سواليف:
2025-05-11@00:22:48 GMT

تأملات قرآنية

تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يبتدئ الله تعالى سورة الأعلى بقوله: “سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى. الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى”.
في مقالة سابقة عرضت تأملاتي في الآيتين الأولى والثانية، وأرجأت الثالثة: “وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى” لضيق المجال.
لغويا (قدّر) لها معانٍ متعددة، وأقربها لسياق الآية هو الحكم والقضاء وموازنة الأمر وتسويته وتهيئته لتـأتي النتائج وفق المراد، لكن اللافت للتأمل هو الربط بين التقدير والهداية بفاء العطف التي تفيد التتابع القريب.


ان التقدير هو السمة العامة لكل ما خلقه الله في الكون العظيم الاتساع، وفي المخلوقات الهائل تنوعها، وفي النفس البشرية البالغة الدقة والابداع، وفي كل ما توصل الانسان لمعرفته، فالمتأمل فيه يجده متّسما جميعه بالخلق المحكم، والدقة الفائقة، والانتظام والتناغم، وهذا شيء ملموس مهما كان الإنسان متقدما في العلم أو أو متأخرا.
هذا الأمر لا يدركه من المخلوقات غير الإنسان، الذي يفترض أنه لامتلاكه العقل وأدواته المنطقية، أن يتوصل الى أن انه بسبب كمال خلق المخلوقات جميعها، فلا عيب مصتعي فيها، ولا نقص في أداءها لمهامها، أن هنالك خالق حكيم هو من صنعها.
وبمنطق الحسابات الرياضية فقط، ومن غير أنبياء يهدونه، يمكن للإنسان الاستنتاج بأن الانسان خلق من أب أول وأم أولى وليس تطورا من سمكة ولا قرد، فمعروف أن كل انسان جاء مولودا من أنثى بعد تزاوجها مع ذكر، لذا وبالحساب رجوعا، سنتوصل الى حتمية بدء السلسلة بوجود ذكر أول وأنثى أولى معا، في مكان واحد من الكرة الأرضية الفسيحة، وفي زمن واحد (ضمن 50 عاما على الأكثر) من الزمن السحيق المفترض وهو ملايين السنين، ليلتقيا ويتزاوجا، وفكرة تطور الانسان من كائن أولي لا يمكن ان تحقق تطوره بصورة الجنسين معا بعامل الصدفة، فالتباين هائل بين تكوين الأعضاء التناسلية الذكرية والأنثوية، كما أن الدقة الهائلة والإحكام الباهرفي وصول الحيوان المنوي الى البويضة، يفترض إحكاما هائلا وتقديرا دقيقا لا يقبل الخطأ منذ بداية الخلق، ولا يمكن تصور تطور ذلك لملايين السنين عشوائيا وبقاؤه باتجاه واحد ولملايين الأنواع من الكائنات الحية، فهذا هو المستحيل بعينه، لذلك يرفض العقل نظرية التطور العشوائي لتناقض مفهوم العشوائية مع الدقة والانتظام مبدئيا، فلا يبقى من تفسير لنشأة الكائنات الحية جميعا، إلا أن كل نوع نشأ مقصودا ولدور حيوي محدد وبمواصفات وقدرات منحها له من أنشأه ولم يخترها أو يطورها بذاته، بدليل أنه لا يمكنه تغييرها أو تعديلها.
وهذه هي النظرية المطروحة حاليا، ومفادها أن هنالك قوة غير منظورة ذات قدرات مثالية تضبط ذلك التطور وتسمى التطور الذكي، لكنها تلاقى حربا شعواء من القوة الخفية المسيطرة على المؤسسات العلمية الغربية، لكونها بديلا للفكرة الغبية القائلة بالخلق العبثي بتطور كل الكائنات الحية عشوائيا من كائن أولي وحيد الخلية، والتي ظل الملحدون يتبنونها.
وبالعقل أيضا فقط، وبلا رسالات هادية مبينة، يفترض أن يتوصل الانسان بالاستنتاج أنه بما أن كل المخلوقات الجامدة تخضع لقانون فيزيائي واحد يحكمها فهي على تعددها وتنوعها وحدتها البنائية موحدة وهي الذرة ومكوناتها هي ذاتها، والتباين في مواصفاتها وخصائصها مبني على اختلاف عدد الدقائق المكونة لذرتها فقط، وليس اختلاف أنواعها، وأما الكائنات الحية فمحكومة بنظام حيوي واحد في نشوئها وتكاثرها وتغذيتها ونموها وموتها، وبما أن مهامها متكاملة وليست متناقضه، فالصانع يفترض أن يكون واحدا، فيتوصل الانسان الى ان الخالق لكل شيء هو ذاته، وهذا هو مبدأ التوحيد.
هكذا نفهم لماذا منح الله العقل للإنسان، فذلك لأنه كلفه بالأمانة، التي هي استخدامه هذه الآلة الثمينة في ما ينفعه وما يصون الكائنات الأخرى التي لا تملك خيار الاحتكام الى العقل مثله، فما يحكمها هو الفطرة التي فطرت عليها.
ولما كان أكثر ما ينفع الانسان وإيفاءه بحق الأمانة هو الاستقامة والصلاح، والتي يحققها الإيمان بوجود الله وباليوم الآخر، فقد جعل الله في القدرات العقلية البحتة، الامكانية للتفكر المنطقي في هذا التقدير الدقيق في الخلق، وسيلة الى الاهتداء لوجوده.
لكن الله الرحيم بمخلوقاته، يعلم أن كثيرا من الناس سيغلب أهواءه على عقله، فلم يدع الناس هملا بلا عناية ولا توجيه، بل أنزل اليهم الرسالات السماوية الهادية.

