ترجمة: قاسم مكي

يمكن القول إن قرار الأربعاء 18 سبتمبر الذي اتخذه بنك الاحتياطي الفـيدرالي بخفض أسعار الفائدة كان ضئيل الأهمية. فسعر (معدَّل) الفائدة الذي يسيطر عليه البنك مباشرة تقريبا هو السعر الذي تقرض به البنوك التجارية بعضَها البعض لليلة واحدة. ومن المستبعد أن يغيّر مسؤولو أي شركة أو المستهلكون خطط إنفاقهم لأن سعر الفائدة السنوي على الاقتراض بين البنوك ليوم واحد انخفض بنسبة نصف فـي المائة من حوالي 5.

5% إلى 5%. وهو ما يعني أنك إذا اقترضت ألف دولار سينخفض المبلغ الذي تسدده فـي اليوم التالي بحوالي 1.4 سنت فقط.

مع ذلك كانت خطوة البنك بالغة الأهمية لأسباب من بينها أن تغيير سعر فائدة الأموال الفيدرالية (وهو سعر الاقتراض بين البنوك لليلة واحدة) يؤثر على أسعار الفائدة فـي الأجل الطويل. وهذه الأسعار هي المهمة حقًا للاقتصاد. على سبيل المثال، رفعت سلسلةُ القفزات فـي سعر الفائدة التي اتخذها البنك الفـيدرالي فـي 2022 و2023 أسعار الفائدة الثابتة على قروضِ الرهونات العقارية لمدة 30 عامًا إلى حوالي 8% تقريبا من 3%.

بل ما هو أكثر أهمية أن البنك شرع فـي خفض سعر الفائدة الذي بدأ فـي رفعه عام 2022 فـي محاولة للسيطرة على التضخم المتصاعد وأعلن فـي الحقيقة عن اعتقاده بكسب الحرب على التضخم.

لماذا نشغل أنفسنا بما يعتقده البنك الفـيدرالي؟ دعوني أذيع لكم سرا. جيروم باول رئيس البنك وزملاؤه ليست لديهم أي معلومات داخلية عن حال الاقتصاد. (حسنا ربما يتلقون إشعارًا مسبقًا أو معلومات مبكرة لا يعرفها عامة الناس مثلًا إذا كان هنالك بنك كبير يوشك على الانهيار). فمعظم قراراتهم ترتكز على المعلومات نفسها المتعلقة بالبطالة والتضخم وغير ذلك والمتاحة لأي أحد لديه خدمة إنترنت.

صحيح لدى البنك بعض الاقتصاديين الأذكياء من بين موظفـيه. لكن هنالك الكثير من الاقتصاديين الأذكياء خارج البنك أيضا. والإعلان الضمني بهزيمة التضخم لن يكون خبرًا جديدًا لأي أحد يتابع على سبيل المثال مارك زاندي كبير الاقتصاديين فـي وكالة موديز أو جان هاتزيوس كبير الاقتصاديين فـي بنك جولدن ساكس واللذين ظلا يخبراننا على مدى شهور بأن التضخم تحت السيطرة.

مع ذلك يكسب البنك بعض الهيبة من دور سياسته النقدية (فـي الاقتصاد) والتي تعني أن ما يراه له وزن خاص لدى المستثمرين وربما، وهذا أكثر أهمية، لدى عامة الناس أيضا.

لذلك إعلان البنك الآن بزوال خطر التضخم حدثٌ مهم. لكن هذا الخبر السعيد يثير سؤالين. أولهما إذا كان معدَّل التضخم كما قال جيروم باول فـي مؤتمره الصحفـي قريب من المعدل المستهدف بواسطة بنك الاحتياطي الفـيدرالي وهو 2% لماذا لم يخفِّض هو أو زملاؤه سعر الفائدة بنسبة أكبر؟

