طهران- مع إطالة أمد الرد الإيراني على اغتيال القيادي بحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، أثار الهجوم العسكري الذي نفذه حزب الله اللبناني فجر أمس الأحد على إسرائيل، تساؤلات لدى الأوساط السياسية عن سبب تريث طهران في تنفيذ "العقوبة الشديدة" التي توعدت بها تل أبيب.

فبعد مضي 26 يوما على انتهاك السيادة الإيرانية، حيث حمّلت القيادة الإيرانية حينها "الكيان الصهيوني" مسؤولية اغتيال هنية، تذهب شريحة من المراقبين السياسيين إلى إمكانية تبني الجمهورية الإسلامية سياسة "التراجع البطولي"، بعد ما تبين أن هجومها العسكري في أبريل/نيسان الماضي لم يكن مجديا في ردع إسرائيل.

وتستند هذه الشريحة في تحليلها إلى إشادة المرشد الأعلى علي خامنئي بـ"التراجع التكتيكي" وذمه "التراجع غير التكتيكي"، مستعيرة الجزء الثاني من مقولة "مرونة بطولية" التي سبق وطرحها خامنئي إبان المفاوضات النووية، والتي توجت بتوقيع الاتفاق النووي عام 2015.

المرونة والبطولة

كان خامنئي قد رأى لدى استقباله حشدا من عوائل الشهداء، الشهر الجاري، أن "العدو" يسعى بالحرب النفسية إلى خلق حالة من الخوف والتراجع، وقال إن "التراجع غير التكتيكي في أي مجال -سواء كان عسكريا أو سياسيا أو دعائيا أو اقتصاديا- يؤدي إلى غضب الله"، وفي الوقت نفسه، أكد أن "التراجع أحيانا يكون تكتيكيا، وفي بعض الأحيان يكون تطويرا لتكتيك ما، ولا حرج في ذلك".

في المقابل، يرى طيف آخر أن ثمة خلطا بين المفهومين في التحليل الأول، مذكّرا بأن مصطلح المرونة البطولية مأخوذ من رياضة المصارعة، ويقصد به مراوغة الطرف المقابل، وحثه على تطبيق تكتيك يكون الجانب الأول قد احترف كيفية الالتفاف عليه وطرحه أرضا، ناهيك عن أن "التراجع" لم يكن مقصودا أصلا في تصريحات المرشد الأعلى.

في السياق، يعتقد عضو لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية في البرلمان الإيراني، أبو الفضل ظهره وند، أن المرشد الأعلى كان يقصد تغيير أو تطوير التكتيكات، إلى جانب الحض على المرونة في تنفيذ موعد الانتقام، مضيفا أنه يرى تنفيذ النسخة الثانية من عملية الوعد الصادق أمرا محسوما.

وانطلاقا من المرونة المقصودة في سياسات إيران، يوضح النائب الإيراني في حديثه للجزيرة نت أن التأثير على حدة الرد الإيراني ونطاقه كان ممكنا عبر استغلال المفاوضات الرامية لوقف إطلاق النار في غزة، وأن بلاده حرصت على عدم الإخلال بالمفاوضات عبر تأجيل ردها المرتقب.

وعلى غرار عملية "الوعد الصادق" التي خلقت قواعد اشتباك جديدة لصالح طهران، فإن العملية المرتقبة سترفع قوة الردع الإيراني إلى مستوى القوى الكبرى، وفق ظهره وند الذي أكد أن حشد الأساطيل البحرية والأسراب الجوية للقوى الغربية لن ينفع في صد الهجوم الإيراني، وأن أي خطأ قد ترتكبه تلك الدول الغربية قد يحول حاملات طائراتها وقواعدها العسكرية في المنطقة إلى أهداف مشروعة لبلاده.

وشدد المتحدث نفسه على أن "المحور الصهيوأميركي" يواصل أخطاءه، لا سيما بشأن الحرب على غزة، بالرغم من المرونة التي أبدتها إيران خلال الأسابيع الماضية لصالح مفاوضات وقف إطلاق النار، والتريث قبل تنفيذ الانتقام، لوضع تكتيكات جديدة وتطوير أخرى.

مبررات التأجيل

ولا يخفى على متابعي الشأن الإيراني أنه لا تراجع تكتيكيا في خطاب قيادتها الدينية سوى من أجل إعادة التموضع والاستعداد لفتح جبهة جديدة أو تعزيز أخرى، مما يطرح تساؤلا آخر عن مبررات تأجيل الرد الإيراني وعلاقته بسياسة الصبر الإستراتيجي التي طالما اتّبعتها طهران بانتظار الرياح المواتية.

