إنزالات وتحركات ومفاجآت عسكرية تسبق الانتخابات الأمريكية
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
في اجتماع الرئيس فلاديمير بوتين الأخير مع مجلس الدفاع الروسي، الذي بُثّ مباشرة على شاشات التلفزيون، كان واضحاً أنه يرد على إدانة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ونظيره البريطاني، ديفيد لامي، عقب الإعلان عن تزويد إيران الجيش الروسي بصواريخ «فاتح» قصيرة المدى، وشمل تصريح بلينكن أن الولايات المتحدة تدرس مع دول حلف «الناتو» السماح لأوكرانيا باستعمال صواريخ فائقة الدقة ومتوسطة المدى (رفض الرئيس الأميركي جو بايدن إعطاء الإذن لأوكرانيا).
وفي مقابلة مع التلفزيون الروسي، قال بوتين إن أي إجراء كهذا يعرّض أمن روسيا للخطر، وإنه سيمثل «إعلان حرب» من دول «الناتو» على بلاده، وإنه سيَجري الرد عليه بقسوة.
في تعليق من مراسل «سكاي نيوز» في موسكو قال: «التصاعد الخطِر في المواجهة، الذي سببه المباشر الصواريخ الباليستية الإيرانية، هو أقرب ما يكون إلى (أزمة الصواريخ الكوبية)، في أكتوبر (تشرين الأول) 1962، عندما أُعلن عن حال التأهب النووي في الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي؛ بسبب منصات الصواريخ التي بناها السوفيات في كوبا. وانتهت المواجهة آنذاك بتفكيك المنصات، وكذلك تفكيك شبكة صواريخ (الناتو) في تركيا، وبقي الإجراء الأخير طيّ الكتمان إلى أن كُشف عن الأوراق الرسمية مع مرور الزمن».
وفي مؤتمر نظمته صحيفة الـ«فاينانشيال تايمز» بلندن هذا الشهر، تحدث ريتشارد مور، رئيس «الاستخبارات البريطانية (MI6)» عن مسألة تزويد إيران روسيا بالمسيّرات والصواريخ؛ إذ وصف الأمر بأنه «غير مسبوق في العلاقات الدولية». وأضاف أنه «منذ انتهاء الحرب الباردة، التي كانت تجري فيها المواجهة في معظم الأوقات بواسطة دول إقليمية، أصبحت الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن (ما عدا الصين) تدخل في المواجهة المباشرة، فكانت على سبيل المثال حرب كوسوفو التي دخلتها الولايات المتحدة لإلحاق الهزيمة بالصرب، وكانت حرب تحرير الكويت، واحتلال أفغانستان، وكانت عملية إسقاط نظام القذافي في ليبيا بتدخل القوات الجوية البريطانية والفرنسية، وتدخل قوات روسية في سوريا وجورجيا لقمع الانتفاضات وحماية الأنظمة، وأخيراً حرب أوكرانيا التي لم تنتهِ بعد». وتابع مور أن «السابقة هي في قيام دولة إقليمية بتزويد دولة كبرى عضو في مجلس الأمن (بأسلحة)، لمساعدتها في حرب طالت واستنفدت كثيراً من طاقاتها. وهذا يدل على أمرين؛ الأول: تراجع كبير في قدرات روسيا العسكرية. والثاني: وصول النفوذ الإيراني إلى أوروبا عن طريق الصواريخ والمسيّرات».
