هل يجب تناول أدوية إنقاص الوزن مدى الحياة؟ خبراء يجيبون
تاريخ النشر: 11th, August 2024 GMT
أحدثت أدوية إنقاص الوزن الجديدة ثورة في عالم الطب بعد أن ساعدت الناس على التخلص من الوزن الزائد وتحسين صحتهم. ومع ذلك، تحمل هذه الأدوية في طياتها أسئلة مهمة حول الآثار طويلة الأجل والاستخدام المستمر.
ويرى أخصائيو طب السمنة، وفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أن هذه الأسئلة أصبحت شائعة مع فقدان المزيد من الأشخاص للوزن باستخدام الأدوية التي تعرف بالاسم العلمي "سيماغلوتيد"، لعلاج مرض السكري أو السمنة، إذ يجد البعض صعوبة في دفع ثمن الدواء، أو لا يرغبون في البقاء على الدواء لفترة أطول.
ويؤكد أخصائي إنقاص الوزن في جامعة واشنطن، ديفيد كامينغز، أن التوقف على استخدام تناول هذه الأدوية يؤدي "في المتوسط إلى عودة الوزن بسرعة".
ويضيف في حديثه لصحيفة "نيويورك تايمز" أنه في الحالات الطبية الأخرى، مثل ارتفاع السكر في الدم ومستويات الدهون، تعود إلى مستوياتها السابقة لما قبل التحسن.
وبينما يبلغ العديد من الأشخاص أنهم اكتسبوا الوزن عند التوقف عن تناول الأدوية، فإن مقدار الوزن وسرعة عودته يختلف من فرد إلى آخر. ويقول كامينغز إن "بعض الأشخاص يخاطرون بالاستغناء عن هذه الأدوية بمجرد فقدانهم ما يكفي من الوزن".
ويؤكد الأطباء وأيضا الشركات المصنعة لمثل هذه الأدوية، وفق "نيويورك تايمز"، أنهم غير متأكدين من إمكانية أن يساعد خفض جرعة العقار في الحفاظ على الوزن، حيث تقول أليسون شنايدر، المتحدثة باسم "نوفو نورديسك"، وهي الشركة المصنعة لعلاج "ويغوفي"، إنه "لم يتم دراسة ذلك بطريقة منهجية".
من جانبه، يقول كامينغز: "يريد كثيرون إنقاص أكبر قدر ممكن من الوزن، ولكنهم لا يريدون أن يستخدموا الدواء لبقية حياتهم. والإجابة الصحيحة على سؤال كم من الوقت يجب أن تتناول العلاج؟ ربما تكون إلى الأبد".
وأظهرت دراسة أجرتها "Truveta"، وهي شركة بيانات الرعاية الصحية، أن أكثر من نصف الأشخاص الذين لا يعانون من داء السكري توقفوا عن تناول الأدوية في غضون عام، لكن حوالي ثلثهم أعاد استخدام الدواء مرة أخرى.
وفي هذا السياق، يشدد الأطباء على أن السمنة مرض مزمن، كما هو الحال مع ارتفاع ضغط الدم والأمراض المزمنة الأخرى، إذ يجب معالجته مدى الحياة، وفق "نيويورك تايمز"، التي تشير إلى أنه مع ذلك، فإنه يمكن التحكم في الوزن من خلال نمط الحياة والرغبة في ذلك.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: نیویورک تایمز هذه الأدویة إنقاص الوزن
إقرأ أيضاً:
في غزة الجائعة.. الدواء لا ينفع والمعدة خاوية
في قسم الباطنة بمستشفى المعمداني وسط مدينة غزة، يرقد الطفل النحيف مالك السعدي (14 عامًا)، وقد رفع ما تبقى من ساقه المبتورة على وسادة. لا يبدو على جسده الغض أي أثر لنعومة الطفولة، فجلده بالكاد يُخفي عظامه، وعيناه غائرتان من شدة الهزال، بينما يلتف حول ذراعه أنبوب رفيع يحمل له قليلاً من محلول الجلوكوز، تعويضًا عن وجبة لم يتناولها منذ يومين.
