الشاشات الحمراء.. كيف صورت السينما انهيارات الأسواق المالية؟
تاريخ النشر: 8th, August 2024 GMT
متابعة بتجــرد: في ظل الاضطرابات التي تشهدها الأسواق المالية عالمياً، تبرز الأفلام السينمائية كوسيلة فعّالة لفهم الديناميكيات المعقدة لهذه الأسواق، من خلال تسليط الضوء على قصص واقعية وأحداث مستوحاة من الأزمات الاقتصادية.
وتقدم هذه الأفلام نظرة عميقة على كيفية تأثير القرارات المالية الكبرى على الاقتصاد العالمي، وسواء كان الفيلم وثائقياً مثل Inside Job أو دراميًا مثل The Big Short، فإن هذه الأعمال توفر تحليلاً معمقاً لمفاهيم المخاطرة والمكافأة في الاستثمار، وتساهم في توعية الجمهور بمخاطر الاستثمار العالي والمكاسب المحتملة المرتبطة بها.
عيوب النظام المالي
ومن أهم تلك الأعمال الفيلم الوثائقي Inside Job عام 2010، والذي يتعرض لعيوب النظام المالي الأميركي التي تسببت في الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، ويرصد كيف أدى إلغاء التنظيم الحكومي للبنية المصرفية في الولايات المتحدة، إلى قيام البنوك الاستثمارية بغسل الأموال، والاحتيال على العملاء، واستنزاف أموال المخدرات، وكيف أصبح الرهن العقاري الثانوي بمثابة القمة التي أدت إلى انهيار هذا الهرم.
يتحدث في الفيلم دومينيك شتراوس، المدير الإداري لصندوق النقد الدولي، ولي هسين لونج، ثالث رئيس وزراء لسنغافورة، وجورج سوروس، تاجر ومستثمر أمريكي، وجيليان تيت، رئيسة تحرير فاينانشال تايمز، وشارك هؤلاء الخبراء ذكرياتهم وتحليلاتهم للكارثة المالية.
ويشرح الفيلم كيف كان من الممكن تجنب الأزمة إذا لم تكن السلطات التنظيمية والأشخاص في السلطة فاسدين، وتظهر من البداية نغمة الفيلم عبر جملة تسبق “التترات”: “لم تكن هذه الأزمة حادثًا. فلقد كانت ناجمة عن صناعة خارجة عن السيطرة”.
الفيلم تم تصويره في الولايات المتحدة وأيسلندا وإنجلترا وفرنسا وسنغافورة والصين، وحاز على جائزة أوسكار 2011، ويروي الأحداث فيه النجم الأميركي مات ديمون.
6 أشهر مضطربة
ويأتي الفيلم البريطاني The Last Days of Lehman Brothers عام 2009، المعروض على منصة “آبل تي في بلس”، ليروي الأحداث التي وقعت خلال عطلة نهاية الأسبوع التي سبقت يوم الاثنين 15 سبتمبر 2008، حيث يواجه بنك الاستثمار “ليمان براذرز” مشاكل بعد 6 أشهر مضطربة، خسرت خلالها استثماراته العقارية مليارات الدولارات، مما تسبب في انخفاض حاد في أسهمه بنسبة 75٪ خلال أسبوع واحد.
ويعد The Big Short عام 2015، أحد أكثر الأفلام الرائعة التي تدور حول أسواق الأوراق المالية، من إخراج آدم ماكاي وكتابة تشارلز راندولف وآدم ماكاي. وهو مقتبس من كتاب بنفس العنوان لمايكل لويس. تم إنتاج الفيلم من قبل براد بيت، وديدي جاردنر، وجيريمي كلاينر، وأرنون ميلشان، وبطولة كريستيان بيل، وستيف كاريل، وريان جوسلينج، وبراد بيت، وبلغت ميزانيته 50 مليون دولار وحقق 133.4 مليون دولار في شباك التذاكر.
ويتعرض الفيلم للعديد من اللاعبين الرئيسيين في إنشاء سوق مقايضة الائتمان الافتراضي، والذين سعوا إلى الرهان ضد فقاعة التزامات الدين المضمونة، وبالتالي انتهى بهم الأمر إلى الاستفادة من الأزمة المالية في عامي 2007 و2008.