وفي مداخلة من مدير «وكالة الاستخبارات الأميركية (CIA)»، ويليام برنز، قال: «إيران تجيد لعبة الحرب بواسطة الأذرع، وتتفادى تعريض نفسها لويلات الحروب، إلا إنها أخطأت بدخولها في حرب الكبار بأوكرانيا؛ فروسيا ليست ذراعاً لإيران، والولايات المتحدة وحلفاؤها من دول (الناتو) لديهم كمّ كبير من قدرة الرد بتشديد العقوبات ردعاً وانتقاماً، وليس صدفة أن تنفذ إسرائيل قبل أيام عملية إنزال في مصياف داخل حمص استهدفت مركز بحوث لـ(الحرس الثوري) الإيراني بدأت إيران العمل فيه قبل خمس سنوات لتصنيع الصواريخ لـ(حزب الله)، ودمرته بالكامل، وأخذت القوات المهاجمة وثائق وملفات. إضافةً إلى عملية مشابهة وقعت قبل أيام في قرية طوباس بالضفة الغربية، وشملت إنزال جنود، وكثافة تحليق من الطيران الحربي والمسيّرات والمروحيات. وكذلك الازدياد الملحوظ في القصف الإسرائيلي على لبنان، واستهداف مخازن ذخيرة تعود إلى (حزب الله)، ورمي المناشير لأهالي الجنوب بضرورة مغادرة قراهم حماية لأرواحهم».
ووفق ما قال مصدر فرنسي رفيع المستوى لموقع «الشفاف»، فإن «ما حدث في مصياف وطوباس من ناحية تكثيف حركة الغارات الجوية من خلال المسيّرات والطيران الحربي، إضافة إلى نشاط سري للقوات الخاصة الإسرائيلية، يشبه ما سيحدث في جنوب لبنان»؛ إذ أشار إلى «عدم وقوع حرب شاملة، إنما القضاء على (فرقة الرضوان)، بحيث يقوم الجيش الإسرائيلي بالالتفاف على مقاتلي (حزب الله) من الأراضي السورية عبر عمليات إنزال لفرق مقاتلة وكوماندوز تعمل على عزل جنوب نهر الليطاني عن شماله من جهة؛ ومن جهة أخرى تنصب هذه الفرق كمائن على خطوط إمداد (حزب الله) من الأراضي السورية، مما يحول دون استقدام مقاتلي (الحزب) الذين ينتشرون على الأراضي السورية، أو حتى الذين خَطَّطَ الأمين العام لـ(الحزب) لاستقدامهم من العراق واليمن عبر الأراضي السورية».
وتشير المعلومات الفرنسية إلى أن الجيش الإسرائيلي سيطْبِق على مقاتلي «حزب الله» جنوب الليطاني بفكَّيْ كماشة، بعد أن يكون قد توغل شمال الليطاني، تزامناً مع تقدم قوات برية عبر الحدود الإسرائيلية - اللبنانية، مدعومة بكثافة نيران من الجو.
من هنا، يتوقع كثيرون أن تكون الأسابيع المقبلة السابقة على الانتخابات الرئاسية الأميركية حافلة بالأحداث الجسيمة. وقد تمتد إلى ما بعد الانتخابات؛ إذ، وفق محطة «سي إن إن»، أطلع مسؤولون استخباراتيون أميركيون حملة دونالد ترمب مؤخراً على مؤشرات جديدة على أن إيران تخطط لتصعيد الهجمات على الرئيس السابق ومَن حوله، وهذا قبل تعرضه لمحاولة الاغتيال الثانية يوم الأحد الماضي. فما بالكم إذا فاز بالرئاسة؟
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: تفجيرات البيجر في لبنان رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الانتخابات الأمريكية الأراضی السوریة حزب الله
إقرأ أيضاً:
هل تشهد الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية أفولًا؟
سالم بن حمد الحجري **
لم تكن حرب غزة التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023 مجرد جولة عنف أخرى في الصراع العربي الإسرائيلي الطويل؛ بل كانت زلزالًا جيوسياسيًا هزَّ أركان النظام الدولي الذي هيمنت عليه الثنائية الأمريكية- الإسرائيلية لعقود.
