لأن للهدية قدرتها الخارقة على تجسير مشاعر المحبة والود اهتدى الإخوة والأصدقاء والمحبين من قبلهم إلى السِحر الذي تُحدثه الهدايا في قلب كل من كانت له ذكريات دافئة أو فضل سابق أو تواصل جميل.
وقد عَرفت الحضارات القديمة الهدايا إذ تذهب كُتب التاريخ إلى أن الفراعنة كانوا أول من قدمها عندما بنى أحدهم هرمًا أهداه إلى نفسه ثم ما لبثت إلى أن تحولت هذه الفكرة إلى ممارسة مألوفة يصعب الانفكاك من سِحرها لدى الشعوب فصار الناس يحرصون على اغتنام المناسبات واختلاق الأسباب لتقديمها لما لها من دور في تعميق الوشائج وتقريب القلوب.
نحتفي بالهدايا لأنها تُجدد فينا مشاعر تكلست أو خفتت بفعل صروف الزمن وتقلب أحوال الحياة.. تُذكرنا بأن أشخاصًا بعينهم لا يجب أن يطويهم النسيان وإن جفوا ولا مجال لتخطي حضورهم بحياتنا وإن امتنعوا وباعدت بيننا وبينهم الأيام.
الهدايا كالصور تُوثق الزمن وتقبض على اللحظات الأكثر صدقًا وجمالًا تلك التي شاركَنا إياها أشخاص أحببناهم وقاسمناهم همومنا وآلامنا وأحلامنا ولهذا يصعب التخلص من أسرها حتى في الظروف الأصعب التي تُمتحن فيها قوة العلاقات وقدرتها على الصمود في وجه الرياح العاتية.
وتكمن قيمة الهدية في وقعها المعنوي والنفسي العميق لدى المهدى إليه ولا يُعتد بثمنها، وقد ورد في السيرة النبوية الشريفة أن أول هدية تلقاها النبي صلى الله عليه وسلم كانت قطعة خبز مع لبن وسمن أهداها إليه الصحابي الجليل زيد بن حارثة وهي هدية استقت قيمتها من المحبة التي يكُنها زيد لنبي الأمة وليس من نوعيتها وثمنها.
وكان عليه الصلاة والسلام يقبلُ الهدية ويُثيبُ عليها ليقينه أنها الطريق الأيسر الذي يصل بين القلوب بل كان يُكرم صديقات زوجته خديجة -رضي الله عنها- بإرسال الهدايا إليهن بعد وفاتها وفاءً لها ولجميل عشرتها.
ورغم الأهداف النبيلة التي تُقدم من أجلها الهدية والغايات السامية التي يراد تحقيقها من وراء ذلك وهي بناء علاقات إنسانية تسودها المحبة والُألفة أو تذويب خلافات قد تنشأ بين الأحباب إلا أن البعض استغل مفهومها فجعلها غطاءً لتحقيق منافع شخصية ضيقة ومكاسب مادية أو وظيفية.
أما البعض الآخر فإنه يهدي لينتظر رد الهدية ويعمد إلى المبالغة في قيمتها المادية من باب الاستعراض ليُخرجها بذلك عن الهدف الذي تُقدم من أجله لكن بمفهومها الإيجابي المتعارف عليه ستظل الهدية ذلك التعبير المباشر والصريح عن المشاعر الصافية التي تسكُننا والنوايا الطيبة التي نُخبئها لمن نحب ونعز ونحترم.
النقطة الأخيرة..
صاحبي بالله لا تعتب عليه
العتب ما عاد تاسعه الحنايا
كل جرحِ فات لي منك هديه
وش بلاك تخاف من رد الهدايا.
بدر بن عبدالمحسن
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الفرق بين الحمد والشكر.. تعرف عليه
الفرق بين الحمد والشكر تعد من الأمور التي اختلف فيها أهل العلم، فقد جاء الحمد في اللغة بمعنى المدح والثناء، حيث يقول ابن منظور صاحب معجم لسان العرب: « الحمد: نقيض الذم، ويُقال: حَمدته على فعله، ومنه المَحْمَدة خلاف المذمّة»، وقد نقل صاحب معجم لسان العرب أقوال أهل اللغة في العلاقة بين الحمد والشكر، فقال: « قال ثعلب: الحمد يكون عن يد، وعن غير يد، والشكر لا يكون إلا عن يد..: الحمد الشكر، فلم يفرق بينهما، الأخفش: الحمد لله: الشكر لله، قال: والحمد لله: الثناء.
فالشكر لا يكون إلا ثناء ليد أوليتها، والحمد قد يكون شكرًا للصنيعة، ويكون ابتداءً للثناء على الرجل، فحمدُ الله: الثناء عليه، ويكون شكرًا لنعمه التي شملت الكل، والحمد أعم من الشكر»، والشكر في اللغة معناه متقارب مع الحمد، حيث قال ابن منظور: « الشكر: عِرْفان الإحسان ونَشْرُه».
ولذلك أورد العلماء أن هناك فرقا بين الحمد والشكر، واعتبروا أن الحمد أعم من الشكر، وهناك أيضا من لم يفرق بينهما، فعنده: الشكر هو الحمد، والحمد هو الشكر؛ أي أنهما مترادفان، ولا فرق بينهما، ولكن الصواب، والذي ذهب إليه أكثر أهل العلم أن هناك فرقًا بينهما، والفرق بينهما هو من جهة العموم والخصوص، فالحمد أعم من الشكر؛ لأنه يكون على كل حال، سواءً النعمة أو النقمة أو المصيبة أو غير ذلك، أما الشكر فلا يكون إلا على النعم والإحسان.
فإذا حمد المسلم الله، فقد أثنى عليه، وشكره، واعترف بفضل الله وإحسانه عليه فالشكر يكون بالقلب خضوعًا واستكانة، باللسان ثناءً واعترافًا بالإحسان والفضل والمنة، ويكون أيضًا بسائر الجوارح؛ أي أعضاء الجسم، عن طريق الطاعة والانقياد والاستسلام، فإذا أدى المسلم العبادات المختلفة من صلاة وصيام ودعاء، فإنه بهذا يكون قد شكر الله عز وجل، أما الحمد فإنه لا يكون إلا بالقلب واللسان فقط.