تراجع المحاصيل على وقع موجات الغلاء.. الجفاف يهدد الأمن الغذائي بتونس
تاريخ النشر: 10th, August 2023 GMT
تونس- تكبد مزارعون في تونس خسائر كبيرة جراء الجفاف غير المسبوق الذي ضرب البلاد، وذلك بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة القياسية ونشوب الحرائق في بعض الغابات والمزارع؛ الأمر الذي أدى إلى تراجع المحاصيل الزراعية من الحبوب والخضرة والغلال، في وقت يُشعل فيه الغلاء جيوب التونسيين.
ويكابد الفلاحون مشقة الخروج بأخف الأضرار من تداعيات الجفاف الذي يضرب البلاد من 4 سنوات، مما جعل هذا الموسم الأسوأ في تاريخ الفلاحة التونسية من حيث الخسائر، خاصة مع غلاء تكاليف الإنتاج ونقص مخزون السدود وانعدام حوكمة توزيع المياه وغياب دعم حكومي يراعي ظروف الفلاحين الصغار، حسب خبراء ومزارعين.
وتمثل الأراضي المزروعة 62% من مساحة تونس (أي نحو 10 ملايين هكتار)، وتهيمن الفلاحة العائلية وصغار الفلاحين على المشهد الفلاحي التونسي، حيث تمثل الأراضي التي لا تتعدى مساحتها 10 هكتارات 75% من إجمالي الأراضي المزروعة، حسب معطيات وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري.
وحسب التقرير السنوي للبنك الأفريقي للتنمية -بعنوان "تعبئة تمويل القطاع الخاص للمناخ والنمو الأخضر في أفريقيا"- تصل الأضرار المتصلة بقضايا تغير المناخ في تونس إلى 5 مليارات دولار.
وأمام هذا الوضع، أقرت وزارة الفلاحة إجراءات مستعجلة نهاية مارس/آذار الماضي من أجل التحكم في الموارد المائية، وفرضت نظام حصص ظرفيا لتزويد المياه الصالحة للشرب، ومنعت استعمال المياه في ري الحدائق وغسل السيارات حتى سبتمبر/أيلول المقبل.
في هذا السياق، قال منسق المرصد التونسي للمياه علاء مرزوقي إن التغيرات المناخية أصبحت متطرفة إلى درجة أن الجفاف أصبح يتكرر كل سنة، وتسبب في تراجع حاد في مخزون السدود من المياه إلى نسبة 27%؛ مما دفع السلطات إلى إعلان حالة الطوارئ المائية "من دون إقرار أي إجراءات اجتماعية للفئات الهشة".
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف مرزوقي أن "هناك تخبطا في حوكمة توزيع مياه الشرب ومياه الري في ظل هذا الجفاف وارتفاع الحرارة، وما تزال منظومة المياه متخلفة وتدار بقوانين بالية"، مؤكدا أن الدولة التونسية لم تضع برنامجا يواكب التغيرات المناخية والفقر المائي الحالي، وما زالت تعمل بنسق السنوات الماضية نفسه من دون تجديد.
وبالنسبة إلى مرزوقي، فلا توجد أي إستراتيجية لمساعدة الفلاحين الصغار الذين حرم الآلاف منهم من مياه الري منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بينما لم تتخذ السلطات الزراعية أي إجراءات صارمة لترشيد استهلاك المياه في القطاع السياحي، ولم تتخذ أي إجراءات ضد الشركات الكبرى لتحويل المواد الفلاحية.
خسائر كبيرةمن جانبه، قال عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (نقابة الفلاحين) أنور الحراثي إن أزمة الجفاف وارتفاع الحرارة ونشوب الحرائق وندرة المياه؛ تسببت في خفض المساحات المزروعة وتراجع المحاصيل المزارعين، مما كبدهم خسائر مالية كبيرة، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف الحراثي -وهو فلاح من جهة المكناسي بمحافظة سيدي بوزيد الجنوبية- أن الجفاف وتراجع مخزون السدود جراء شح الأمطار وتبخر المياه بفعل الحرارة المرتفعة؛ أثرت سلبا على وضع الفلاحين جراء حدوث انخفاض حاد في المحاصيل الزراعية، في حين تسبب النقص في ارتفاع الأسعار.
ويعاني المزارعون من ارتفاع تكاليف المستلزمات الدوائية الخاصة بمنتجات الخضروات والغلال والحبوب، فضلا عن ارتفاع تكاليف اليد العاملة والنقل، ولم تتأثر محاصيلهم فقط بالجفاف، بل بارتفاع الحرارة التي أتلفت منتجاتهم المعروضة في المساحات العامة بأسواق البيع بالجملة الخالية من مخازن مكيفة.
