سواليف:
2025-06-25@16:14:03 GMT

مكاننا من الإعراب

تاريخ النشر: 11th, August 2024 GMT

#مكاننا_من_الإعراب

د. #هاشم_غرايبه

بينما كنت أحضّر مقالة عن لغتنا الجميلة غلبني النعاس، فرأيت فيما يراه النائم “سيبويه” شيخ النحاة وإمام العربية، بادرني بالسؤال: كيف الحال؟
ظننت سؤاله امتحانا في النحو فأجبته: الحال يأتي منصوبا في الغالب، قال: ليس ذاك ما سألتك عنه بل عن حال الأمة في هذه الأيام، فقلت: أما أمتنا فمنصوب عليها، قال: هذا ليس محلا من الإعراب، أم أنكم غيرتم قواعد اللغة بعدي؟!، قلت: المعذرة منك يا شيخنا، فلم نغير في ما وضعته لنا، لكن هذه صفة حالتنا بعد إذ أمسينا ولا مكان لنا من الإعراب بين الأمم.


اكفهر وجهه وصاح بي: ما الذي أوصلكم الى ذاك، لقد غادرت دنياكم وأنتم الفاعل المرفوع القامة بين كل الناس، وتقول أنكم غدوتم مفعولا به يقع عليه الفعل ولا يملك له رداً!؟؟.
أجبته منكسرا: بل أكثر من ذلك يا سيدي، فقد أصبحنا في وضع المضاف إليه مجرورين نلهث وراء من يسبقنا غير آملين في مجاراته ناهيك عن سبقه.
سألني: من الفاعل الذي أوصلكم الى ذلك؟؟، قلت: مبني للمجهول، قال: ألا تعلم أننا لا نقبل التجهيل في لغتنا، فالبلاغة تتأتى بالتعريف وأقله التلميح، قلت: الجميع يعرف الفاعل لكن في فمي ماء، قال: فهمت مرادك، فطالما كانت مصيبة الأمة في أولي أمرها، ولكني لا أقبل لكم عذرا بعد إذ اعتبركم الخالق العليم خير أمة أخرجت للناس.
قلت: لقد فقدنا هذه الصفة بعد أن تخلينا عن أسباب تحققها، فقال: ما بال أقوام كنا نعدهم من الصالحين، أين هم ممن ذكرت؟؟.
قلت: أظنك تعني العلماء والمصلحين والدعاة، مصيبتنا في هؤلاء أعظم، فقد انخرطوا في واو المعية مع السلطة، واستمرأوا دورهم كمعطوف على التوالي بدلا من كونهم جملة معترضة، واستخدموا لا النافية لظلم السلطان لتسويغ فعله، بديلا عن لا الناهية للمنكر لدى السلطان الجائر لردعه، واقتصر دور المفتي على توكيد احكامه، أما الدعاة فانصب همهم على البحث عن مفاسد جمع المذكر والمؤنث، واختصوا تاء التأنيث بالمعاصي والشرور، وانشغلوا بنواقض الوضوء عن نواقض الإيمان، في حين أن العلماء المصلحين غيبتهم السجون والمنافي، فيما استفرد المنافقون منهم بالمناصب والجاه.
قال: آه يا بني، قد أوجعت قلبي، فلا تحدثني بعد في قواعد اللغة، يبدو أنكم تمسكتم بالعربية وتركتم الدين.
خشيت أن أزيد غمه إن بينت له الحقيقة وهي أننا ضيعنا الإثنين، فقلت: اطمئن يا شيخنا فما زال الدين عامرا نفوسنا إلا من قلة لا يضرنا ضلالهم.
قال : فما خطبكم إذن؟ ألم تعلموا أن الدين روح الأمة وسر فلاحها.
قلت : تغير المراد من المصطلحات في عصرنا، فقد منعوا تدخل الدين بشؤون الناس، وجعلوه مجرد تأدية الشعائر وطاعة ولي الأمر الفاسق، أما من يعتقد بدور الدين في تنظيم حياة الناس فيطلقون عليه مسمى (الإسلامي) ويحاربونه، وأما الذي يطالب بتطبيق منهج الله فيسمونه متطرفاً ويلاحقونه، أما إذا أحسوا به ساعيا لذلك مصرا عليه فيعدونه إرهابيا، وعندها تتعاون كل استخبارات العالم على البحث عنه وقتله من غير محاكمة ولا توجيه تهم.
قال: لقد أحبطتني يابني فما انتهيتم إليه قد بات مؤلما، ليتني لم أعرف عن حالكم ما عرفت، لكنني أوصيك بأن تبلغ قومك بأنني لم أكن عربي النسب، لكنني أحببت العربية وخدمتها أكثر من العروبيين، ليس إعجابا بشجاعة عنترة ولا بكرم حاتم، بل لأن انتمائي الى منهج الأمة كان مقدما على أي انتماء آخر، وقل لهم: قدر أمتنا أنه من ابتغى العزة بغير ما أمر الله ذل..وظل يردد العبارة الأخيرة، فيما طيفه يتلاشى وأنا أناديه: أرجوك يا سيدي ما العمل؟، لكنه توارى غير مصغ لتوسلاتي، وأفقت من النوم منهكا جاف الريق، وألغيت ما كنت كتبته سابقا، مستبدلا به هذه.