وقد فجّرَت فداحة الضرر الإنساني، ووضوح سياسة العقاب الجماعي، واستمرار العدوان رغم قرارات الأمم المتحدة، أسئلةً وجوديةً حول شرعية هذه الهيمنة ومدى قدرتها على الصمود في وجه تحولات الرأي العام العالمي وصعود قوى دولية جديدة. فهل يمكننا الجزم بأنَّ حرب غزة أنهت عهد الهيمنة الأمريكية-الإسرائيلية على المشهد الدولي؟ الإجابة ليست بـ"نعم" أو "لا" قطعية؛ بل هي عملية تحول تاريخي بدأت معالمها تتشكل بوضوح.
ولفهم عُمق التحول، يجب أولًا استعراض طبيعة هذه الهيمنة التي بُنيت على عدة ركائز:
1. الهيمنة الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية: حيث كانت الولايات المتحدة، باستخدام حق النقض "فيتو" في مجلس الأمن، الدرع الواقي الذي يحمي إسرائيل من أي مساءلة أو عقوبات دولية فعلية. وجعلت الدبلوماسية الأمريكية القضية الفلسطينية قضية "مساعدة إنسانية" بدلًا من قضية سياسية تتعلق بإنهاء الاحتلال.
2. هيمنة "اللوبي" والسردية الإعلامية: سيطر تحالف المصالح بين اليمين المحافظ الأمريكي واللوبي الإسرائيلي (وعلى رأسه آيباك AIPAC) على صنع القرار في واشنطن، بينما روّجت وسائل الإعلام الغربية الرئيسية- لسنوات- للسردية الإسرائيلية التي تقدم إسرائيل كـ"ديمقراطية" تواجه "إرهابًا"، مع تغييب شبه كامل للسياق التاريخي للاحتلال ومعاناة الشعب الفلسطيني.
لكن جاءت حرب غزة لتُعرِّي تناقضات هذه الهيمنة وتسارع في تفكيكها من خلال عدة عوامل:
1. ثورة المعلومات والفضاء الرقمي: إذ فشلت الآلة الإعلامية التقليدية في احتواء السردية هذه المرة. وعبر منصات التواصل الاجتماعي، شاهد العالم بأسره، وعلى الهواء مباشرة، صور الدمار والمذابح في غزة. ولم يعد الأمر مجرد تصريحات سياسية؛ بل أصبحت هناك مقاطع حية مصورة للقصف، وصور للأطفال الضحايا، وشهادات للأطباء. هذا التدفق غير المسبوق للمعلومات كسر حاجز التعتيم الإعلامي وأجبر وسائل الإعلام التقليدية على تعديل خطابها، ولو جزئيًا.
2. الصدى العالمي غير المسبوق: خرجت عشرات الآلاف من المظاهرات في عواصم العالم الغربي والشرقي، من لندن وباريس إلى واشنطن ونيويورك، حاملةً علم فلسطين. هذا الحراك الشعبي العارم، الذي امتد إلى الجامعات والنخب الثقافية، وضع الحكومات الغربية في موقف دفاعي لأوَّل مرة، مُظهرًا الفجوة الواسعة بين مواقف النخب الحاكمة والرأي العام.
3. تغير مواقف الدول: من التضامن الرمزي إلى الخطوات العملية، وهنا يكمن جوهر التحول؛ إذ لم يعد الأمر يقتصر على إدانات روتينية، وانقسم إلى:
** دول الجنوب العالمي: قادت دول مثل جنوب إفريقيا (التي رفعت دعوى قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية)، والبرازيل، وكولومبيا، موقفًا مناهضًا بوضوح للهيمنة الأمريكية، مطالبين بوقف فوري لإطلاق النار وفرض عقوبات. وقد صرح الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو بضرورة تغيير نظام التصويت بمجلس الأمن؛ لأنه "لا يُمكن لدولة واحدة أن تفرض رأيها على العالم".