ويرجع الحراثي الارتفاع في أسعار الغلال والخضروات في الأسواق إلى النقص الفادح في العرض وارتفاع كلفة الإنتاج في ظل هذه الأزمة المركبة، وفوق كل ذلك معضلة السماسرة والوسطاء الذين يشترون إنتاج الفلاحين الصغار بأقل الأسعار، ليعيدوا بيعه في الأسواق بأسعار لا تطاق، وفق تعبيره.
ارتفاع الأسعارمن جانبه، قال رئيس النقابة التونسية للفلاحين الميداني الضاوي إن بلوغ درجات الحرارة معدلات غير مسبوقة ناهزت في بعض المناطق 50 درجة في الآونة الأخيرة، تسبب في إتلاف جزء من محاصيل الخضر والغلال والقمح، مضيفا أن أزمة مياه الري جراء الجفاف قلصت المساحات المزروعة وقلّصت الإنتاج.
وتوقع الضاوي أن يتدخل صندوق الجوائح الطبيعية لدعم الفلاحين المتضررين ببعض المساعدات في الفترة المقبلة، والتوجه نحو إعادة جدولة ديونهم تجاه البنوك، لكنه استبعد تراجع أسعار المواد الفلاحية الموجهة نحو الاستهلاك الداخلي بسبب نقص المنتجات والاحتكار، في ظل ضعف الأجهزة الرقابية الحكومية.
وأثر شح الأمطار وعدم انتظام هطولها خلال الفترة الماضية سلبا على محاصيل المزارع؛ إذ أشارت التقديرات إلى انخفاض مستويات محاصيل الحبوب في تونس بنسبة 60% عن مستوياتها المعتادة، وفق بيانات وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري.
وحسب بيانات وزارة الفلاحة التونسية، فإنه تم جمع 2.7 مليون قنطار من الحبوب فقط في الموسم الجاري، مقابل 7.5 ملايين قنطار الموسم الماضي، و15 مليون قنطار في 2020.
وتعتمد الدولة التونسية بشكل كبير على استيراد الحبوب لتلبية حاجاتها، وأكثر من نصف الواردات يأتي من روسيا وأوكرانيا.
أزمة الحبوبويواجه الآن ما يقارب 2.7 مليون أسرة في تونس تذبذبا حادا في صناعة الخبز الذي يعتمد -في الأساس- على القمح الصلب واللين، وتغص يوميا الأرصفة أمام المخابز بطوابير طويلة لاقتناء الخبز بعد طول انتظار. وأمام نقص الإنتاج المحلي ليس من خيار أمام الدولة سوى زيادة واردات الحبوب من الخارج.
وبعد انسحاب روسيا من اتفاقية تصدير الحبوب والأسمدة وارتفاع أسعار الحبوب في الأسواق العالمية، يقول الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان إن الحكومة التونسية أمام امتحان عسير لتلبية حاجاتها من واردات الحبوب في ظل أزمتها المالية ونقص العملة الصعبة لديها.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال سعيدان إن هناك تساؤلات محيرة حول كيفية تعامل الدولة مع ملف التجارة الخارجية، خاصة في ما يتعلق باستيراد الحبوب، مؤكدا أن الحكومة لم تعلن عن أي إستراتيجية لتجاوز أزمة استيراد الحبوب في الفترة المقبلة، لا سيما أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لإقراض تونس 1.9 مليار دولار على أقساط متوقف.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: وزارة الفلاحة الحبوب فی فی تونس
إقرأ أيضاً:
العراق يودّع الاقتصاد الشعبي.. والدنانير تسقط في ثقوب الغلاء
26 يونيو، 2025
بغداد/المسلة: يتوجه تقرير الواقع صوب الأسواق العراقية لتوثيق الشكاوى اليومية من “فوضى الأسعار” التي حوّلت التسعيرة الحكومية إلى عبارة بلا قيمة، تكتفى بها أوراق رسمية لا تطعم مواطنًا.
ويقف المواطن في طوابير أمام الأفران ومحال الخضراوات وهو يرى فاتورة مشترياته ترتفع كل يوم بقيمة تزيد عن ألف دينار، وتعالت صرخاته عبر تويتر و التدوينات.
وأوضح الخبير القانوني علي التميمي العقوبة القانونية لمخالفة التسعيرة وفق القانون العراقي.
