نحو تنفيذ استراتيجي أفضل.. فكرة النظام الموازي
تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT
إن التفكير السائد لدى الكثير من مؤسسات الأعمال بعد تجاوز مرحلة التأسيس، ينصب على التركيز على موضوع الإنتاجية بدلا من الفاعلية الاستراتيجية والتميز. لقد فقدت الكثير من هذه المؤسسات الفرص لتغيير اتجاهها الاستراتيجي لتصبح أكثر فاعلية وكفاءة نتيجة لسببين رئيسين، الأول نتيجة الاتجاه المحافظ لدى قادة بعض هذه المؤسسات والذي لم يسعفهم كثيرا في الإيمان بأهمية التغيير المطلوب للتوجه نحو آفاق مختلفة بشكل ثابت ومنظم.
إن التغيير هو السمة الأساسية لهذا العصر وليس من المبالغة أن نقول إن النجاح في عالم الأعمال اليوم مرتبط بقدرة المؤسسات على التكيف بشكل سريع مع التغييرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، بل إن التحدي قد أصبح مضاعفا اليوم فلم يعد الطموح هو التكيف فقط، بل العمل بشكل مخطط لاستباق التغيير. إن الهياكل الهرمية والعمليات المؤسسية التي عاشت في جلبابها العديد من المؤسسات ولعقود طويلة لم تعد أدوات صالحة لتحقيق التميز والتفوق المنشود في هذا العالم السريع التغير الذي يتطلب في الأساس نمطا مختلفا من أساليب القيادة والإدارة المرتكزة على التحفيز والإبداع وإدارة المواهب والتخطيط والمساءلة المرتكزة على النتائج والأهداف.
إن التغيير في (DNA) الفكر الإداري أجبر الكثير من المؤسسات التي كانت نادرا ما تقوم بمراجعة استراتيجياتها على تقييمها بشكل سنوي جنبا إلى جنب مع تقييم ومراجعة الاتجاه الاستراتيجي، إن هذه النظرة الجديدة في عالم الأعمال لم تأتِ من فراغ بل هي محصلة نتاج متراكم لنظريات ونماذج الفكر الإداري والتي أسهمت بعد تطبيقها في مساعدة تلك المؤسسات على بناء وتطوير ميزتها التنافسية من خلال نظام مؤسسي بوصلته الأهداف وقاعدته الترابط بين القيادة والاستراتيجية والتنفيذ. لقد كان أحد نتاجات الفكر الاستراتيجي معالجة مهمة لموضوع التوازن بين الشعارات النظرية للاستراتيجية وصعوبة تنفيذها وذلك من خلال ما يسمى بفكرة النظام الموازي والذي طبقته مؤسسات النخبة التي تقود العالم اليوم حيث بدأت تلك المؤسسات إيجاد نظامي عمل يقوم الأول على إدارة العمل اليومي من خلال الهيكلة والإجراءات الموجودة، أما الثاني فهو نظام لإدارة التنفيذ الاستراتيجي والذي يرتكز على إدارة التغيير المنشود من خلال هيكلة ترتكز على فريق تنفيذي يتكون من كفاءات ومواهب تمثل مختلف القطاعات. والمهمة الأساسية لهذا الفريق القيام بتصميم برنامج لإدارة التغيير لمعالجة قضايا التنفيذ لكل المشاريع الاستراتيجية في مختلف محيط المؤسسة.