مقالات ذات صلة الإرتباط الجدلي 2024/08/10

المصدر: سواليف

إقرأ أيضاً:

الجامع الأزهر: الهجرة من الباطل أساس نصر الأمة وصلاح المجتمع

عقد الجامع الأزهر، اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي (رؤية معاصرة) تحت عنوان "الصراع بين الحق والباطل" "من دروس الهجرة" رؤية فقهية. 

الهجرة النبوية.. أين اختفت الجمال الثلاثة عن أعين المشركين؟ معجزات ربانيةملتقى الأزهر يناقش «الهجرة والتحول الحضاري» في إطار معالجاته لقضايا العصر

ويستضيف الملتقى: الدكتور حسن الصغير، المشرف العام على لجان الفتوى بالأزهر الشريف، والأمين المساعد لمجمع البحوث الإٍسلامية، والدكتور مجدي عبد الغفار، الرئيس السابق لقسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين، وأدار الحوار الدكتور هاني عودة، مدير الجامع الأزهر.

في مستهل الملتقى أكد الدكتور مجدي عبد الغفار على أن الصراع الدائر بين الحق والباطل صراع متواصل، وعلينا الحذر من مسلك أهل الباطل الذين يكونون سببا في الضرر لكل من حولهم، مع ضرورة  الانحياز إلى سبيل أهل الحق لما يجلبه من رحمة وخير وعدل، لأن الأمة الإسلامية هي أمة الحق لهذا قال القرآن الكريم: ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. 

وفي هذا دليل على أن هذه الأمة تنطلق إلى الحق لتظل راية الحق خفاقة في كل مكان، كما أن نصرة الحق شرف لا يحاذيه شرف، ولنعلم أن نصرة الحق تتطلب عزيمة وصبرا وتحملا للمشقة، لما يترتب على ذلك من جزاء عظيم؛ وهو رضا الله سبحانه ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم.

وأوضح الدكتور مجدي عبد الغفار أن هناك أربع قواعد أساسية للدفاع عن الحق، أولًا: من الخطأ الاعتقاد بأن من لا يعرف الحق سيدافع عنه أو ينصره في يوم من الأيام، وعلينا ألا ننخدع بالشعارات التي في ظاهرها دعوة للحق وفي باطنها مكيدة وخدعة لإلحاق الإضرار بنا، ثانيًا: لا يمكن أن يدافع عن الحق من لا يحسن عرضه أو لا يستطيع الدفاع عنه، لأنه سيكون في هذه الحالة كمن يقتل نفسه، ثالثًا: يجب أن يمتلك المدافعون عن الحق الفراسة لمعرفة المواطن الصحيحة لنصرة هذا الحق، رابعًا: من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يعرف مسالك أهل الباطل، حتى لا ينخدع، ففي هذه القواعد الأربع ضرورة لازمة لانتصار أهل الحق وغلبتهم، وبهذه القواعد الأربع كانت دولة المسلمين الأوائل مثالًا يحتذى به في الحق، مشيرًا إلى إنه بالنظر في سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نجد أنه بعدما تآمر عليه المشركون سعيًا لإجهاض الدعوة التي جاء بها، جاءت مكيدتهم لتؤكد أن أهل الباطل يتكاتفون فيما بينهم، وأن ما يجمعهم هو التكالب على الحق، ولذلك، اختاروا فتى شابًا من كل قبيلة، درءًا لمطالبة أي طرف بالثأر لنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، هذا هو الواقع الذي نشهده اليوم، أن تجمع مواطن القوة في كل دولة كبرى لتوحيد جهودهم ضد هذه الأمة.

