أُمِّيَّة العصر
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
د. بدر بن أحمد البلوشي
baderab_2000@hotmail.com
في زمن تتزايد فيه الأزمات والتحديات، تبرز الحاجة الملحة ليس فقط للتعليم، ولكن لتعليم ينير العقول ويحرك الأيدي. الأمية ليست فقط عدم القدرة على قراءة الكلمات وكتابتها، بل هي العجز عن قراءة الواقع وتحويل الأفكار إلى أفعال تعيد رسم ملامح هذا الواقع. الكثيرون يحملون الشهادات، ولكن قليلون هم الذين يحملون مفاتيح التغيير الحقيقي.
الأمية الفكرية تتجلى في عدم قدرة الفرد على استيعاب التحولات الجذرية في مجتمعه وعالمه، وعجزه عن مواجهة التحديات بأدوات المعرفة التي توفرها التعليمات المتطورة. هذا النوع من الأمية يشكل العائق الأكبر أمام التقدم الذي نصبو إليه جميعًا. الأمية الفكرية تتمثل في عدم القدرة على استيعاب التغيرات الكبيرة وتحويل المعرفة إلى أفعال تعيد تشكيل معالم المجتمع. في السياق العماني، يعتبر هذا التحدي أكثر حدة، حيث يظهر جليًا من خلال الفجوة بين المهارات المكتسبة ومتطلبات السوق الفعلية، الأمر الذي يُبطئ من وتيرة الابتكار والتحديث الاقتصادي.
من الضروري أن نسلط الضوء على أهمية تنمية الوعي العميق والفهم السليم كأدوات للتعليم الفعال. الإحصاءات تشير إلى أنَّ هناك حاجة ماسة لتعزيز مهارات التفكير النقدي والتحليلي لدى الطلاب، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة السلطان قابوس أن 65% من الخريجين يفتقرون إلى المهارات التحليلية الكافية لمواكبة تطورات العمل. التعليم في عمان يحتاج إلى تحول يشمل تكامل المهارات الحياتية مع المعرفة الأكاديمية، بحيث يُعطى الأولوية للتعليم التفاعلي والمشاركة العملية. الفعالية الحقيقية للتعليم تكمن في قدرته على إعداد جيل قادر على التفاعل بإيجابية مع تحديات العصر، وليس فقط حمل الشهادات.
يجب أن نسعى لتعزيز وعي عميق بأهمية تطبيق المعرفة في حل المشاكل العملية وتطوير الحلول المبتكرة التي تلامس حياة الناس اليومية. التعليم الذي لا يصاحبه تفكير نقدي ولا يُثمر عن تحليل وفهم عميق للواقع، يظل ناقصًا وغير مُجدٍ. هذه الأمية الفكرية إذا لم يتم معالجتها، ستستمر في تعطيل قدراتنا على التطور والابتكار. يجب أن نعمل جاهدين لضمان أن يكون التعليم في عمان ليس مجرد عملية تلقين، بل مسار تحول يفتح آفاقاً جديدة للفهم والتطبيق العملي الذي يسهم في بناء مستقبل أكثر إشراقاً للجميع. نحن بحاجة إلى رؤية جديدة لمنظومتنا التعليمية، منظومة تُركز ليس فقط على الكم، بل على الكيف. التعليم يجب أن يكون تفاعليًا ويشجع على البحث والاستقصاء وليس فقط التلقين. يجب أن نعيد تشكيل فلسفتنا التعليمية لتشمل تنمية المهارات الحياتية والقدرة على التكيف والابتكار. فقط عندما نُحرر عقولنا من قيود الأمية الفكرية، سنتمكن من تحقيق الإبداع والتطور الذي نسعى إليه جميعًا.
هذا التحول في نهج التعليم والتعلم ليس مجرد تحسين؛ إنه ضرورة قصوى لتحقيق مستقبل أفضل. نحتاج إلى التأكيد على أن كل فرد في مجتمعنا مسؤول عن التعلم الفعال والعميق الذي يتجاوز الحفظ إلى استيعاب وتطبيق. الأمية الفكرية هي العدو الأكبر لأي مجتمع يطمح للريادة والتقدم، وعلى كل منا أن يكون جزءًا من الحل، لا جزءًا من المشكلة.
** دكتوراه في الإعلام والعلاقات العامة وباحث في التخطيط الاستراتيجي وعلم النفس في الإدارة الحديثة
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
دورة تدريبية بمسندم تناقش فرص الذكاء الاصطناعي
نفّذت إدارة مدينة محاس الصناعية التابعة لـ"مدائن" دورة تدريبية بعنوان: (الذكاء الاصطناعي: فرص وتطبيقات في سوق العمل)، وذلك في قاعة نادي خصب، وذلك في إطار مبادراتها لبرامج المسؤولية الاجتماعية التي تعمل عليها "مدائن"، وضمن مشاريع "رؤية عمان 2040" الرامية للمساهمة في برامج التنويع الاقتصادي من خلال مواكبة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، ونشر ثقافة الابتكار وريادة الأعمال.
قدّم الدورة المدرّب علي صالح المطوع، خبير في تقنية المعلومات والابتكار والجودة، تم خلال الدورة تقديم مجموعة من المحاور المهمة التي تخلّلتها برامج عمل وأنشطة متعددة. وقد تطرّق المحور الأول إلى التعريف بمفهوم الذكاء الاصطناعي للفئات المهنية والمجتمعية، في استكشاف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في بيئات العمل المختلفة، وتسليط الضوء على المهارات المطلوبة للتعامل مع الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى كيفية تعزيز فرص العمل المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وفي المحور الثاني تناول المطوع الأنواع الرئيسية للذكاء الاصطناعي، وفي المحور الثالث تناول التحديات التي قد تواجه إدماج الذكاء الاصطناعي في البيئة المهنية. كما تم خلال المحور الرابع عرض المهارات والفرص المطلوبة للتعامل مع الذكاء الاصطناعي، وفي المحور الخامس تناول بالتفصيل دور المجسّات الإلكترونية في الذكاء الاصطناعي.
وفي ختام الدورة، تم تنفيذ مشروع تطبيقي عملي، وعرض تجارب عملية لكيفية توظيف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الأجهزة والأدوات للاستخدامات المختلفة، وقد شهدت الدورة مشاركة وتفاعلًا من الحضور والمشاركين الراغبين والمهتمين في اكتساب وتطوير مهارات استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، ونشر ثقافة الابتكار وريادة الأعمال، وتأسيس المشاريع الخاصة، وتطوير المهارات الذاتية، والابتكار المؤسسي.