مقالات ذات صلة موقف عمومي 2024/08/14

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: الکائنات الحیة

إقرأ أيضاً:

عُمان صوت العقل ونهج الحكمة

 

 

د. حامد بن عبدالله بن حامد البلوشي **

عبر الأزمنة، وعلى مدار التاريخ الإنساني؛ برزت سياسة الحياد الإيجابي كنهج إستراتيجي تبنته بعض الدول واختارته لصون استقرارها، والحفاظ على لحمتها الوطنية، متجنبة التورط في النزاعات الإقليمية، والصراعات الدولية. ويتجلى الحياد في حفاظ الدولة على توازن علاقاتها مع مختلف الأطراف، دون أن تنحاز إلى جهة على حساب أخرى. ولقد اختطت سلطنة عُمان هذا المسار بثبات وحكمة، واعتمدت ذلك النهج كسياسة دائمة، فباتت نموذجًا فريدًا للدبلوماسية الرشيدة الرصينة، والسياسة العقلانية الحكيمة.

ظلّت عُمان دولة مستقلة ذات سيادة راسخة عبر العصور، ترفض التبعية والانجرار خلف القوى العالمية، وتنسج علاقات طيبة مع الشعوب شرقًا وغربًا. وهذا النهج لم يكن وليد العصر الحديث، بل بدأ منذ عهد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي في القرن الثامن عشر، وازداد وضوحًا خلال حكم السلطان قابوس بن سعيد -رحمه الله- الذي أرسى سياسة الحياد المُستنير، مكرسًا مبدأ: "لا عداء مع أحد، ولا تحالف ضد أحد"، وهو النهج الذي يواصل السير عليه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله- منذ توليه مقاليد الحكم عام 2020، مجددًا التزام السلطنة بالحياد كخيار إستراتيجي.