طفولة مبتورة وجائعة
يحدق مالك في سقف الغرفة وهو يحاول إخفاء ألمه، ثم يقول بصوت واهن: «لا نأكل غير العدس، كل يومين مرة، ما في لا خبز ولا فواكه.. الطبيب قال بدنا موز وتفاح وطحين علشان أتعافى، بس ما في». صوته ينكسر وهو يستدرك: «كلما أتعب يضعوا لي جلوكوز، لكن ليس هذا علاجًا.. جسمي محتاج طعام».
ليس الألم الجسدي وحده ما يُعذِّب مالك، بل الأشد إيلامًا أنه يسمع أخبار أقرانه وهم يتزاحمون أمام شاحنات المساعدات أملًا في كيس طحين، بعضهم يسقط قتيلًا برصاص الاحتلال، وآخرون يُدهسون تحت الأقدام.
يقول مالك بنبرة ممزوجة بالحسرة خلال حديثه لـ«عُمان»: «نفسي ألعب مع أولاد الحارة، نفسي أكون طبيعي.. لكني لا أستطيع الحركة، ومجبر على التوقف عن الأكل».
تتوقف كلماته فجأة، يغمر الصمت الغرفة، ثم تنهار دموعه على خديه الشاحبين: «يا عالم، نريد الحياة، نريد الأكل، نريد اللعب مثل باقي الأولاد». في لحظات كهذه، لا يبدو أن الجرح الأكبر في ساقه، بل في قلبه الصغير الذي ذاق قسوة الحرمان قبل أن يكتمل نموه.
وبينما يقف والده إلى جواره عاجزًا عن التفسير أو التبرير، يتمتم في يأس: «أخذت ولدي من الميدان على كرسي بعجل.. والآن هو يموت من الجوع في مستشفى لا تملك غير الجلوكوز». وما بين البتر والجوع، يكبر مالك على ذاكرة الألم، بلا طعام، بلا دواء، وبلا وعد قريب بالشفاء.
جوع يمنع الشفاء
في غزة المحاصرة، لا تتوقف المعاناة عند صوت الانفجارات أو صور الركام، بل تمتد إلى أجساد المرضى والجرحى التي تنهشها المجاعة بصمت. ففي مستشفى المعمداني، تتوالى مشاهد المرضى الذين أنهكهم الجوع وأعاق تعافيهم. لا دواء يفيد إن لم يكن هناك طعام، ولا علاج يكتمل على معدة خاوية.
يؤكد أطباء في المستشفى أن المجاعة لم تعد خطرًا وشيكًا، بل واقعًا يوميًا يعرقل عملهم ويضعهم أمام خيارات شبه مستحيلة. فالمضادات الحيوية التي تُصرف بعد الجراحات يجب أن تُتناول مع الطعام، ولكن المرضى لا يجدون لقمة تسند أجسادهم الهزيلة، فتتأخر الاستجابة للعلاج أو تسوء الحالات الصحية أكثر.
وتكشف شهادات الطواقم الطبية أن كثيرًا من المرضى يرفضون تناول أدويتهم رغم توفرها نسبيًا، لأنهم يدركون أن تأثيرها على معدة فارغة سيكون مدمرًا، وقد يُسبب نزيفًا أو قرحة. أما الجرحى، فالكارثة أعظم، إذ يظل الجرح مفتوحًا ومتقيحًا لأن الجسم، المنهك بالجوع، يعجز عن إنتاج خلايا جديدة للشفاء.
وما يزيد من فداحة المشهد أن كثيرًا من المرضى لا يعانون فقط من الإصابة، بل من ضعف عام شديد، يجعل أجسادهم أقرب للهزال المزمن، فتفشل حتى محاولات التغذية الوريدية في تحسين الوضع.
هكذا تصبح المجاعة في غزة عدوًا خفيًا لا يكتفي بتجويع الأصحاء، بل يسرق الأمل من المرضى والجرحى، ويحوّل العلاج إلى عبء لا طائل منه.