من جهته ذكر الدكتور حسن الصغير أن الصراع بين الحق والباطل هو في حقيقته صراع داخلي، وهجرة كل منا من الباطل الكامن في داخله هي هجرة واجبة في هذه الأيام، وهذا هو ما يفهم من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية" وحديثه صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه"، ونحن أحوج ما نكون هذه الأيام إلى هذه الهجرة الداخلية التي تحقق صلاح الإنسان مع ذاته ومع من حوله، ويجب أن ندرك الحق الحقيقي كي لا ننخدع بالدعوات الزائفة، وعلينا أن نكون أكثر تفاؤلاً، فالنظرة السوداوية قد تسقط الإنسان في شراك الباطل.

وبين الدكتور حسن الصغير أن الوفاء بالحقوق المتبادلة بين الناس يعتمد بشكل كلي على هذه الهجرة الداخلية، فمن المستحيل أن تؤدى هذه الحقوق ما لم يتمسك الإنسان بالحق، وينتصر داخليًا على رغبات الباطل ويتجرد منها كليا، وأشار إلى أن الخلافات المستشرية في مجتمعاتنا اليوم بين الأزواج، وبين الأخوة في قضايا الميراث، وبين التجار، إلى أخره، لا سبيل لإصلاحها إلا بامتلاك الإنسان القدرة على هذه الهجرة الداخلية، وما نرصده اليوم من أنماط من الانحراف في السلوك تحتاج منا إلى ضرورة العودة إلى طريق الحق، كما أن ما تواجهه أمتنا اليوم من تحديات لا يمكن لأمتنا أن تحقق النصر فيه، بدون هذه الهجرة الداخلية لأفرادها،  لأن انتصار الحق داخل الأفراد ينعكس على الواقع العام لهذه الأمة.

من جانبه شدد مدير الجامع الأزهر على ضرورة أن يتوافق الحق مع شرع الله تعالى، وأن يدعو إلى الخير والعدل والرحمة، إذ إن كل ما يخالف ذلك ويقود إلى الظلم والفساد والضلال؛ فهو باطل لا خير فيه، وهذا أمر يجب أن ندركه جميعًا، فالصراع بين الباطل والحق لن يحسم لصالح الحق ما لم نلتزم به بالحق والخير في كل شيء، فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، رغم كل ما تعرض له من أذى، كان دائمًا داعيًا للحق والصلاح، لهذا كان النصر حليفه في كل خطوة يخطوها،  ولو تأملنا في صراعات الحق والباطل عبر الأمم السابقة؛ حينها سندرك أن الغلبة في نهاية المطاف كانت دائمًا للحق، وهذه سنة كونية نتيجتها حتمية لهذا الصراع الأزلي، الذي مهما تعددت أشكاله، فإن نتيجته لا تتغير، وما يحدث في العالم اليوم من كيل بمكيالين ليس دعوات للحق والصلاح كما يحاولون أن يخدعونا، بل هو باطل يسعون من خلاله إلى باطل آخر.

يُذكر أن الملتقى "الفقهي يُعقد الاثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى الفقهي إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وفقا للشريعة.

طباعة شارك الجامع الأزهر الأزهر الشريف الملتقى الفقهي الهجرة دروس الهجرة

مقالات مشابهة

  • اعتقال مدير فرع تجارة الحبوب و3 موظفين في صلاح الدين
  • دروس وعبر
  • يعلن شرف الدين محمد الشريف عن فقدان سجل تجاري
  • كيف تستقبل الأمة الإسلامية العام الهجري الجديد 1447؟
  • الجامع الأزهر: الهجرة من الباطل أساس نصر الأمة وصلاح المجتمع
  • المكاتب الحكومية في إب تُحيي ذكرى يوم الولاية
  • ما بعد حرب إيران والكيان.. ومستقبل الصراع في غزة
  • الشيخ خالد الجندي: الإسلام الدين الأكثر انتشارا رغم كل محاولات التشويه
  • السيطرة على تسرب لغاز الكلور في معمل بصلاح الدين
  • فعالية خطابية لعدد من المكاتب التنفيذية في تعز بذكرى يوم الولاية