مقبرتان وتماثيل.. تفاصيل كشف أثري جديد من العصر الروماني في مطروح
تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT
قالت وزارة السياحة والآثار، إن البعثة الأثرية المصرية برئاسة قطب فوزي رئيس الإدارة المركزية لآثار الوجه البحري وسيناء، نجحت في الكشف عن جبانة مدينة مرسى مطروح خلال العصر الروماني وذلك أثناء أعمال الحفائر بمنطقة أم الرَخَم الأثرية بمحافظة مطروح.
مرسى مطروح مركز للتجارة الخارجية في حوض البحر المتوسطومن جانبه أكد الدكتور محمد إسماعيل خالد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أهمية هذا الكشف حيث إنه يشير إلى الدور الذي لعبته مدينة مرسى مطروح الأثرية كمركز للتجارة الخارجية في حوض البحر المتوسط ليس فقط خلال العصر الروماني، ولكن عبر العصور التاريخية المختلفة.
وأشار إلى أن البعثة اكتشفت مقبرتين منحوتتين في الصخر من طراز الكتاكومب، المعروف في العصر الروماني، بهما 29 موضعا للدفن وعدد من المدامع الزجاجية وموائد القرابين المنقوشة والمزخرفة وتمثال لرجل يرتدي الرداء الروماني المميز "التوجا"، وتمثال لكبش، وتمثال نصفي لسيدة غير معروفة وبعض العملات البرونزية، هذا بالإضافة إلى حمام مكتمل العناصر المعمارية حيث عثر بداخله على صالات للاستقبال ومقاعد جلوس مرتادي الحمام، وغرف الاستحمام، وخزانات وأماكن تصريف المياه.
وأعرب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار عن سعادته بنجاح البعثة الأثرية المصرية في إزاحة الستار عن هذا الكشف الأثري المهم، ما يأتي في إطار توجيهات شريف فتحي وزير السياحة والآثار للاهتمام بالبعثات الأثرية المصرية بصورة أكبر بما يمكنها من الكشف عن المزيد من أسرار الحضارة المصرية العريقة.
ومن جانبه أوضح الدكتور أيمن عشماوي رئيس قطاع الآثار المصرية بالمجلس الأعلى للآثار، أن مقبرتي الكتاكومب، لهما درج ينتهي بردهة مستوية أمام مدخل حجرة الدفن يؤدي إلى حجرة الدفن الرئيسية مربعة الشكل ذات سقف مقبي بداخلها مواضع الدفن المنحوت في الصخر Loculi، والتي كانت مغلقة بإحكام بسدادات من الحجر الجيري. أما مكان دفنة صاحب المقبرة فكان مغلق بباب وهمى ترتكز جوانبه على عمودين دوريين نحتا بالنحت البارز وفي المنتصف تم تجسيد باب ذو ضلفتين يعلوه إفريز دوري يحتوي على زخرفة الأسنان وأسفله توجد مائدة قرابين من الحجر الجيري.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الأعلى للآثار السياحة مقبرة أثرية مرسى مطروح العصر الرومانی
إقرأ أيضاً:
عبد السلام فاروق يكتب: عصر الفتن
عصرنا عصر ملتبس المعالم، متشابك الأسباب، تائه بين سفوح الماضي وقمم المستقبل، كأنه طفل فطم قبل أوانه، فلم يدرك حكمة الأمس، ولم يمسك بزمام الغد. إنه العصر الذي سماه صاحبنا "عصر الفتن"، ولا أرى في التسمية إلا صدقا يشبه صدق الأطفال، الذين ينطقون بالحق قبل أن تعودهم المجتمعات الكذب والتدليس.
لقد عرف التاريخ عصور الفتن من قبل، فما من أمة إلا وذاقت مرارة الاضطراب، وما من حضارة إلا وتعثرت في ظلمات الشك قبل أن تبلغ نور اليقين. ولكن الفتنة اليوم ليست كالفتن الأمس؛ فهي ليست حربا تعلن بين جيشين، ولا صراعا بين ملكين، بل هي فتنة تتسلل إلى العقول قبل القلوب، تفرق بين الإنسان ونفسه، بينه وبين أخيه، بل بينه وبين ذاته. إنها فتنة السرعة والضحالة، فتنة الكثرة والقلة، فتنة الأصالة والزيف.
فأما السرعة والضحالة، فقد أذابت زماننا في بوتقة العجلة، حتى لم يعد الإنسان يدرك من الحياة إلا قشورها، ولم يعد يبصر من المعرفة إلا ظلالها. لقد صرنا نقرأ ولا نفكر، نسمع ولا نعي، ننظر ولا نبصر. وكأنما أصابنا داء جديد، داء "الجهل المعلب"، نبتاعه بثمن بخس، ثم نغلق عليه عقولنا كما يغلق الجاهل على جهله.
وأما فتنة الكثرة والقلة، فهي آفة أخرى من آفات هذا العصر. فالكثرة هنا ليست كثرة العدد ولا العطاء، بل هي كثرة الضجيج والفوضى. والقلة ليست قلة العقول ولا الأخلاق، بل هي قلة الصبر والحكمة. لقد صرنا نعيش في عالم يزدحم بالكلام ويخلو من المعنى، يمتلئ بالصور ويفقر من الجمال، يتسع للعديد من الأصدقاء ويضيق بالصديق الواحد.
