له طموحات أخرى كتأسيس عمل تجاري بدلا من الوظيفة خاصة مع تعدد وسائل التكنولوجيا وظهور التطبيقات الجديدة والتجارة الإلكترونية وغيرها من الخدمات العصرية الحديثة.
بلا شك أن الأهداف تجعل لحياة الإنسان معنى كبير وتقوده لحياة سعيدة بإذن الله وطريق واضح ومعروف نهايته ونجاح باهر، لكن المشكلة تكمن في بعض أفراد هذا الجيل الذي ليس له أهداف واضحة أو محددة، وعندما تسأل أحدهم عن أهدافه تجِدَه يقول: لا أعلم، أو لم أُحدِّد أهدافي بعد، أو الكلمة التي تعودوا عليها: سأتركها على الله.
بالطبع لكل مرحلة عمرية ما يُميزها وطريقة خاصة للتعامل معها، خاصة إذا شعر الأبوين أن الطفل أو المراهق لا يعرف ماذا يُريد ولم يفكر أصلا في وضع أهدافاً له في المستقبل، هنا لابد من المبادرة لتعليم الأبناء كيفية وضع الأهداف المستقبلية والسعي لتحقيقها بخطوات متتابعة لأن الطفل لو تدرَّب على وضع أهداف وتذوَّق حلاوة تحقيق النجاح، سوف تكون له عادةً وقاعدةٍ عند النضوج، خاصة إذا كانت هذه الأهداف من اختياره وملائمة لرغباته ستكون فرص النجاح والتحقيق لديه أكبر من غيرها، مع عدم تخلِّي الوالدين عنهم ومساعدتهم بالتوجيه السليم والنصائح المفيدة والمتابعة الدقيقة والدعم القوي بحيث تتناسب أهدافهم مع شخصياتهم وميولهم وفتح باب المناقشة والحوار لمعرفة الصعوبات والمشاكل التي يواجهونها في تحقيق الأهداف ومحاولة إبعادهم عن أصدقاء السوء وأصحاب الطاقات السلبية ومصاحبة الأخيار وذوي الطموح العالي، والأهم من ذلك هو التشجيع المعنوي (والمادي إن أمكن في حدود مُحكمة) عند تحقيق الأهداف مع كل مرحلة عمرية، خاصة في سن المراهقة.
إن من أهم عوامل تدريب الأبناء على تحقيق الأهداف هي وضع أهداف يومية تقودهم لمعرفة قيمة وأهمية الوقت واستغلاله والالتزام به وتوجيه طاقاتهم للجوانب الإيجابية لتحويل الكسل والخمول إلى نشاط وحيوية وتطوير مهاراتهم الاجتماعية وإثراء ثقافاتهم القرائية وإتقانهم لحل المشكلات والتفكير في إيجاد حلول مناسبة لها وتخطي المصاعب، مما يزرع الثقة في نفوسهم ويشعرهم بالمسؤولية والاستقلالية والاعتماد على النفس الذي يساعدهم على الالتزام بتحقيق الأهداف.
مما أصابني بالدهشة والإعجاب أنني قرأت أن اليابان قد خصصت مدينة للأطفال تقوم بتدريبهم عملياً على تجربة 80 وظيفة مختلفة كالطبيب والمهندس والطيار ورجل الأمن والإعلامي وعامل المحطات والكهربائي وغيرها من الوظائف العملية التي تهدف إلى نجاح الطفل الياباني ومساعدته في تحديد أهدافه واختيار مسار مستقبله الوظيفي على أرض الميدان من واقع الممارسة الفعلية لهذه الوظائف.
وأختم بأهمية قرب الأبوين من الأبناء ومعرفتهم بنقاط ضعفهم وقوتهم وإمكاناتهم عند تحديد الأهداف المطلوبة والتركيز على الجهد المبذول منهم والتقدم نحو أهدافهم قبل النظر إلى النتائج النهائية، وعدم مقارنتهم بالآخرين الذي قد يُسبب لهم الإحباط ويفقدهم الثقة في أنفسهم، مع تقديم الدعم الكامل لهم خاصة عند التعثر أو الفشل “لا قدر الله” والتعلم من أخطائهم وحثهم على عدم تكرارها، والابتعاد عن النقد الجارح والقاسي وتحفيزهم لمحاولة التكرار وعدم الاستسلام للفشل من أجل النجاح وضبط التوقعات الواقعية لهم دون السعي للكمال وعدم مطالبتهم بسرعة تحقيق الأهداف، وهذا يعني أن الآباء أيضا لهم أهداف واضحة ومحددة في صناعة أجيال تُجيد وضع الأهداف والتخطيط لها وتحقيقها حسب المراحل العمرية لخدمة الدين والوطن كما قال المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام “كُلُّكُمْ رَاعٍ وكُلكُمْ مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ” (أخرجه البخاري).