القدس المحتلة - خاص صفا 28 عامًا مرت على "هبة النفق" الشعبية، وما زال المسجد الأقصى المبارك يتعرض لأبشع الانتهاكات الإسرائيلية، وتزداد المخاطر المحدقة به، في ظل تصاعد وتيرة الأنفاق والحفريات أسفل المسجد وفي محيطه.  فمنذ احتلال مدينة القدس عام 1967، لم تتوقف سلطات الاحتلال عن إجراء الحفريات أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه، وإقامة الأنفاق، مما يهدد أساساته وجدرانه.

هبة النفق وفي 25 سبتمبر/أيلول 1996، خرج الفلسطينيون في هبّة شعبية سُميت "هبة النفق"، بعد إقدام سلطات الاحتلال على فتح النفق الغربي أسفل الأقصى، إذ توحدت جميع فئات الشعب الفلسطيني للتصدي لقوات الاحتلال في مختلف مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة وبعد احتلال ما تبقى من المدينة المقدسة، بدأت سلطات الاحتلال بهدم حارة المغاربة جنوب غربي الأقصى، ثم أخذ بالحفر أسفل الرواق الغربي للمسجد حتى أحدث نفقًا كبيرًا يبلغ طوله ما يقارب 330 مترًا. وجاء افتتاح النفق بأمر من رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو لرئيس بلدية الاحتلال حينها إيهود أولمرت، ما فجّر موجة غضب واسعة أدت لاندلاع مواجهات مع قوات الاحتلال امتدت من شمال فلسطين إلى جنوبها. وكان النفق ضمن مبانٍ قديمة مشيدة في عصور مختلفة ومغطاة بالطمم بسبب تهدم المدينة عدة مرات عبر التاريخ، وكذلك عملية وصل لهذه المباني من خلال حفريات أسفل أساسات مباني قائمة بعرض متر وارتفاع مترين، بالإضافة إلى وجود قناة رومانية قديمة محفورة بالصخر بعرض أقل من متر وارتفاع عدة أمتار. وأدى حفره إلى ثقب عدد من آبار المياه أسفل الرواق الغربي للمسجد الأقصى، وأحدث تصدعات كبيرة في أبنية الرواق الغربي، كما انهار درج دائرة الأوقاف الإسلامية، بالإضافة إلى انهيار في منطقة سبيل قايتباي، وتخلخلت أساسات 16 معلمًا إسلاميًا. وفور افتتاح باب النفق، صدحت مآذن القدس بالدعوة لمواجهة هذا الاعتداء الإسرائيلي، وانتشر أهالي المدينة في الشوارع، وتعالت صيحات الاستنكار من حناجرهم، وحالت قوات الاحتلال دون وصولهم لموقع النفق. وحينها كانت تُوضع اللمسات الأخيرة لتثبيت الباب الحديدي الذي يؤدي إلى مدخل يصل حائط البراق بباب الغوانمة - أحد أبواب الأقصى. ولم تكن عملية فتح النفق سوى "القشة التي قصمت ظهر البعير"، لذلك جاءت "هبة النفق" نتيجة تراكمات من ممارسات حكومة اليمين المتطرف برئاسة نتنياهو، ومحاولتها فرض وقائع جديدة على الأرض. ودارت مواجهات عنيفة بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال، رشق خلالها الشبان القوات بالحجارة، وعلى أثرها أخلت ساحات المسجد الأقصى، وأغلقت جميع أبوابه ولاحقت الشبان، واعتقلت 11 شابًا. وتخلّلت المواجهات اشتباكات مسلحة بين أجهزة أمن السلطة وقوات الاحتلال في بعض المناطق الفلسطينية، كان أعنفها حصار أكثر من 40 جنديًا إسرائيليًا داخل مقام يوسف شرقي مدينة نابلس، وتحرير المقام من سيطرة الاحتلال ورفع الأذان مجددًا داخله بعد عشرات السنين من سيطرة الاحتلال عليه. واستمرت الهبة الفلسطينية لمدة ستة أشهر، ارتقى فيها 63 شهيدًا فلسطينيًا، وأصيب 1600 آخرون بجروح متفاوتة. ورغم الطابع السلمي الذي خيم على التظاهرات الفلسطينية، احتجاجًا على فتح النفق، إلا أن القوات الإسرائيلية واجهتها بإطلاق الرصاص المطاطي والحي بكثافة، وخاصةً من العيارات المختلفة مثل رصاص عيار 500 ملم و 800 ملم. كما استخدمت الطائرات المروحية والدبابات، بالإضافة إلى مشاركة المستوطنين في إطلاق النار على المواطنين الفلسطينيين. أخطار تتصاعد ورغم مرور 28 عامًا على هذه الذكرى، إلا أن حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة ما تزال تسابق الزمن للسيطرة الكاملة على الأقصى، وفرض وقائع جديدة فيه، عبر طمس معالمه وآثاره الإسلامية والعربية وسلخ المسجد عن هويته، سواءً عبر الحفريات والأنفاق أسفله وفي محيطه، أو من خلال تكثيف الاقتحامات وفرض الطقوس والصلوات التلمودية فيه، أو تنفيذ مخططات تهويده. ومنذ بداية العام 2024، تشهد مدينة القدس تصعيدًا كبيرًا في الحفريات التي تُجريها سلطات الاحتلال أسفل المسجد الأقصى ومحيطه، والتي يتخللها تشويه للمعالم الإسلامية والعربية في المدينة. وفي حديث سابق مع وكالة "صفا"، كشف الباحث المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب، عن 22 حفرية جديدة تُنفذها مؤسسات الاحتلال منذ بداية العام الجاري في محيط الأقصى، بالإضافة إلى أن الكثير من المعالم العربية والإسلامية والمسيحية في القدس التي يعمل الاحتلال على تغييرها وطمسها وهدمها، وسرقة حجارتها وتجييرها ونقلها لأماكن مجهولة. وهذه المعالم تتضمن معابد ومساجد ومزارات عربية وإسلامية قديمة تحت الأرض ذات طراز معماري تعود للفترات الأيوبية والمملوكية والإسلامية، وجميعها تُدلل على هوية وتاريخ المدينة المقدسة. ويبين أن من بين هذه الحفريات 3-4 أنفاق جديدة يعمل الاحتلال عليها، وهي تتجه من حارة الشرف ومنطقة حائط البراق، وصولًا إلى المسجد الأقصى. ويشدد على أن سلطات الاحتلال تستغل بشكل واضح انشغال العالم ووسائل الإعلام المختلفة بالحرب المستمرة على قطاع غزة للاستفراد في القدس والأقصى، عبر الحفريات وإقامة الأنفاق وتوسيع الموجودة منها أسفل المسجد وفي محيطه. ووفق أبو دياب، فإن مشاريع الاحتلال في محيط الأقصى تتضمن "إقامة كنس ومعابد يهودية، حيث تم وضع يافطات وعلامات لربطها بالتوراة أو الحضارة اليهودية، للدلالة على وجودهم، ولإثبات أن القدس يهودية الأصل" وهذه المشاريع تعد الأضخم منذ احتلال الجزء الشرقي من القدس، وتتوزع على 22 موقعًا قريبًا ومتصلًا ببعضه البعض، ما يُشكل خطورة كبيرة على الأقصى خاصة، وعروبة وهوية المنطقة المستهدفة.

المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية

كلمات دلالية: الأقصى هبة النفق الحفريات الأنفاق تهويد الأقصى سلطات الاحتلال المسجد الأقصى بالإضافة إلى أسفل المسجد

إقرأ أيضاً:

انتهاكات غير مسبوقة.. كيف مر يوم توحيد القدس على المسجد الأقصى؟

أُغلق باب المغاربة -أحد أبواب المسجد الأقصى الذي يسيطر على مفاتيحه الاحتلال منذ عام 1967- أمام المستوطنين اليوم بعد اقتحام 2092 متطرفا ومتطرفة المسجد بحماية ومرافقة من شرطة الاحتلال الإسرائيلي.

ونُفّذ هذا الاقتحام الجماعي بمناسبة يوم "توحيد القدس"، الذي يعدّ عيدا وطنيا يحتفل به الإسرائيليون باستكمال سيطرة دولتهم على شرقي القدس في عام النكسة وضمّها لسيادتها، وسُجلت هذا العام زيادة في أعداد المقتحمين مقارنة بالعامين الماضيين، إذ اقتحم المسجد 1601 من المتطرفين في عام 2024 المنصرم، و1262 متطرفا ومتطرفة في عام 2023 وفق إحصائيات دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس.

مقدسيون اضطروا لإغلاق متاجرهم في القدس القديمة تجنبا لاعتداءات المستوطنين (الفرنسية)

ومن ضمن الانتهاكات التي وُثّقت اليوم في ساحات المسجد الأقصى ومحيطه بالتزامن مع فترتي الاقتحامات الصباحية والمسائية:

رفع المستوطنون وتوشحوا الأعلام الإسرائيلية داخل المسجد، وارتدى بعضهم قمصانا مُزيّنة بعلم إسرائيل. أدى المقتحمون طقس السجود الملحمي (الانبطاح الكامل، واستواء الجسد على الأرض ببسط اليدين والقدمين والوجه، ويمثل هذا أقصى درجات الخضوع) في الساحات الشرقية والغربية من المسجد. أدخل المتطرفون أدوات مقدسة كالشال الذي يرتديه اليهود أثناء الصلاة (طاليت)، ولفائف الصلاة السوداء (التفلين)، وهو ما طالبت الجماعات المتطرفة بإدخاله من خلال عريضة أُرسلت لوزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير قبل شهر من أجل "السماح بحرية العبادة الكاملة لليهود" في "يوم القدس". رقص المستوطنون وغنّوا في أماكن مختلفة من المسجد أثناء اقتحامهم. أدى المتطرفون صلوات ورقصات استفزازية أمام أبواب الأقصى من الخارج، واعتدوا على المقدسيين والتجار وحوانيتهم وعلى الطواقم الصحفية بالشتم والبصق.