** الدول الأوروبية: شهد الموقف الأوروبي انقسامات حادة. بينما ظلت ألمانيا وبعض الدول موالية للموقف الأمريكي التقليدي، شهدنا تحولًا في دول مثل إسبانيا، وأيرلندا، والنرويج التي اعترفت رسميًا بدولة فلسطين، في خطوة هي بمثابة صفعة للدبلوماسية الأمريكية والإسرائيلية. هذه الخطوات لم تعد "تضامنًا" فحسب؛ بل هي إعادة تعريف للشرعية الدولية.
** اجتماع الأمم المتحدة والاعتراف بدولة فلسطين: قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في مايو 2024، الذي منح فلسطين حقوقًا إضافية ودفع بأوروبا للتفكير جديًا في الاعتراف، كان مؤشرًا واضحًا على أن الأغلبية الساحقة من دول العالم (143 دولة صوتت لصالح القرار) لم تعد تقبل بالهيمنة الأمريكية. والاعتراف المتسارع بدولة فلسطين في اجتماع الجمعية العامة الأخير الذي عقد في سبتمبر 2025 وتجاوز عدد الدول المعترفة بفلسطين 150 دولة حتى الآن، هو تجسيد لإرادة دولية تسعى لتحقيق توازن جديد، يقوم على القانون الدولي وليس على الهيمنة الأحادية.
ورغم كل هذه المؤشرات القوية، من السابق لأوانه إعلان نهاية الهيمنة الأمريكية-الإسرائيلية، وذلك للأسباب التالية:
1- القوة الأمريكية لا تزال هائلة: الولايات المتحدة لا تزال المُموِّل والعاضد العسكري الرئيسي لإسرائيل. ودون ضغط أمريكي حقيقي، من الصعب إجبار إسرائيل على التغيير. التغيير داخل المؤسسة الأمريكية لا يزال بطيئًا ومحكومًا بمعادلات السياسة الداخلية.
2. اللوبي لا يزال قويًا: رغم تراجع تأثيره النسبي، لا يزال اللوبي المؤيد لإسرائيل يمتلك قدرة هائلة على التمويل والتأثير في الانتخابات الأمريكية، مما يحد من قدرة أي رئيس على تبني سياسة متوازنة حقًا.
3. فجوة بين القول والفعل: الاعتراف بدولة فلسطين خطوة دبلوماسية بالغة الأهمية، لكنها لم تترافق بعد مع آليات فعلية لإنهاء الاحتلال وتمكين هذه الدولة على الأرض. النظام الدولي يعاني من أزمة في "الانتقال من التصويت إلى التنفيذ".
الخلاصة.. إنَّ أفول الهيمنة وولادة نظام دولي جديد متعدد الأقطاب- واقعيًا- لن تنهي الهيمنة الأمريكية- الإسرائيلية بين عشية وضحاها، لكنَّ حرب غزة كانت القشة التي قصمت ظهر البعير. لقد كشفت الحرب عن أفول الشرعية الأخلاقية والسياسية لتلك الهيمنة؛ فالعالم لم يعد يقبل بأن تكون القيم التي يتبناها الغرب- كحقوق الإنسان وحق تقرير المصير- قابلة للتطبيق بشكل انتقائي.
وما نشهده الآن هو عملية تاريخية لتفكُّك النظام الأحادي القطبية وولادة نظام دولي أكثر تعددية؛ حيث ترفض دول الجنوب العالمي- وحتى حلفاء تقليديون للولايات المتحدة- أن تُفرض عليهم أولويات لا تتوافق مع القانون الدولي والضمير الإنساني.
حرب غزة لم تكن نهاية المطاف؛ بل إنها بداية النهاية لعهد الهيمنة غير المقيدة، وأصبحت القضية الفلسطينية محكًا أساسيًا لشرعية أي قوة تُريد قيادة العالم الجديد. المستقبل سيكون لمنطق القانون الدولي والتعددية، وليس لمنطق القوة العمياء والاستثناء من المحاسبة.
** محلل سياسي