قدامى اللاعبين… نجوم الأمس وصُنّاع جيل الغد
تاريخ النشر: 10th, December 2025 GMT
#قدامى_اللاعبين… #نجوم_الأمس وصُنّاع جيل الغد
الأستاذ #الدكتور_أمجد_الفاهوم
في كل محافظة من محافظات الوطن كنوز بشرية مذهلة، لا تُقاس بما أنجزته من أهداف أو بطولات فحسب، بل بما اختزنته من قيم وانضباط وإصرار وذكريات صنعت وجدان الملاعب. فهولاء اللاعبون القدامى الذين غادروا الأضواء لم يغادروا الروح، وما زال في صدورهم شغفٌ قادر على إشعال طاقة الشباب وصناعة وعي جديد.
فالرياضة ليست لعبةً أو منافسة فقط، بل مدرسة تُعلّم الشباب معنى الالتزام، وقيمة التعاون، وجمال روح الفريق، وقدرة الإنسان على تجاوز الألم والانتصار على النفس قبل خصمه. فاللاعب القديم هو الشاهد الذي يعرف كيف يتحول الحلم إلى إنجاز، وكيف تصبح الخسارة درساً يربّي الإرادة لا يكسِرها. وحين يقف أمام الناشئة، فهو لا يقدّم تمرين ركض أو مهارة تسديد، بل يمنحهم درساً في الحياة، ومعنى أن يعيش الإنسان بهمة وكرامة.
مقالات ذات صلةوبعد البحث والاستقصاء فإن الآلية المثلى لتوظيف هذه الخبرات تبدأ بدمجهم رسمياً في البنية الوطنية ذات العلاقة بالشباب. فوزارة الشباب ووزارة التربية والتعليم قادرتان على تصميم برنامج وطني شامل يُطلق عليه مثلاً «سفراء صناعة الإنسان»، يضم لاعبين محترفين سابقين من مختلف المحافظات، يمنحهم الدور في الإرشاد، والتدريب، وقيادة ورش العمل، وتنظيم المبادرات المدرسية والشبابية، واحتضان الفِرق الناشئة في المدارس والمراكز.
هؤلاء السفراء يمكن أن يتحوّلوا إلى منارات تربوية داخل المدارس والنوادي الرياضية والمراكز الشبابية، يوجّهون السلوك، ويرفعون مستوى الوعي، ويُنمّون مهارات الحياة المرتبطة بالقيادة، والتعاون، والانضباط، وإدارة الضغوط، والقدرة على اتخاذ القرار. إنهم قادرون على أن يكونوا قدوة تمشي على الأرض، تزرع في الشباب ثقافة الإنجاز بدلاً من ثقافة التذمر، وثقافة المحاولة بدلاً من ثقافة لوم الآخرين او ثقافة الفشل ، وتُعيد تعريف معنى الروح الرياضية بأن تكون نهجاً للحياة لا مجرد سلوك في الملعب.
وعلينا ان لا ننسى بأن هذا الدور لا يمكن أن يكتمل دون البلديات ووزارة الإدارة المحلية. فالبلديات تمتلك البنية المجتمعية والمساحات الرياضية العامة، وهي الحلقة الأقرب للناس. ويمكنها أن تكون الشريك العملي الأهم في ترسيخ مبادرات التدريب الرياضي والتوعية الشبابية داخل الأحياء والقرى. كما تستطيع البلديات أن تُجهّز ملاعب صغيرة، وساحات متعددة الاستخدامات، وقاعات مجتمعية، ونوادٍ محلية، وتعمل على جعلها في متناول اصحاب المبادرات من اللاعبين القدامى ضمن برنامج «سفراء صناعة الإنسان». كما يمكن للبلديات أن تنظّم مهرجانات، ومسابقات رياضية، وأيام توعوية، ومعسكرات صيفية يقودها الرياضيون القدامى، فتتحول المساحات العامة إلى مختبرات تدريب اجتماعي وتربوي وليست مجرد أماكن للركض واللعب.
أما وزارة الإدارة المحلية، فهي الجهة القادرة على تحويل البلديات من إدارة خدمات إلى إدارة تنمية مجتمعية، ودمج الرياضة وتنمية الإنسان ضمن خططها السنوية وبرامجها التمويلية، وإشراك اللاعبين القدامى كمكوّن ثقافي وتربوي يخدم المجتمع المحلي. الوزارة تستطيع أن تضع تعليمات واضحة لتمكين البلديات من دعم المبادرات الرياضية الشبابية، وتوفير حوافز مالية أو لوجستية للمشاريع التي يقودها اللاعبون القدامى في التدريب، الإرشاد، والأنشطة المجتمعية.
الأندية الرياضية أيضاً مطالَبة بأن تفتح أبوابها أمام لاعبيها القدامى، ليس بمنصب شرفي فقط، بل كصانعي ثقافة داخل فرق الفئات العمرية، ومستشارين في رؤى التدريب، ومُلهمين لإدارة النزاعات داخل الفرق، وداعمين للصحة النفسية للشباب. إن اللاعب القديم يشبه شجرة عتيقة جذورها عميقة في الأرض، قادرة على أن تظلّل برعايتها الطاقات الناشئة حتى تقوى وتزدهر.
وإذا تكاملت هذه الأدوار — وزارتي الشباب والتربية، الأندية الرياضية، البلديات ووزارة الإدارة المحلية — فإن الرياضة تتحوّل من نشاط ترفيهي إلى منصة لبناء الإنسان، وصناعة مواطنة مسؤولة، وتعزيز قيم الانتماء والمثابرة واحترام الجهد. وعلى الجميع ان يدرك بأن الشباب لا يحتاجون إلى ملاعب فقط، بل إلى نماذج بشرية عاشوا معها لحظات النصر والانكسار، وفهموا من خلالها أن قيمة الإنسان لا تُختصر بنتيجة مباراة، بل بالأثر الذي يتركه في مجتمعه.
ورسالتي للاعبين والمسؤولين على السواء بأننا عندما نستعيد تجربة القدامى ونحييها في جسد المؤسسات، تصبح الرياضة رسالة لا لعبة، ورشداً لا ترفيهاً، وبناءً للوعي لا مجرد تسلية. وحين تتلاقى الخبرات مع الحماس، يصبح الوطن أكبر من ملعب، ويصبح الشباب أكبر من لاعب… يصبحون إنساناً يعرف طريقه، ويحمل داخله روح الفريق، وثقة بأن المستقبل يمكن أن يبدأ بخطوة واحدة، لكنها خطوة بالإتجاه الصحيح يقودها قدوة حقيقية صنعت مجدا وتبدع لتصنع جيلا منتميا.
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
هيئة حقوق الإنسان لمنظمة التعاون الإسلامي تعقد دورتها العادية السادسة والعشرين بجدة
تعقد الهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي دورتها العادية السادسة والعشرين خلال الفترة من 14 – 18 ديسمبر 2025 وذلك في جدة، بحضور الدول الأعضاء في المنظمة والدول التي تحمل صفة مراقب ومؤسساتها الوطنية المعنية بحقوق الإنسان، وخبراء من المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة، إلى جانب كبار موظفي الأمانة العامة للمنظمة وممثلين عن وسائل الإعلام.
ويشكّل الشباب في الدول الأعضاء في المنظمة (30%) من إجمالي عدد الشباب في العالم حوالي (350) مليون نسمة، ومن منطلق اهتمام دول العالم الإسلامي بدعم وتعزيز حقوق تلك الفئة تعقد الهيئة مناقشتها حول موضوع “تنمية الشباب: الفرص والتحديات من منظور حقوق الإنسان”.
وسيشارك في المناقشات التي ستكون على مدار يوم كامل خبراء دوليون من الأمم المتحدة وغيرها من الكيانات ذات الصلة والمؤسسات المتخصصة في منظمة التعاون الإسلامي إلى جانب ممثلين عن الدول الأعضاء والدول التي تحمل صفة مراقب ومؤسساتها الوطنية المعنية بحقوق الإنسان.
وتأتي هذه الدورة لتكون منصة حيوية للدول الأعضاء والخبراء الدوليين والجهات المعنية لدراسة أبعاد حقوق الإنسان في تنمية الشباب، ومواجهة التحديات، وتحديد إجراءات فاعلة لتمكين الشباب كأبرز العناصر لتحقيق التغيير الإيجابي والابتكار والتنمية المستدامة في جميع دول المنظمة، وسيتم خلال اليوم الثاني عقد حوار رفيع المستوى لإشراك الشباب في الجهود الإنسانية وبناء السلام والتنمية في مرحلة ما بعد النزاع.
وتشهد أعمال الهيئة أيضًا حوارًا رفيع المستوى لتسليط الضوء على الدور الأساسي للشباب في إعادة بناء المجتمعات المتضررة من الحروب والاحتلال والأزمات الإنسانية، لتعزيز مشاركة الشباب في جهود الإغاثة وعمليات المصالحة والتخطيط الإستراتيجي للتنمية المستدامة، والإسهام في السلام على مستوى الأسر والمجتمعات.