وقال التميمي للمسلة، ان منظم ذلك وفقا لقانون تنظيم التجارة رقم ٢٠ لسنة ١٩٧٠، حيث عاقبت المواد من ٨ ومابعدها الى المادة ١٧ منه واوصلت العقوبة الى الحبس خمس سنة عن هذه الجريمة ذات الصور المختلفة ومنها الامتناع عن البيع للسلع أو البيع بأكثر من السعر المعتاد أو إنكار وجود السلع والبضاعة مع وجودها ..أو اشتراط بيعها مع سلعة أخرى..وهو مافصلته المادة ١٧ من قانون تنظيم التجارة ٢٠ لسنة ١٩٧٠..وغرامات مختلفة.
وفي عيد الاضحى المنصرم، كمثال على الغلاء، فان أسعار الأضاحي شهدت ارتفاعات قياسية، إذ تراوح سعر العجل بين 3.5 و4.5 ملايين دينار، والخروف بين 450 و600 ألف دينار، بينما لم تتخذ الحكومة دعمًا فعليًا في مواجهة هذه الأرقام.
ولاحظت فرق ميدانية في بغداد ظروف انعدام ضوابط حقيقية لأسعار الخضر والفواكه، وانتشار أصحاب عربات متجولة يرفعون أسعارهم وفق مزاج السوق.
ويقف المواطنون مذهولين أمام تبريرات مسؤولي التسويق في إن “انخفاض قيمة الدينار وارتفاع أسعار الأعلاف عالمياً” من أسباب الفوضى السعرية، في حين لاموا ضعف الرقابة والتدخل الحكومي المباشر لتثبيت الأسعار.
ووثّق ناشطون محليون حالة “فساد ضريبي وتسطيح تجاري” في سجلات البيع، بتسجيل أرباح وهمية أو إخفاء حجم التداول الحقيقي لتجنب الضرائب، وهو ما ذكرته منصة “الروابط” بأن النظام الضريبي العراقي يعيش حالة من الفوضى، ويضيع مليارات دون رقابة.
وخلت منصات التواصل من خطاب التفاؤل، وتحوّلت إلى منصة احتجاج.
واضاف التميمي: كما يوجد بيان لوزارة التجارة هو رقم ٤ لسنة ١٩٨٣ منعت هذه التعليمات المضاربة في البيع او البيع باقل من السعر للاضرار بالاخرين .
وتابع ان الهدف من هذا المنع هو الحفاظ على استقرار الأسعار في السوق .
وبين: التسعيرة الجبرية فانها مهمة حيث تمكن المواطن من الاطمئنان والحصول على السلع والبضاعة دون قيود ويؤدي ايضا الى استقرار السوق ومنع التضخم.
واستطرد: كما ان المادة ١٦ من قانون تنظيم التجارة ٢٠ لسنة ١٩٧٠ عاقبت واوصلت العقوبة الى الحبس الى اربع سنوات عن البيع بأقل من السعر السائد للاضرار باستقرار السوق.
واختتم: ان هذا القانون اوجب مصادرة الاموال المحصلة عن هذه الجرائم وهو مهم لتحقيق الردع والعدالة الاجتماعية لان ضرب الشي بالشي سيجعل من تسول له نفسة ارتكاب الجريمة سيتردد وهي عقوبة تابعة للعقوبة الاصلية.
وفسّر محللون أن هذه الفوضى السعرية تمخّضت عن تراكم اختلالات: ضعف الرقابة، أحجام تضخم غير مقترنة بالرواتب، وتجارة تضخمية تستغل التذبذب اليومي للدينار.
ووجهت الأنظار إلى التقنين الحكومي، حيث فشلت اللجان في ضبط الأسعار المحلية، كما سجلت تباينات بين المدن والقرى، فسعر واحد السلعة الواحد يختلف بلاغة بين بغداد وواسط وكربلاء، بلا رقابة حقيقية على التجّار
وخلاصة التحليل تشير إلى أن المواطن في العراق صار رهينة تسعيرة “شكلية” لا تلتزم عليها الأسواق، فكلما نُشرت تسعيرة حكومية يطير أثرها أمام نزعة الاغتنام السريع من التاجر والمستورد، بخلو السوق من رادع حقيقي.
وأنشأت الفوضى بيئة اقتصادية تلتهم جيوب الفقراء، وتزرع خوفًا من انتظار أسعار أكثر جنونًا بعد انخفاض دعم الوقود وارتفاع كلف الشحن، في ظل أزمة ضريبية تحول كل معاملة إلى حقل مفتوح للفساد.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts