غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
تاريخ النشر: 18th, May 2025 GMT
بقلم : سمير السعد ..
في عالمٍ تُثقله الحروب وتغرقه الفواجع، تبرز قصيدة “تهويدة لا تُنيم” للشاعر العراقي غسان حسن محمد كصرخة شعرية تحمل وجع الوطن، وتجسِّد الإنسان العراقي في زمنٍ لم يعد فيه للتهويدات مكان، ولا للطفولة حضنٌ آمن. غسان، ابن العمارة ودجلة والقصب، هو شاعر يكتب بقلبه قبل قلمه، ويغزل قصائده من نسيج الوجع العراقي بأدقّ خيوط الإحساس وأصفى نبرة صدق.
يفتتح الشاعر قصيدته بمشهد يختزل حجم الانهيار الداخلي في صورة جسدية/معمارية رمزية:
“من ربّت على ظهرِ الجسر..،
حتى انفصمت عُراه.”
ليتحوّل الجسر، رمز العبور والحياة، إلى معبر نحو الفقد والانفصال، ولتمتدّ صورة اليُتم على النهر كلحن لا يُفضي إلى الوصول:
“ليمتدَّ اليتمُ على كامل النهرِ،
يعزفُ لحنَ اللاوصول؟!”
هنا لا يتحدث الشاعر عن اليتيم بمعناه الفردي، بل يُحوّله إلى حالة جماعية تسري في جسد المكان، حالة بلد بأكمله يُرَبّى على غياب الآباء، وانقطاع الحكايات.
تدخل الحرب بوصفها شخصية غاشمة، لا تنتظر حتى تهدأ التهويدة، بل تُباغت الزمن وتفتك بالطمأنينة:
“الحرب..،
الحرب..،
(لعلعةٌ..):
كانت أسرعَ من تهويدة الأمِّ لوليدها”
هكذا يضع الشاعر التهويدة، رمز الحنان والرعاية، في مواجهة مباشرة مع صوت الحرب، لنعرف أن النتيجة ستكون فاجعةً لا محالة. ولا عجب حين نسمع عن الوليد الذي لم تمنحه الحياة حتى فرصة البكاء:
“الوليدُ الذي لم يفتر ثغرهُ
عن ابتسام..”
فهو لم يعرف الفجيعة بعد، ولم يلعب، ولم يسمع من أبيه سوى حكاية ناقصة، تُكملها المأساة:
“لم يَعُد أباه باللُعبِ..,
لم يُكمل حكايات وطنٍ..،
على خشبتهِ تزدهرُ المأساة لا غير.!”
في هذا البيت تحديدًا، يكشف غسان عن قدرة شعرية مدهشة على تحويل النعش إلى خشبة مسرح، حيث لا تزدهر إلا المأساة، في تورية درامية تفتك بالقلب.
ثم يأتي المشهد الفاصل، المشهد الذي يُكثّف حضور الغياب:
“عادَ الأبُّ بنعشٍ.. يكّفنهُ (زهرٌ)
لم يكُن على موعدٍ مع الفناء.!”
فالموت لم يكن مُنتظرًا، بل طارئًا، كما هي الحرب دومًا. لقد كان الأب يحلم بزقزقة العصافير، وسنابل تتراقص على وقع الحب:
“كان يمني النفسَ
بأفقٕ من زقزقات.،
وسنابلَ تتهادى على وقع
أغنية حبٍّ..
تعزفها قلوبٌ ولهى!”
بهذا المشهد، يقرّب الشاعر المأساة من القلب، يجعل القارئ يرى الأب لا كمقاتل، بل كعاشق كان يحلم بأغنية، لا بزئير دبابة. حلمُ الأب كُسر، أو بالأدق: أُجهض، على خيط لم يكن فاصلاً، ولا أبيض، بين الليل والنهار:
“حُلم أُجهض على الخيط
الذي لم يكن فاصلاً..،
ولا ابيضَ..
بين ليلٍ ونهار”
لا زمن في الحرب، لا بداية ولا نهاية، ولا فاصل بين حلمٍ وحطام. فالحرب تعيش في الفراغ، وتُشبع نهمها من أجساد الأبناء دون أن ترمش:
“ذلك أن لا مواقيت لحربٍ..
تُشبعُ نهمَ المدافع بالأبناء..”
وفي النهاية، تأتي القفلة العظيمة، القفلة التي تحوّل الحرب من آلة صمّاء إلى كائنٍ لو امتلك عيناً، لبكى، ولابتسم الطفل:
“فلو كانَ للحربِ عينٌ تدمع.،
لأبتسم الوليد!”
ما أوجع هذا البيت! إنه انقلابٌ شعريّ كامل يجعل من التهويدة التي لم تُنِم أيقونةً لفجيعة كاملة، وابتسامة الوليد غاية ما يتمنّاه الشاعر، وكأنّها وحدها قادرة على إنهاء الحرب.