وأما فتنة الأصالة والزيف، فهي أشد الفتن خطرا، لأنها تلبس الباطل ثوب الحق، وتزين الزيف حتى يشبه الأصالة. لقد صار كل شيء اليوم قابلا للتزوير، من الأفكار إلى المشاعر، من التاريخ إلى الدين. وصار الحق يباع في الأسواق كسلعة من السلع، يغلي ثمنه من يملك المال أو الجاه، ويخفي بريقه من لا يملك إلا الفكر والضمير.
فأين المخرج من هذه الفتن؟ لعل المخرج يكون في العودة إلى النفس، في الترويض المستمر للعقل والقلب، في التمسك بخيط رفيع من الصبر والحكمة. فالتاريخ يعلمنا أن الفتن لا تبقى، وأن العواصف لا تدوم، ولكنها تترك وراءها دروسا لمن أراد أن يتعلم.
إن "عصر الفتن" هذا قد يكون محنة لمن أغمض عينيه، ولكنه قد يكون منحة لمن فتح عينيه وعقله. فلننظر إليه بعين الحكيم الذي يعلم أن الليل يسبق الفجر، وأن الشدة تسبق الرخاء. ولنعمل على أن نكون من الذين يخرجون الحكمة من رحم المعاناة، لا من الذين يضيعون في زحام الضجيج والظلام.
هكذا يكون العصر عصر فتنة لمن أراد، وعصر نهضة لمن أراد!
في أعماق الاضطراب وبوادر الخلاص
كأنما نحن اليوم أمام مرآة كسرت إلى ألف شظية، فلم نعد نرى فيها إلا صورا مشوهة لأنفسنا وللعالم من حولنا. هذا هو "عصر الفتن" بلا ريب، عصر تاهت فيه البوصلة بين صراخ المذاهب وتهافت الأيديولوجيات، بين زيف اليقين وجبروت الشك. فما أشبه زماننا هذا بذلك الرجل الذي حكم عليه أن يحمل صخرة إلى قمة الجبل، فإذا بلغها تدحرجت إلى السفح، فيعود يحملها مرة أخرى، لا هو بلغ غايته، ولا هو ترك حمله!
الفتنة كمرآة للحضارة
لعل أعظم ما في هذا العصر أنه كشف عن أمرين خطيرين: الأول: أن الإنسان، رغم كل ادعاءات التقدم، لم يزل ذلك الكائن الهش الذي يخفي خلف شاشات التكنولوجيا وجدران المدنية خوفه من المجهول، وحيرته أمام سؤال الوجود. فها هو ذا يبني الصواريخ ليصل إلى المريخ، ثم يعجز عن إجابة طفل يسأله: "لماذا نعيش؟".
الثاني: أن الحضارة الحديثة، بكل أضوائها الباهرة، قد حولت الإنسان من سيد الطبيعة إلى عبد للآلة. فصرنا نلهث وراء السرعة كأنما نطارح الزمن تحديا، ثم نكتشف أننا لم نكسب شيئا إلا التعب والظمأ. أليس هذا من أعجب المفارقات؟ أن نصنع الأدوات لتخفف عنا أعباء الحياة، فإذا بها تزيد أعباءنا ثقلا على ثقل!
الفتنة بين الجذور والأغصان
إن أعمق جرح في هذا العصر هو ذلك الشرخ الذي نراه بين الإنسان وجذوره. لقد قطع الفرد – في غمرة اندفاعه نحو المستقبل – صلته بالماضي، ففقد البوصلة التي كانت ترشده. ها هو ذا يبني صروح المعرفة في الفضاء الرقمي، بينما ينسى حكمة الأجداد التي كانت تبنى بالصبر والتأمل. وكأنما أردنا أن نكون أغصانا بلا جذور، فإذا بالرياح تعصف بنا قبل أن ننضج!
ولكن... أيعقل أن تكون الفتنة كل هذا العصر؟ كلا! فإن في أعماق هذه الظلمات بصيصا من نور. ألم يقل التاريخ دائما إن أعظم النهضات ولدت من رحم الأزمات؟ ها هو ذا الإنسان - رغم ضجيجه وارتباكه – يبدأ في البحث عن معنى جديد للحياة، عن أخلاق تليق بإنسانيته، عن توازن بين العقل والقلب. أليس في هذا البحث نفسه بذور الخلاص؟
رحلة لا وصول فيها
فالخلاص – إن كان ثمة خلاص - لن يكون في هروب من العصر، بل في غوص إلى أعماقه. لن يكون في حنين إلى ماض لن يعود، بل في حوار جريء بين تراث الأمس وعبقرية اليوم. علينا أن نتعلم من الفتن لا أن نجزع منها، أن نرى في تشظي المرآة فرصة لإعادة تركيب الصورة، لا سببا لليأس.
إن "عصر الفتن" هذا هو اختبار للإنسان: هل يستطيع أن يجد نفسه في زحام الضياع؟ هل يستطيع أن يبني يقينا من شظايا الشك؟ التاريخ يجيب بأن البشر - رغم كل هزائمهم – لم ييأسوا قط من البحث عن النور. فلنكن من هؤلاء الذين ينظرون إلى الفتنة ليس كنهاية، بل كممر ضروري إلى فهم أعمق للحياة ولأنفسنا.
فإذا كان هذا العصر قد أظهر ضعفنا، فهو قد أظهر – في الوقت ذاته – قوتنا على المواجهة. وإذا كان قد كشف عن جهلنا، فهو قد كشف أيضا عن شغفنا الدفين بالمعرفة. فلتكن الفتنة – إذن – مدرسة نتعلم فيها دروسا لم نكن لنعرفها لولا الظلام!