جرح يتعفن بلا طعام
على سرير مهترئ في ركن القسم ذاته، يرقد الشاب حمزة البشيتي، الذي أُصيب بشظية قذيفة في فخذه منذ ثلاثة أشهر. كان الجرح في بدايته قابلًا للعلاج، لكن مع مرور الوقت، ومع غياب الطعام والدواء، بدأت حالته في التدهور حتى ظهرت الديدان في موضع الجرح.
يقول حمزة بنبرة مغلّفة بالخذلان: «الجرح كان بسيطًا، لكن مع الجوع ونقص المضادات الحيوية، صار يتفاقم. لا نأكل شي، والأدوية قليلة، وإذا موجودة، مش قادر آخذها على معدة فاضية». يرفع الغطاء عن ساقه ليكشف عن جرح متقيح، تفوح منه رائحة نتنة تعبّر عن تآكل الأنسجة.
يشير حمزة خلال حديثه لـ«عُمان» إلى صينية فارغة بجانبه ويقول ساخرًا: «هذه وجبتي اليوم.. ولا شيء». ثم يضيف بأسى: «صار لنا شهرين والطعام شحيح، بس الآن ما في بالمرة، حتى عندما تأتي مساعدات، أراها فقط في الأخبار، وليس في الصحن».
في بعض الأيام، كما يروي، يضطر لتأجيل جرعات المضاد الحيوي ليلًا علّه يجد شيئًا يأكله قبل تناولها، لكن في معظم الأوقات، يبتلع الجرعة وهو يعلم أنها ستؤذيه. يقول بنبرة منهكة: «الجوع يسبق الدواء.. ولو في دواء، لن يعمل دون طعام.. والجسد صار هيكل».
شيخ كسير هزيل
أبو ناصر الدحدوح، مسن في أواخر الستينات، وزنه لا يتجاوز 30 كيلوجرامًا، يعاني من كسور مزدوجة في ساقيه، وسوء تغذية حاد جعله غير قادر حتى على الجلوس بمفرده. صوته بالكاد يُسمع، لكن كلماته تخرج كأنها تنهيدة طويلة من جسد أثقلته المعاناة.
يقول بصوت مرتجف: «أتغذى على نصف رغيف في اليوم.. ولا أملك أي مال للدواء، لولا أهل الخير لمت منذ زمان». يشير إلى ساقه المغطاة بمثبت طبي خارجي من التيتانيوم.
ويضيف لـ«عُمان»: «العملية تأجلت ثلاث مرات لأنه لا توجد أدوات.. الأطباء يقولون: لا يوجد معدات أو طعام يساعد الجسم يتعافى».
جوع المرضى
في حديث مع أحمد عابد، الحكيم بالمستشفى العربي المعمداني، تتجلى صورة كارثية لما يمر به المرضى والطاقم الطبي على حد سواء. يقول عابد: «أغلب المرضى يعانون من سوء تغذية حاد، لا يوجد سكر ولا طحين، ولا حتى الأساسيات.. هناك خطر حقيقي على حياتهم».
ويضيف خلال حديثه لـ«عُمان» أن مرضى السكري والضغط خصوصًا يواجهون مصاعب هائلة، لأنهم بحاجة إلى نظام غذائي متوازن لم يعد متاحًا منذ شهور، ويضطر الأطباء إلى إعطاء أدوية لا يستطيع الجسم امتصاصها بشكل سليم لغياب الغذاء الداعم.
يشير إلى أن حتى الأطفال الذين يحتاجون مكملات غذائية لم يعودوا يجدونها، «وفي حالات صعبة، نضطر لتعليق جلوكوز مكان الطعام»، ويصف المشهد بأنه «أشبه بمستشفى حرب في العصور الوسطى.. بلا دواء، بلا أكل».
جلوكوز للطواقم
مرح جاد الله، حكيمة تعمل في المستشفى المعمداني منذ خمس سنوات، لم تكن تتخيل أنها ستضطر يومًا لتعليق محلول الجلوكوز لنفسها لتُكمل نوبتها، بعد أن سقطت مغشيًا عليها من الجوع. تقول: «اضطررت أن أعلّق جلوكوز، كي أستطيع العمل».
