سودانايل:
2025-05-19@13:42:13 GMT

عفوا سيدي السيناتور.. أنتم لستم جادون

تاريخ النشر: 8th, August 2024 GMT

كتب الأستاذ الجامعي د.محمد عبد الحميد

عفوا سيدي السيناتور.. أنتم لستم جادون

تلقى المهتمون بالشأن السوداني خطاب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بن كاردين Ben Cardin حول الحرب في السودان مطلع أغسطس 2024م بإهتمام بالغ... فقد جاء الخطاب محملاً بلغة أقرب للنزق ونفاد الصبر مما يجري في السودان، كما أتى مُدعماً بإحصاءات مجملة حول حجم الضحايا فضلاً عن حجم المنتظر أن يتأثروا بتفاقم الأوضاع حال استمرار حالة الحرب.

كما تطرق بلهجة أقرب للعتاب لشركاء وحلفاء الولايات المتحدة خاصة الإتحاد الأوربي بأنهم لم يلتزموا بما اقدمت عليه أمريكا مِن فرض عقوبات على مَنْ أسماهم " الجهات الفاعلة من المتحاربين".
وقد مضى تفاؤل السودانيين المتطلعين لوقف الحرب بإدعاء أن السيناتور قد هدد بستخدام الفصل السابع في خطابه، وهذا فيما يبدو من فرط الأماني وإطلاق العنان للخيال فيما قاله الرجل، بيد أنه لم يتطرق لذلك مطلقاً في ثنايا خطابه.
ومبعث الإهتمام بالخطاب أنه أتى في الشهر المقرر أن تنطلق فيه مفاوضات جنيف بين الجيش والدعم السريع التي دعت لها إدارة بايدن.
على عموم الأمر، يبدو أن الإدارة الأمريكية غير جادة في وقف الحرب بصورة كافية أو بالأحرى إن كان السودان إنساناً او جغرافيةً يشكل هاجساً بالمعنى الاستراتيجي لمجال أمريكا الحيوي لما كان هذا الموقف الذي يمكن وصفه ب " المتلكأ" من وقف الحرب... ولما وصل حجم الضحايا هذا العدد المفزع الذي أكده السيناتور.. فمنبر جدة للسلام الذي كانت أمريكا أحد طرفي رعايته، لم يعبر عن موقف ورغبة حقيقيتين من أمريكا بوقف الحرب. فقد تركز جُله على ضرورة إعمال القانون الدولي الإنساني و فتح المسارات والممرات الآمنة للإغاثة وإعلان هدنة مؤقتة.. وهو ذات الموقف الذي احتشد به خطاب السيناتور الحالي.. فلو كانت أمريكا جادة في وقف الحرب، لمارستْ نفوذا حقيقيا على طرفي الحرب لوقفها مستخدمة في ذلك قوتها الناعمة والخشنة، فمنذ التوقيع الأول على إعلان جدة في مايو من العام الماضي لم ترواح المفاوضات مكانها، بينما في الأثناء تصاعدت أرقام الضحايا بشكل مفزع ووصلت لأرقام قياسية مع استمرار الحرب حتى أصبح الحديث عن المجاعة كهم أكبر من هم الحرب نفسها في بلد لا تقل قدراته الكامنة في الأمن الغذائي عن إطعام ربع سكان الكوكب.
من الواضح أن الإدارة الأمريكية "الديمقراطية" قد وضعت قضية الحرب في السودان على "الرف" في ثلاجة حفظ الموتى بل ونسيانها وإخراجها متى ما دعت لذلك الضرورة الانتخابية، بصرف النظر عن أهمية هذا الأمر للناخب الأمريكي. أو تأثير ذلك على مجمل أمن وسلم الإقليم. أو أيضآ وهذا الأهم بغض النظر عن تفاقم مآسي الحرب التي عددها السيناتور.
إن الدعوة لوقف الحرب في السودان لا يمكن أن تُدرك وطرفاها يسعيان لتحقيق مكاسب في ميدان المعركة على أشلاء السودانيين ومقدراتهم وبناهم التحتية. فالأجدى أن يكون هنالك تحرك قائم على ممارسة النفوذ الحقيقي لحمل طرفي الحرب ومطالبتهما بوقف فوري لإطلاق النار بصورة غير مشروطة. مع توفير ضمان الحماية اللازمة للمدنيين وفصل كامل بين المتحاربين عبر قوى مسلحة Boots on the ground دولية أو إقليمية تحت البند السابع أو أي تدبير آخر مثل تطبيق مبدأ الحماية Responsibility to Protect R2P وهو المبدأ الذي اعتمدته الأمم المتحدة في العام 2005 عندما تعجز الدولة أو لا ترغب في حماية المدنيين... بهذا يمكن لو كانت أمريكا او المجتمع الدولي جادون في وقف المحرقة التي يتعرض لها أهل السودان.
في هذا الصدد وبناءاً على ما يمكن أن يستند إليه التحليل في ظل معطيات الموقف الأمريكي "المائع" فإن مفاوضات جنيف ستكون مجرد معرض لعرض البدل ورباطات العنق الفاخرة لمفاوضين لبوا دعوة كريمة من مُضيف "كريم".
وستستمر المحرقة وستكون الدعوة لوقف الحرب كخطاب السيناتور Ben Cardin مجرد صدى لحالة تأنيب ضمير الرجل الأبيض بعد أن عجز عن حمل عبء مهمته الحضارية، أو تظل محل مماحكة بين الفاعلين الدوليين والإقليميين لتحقيق مكاسب من طرفي الحرب المنهكين معنوياً و اخلاقياً وعسكرياً.. بينما يظل النزوح في الفيافي هو النزوح.. واللجؤ في المنافي هو اللجؤ. والجوع ينهش في أحشاء بني السودان في الحواضر والنجوع. والموت يَحدِق بالجميع ولا وجيع.
د. محمد عبد الحميد

wadrajab222@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی السودان وقف الحرب