وفي عالم تتسارع فيه الصراعات وتضطرب التحالفات، تبرز عُمان كواحة سلام، لا تنأى عن الأحداث، بل تقدم الحياد كرسالة حضارية. تمضي بثبات الحكماء، تمزج السكينة السياسية بالفاعلية الدبلوماسية، وتبني جسور التفاهم، مناصرةً صوت العقل والحوار، ومراهِنة على الحكمة لإطفاء حرائق الجغرافيا والتاريخ.

وقد ارتكزت سياسة الحياد الإيجابي العُمانية على مجموعة من الأسس:

 التمسك بالمبادئ الدولية: وعلى رأسها احترام السيادة الوطنية للدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ورفض استخدام القوة أو التهديد بها لحل النزاعات. ويتجلى ذلك في موقفها الثابت من الأزمات الدولية والإقليمية؛ حيث حرصت على الالتزام بالقانون الدولي ودعم المبادرات الدبلوماسية السلمية. دعم الحوار كوسيلة لحل النزاعات: فهو أحد الأعمدة الأساسية التي قامت عليها الدبلوماسية العُمانية؛ حيث آمنت عُمان بأن الحلول السلمية هي الأجدى لتحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي. تعزيز التعايش السلمي والتعاون الإقليمي والدولي: فمنذ القدم، كانت عُمان ملتقى للحضارات، وجسرًا يربط الشرق بالغرب. واستمرت السلطنة في تعزيز العلاقات الودية مع مختلف الدول، وسعت إلى دعم الجهود الرامية لتحقيق السلام في المنطقة والعالم، إدراكًا منها بأن الاستقرار لا يتحقق إلا عبر التعاون المثمر، والتفاهم المتبادل.

 

وقد اتسمت السياسة العُمانية الرشيدة بعدد من الأهداف السياسية والإستراتيجية ومنها:

الحفاظ على الاستقرار الداخلي والخارجي: فقد ساعدت سياسة الحياد العُمانية في تجنيب السلطنة الكثير من الصراعات التي عصفت بالمنطقة، فبقيت عُمان واحة استقرار وسط أزمات الخليج المتتالية.  تحقيق التوازن في العلاقات الدولية: عن طريق حرص السلطنة على علاقات متوازنة مع الجميع، فجمعت بين روابطها الخليجية والعربية، وعلاقاتها المتميزة مع قوى كبرى كأمريكا والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، ما منحها حضورًا دوليًّا فاعلًا.  تعزيز دور عُمان كوسيط موثوق: فأصبحت السلطنة وسيطًا يُعتمد عليه في أزمات كالأزمة اليمنية والملف النووي الإيراني. بفضل حيادها الإيجابي.

وبالنظر إلى التجارب العملية لسياسة الحياد العُمانية، نذكر بعض النماذج الناجحة:

الوساطة بين الولايات المتحدة الأمريكية والسلطات المعنية بالجمهورية اليمنية والتي أسفرت عن التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بين الجانبين لضمان حرية الملاحة وانسيابية حركة الشحن التجاري الدولي في البحر الأحمر وباب المندب. استضافة الحوار الأمريكي الإيراني (2025م): فقد استضافت السلطنة مؤخرًا محادثات بين أمريكا وإيران، تأكيدًا على نهجها في الحياد الإيجابي وسعيها للتقريب بين الأطراف. وجاءت هذه المبادرة تأكيدًا لحكمة القيادة العُمانية ودورها المحوري في دعم الاستقرار الإقليمي، لتظل عُمان منارة للتعقل، ومأمنا للحوار البنَّاء. الوساطة في النزاع اليمني: بالنظر إلى سلطنة عُمان كأرض للحكمة، وواحة للسلام، وبرعاية قائدها المتبصر، قد قامت بدورها المحوري المنتظر منها دائما في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء، عبر دبلوماسيتها الهادئة، ومساعيها الإنسانية، بهدف الوصول إلى حلّ سلمي يخفّف من معاناة الشعب اليمني. منتزعة فتيل الأزمة، وغارسة بذور الوفاق، في أرض تاقت إلى الأمان بعد طول اضطراب. موقفها من الأزمة الخليجية (2017م): فقد التزمت عُمان الحياد، فحافظت على علاقاتها مع جميع الأطراف، وساهمت في جهود الوساطة بين الأشقاء الخليجيين، مؤدية دور الجسر الذي يربط الأشقاء دون انحياز. الأمن البحري في الخليج: بفضل موقعها الإستراتيجي على مضيق هرمز، لعبت السلطنة دورًا في تهدئة التوترات البحرية، وسعت لضمان استقرار الملاحة الدولية بين إيران والغرب.