اقتحم أكثر من ألف مستوطن، بينهم وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، المسجد الأقصى بحماية شرطة وقوات الاحتلال الإسرائيلي التي شددت قبضتها الأمنية على محيط المسجد ومنعت دخول المصلين إليه.
وقال بن غفير خلال اقتحامه "صعدت إلى الحرم القدسي في يوم القدس، وصليت من أجل نجاح رئيس… pic.twitter.com/HQIewpMSJ2

— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) May 26, 2025

إعلان بن غفير يقتحم الأقصى

كما اقتحم  بنغفير وخمسة من أعضاء الكنيست المسجد في الفترة الصباحية، وقال بن غفير أثناء الاقتحام "في الواقع عدد كبير من اليهود يتدفقون إلى جبل الهيكل، ومن الممتع أن نرى ذلك.. اليوم أصبح من الممكن الصلاة والسجود ونشكر الله على ذلك".

وأضاف الوزير المتطرف "نحن هنا نصلي من أجل سلامة المخطوفين وتحقيق النصر في الحرب.. وأدعو لرئيس الشاباك الجديد بالتوفيق في ملاحقة أعدائنا، وأن يسحقهم كما فعل طوال سنوات عمله، وأن يميز بين العدو والحبيب، فالمحب يُحتضن، والأعداء يُسحقون".

وأفادت مصادر للجزيرة اعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلي بالضرب على عدد من حراس المسجد الأقصى، وأبعدتهم عن ساحات المسجد، بالإضافة إلى نشرها أكثر من 200 عنصر لتأمين اقتحامات المستوطنين.

ما الإجراءات التي اتخذتها قوات الاحتلال في #المسجد_الأقصى من أجل "مسيرة الأعلام"؟#الأخبار pic.twitter.com/H0Z8leOqaW

— قناة الجزيرة (@AJArabic) May 26, 2025

مسيرة رقصة الأعلام

وبإغلاق المسجد الأقصى أمام الاقتحامات تتجّه الأنظار الآن نحو مسيرة "رقصة الأعلام" التي من المتوقع أن يشارك فيها عشرات آلاف المستوطنين ممن سيتجمعون في باب العمود ومنه إلى شوارع البلدة القديمة وصولا إلى ساحة البراق حيث التجمّع والاحتفال المركزي.

وأظهرت مقاطع فيديو مصورة نشرتها وسائل إعلام محلية احتشاد مئات المستوطنين في طريق الواد بالبلدة القديمة، حيث أجبرت قوات الاحتلال التجار الفلسطينيين على إغلاق متاجرهم اليوم لتأمين اقتحامات المستوطنين واحتفالاتهم.

وكانت جهات فلسطينية عدة حذرت من تصعيد خطير ستشهده المدينة المحتلة في ظل مضي سلطات الاحتلال في تنظيم فعاليات مسيرة "رقصة الأعلام"، واعتبرتها تكريسا لتهويد المدينة بالقوة بالقوة، في مخالفة صارخة للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

إعلان

وقال إمام وخطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري في تصريحات لقناة الجزيرة إن اليمين المتطرف هيمن على الحكومة الإسرائيلية، وبدأ ينقض بشراسة على المسجد الأقصى، في محاولة لفرض واقع جديد بالقوة"، وحذر من تصعيد غير مسبوق في اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين على المسجد الأقصى تزامنا مع مسيرة رقصة الأعلام.

مقالات مشابهة

  • المملكة تدين اقتحام الأقصى وترفض المساس بتاريخية القدس
  • استفزاز وعنصرية وتواطؤ.. هكذا علق مغردون على اقتحامات الأقصى
  • إسرائيل تختبر الصمت العربي والأقصى في خطر
  • نتنياهو يظهر داخل نفق أسفل المسجد الأقصى ويثير موجة غضب واسعة
  • مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى اليوم
  • اليوم الأسوأ في تاريخ المسجد الأقصى منذ احتلاله
  • خطيب الأقصى يحذر من انقضاض اليمين الإسرائيلي على المسجد
  • الاحتلال يقتحم الأقصى ويشعل غضب الفلسطينيين.. جولات استفزازية تهز القدس
  • حالة غضب بين الفلسطينيين .. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى
  • انتهاكات غير مسبوقة.. كيف مر يوم توحيد القدس على المسجد الأقصى؟