إقرأ أيضاً:

حقائق و بديهيات «للأسف يجب ان تقال»

 

حقائق و بديهيات «للأسف يجب ان تقال»

بكري الجاك

الحقيقة الموضوعية التى لايمكن مقارعتها بالغلاط و الهتاف ان السودان ظل فى حالة احتراب داخلي منذ ماقبل الاستقلال (أغسطس ١٩٥٥ حركة الأنانية ون) حينها كانت منطقة الخليج تحت الانتداب البريطاني و لم يكن هنالك دول مثل الامارات و قطر و لاغيرها و التى كانت موجودة كانت لا تملك قوت عامها.

و الحقيقة الموضوعية التى لا يمكن محوها انه كان هناك نظام يسمي الانقاذ أتى بانقلاب عسكري فى عام ١٩٨٩ و قام بتأجيج الحرب الأهلية باسم الجهاد و استثمر فى خلق الصراعات القبلية و تكوين المليشيات و تقنين الفساد و تطبيعه حتى ظن الناس الاستقامة هى ضرب من ضروب الخيال.

و الحقيقة الموضوعية التى لا يمكن تغييرها بالاكاذيب ان الشعوب السودانية قامت بثورة عظيمة فى ديسمبر ٢٠١٨ شاركت فيها كل فئات المجتمع السوداني و ان القيادة المدنية التى قادت مشروع الثورة اتخذت تقديرات سياسية اتضح لاحقا ان بعضها كان غير صحيح و لكن لم تفشل الفترة الانتقالية، و كما لا يمكن ان نساوي بين ٢٦ شهر للحكم الانتقالي و ثلاثين عاما من التخريب الممنهج و النهب المشاع للانقاذ، و لم تفشل المرحلة الانتقالية و لكن انقلب عليها من يتحاربون الآن، كما عمل على افشالها تحالف المال و السلطة الذي عماده الاسلاميين و ربائبهم بالتامر و التخريب اولا و الانقلاب ثانيا و اخيرا الحرب.

و الحقيقة الموضوعية التى لا يمكن نفيها بإعادة كتابة التاريخ ان حرب السودان بدأت بين السودانيين و لها عدة اسباب مباشرة و غير مباشرة من بينها الخلل البنيوي فى بنية الدولة حتى قبل اعلان استقلالها.

عليه اي محاولة لتصوير حرب السودان كحرب خارجية او غزو اجنبي او كلها محض عدوان خارجي هو ذهول عن رؤية قرص الشمس او رفض حقيقة ان الشمس تشرق من الشرق و هذا لا يعني انه ليس هناك عوامل خارجية ( شبكة مصالح و دول) اصبحت ذات تأثير عالي فى استمرار حرب ١٥ أبريل و هذه العوامل سيكون لها دور فى الطريقة التى ستنتهي بها الحرب.

و جوهر القول انه بدلا من ترديد ان الحرب غزو اجنبي كشكل من أشكال الهروب الي الا مام علينا ان نتسائل عن ما هو دورنا نحن كسودانيين لايقافها بدلا من لعن الظلام و الخارج؟ اية محاولة للوم الخارج فقط و كفي هو ليس فقط نوع من الكسل الذهني بل هو التخلي عن ال agency اي قدرتنا على الفعل.

قليل من الموضوعية لا يضر و مهما كانت المواقف من الحرب و الرؤي فى تفسيرها لا يوجد ما يجب ان يقدم على ايقافها باي صيغة كانت و الا فما قيمة ان يكون الفرد منا علي صواب فى التشخيص و لكن المريض قد أصبح جثة هامدة؟ فلنعمل جميعنا على إسكات البنادق و لنواصل اختلافنا و جدلنا عن ما حدث حينما نجد الامان فللحقيقة اوجه عدة.

بكري الجاك
١٨ مايو ٢٠٢٥

الوسومبكري الجاك حرب السودان حرب خارجية غزو اجنبي كتابة التاريخ

مقالات مشابهة

  • عادل الباز يكتب: كيف نرد على عدوان الإمارات؟ (2)
  • مجلة أمريكية تفند من المنتصر في حرب اليمن.. الحوثيون أم أمريكا؟ (ترجمة خاصة)
  • حقائق و بديهيات «للأسف يجب ان تقال»
  • “ديفيد هيرست”: “إسرائيل” ستخسر الحرب في غزة كما خسرت أمريكا في فيتنام
  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
  • المفاوضات النووية متواصلة.. إيران ترفض شروط أمريكا وتتهمها بإشعال الحروب
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين .. نتنياهو هو “ملاك الموت” الذي يقبض أرواح الأسرى
  • "عربات جدعون": هل يمكن لخطة إسرائيل لاحتلال قطاع غزة أن تقضي على حركة حماس؟
  • ماهي الأدوار المهمة التي يمكن أن يلعبها الإعلام في السودان في فترة ما بعد الحرب
  • ما الذي يجبر مواطن بكل قواه العقلية أن يتخذ موقفا ضد بلده بهذا الشكل المخزي والقبيح؟