إنَّ انتهاج سياسة الحياد العُمانية لم يكن طريقًا مُعبَّدًا؛ بل كان مسارًا شائكًا محفوفًا بالتحديات، ومن أبرزها:

* الضغوط الإقليمية والدولية: فقد واجهت السلطنة محاولات دائمة لجرّها إلى مواقف منحازة من قِبل بعض القوى، إلا أن القيادة العُمانية تمسكت بنهجها المستقل، ورفضت الانجراف وراء الاستقطاب.

* التحديات الاقتصادية والسياسية: فرغم ما قد يسببه الحياد من حرمان بعض الامتيازات الاقتصادية التي تُمنح للحلفاء، فقد استطاعت عُمان بناء اقتصادها عبر التنويع والاستثمارات، مستفيدة من علاقاتها المتوازنة مع الجميع.

رغم ما قد يرافق الحياد من تحديات، إلا أن له آثارًا إيجابية بارزة، منها:

الاستقرار السياسي والاقتصادي: فقد ساعد الحياد في ترسيخ أمن عُمان واستقرارها، مما جذب الاستثمارات، وعزز النمو الاقتصادي، فاستقطبت العديد من الاستثمارات الباحثة عن البيئة الآمنة. تعزيز المكانة الدولية: فمنحت سياسة الحياد السلطنة احترامًا واسعًا وثقة دولية، فغدت شريكًا موثوقًا في قضايا إقليمية ودولية عديدة.

لقد أثبتت سياسة الحياد العُماني أنها ليست مجرد موقف دبلوماسي؛ بل هي رؤية إستراتيجية أسهمت في حفظ الاستقرار وتعزيز مكانة عُمان عالميًّا. وسواء في عهد السلطان قابوس -طيب الله ثراه-، أو في عهد جلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله ورعاه- ستبقى عُمان نموذجًا للاتزان السياسي والحكمة الدبلوماسية، دولة ترفض الاستقطاب، وتصنع السلام في عالم يموج بالصراعات.

** مدير عام شبكة الباحثين العرب في مجال المسؤولية المجتمعية

مقالات مشابهة

  • بعد أن تصدرت “الترند” وأنهالت عليها الإشادات.. تعرف على الأسباب التي دفعت الفنانة فهيمة عبد الله لتقديم التهنئة والمباركة لزوجها بعد خطوبته ورغبته في الزواج مرة أخرى
  • وزير الخارجية والهجرة يترأس حوار اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان مع ممثلي منظمات المجتمع المدني
  • عُمان صوت العقل ونهج الحكمة
  • هل يجوز اشتراك أكثر من سبعة في بقرة أو شخصين في سهم أضحية؟
  • وزير العدل: اعتماد تقرير الكويت بالإجماع اعتراف دولي بجهودنا لتعزيز حقوق الانسان
  • ناطق حكومة التغيير يوضح جانبا من الإنجازات والجهود التي بذلت في التصدي للعدوان الأمريكي
  • الجمهورية الصحراوية تطلب إيفاد بعثة لتقصي الحقائق في الأراضي المحتلة
  • هل تجوز الأضحية بكبش واحد عن الرجل وأهل بيته؟.. الإفتاء تجيب
  • "الشؤون الإسلامية" تطلق اليوم التصفيات النهائية لأكبر مسابقة قرآنية في البلقان