من ناحيته، يعتقد الباحث السياسي، علي رضا تقوي نيا، أن تأجيل الرد الإيراني -حتى لحظة كتابة هذا التقرير- له مبرراته، لعل أولها يعود إلى المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد منذ رحيل الرئيس السابق إبراهيم رئيسي وعدم تشكيل الحكومة الجديدة.

مضيفا أن ملايين المسلمين من داخل إيران وخارجها يقصدون العتبة الحسينية بمدينة كربلاء العراقية خلال شهر صفر، حيث تحرص طهران على نجاح الزيارة الأربعينية كل عام ولا تريد زعزعة أمن مناطقها الغربية القريبة من الحدود العراقية خلال موسم الزيارة الدينية.

وفي حديثه للجزيرة نت، يشير تقوي نيا إلى أنه في ظل التحشيد العسكري الغربي في المنطقة تتصرف بلاده وفق سياساتها العليا لإدارة الصراع، مما يبرر لها ترتيب الأوراق وتطوير التكتيكات ووضع خطط بديلة لشتى السيناريوهات، إلى جانب علمها بالخسائر الكبيرة التي يتكبدها كيان الاحتلال وحلفاؤه الغربيون جراء إطالة أمد الانتقام الحتمي، على حد تعبيره.

ورأى أنه في ظل استعداد الجانب المقابل لا بد من الاستعداد لجميع السيناريوهات، وتجهيز عدة جبهات قد تكون بعضها خارج الحدود، مشيرا إلى أن بعض التقارير تتحدث عن "إعادة تموضع حلفاء إيران في بعض الجبهات، والتي من شأنها أن تُفتح بين ليلة وضحاها باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة".

وتابع الباحث الإيراني أن بلاده قد لا تكرر سيناريو عملية الوعد الصادق هذه المرة، على ضوء بنك الأهداف والسيناريوهات المعدة مسبقا في سياق "الصراع المستمر مع الكيان المحتل للأقصى الشريف"، مؤكدا أنه لا يستبعد عملا مركبا وجماعيا بمشاركة عدة أطراف وعبر عدة جبهات "تجعل دم الإسرائيلي يضيع ويتفرق بين القبائل".

وأشار إلى أن المرشد الأعلى كان قد أوعز بـ"إنزال العقاب بالكيان الإسرائيلي" لمهاجمته القنصلية الإيرانية في دمشق مطلع أبريل/نيسان الماضي، بينما توعد بـ"رد قاس" عقب اغتيال هنية، ذلك لأن الحدث الأخير أشد وطأة على طهران، معتبرا الأشهر القليلة التي تسبق رئاسيات أميركا 2024 فرصة ذهبية لإنزال العقوبة بإسرائيل، بسبب الظروف التي ستعيشها الإدارة الديمقراطية خلال هذه الفترة.

وبين من راح يعزف خلال الأسابيع القليلة الماضية على وتر التراجع البطولي، وآخر يسرف في تعداد مبررات تأجيل الرد الإيراني، يتحدث طيف ثالث عن حساسية المرحلة الراهنة، حيث تحضر فيها طهران للفترة الانتقالية ومواجهة الصعوبات التي قد تنشأ في سبيل اختيار خليفة لهرم السلطة في البلاد.

وفي غضون ذلك، يرى مراقبون إيرانيون في شخصية خامنئي نموذجا مثاليا لإدارة الصراع مع "المحور الصهيوأميركي"، وعدم التراجع أمامهما، إذ يعرف لدى الأوساط الإيرانية بقدرته علی اتخاذ القرارات الصعبة، مما يجعل من اغتنام فرصة قيادته "ضرورة لوضع القضية الفلسطينية على سكة التحرير".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الرد الإیرانی المرشد الأعلى

إقرأ أيضاً:

إيران تعلن اعتقال عناصر شبكة تعمل لصالح إسرائيل

كشفت وزارة الأمن الإيرانية عن اعتقال مجموعة من العناصر التابعين للحركة الملكية كانوا يعملون لصالح جهاز استخبارات إسرائيل، بعد رصد تلقي هذه الشبكة التوجيه من أوروبا، والتخطيط لتنفيذ عمليات وصفتها بالـ"إرهابية" في عدة مدن إيرانية خلال أيام ما أطلق عليه "الدفاع المقدس".