كيفية إنقاذ الشركة
ومن الأفلام الهامة في هذا السياق أيضاً، فيلم Margin Call، الذي أنتج عام 2011، من إخراج جيه سي شاندور، وبطولة كيفن سبيسي وبول بيتاني وجيريمي آيرونز، ويصور يوماً في حياة بنك استثماري في وول ستريت، خلال المراحل المبكرة من الانهيار الاقتصادي في 2008، حيث أدركت إدارة البنك أن تجاوزاتها السابقة ستعود لتطاردها.
وفي خلال 36 ساعة تقريباً، تدور الأحداث حول محاولة إنقاذ مستقبل البنك الذي بات في خطر شديد، في وقت تقوم فيه الإدارة بتسريح الموظفين بلا رحمة.
انهيار اقتصادي كبير
ويروي فيلم Too Big to Fail، عام 2011، سيرة ذاتية، استناداً إلى كتاب أندرو روس سوركين (أكبر من أن تفشل: القصة الداخلية لكيفية خوض وول ستريت وواشنطن لإنقاذ النظام المالي-وأنفسهم) (2009).
الفيلم من إخراج كورتيس هانسون، وتلقى الفيلم 11 ترشيحاً في حفل توزيع جوائز إيمي الثالثة والستون؛ ويحكي نظرة قريبة لما حدث في عام 2008 من انهيار اقتصادي كبي ، صَاحَبَه إفلاس بنك الأخوة (ليمان) العقاري، أكبر البنوك العقارية في أمريكا، والمفاوضات بين السلطات الاقتصادية، والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وأصحاب البنك من أجل احتواء الأزمة المدمرة، وإعادة شارع المال (وول ستريت) إلى سابق عهده، واسترداد عافيته .
معضلة أخلاقية
وقدم المخرج أوليفر ستون، عام 2010، فيلمه Wall Street: Money Never Sleep، والذي تدور أحداثه في نفس الفترة الشائكة من عمر الاقتصاد العالمي، ويشارك في بطولة الفيلم مايكل دوجلاس، الذي يؤدي دور المتلاعب الماهر، الذي يعرف كيف يمكن الاستفادة من الأزمة المالية، وقد عُرض الفيلم خارج المنافسة في مهرجان كان السينمائي من العام نفسه.
وواجه رجال الأعمال في فيلم The Company Men، عام 2010، معضلة أخلاقية فرضتها الأزمة، فإذا كان سماسرة البورصة والعاملون في الشركات مسؤولين عن انهيار السوق، فهل يستحقون أي تعاطف عندما يخسرون كل شيء؟.
يستكشف الفيلم كيف أثرت التغيرات الاقتصادية على الموظفين في عدة طبقات من شركة تنهار بسبب الركود الاقتصادي، ويقدم بن أفليك دور موظف سابق في مكتب يتم فصله من العمل، ويجب عليه العمل في أعمال شاقة إلى جانب صهره الغريب الأطوار (كيفن كوستنر). وعُرض الفيلم لأول مرة عالمياً في مهرجان صندانس السينمائي السادس والعشرين.
main 2024-08-08 Bitajarodالمصدر: بتجرد
إقرأ أيضاً:
صراع الشاشات والهوية العربية في زمن «نتفليكس»
استحواذ منصة البث المرئي العملاقة «نتفليكس» على شركة «وارنر براذرز ديسكفري» للإنتاج السينمائي مقابل 83 مليار دولار، لا يجب النظر إليه باعتباره صفقة عادية في سجل عمليات الدمج والشراء التي تشهدها صناعة الإعلام العالمية بين الحين والآخر.
هذا الاستحواذ بهذا المبلغ غير المسبوق يمثل، في تقديري، تحوّلًا ثقافيًا أكثر عمقًا واتساعًا من مجرد انتقال ملكية شركة إلى يد شركة أخرى، وإعادة توزيع قوى التأثير والهيمنة في العالم، وتوجيه مسار صناعة الترفيه نحو شكل جديد من الهيمنة الناعمة التي تمارسها المنصات الرقمية على الوعي واللغة والوجدان الجمعي لشعوب العالم، من خلال المحتوى السمعي والبصري الأكثر انتشارا وتأثيرا.
الصفقة التي أعلن عنها الجمعة الماضية، وجمعت بين منصة البثّ المرئي الرقمية الصاعدة وبين مؤسسة الإنتاج السينمائي التي تمتد جذورها لأكثر من مائة عام، تؤكد انتقال مركز الثقل الثقافي من التلفزيون التقليدي والسينما الكلاسيكية إلى منصات البث الرقمي العملاقة.