إن الغاية من إيجاد هذا الفريق التنفيذي الموازي هي التفرغ والتركيز على الصورة الكبيرة التي تساعد المؤسسة في تعزيز قدراتها التنفيذية لمختلف الخطط الاستراتيجية ودون أن يتعارض ذلك مع متطلبات وزخم العمل اليومي وذلك بالتركيز على مجموعة من المبادئ المهمة ومنها:
- تحديد الدوافع الملحة للتغيير
- تحديد الشركاء الضروريين
- تطوير رؤية التغيير ونشرها
- التمكين اللازم لقائد وفريق التغيير
- الاندماج بين التغيير والثقافة المؤسسية السائدة
- نشر قصص النجاح السريعة لتحفيز الآخرين على التغيير
لقد أثبتت فكرة النظام الموازي نجاحها في العديد من المؤسسات، بل إنها لاقت قبولا ورواجا حتى بين القادة المحافظين الذين لا يميلون إلى العمل الاستراتيجي، حيث أتاح لهم النموذج الجديد إيجاد التوازن الصحيح بين ميلهم إلى التركيز على العمل اليومي ومتابعة المسار الاستراتيجي وذلك بتفويض المهمة إلى شخص آخر ليتولى قيادة فريق التغيير ويشرف على إدارة مسار التنفيذ الاستراتيجي مع الالتزام بإيجاز قيادة المؤسسة بمراحل الإنجار والتقدم في التنفيذ.
إن محصلة التجارب للمؤسسات الناجحة تؤكد على إمكانية إدارة العمل الاستراتيجي بشكل مواز للعمل اليومي وبدون أن يكون هناك أي تعارض أو ازدواجية بين الجانبين، وقد أثبتت تلك التجارب أن المؤسسات التي ركزت على العمل اليومي لم تستطع أن تنضج استراتيجيا أو تخطط لمستقبلها بعيدا عن اليوم وقصص إنجازات الماضي. إن العمل الاستراتيجي يعتبر قوة دافعة للمؤسسات لمساعدتها على تصميم وتطوير الأدوات الضرورية للاستفادة من الفرص الاستراتيجية التي تمكنها من التميز على مستوى الخدمات والمنتجات والعلاقة مع الجمهور، فالفكر الاستراتيجي ليس وصفة معقدة بل عقيدة يمكن تلخيصها في أنه قوة دافعة تحفز على البحث، الأداء، التعلم، والتغيير، وفي عالم اليوم تعتبر هذه الجوانب مرتكزات أساسية لنجاح المؤسسات وتميزها، بالإضافة إلى إنه يتيح الفرصة لإيجاد جيل من الاستراتيجيين الذين يمكنهم أن يكونوا نواة صالحة لقيادات المستقبل.
الدكتور خالد الحمداني كاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العمل الیومی من خلال
إقرأ أيضاً:
مدن الإمارات الذكية تتحول من فكرة إلى واقع مستدام
بات التحول إلى المدن الذكية محل اهتمام عالمي في السنوات الأخيرة، مما جعلها تزداد ذكاءً يوماً بعد يوم، حتى أصبحت تعرف بالمدن الرقمية والمدن السلكية، وهي مساحات سكنية مستدامة تعتمد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لجمع البيانات الرقمية من القاطنين والأجهزة والأصول لإدارة الموارد المتاحة بكفاءة أكبر.
وتستخدم هذه المدن مجموعة واسعة من التطبيقات الرقمية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتعزيز المعرفة والابتكار، وخفض التكاليف واستخدام الموارد، وتحسين بيئات المعيشة والعمل، وزيادة التواصل بين الحكومة والمواطنين من أجل زيادة رفاهية الإنسان.
تصنف دولة الإمارات ضمن أوائل الدول التي دعمت هذا الاتجاه العالمي؛ إذ بدأت تجربتها الاستثنائية بأمنيات حولتها إلى إنجازات خلال سنوات معدودة؛ لتدخل مستقبلاً مستداماً من بوابة المدن الذكية، وهي تتبنى استراتيجيات حكومية جادة على صعيد التحول إلى نظم الإدارة الذكية، وتطوير أنظمة النقل والمياه والطاقة والمخلفات باستخدام التقنيات الذكية، ما جعلها تصنف نموذجاً رائداً في المنطقة والعالم.
توسع سوق المدن الذكية
قال الدكتور سعيد خلفان الظاهري، الخبير الدولي في المدن الذكية والذكاء الاصطناعي، مدير مركز استشراف المستقبل في جامعة دبي، إن دولة الإمارات استثمرت بقوة في تطوير المدن الذكية، مع توقعات بنمو كبير خلال السنوات القادمة.