وتوضح خلال حديثها لـ«عُمان» أن الطاقم الطبي بأكمله يعاني من ضعف وإرهاق مزمنين بسبب نقص الطعام، وهو ما يجعلهم أكثر عرضة للأخطاء ويُقلل من فاعلية التدخلات الطبية.
تقول مرح: إن المرضى يعتقدون أن الطواقم أفضل حالًا، «لكن الحقيقة إننا نجوع مثلهم تمامًا، وما في تمييز، حتى عندما نحصل على أكل، يكون قليلًا ولا يكفي دوام 12 ساعة».
وتوضح أنهم أعدّوا جدولًا خاصًا لتوزيع المحاليل الوريدية للمرضى الأكثر تدهورًا، لأنهم لا يملكون بديلًا. تختم بصوت منكسر: «نعمل ونحن نشعر أننا سنسقط في أي لحظة.. الجوع هنا للجميع، للطبيب والحكيم والممرض».
الحياة أرخص من الخبز
يصف الدكتور «بسام زقوت»، مدير جمعية الإغاثة الطبية في غزة، الوضع في القطاع بأنه انهيار شامل للمنظومة الإنسانية، موضحًا أن غزة دخلت فعليًا في مجاعة مطلقة، وأن الحالة الصحية وصلت لمستويات غير مسبوقة من الخطر.
ويؤكد في تصريح لـ«عُمان»، أن كثيرًا من العائلات في غزة تعيش على وجبة واحدة فقط إن وُجدت، بينما يلجأ بعض الآباء إلى حرمان أنفسهم لتوفير لقيمات لأطفالهم، ويغادر الشباب منازلهم بحثًا عن الطعام، ولا يعود بعضهم إلا محمولين شهداء.
أما عن الوضع الطبي، فيُشير إلى أن المستشفيات لم تعد قادرة على تقديم أكثر من خدمات إنقاذ الحياة فقط، وسط نقص فادح في الأدوية الحيوية، خصوصًا تلك المرتبطة بسوء التغذية، مثل المكملات الغذائية الضرورية للأطفال الرضع، الذين لا يجدون حتى الحليب.
ويكشف زقوت أن بعض الأمهات يترددن على المستشفيات لإرضاع أطفال أخريات لم يعد لديهن لبن، «لأن الأمهات أنفسهن جائعات ولا يستطعن إدرار الحليب». ويضيف أن الطواقم الطبية لم تسلم أيضًا من آثار المجاعة، بل إن بعض الأطباء يُجازفون بالخروج بعد دوامهم بحثًا عن المساعدات.
ويختم بتحذير مرعب: «نحن أمام سياسة إسرائيلية ثلاثية الأركان: القتل بالتجويع، شلّ عمل مؤسسات الأمم المتحدة، ودفع المجتمع نحو الانفجار.. غزة تنهار على صمت العالم».
تحذير أممي
أصدر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بيانًا عاجلًا يحذر فيه من أن المجاعة في غزة وصلت إلى مستوى غير مسبوق من اليأس، مؤكدًا أن الوضع يتجه نحو كارثة شاملة في حال استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات.
ويُشير البرنامج إلى أن الغذاء بات «الحل الوحيد المتبقي» لمنع الانهيار الكامل، داعيًا المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري دون تأخير. ويحذر من أن أي تأخير إضافي في إيصال الغذاء والدواء سيُعرض مئات الآلاف للخطر.
كما يُسلّط البيان الضوء على أن قرابة 90 ألف امرأة وطفل بحاجة ماسّة لعلاج من سوء التغذية، وسط انهيار تام في البنية التحتية الطبية وشلل كامل في سلاسل الإمداد اللوجستي.
ويؤكد البرنامج أن استمرار الوضع الراهن يُنذر بموت بطيء لعشرات الآلاف من المدنيين، وأن غزة بحاجة لتدفق منتظم ومستمر للمساعدات، وليس شاحنات محدودة لا تكفي ليوم واحد.