هذه المنصات لم تعد تكتفي بعرض المحتوى المرئي فقط، وتقوم إلى جانب ذلك بالمشاركة في إنتاجه وامتلاكه وتمويله والتحكم في وصوله للجمهور العالمي، الذي يُعاد تشكيله وفق نمط استهلاك سريع قد يضعف الهوية الوطنية ويحولها إلى هوية عالمية شديدة الاتساع والخطورة في الوقت نفسه.
شركة «نتفليكس» التي بدأت قبل عقدين من الزمن كخدمة تأجير أقراص فيديو ممغنطة «سي دي»، ثم تحولت إلى منصة بث تنافس القنوات التلفزيونية الفضائية، وأصبحت اليوم فاعلا إعلاميا مركزيا، ومؤسسة ثقافية كبرى تقود خدمات البث التليفزيوني التدفقي وتتحكم في الثقافة العالمية.
واقع الأمر أن استحواذ «نتفليكس» على شركة «وارنر براذرز» والشركات التابعة لها مثل شبكة «اتش بي أو» و «اتش بي أو ماكس» ، مع استثناء شبكة الأخبار العالمية «سي إن إن» التي سوف تنتقل إلى كيان منفصل، يندرج ضمن ما يمكن وصفه بأنه نموذج جديد من الهيمنة الإعلامية والثقافية من خلال السيطرة على مكتبات ضخمة من الأفلام والمسلسلات التي شكلت الذاكرة البصرية لأجيال كاملة.
وتكمن خطورة هذا التحوّل، في حرمان الجمهور من حقه في اختيار المحتوى التلفزيوني الذي يتعرض له، كما كان الأمر قبل سنوات، وإجباره على الاختيار من العروض التي تقدمها المنصة وما تقترحه خوارزمياتها، وما تدفعه إلى أعلى قوائم المشاهدة.
وهو ما يفسّر مخاوف صناع السينما ونقابات العاملين فيها، والمشرعين الأمريكيين من التحالف الجديد، مثل تراجع المنافسة، وإمكانية ارتفاع أسعار الاشتراك، وتقليص التنوع، فضلًا عن احتمال فقدان آلاف العاملين في هذه الصناعة وظائفهم، في ظل تضييق المساحات أمام شركات الإنتاج الأصغر أو الإنتاج المستقل الذي لا يملك التمويل الكافي.
هذا التحول في المشهد الإعلامي العالمي يبدو في ظاهره بعيدًا عنا في العالم العربي، لكن تأثيره يصل إلينا أسرع مما نتصور. فتضخم المنصات العالمية وتمركز حقوق البث في أيدي عدد قليل من الشركات والشبكات العملاقة يعني عمليًا أن الفضاء السمعي البصري العربي سوف يُعاد تشكيله وفق ما تنتجه الشركات الكبرى وليس وفق احتياجاتنا الثقافية.
ولا شك أن المحتوى التلفزيوني الأجنبي فائق الجودة والتكلفة الذي يحاصرنا من كل جانب ويقتحم شاشات الهواتف المحمولة والمنازل، وحتى السيارات يضع الإنتاج التلفزيوني والسينمائي العربي أمام تحد قاس وأزمة حقيقية، ويحتاج جهدا مضاعفا لكي يظهر وينافس ويشاهد، خاصة في ظل ضعف التمويل وغياب البنية الإنتاجية التحتية الشاملة القادرة على حماية هذا الإنتاج ومنحه القدرة على الانتشار عالميًا.
في ظل هذا التمدد السريع لمنصات البث الرقمية، يصبح من المشروع أن نسأل أنفسنا: ماذا يتبقى من الخصوصية الثقافية العربية إذا كان معظم ما يشاهده الشباب العربي أُنتج في بيئات ثقافية مختلفة؟ وكيف يمكن أن نحافظ على القيم المحلية في ظل التدفق غير المحدود لحكايات غربية مصنوعة بميزانيات ضخمة، وحرفية عالية وجودة من الصعب منافستها؟
في تقديري أن الأمر لم يعد مجرد صراع حضاري تقليدي بين ثقافة وأخرى، وتحول إلى صراع «هويات»، وسباق محموم على استعمار الذاكرة البصرية للشعوب، والسيطرة على الصورة التي ترى بها نفسها وتدرك بها العالم.