غسان حسن محمد الساعدي ، المولود في بغداد عام 1974، والحاصل على بكالوريوس في اللغة الإنجليزية، هو عضو فاعل في اتحاد الأدباء والكتاب في العراق. صدرت له عدة مجموعات شعرية ونقدية منها “بصمة السماء”، و”باي صيف ستلمين المطر”، و”أسفار الوجد”، إضافة إلى كتابه النقدي “الإنصات إلى الجمال”. شاعرٌ واسع الحضور، يكتب بروح مغموسة بجماليات المكان وروح الجنوب العراقي، وينتمي بصدق إلى أرضه وناسها وتاريخها الأدبي والثقافي.
شاعر شفاف، حسن المعشر، لطيف في حضوره، عميق في إحساسه، يدخل القصيدة كمن يدخل الصلاة، ويخرج منها كما يخرج الطفل من حضن أمه، بكاءً وشوقًا وحلمًا. هو ابن العمارة، وابن دجلة، وابن النخيل والبردي، يدخل القلوب دون استئذان، ويترك فيها جُرحاً نديًّا لا يُنسى.
في “تهويدة لا تُنيم”، لا يكتب الساعدي الشعر، بل يعيش فيه. يكتب لا ليواسي، بل ليوقظ. لا ليبكي، بل ليُفكّر. قصيدته هذه، كما حياته الشعرية، تُعلن أن الشعر ما يزال قادراً على فضح الحرب، وردّ الضمير إلى مكانه، لعلّ الوليد يبتسم أخيرًا.
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات الذی لم
إقرأ أيضاً:
تفسير رؤيا «البكاء» في المنام لابن سيرين
يشغل بال العديد من الأشخاص وتحديدًا النساء، معرفة تفسير الأحلام بشكل دوري، حيث تأتي رؤيا البكاء في المنام، أحد أكثر الأحلام التي تلقى بحثًا واسعًا، لذلك يرغبون في معرفة تفسير الحلم لابن سيرين.
وتستعرض «الأسبوع»، لقرائها في السطور التالية، تفسير حلم البكاء لابن سيرين، وذلك ضمن خدمة إخبارية شاملة تقدمها لزوارها في عدد كبير من الموضوعات المختلفة والمتنوعة على مدار الساعة.
رؤيا البكاء في الحلم لها الكثير من التأويلات التي تختلف حسب الرائي نفسه، فرؤيا البكاء في منام الرجل تختلف عن رؤيا البكاء للعزباء أو للمتزوجة أو الحامل أو المطلقة، كما أنها تختلف حسب طبيعة الرؤية وحالة الرائي النفسية في الرؤية.
تفسير حلم البكاء في المناموأشار ابن سيرين إلى أن رؤية البكاء في المنام تحمل دلالات متعددة، ففي الغالب تعتبر بشرى خير وفرج قريب، خاصة إذا كان البكاء هادئًا وساكنًا، ويربط ابن سيرين بين البكاء الهادئ وطول العمر وتحقيق الأمنيات، إلا أن الأمر يختلف إذا كان البكاء مصحوبًا بالصراخ والعويل، ففي هذه الحالة قد يدل على حزن وهموم مقبلة.
ويشير ابن سيرين أيضا إلى أن البكاء المصاحب لقراءة القرآن أو تذكر الذنوب يدل على صدق التوبة وفرج قريب، ويعتقد بعض المفسرين أن البكاء في المنام قد يكون مجرد انعكاس لحالة نفسية يعيشها الرائي، حيث يفرغ فيها طاقته السلبية.
وعند رؤية المرأة المتزوجة نفسها تبكي في المنام فذلك يدل على دلالات متنوعة، ففي الغالب تشير إلى الخير والبركة، خاصة إذا كان البكاء هادئًا، وقد يشير إلى فرج قريب، أو حل لمشكلة زوجية، أو حتى رزق بطفل صالح إلا أن الأمر يختلف إذا كان البكاء مصحوبًا بالصراخ، ففي هذه الحالة قد ينذر بمشاكل أو فراق.
كما أن البكاء على طفل مريض في المنام قد يكون دلالة على نجاحه وتفوقه، ويرى المفسرون أن البكاء الشديد في المنام قد يكون تعبيراً عن الفرح والسعادة التي ستعيشها الرائية قريبًا.
اقرأ أيضاًتفسير حلم «الميت» من بعيد يموت من جديد لابن سيرين
ما تفسير حلم المرأة المتزوجة تلد وهي في الحقيقة غير حامل؟
تفسير حلم تساقط الأسنان في المنام لابن سيرين.. ما علاقته بطول العمر؟