ووفقا للإعلان الرسمي الذي نقلته وكالة فارس للأنباء، حاول العناصر زعزعة الأمن العام عبر تهريب أسلحة بطريقة غير مشروعة من الحدود الغربية للبلاد وإثارة الفوضى في مناطق حساسة، مشيرة إلى أن "سام رادبور" يعد من أبرز عناصر الشبكة، وهو مقيم في أوروبا منذ سنوات، وكان يدرب مخاطبيه عبر صفحاته الافتراضية على استخدام الأسلحة وإثارة الاضطرابات. وطبقا للتحقيقات، وكان من المقرر أن تتحرك هذه المجموعة في الشوارع وتنفذ أعمال عنف في حال حدوث صراع أو هجوم أجنبي.


وأضاف، أن رادبور عمل في بيئات أوروبية، خاصة في السويد، التي وصفتها الوزارة بأنها تحولت إلى ساحات خلفية لأنشطة جماعات (إرهابية)، مثل منظمة مجاهدي خلق وجماعة "الأهوازية"، وبحسب اعترافات المعتقلين، كان رادبور على اتصال بشخصيات من الحركة الملكية بينهم رضا بهلوي، حيث يتلقى الأوامر التشغيلية من عناصر في جهاز الموساد الإسرائيلي، وكانت الخطة تهدف في مرحلتها الأولى إلى تهريب الأسلحة سرا إلى إيران.

وأفادت المعلومات بأن الأسلحة كان من المخطط اختبارها أولا، ثم إخفاؤها داخل عبوات حلوى وشحنها عبر الشاحنات إلى مدينة أصفهان، مع استهداف العناصر المهاجمة مراكز شرطة وقواعد التعبئة (البسيج) ومراكز أمنية خلال أيام حرجة، بهدف إزالة ما وصفوه "بحاجز حراس الأمن" وتمهيد الطريق لزعزعة الأمن في العاصمة، واعترف أحد عناصر الشبكة بإرسال صور لأحياء في طهران ومحطات مترو إلى قائد المجموعة بهدف التخطيط لعمليات تفجير محتملة.

وأعلنت وزارة الأمن عن مصادرة أسلحة ومعدات كانت المجموعة تعتزم استخدامها قبل أن تتمكن من تنفيذ أي عمل إرهابي، ومن بين المواد المضبوطة صور لمحطات مترو طهران وأماكن عامة أخرى كان مخططًا استهدافها، وأكدت الوزارة أن جميع عناصر الشبكة قد تم اعتقالهم، وسيتم الكشف عن تفاصيل إضافية بعد انتهاء التحقيقات.


ويأتي هذا بعد يوم من إعلان سلطات الاحتلال الإسرائيلي يوم الخميس الماضي، اعتقالها إسرائيليًا في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، من مدينة عسقلان بشبهة "التخابر مع عناصر استخبارات إيرانية"، جاء ذلك في بيان مشترك للشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن العام "الشاباك"، وبحسب البيان: "تم إلقاء القبض على مشتبه (37 عاما)، من سكان مدينة أشكلون، بشبهة ارتكاب مخالفات أمنية تتعلق بإقامة علاقة مع عناصر استخبارات إيرانية"، وذكر أنه "تبين من التحقيق أن المشتبه، وعلى مدار عدة أشهر، كان على تواصل مع عناصر استخبارات إيرانية الذين طلبوا منه تنفيذ مهام مختلفة".

مقالات مشابهة

  • الريال الإيراني يسجل أدنى قيمة في تاريخه
  • «حاملة الطائرات التي لا تغرق: إسرائيل، لماذا تخشى السعودية أكثر مما تخشى إيران؟»
  • إيران تعتقل شخصًا بتهمة التجسس لصالح إسرائيل
  • الرئيس الإيراني في رسالة لمواطنيه: أغلقوا المتاجر واستعدوا للحرب
  • 300 جنيه كاملة.. مفاجأة في سعر الذهب عيار 21 بعد التراجع من أعلى قمة
  • الأهلي يقدم عرضه الأخير لـ عبد القادر بـ17 مليون جنيه وينتظر الرد
  • إيران تعلن اعتقال عناصر شبكة تعمل لصالح إسرائيل
  • المشي يحسن المزاج ويبطئ التراجع الذهني: ما عدد الخطوات التي توصي بها الأبحاث؟
  • بارك:أمريكا بعد 2003 سلمت العراق إلى إيران ورئيس الوزراء السوداني بلا سلطة والإطار الإيراني من يحكم البلاد
  • بارك:أمريكا بعد 2003 سلمت العراق إلى إيران ورئيس الوزراء السوداني بلا سلطة والإطار الإيراني من يحكم البلد