وأكد أن أبحاث السوق الموثوقة والتقارير الصناعية، أظهرت أن سوق المدن الذكية في الإمارات يشهد توسعاً سريعاً، مدفوعاً بالمبادرات الحكومية، والتطورات التكنولوجية، والطلب المتزايد على حلول حضرية مستدامة، وأن الإمارات شكلت 2.0% من السوق العالمية للمدن الذكية خلال 2024، بينما يتوقع أن تتصدر السوق الإقليمية من حيث الإيرادات العام 2030. ونوّه بأن هذه الاستثمارات تعكس التزام دولة الإمارات بتطوير بنية تحتية وخدمات عالمية المستوى في مجال المدن الذكية، مع التركيز على تحسين جودة الحياة، وزيادة الكفاءة، .
مواقع متقدمة لـ «أبوظبي» و«دبي»
قال الظاهري، إن دولة الإمارات حققت اعترافاً عالمياً لافتاً في مجال المدن الذكية، وإن مدينتي دبي وأبوظبي تحتلان مواقع متقدمة في التصنيفات الدولية، وفقاً لمؤشر المدن الذكية لعام 2025 الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية «IMD» بالتعاون مع جامعة سنغافورة للتكنولوجيا والتصميم «SUTD»، والذي يصنف 146 مدينة حول العالم، فقد حققت دبي المرتبة الرابعة عالمياً والأولى عربياً وآسيوياً، في حين احتلت أبوظبي المرتبة الخامسة عالمياً، وهو ما يعزز مكانة المدينتين ضمن أفضل عشر مدن في العالم للعيش والعمل والزيارة. وأضاف أن صعود دبي اللافت في التصنيفات يعزز مكانتها المتقدمة على قمة هرم مدن دول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي وآسيا، وهو ما يجسد التزام المدينة المستمر بالتحول الرقمي والابتكار الحضري والتميز في مجال المدن الذكية.
ويشير تقرير «IMD» إلى احتلال ابوظبي المركز الخامس عالمياً بسبب وفرة المساحات الخضراء في المدينة، وتوفر الإنترنت اللاسلكي المجاني «واي فاي»، وجودة وسائل النقل العام، والإدارة الفاعلة لحركة المرور.
وأوضح الدكتور الظاهري، أن المدن الذكية الإماراتية تتألق عالمياً، وأن دبي وأبوظبي رسختا مكانتيهما كأفضل المدن الذكية في العالم، ليس فقط من خلال تطبيق الحلول المبتكرة محلياً، بل أيضاً عبر الإسهام الفاعل في تشكيل المبادرات الدولية في هذا المجال.
وأضاف أن «دائرة دبي الرقمية» تقوم بدور ريادي في مشهد المدن الذكية العالمي، من خلال قيادتها مبادرة «CitiVerse»، وهي تعاون بين دائرة دبي الرقمية ومركز الأمم المتحدة الدولي للحوسبة «UNICC» والاتحاد الدولي للاتصالات «ITU»، انطلق في شهر مارس/آذار من هذا العام 2025.
مشاركة فعالة
نوه الدكتور سعيد خلفان الظاهري، بأن أبوظبي ودبي تشاركان بفاعلية في مبادرة «متحدون من أجل مدن ذكية مستدامة»، التي أُطلقت عام 2016 من قبل الاتحاد الدولي للاتصالات ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا، وموئل الأمم المتحدة، والتي تقود مستقبل المدن الذكية المتمركزة حول الإنسان على مستوى العالم. وأوضح أن استراتيجية الإمارات للمدن الذكية تشمل عدداً من القطاعات، من أبرزها الطاقة والتركيز على مصادرها المتجددة، وبخاصة الطاقة الشمسية، لتقليل البصمة الكربونية وتعزيز الاستدامة، بالإضافة إلى النقل والتركيز على تطوير أنظمة النقل الذكي، بما في ذلك المركبات ذاتية القيادة، والطائرات بدون طيار، وتقنية «الهايبرلوب»، مع استهداف تحويل 25% من جميع الرحلات إلى رحلات ذاتية القيادة بحلول عام 2030 وفقاً لاستراتيجية دبي للتنقل الذكي.«وام»