فالخيال الذي يُصنع في «هوليوود»، ويُضَخّ بكميات هائلة ونسخ مترجمة ومدبلجة عبر المنصات العملاقة مثل «نتفليكس»، لم يعد يحتاج تصريحا أو موافقات للبث، ويحتاج فقط اشتراكا شهريا لا يتعدى الريالات الخمسة ليصل إلى كل أفراد الأسرة؛ لكي يؤثر في اهتمامات ومعارف واتجاهات وربما قيم ومعتقدات وقناعات الجمهور العربي.
مع كل اندماج مشابه لصفقة «نتفليكس» الأخيرة، تتراجع الثقافات المحلية خطوة نحو الوراء لحساب الثقافة الغربية المهيمنة. هذا التراجع سوف يستمر ويتسع إذا ظلت أوضاعنا الإعلامية كما هي دون تغيير، ودون أن يكون لدينا رؤية استراتيجية للحفاظ على الهوية والثقافة العربية من خلال إنتاج مرئي قوي.
في هذا التوقيت الحرج علينا أن نتخذ خطوات للأمام. وأول هذه الخطوات تتمثل في إدراك الحجم الحقيقي للمشكلة وتداعياتها التي ربما تكون كارثية على الأجيال القادمة، وبعد ذلك يمكن التفكير في بدائل ومنصات تليفزيونية وسينمائية عربية رقمية قوية قادرة على المنافسة وإعادة الجمهور إلى الشاشات الوطنية، خاصة ونحن نملك رصيدا تاريخًيا كبيرا، وآداب وفنون ثرية، ومكتبات جيدة من المنتجات الدرامية العربية التي كانت مزدهرة في عقود سابقة. نحتاج إلى صناعة تليفزيونية تقوم على سلاسل إنتاج متكاملة، من الكتابة والتمويل والتصوير إلى التوزيع والتسويق والبث.
هذه الصناعة تحتاج مؤسسات قوية وصناديق دعم وإرادة سياسية وثقافية جادة.
رغم هيمنة «نتفليكس» وأخواتها على سوق البث التلفزيوني، تبقي الفرصة قائمة. العالم اليوم يبحث عن قصص جديدة وهويات وثقافات مختلفة، والمنصات الكبرى تحتاج إلى محتوى يثري مكتباتها ويبرز تنوعها. وقد رأينا كيف أثبتت بعض الأعمال الدرامية العربية قدرتها على الانتشار العالمي، ولاقت رواجًا واسعًا خارج حدودها حين حصلت على فرص عادلة.
المشكلة ليست في مواجهة «نتفليكس» أو منع بثها فقد أصبح هذا الأمر مستحيلا. المشكلة كيف نواجه الغزو الثقافي القادم عبر هذه المنصة وغيرها؟ والحل في اعتقادي في قيام تحالفات إنتاج فنية عربية، وسن تشريعات تسهّل الاستثمار الثقافي للحفاظ على الأمن الثقافي والوعي الجمعي للأمة العربية.
حين نتحدث عن المستقبل، فإن الزمن، كما يقال، لا ينتظر المترددين والمهمشين. وخلال السنوات القليلة القادمة قد نشهد اندماجات إعلامية أكبر قد تركز الثقافة العالمية كلها في يد ثلاث أو أربع منصات رقمية عملاقة فقط.
وإذا لم يتحرك العالم العربي الآن، فقد نجد أنفسنا في موقع المستهلك الأبدي للمنتج الثقافي الغربي. الأخطر أن ذلك يحدث دون ضجيج وبصمت ناعم تتسلل من خلاله الدراما التلفزيونية والأفلام السينمائية والأغاني والرسوم المتحركة.
يبدأ الأمر بمشاهدة واسعة للمحتوى العالمي، ثم يتحول مع الوقت إلى تطبيع ثقافي وجمالي ولغوي، يقلص المساحات المخصصة للثقافة المحلية في العقل الجمعي العربي، ويضعف الثقة في الذات الإبداعية العربية.
إن استحواذ «نتفليكس» على «وارنر براذرز» في صفقة تفوق ميزانيات بعض الدول، لم يبتلع شركة فقط، وكشف موقعنا الحقيقي في ساحة إعلامية عالمية جديدة تقوم على الإنتاج الضخم والتوزيع العابر للحدود والتأثير التراكمي طويل المدى.
والسؤال الذي يجب ألا يغيب عن أذهاننا هو: هل نترك المنصات العالمية تشكل وعي شعوبنا كما تشاء؟ أم نبدأ اليوم بتأسيس منصات وصناعات ومختبرات إبداع محلية قادرة على حمل صوتنا ورواية القصة من وجهة نظرنا، وقبل أن تتآكل هويتنا العربية؟