لجنة البنك التي تحدد سعر الفائدة (اللجنة الفـيدرالية للسوق المفتوحة) والتي تجتمع ثماني مرات فـي السنة عادة ما تحرِّك هذا السعر تدريجيا بحوالي ربع نقطة مئوية (25 نقطة أساس) فـي كل مرة. والجدل الكبير قبل هذا الاجتماع كان يدور حول السؤال التالي: هل ينبغي أن يكون الخفض بنسبة 0.25% المعهودة أم بالنسبة الكبيرة التي حصلنا عليها بالفعل وهي نصف نقطة مئوية (0.5%)؟

لكن بدلا من صرف التفكير إلى الخفض التدريجي لسعر الفائدة لنفترض أننا سألنا لتوِّنا السؤال التالي: ما هو مستوى سعر الفائدة المعقول فـي الوقت الحالي؟

فالتضخم يبدو تحت السيطرة وأسواق العمل تضعف والبطالة لا تزال منخفضة عند حد معقول ولكنها مرتفعة بقدر مهم من أدنى مستوى لها فـي العام الماضي والتوظيف يتباطأ. إجمالا كما ذكر باول فـي مؤتمره الصحفـي سوق العمل كما تبدو، بها فرص عمل أقل بقدر طفـيف مقارنة بعشيَّة تفشي الجائحة. وعلى الرغم من ذلك كان سعر فائدة الإقراض بين البنوك لليلة واحدة 1.75% عند نهاية عام 2019. (بمعنى رغم أن الأوضاع الاقتصادية لا تختلف كثيرا عن أوضاع عام 2019 إلا أن سعر الفائدة وقتها لم يكن كبيرا- المترجم). هنالك حجج غير مقنعة بأننا يمكننا الحفاظ على التوظيف الكامل عند سعر فائدة أعلى قليلًا الآن. فالمشاركون فـي اجتماع لجنة السوق المفتوحة توصلوا إلى تقدير مشترك بأن سعر الفائدة سيستقر عند 2.9% (سعر الاستقرار هذا أو ما يسمى بسعر الفائدة فـي الأجل الطويل أو السعر المحايد أو الطبيعي هو الذي لا يتعرض الاقتصاد عنده إلى تضخم مفرط وارتفاع الأسعار أو انكماش وارتفاع معدل البطالة - المترجم).

لكنني لم أرَ أي حجة مقبولة لسعر فائدة «محايد» فوق 4%على أفضل تقدير. وعلى الرغم من الخفض الكبير لسعر الفائدة الأمريكي بنسبة 0.5% إلا أنه لا يزال عند معدل 5%. ألا ينبغي للبنك أن يتحرك بسرعة أكبر لتطبيع سعر الفائدة (وتقليل خطر التضخم)؟

ثانيا: هل سيفعل إعلان البنك بزوال خطر التضخم أي شيء لإقناع المزيد من الأمريكيين بإعادة تقييم الأداء الاقتصادي للرئيس جو بايدن؟ لقد واجهنا قفزة مؤقتة للتضخم فـي أعقاب جائحة «كوفـيد-19». ولكن كل اقتصاد كبير آخر تقريبا تعرض لذلك فـي حين كان نمو اقتصادنا عمومًا أقوى بكثير من الاقتصادات النظيرة لنا (فـي الولايات المتحدة). وكما أشار اقتصاديو البيت الأبيض، لقد تحدى نجاحُنا فـي خفض التضخم توقعاتِ المعلقين الذين أصروا على أن خفض معدل التضخم سيستوجب ارتفاعا كبير فـي البطالة.

أنا أعلم أن بعض الناس غير راضين عن العودة إلى التضخم المنخفض. فهم يريدون منا إعادة أسعار المستهلك إلى مستواها الذي كانت عليه قبل الجائحة. لكن ذلك ليس فـي مقدورنا. وحتى محاولة القيام بذلك ستكون فكرة سيئة حقا. فخلال القرن الماضي كان هنالك رئيس أمريكي واحد فقط شهدت فترته الرئاسية هبوطا مهما فـي أسعار المستهلك. إنه هربرت هوفر (الرئيس الحادي والثلاثين للولايات المتحدة 1929-1933م).

تحرُّك بنك الاحتياطي الفـيدرالي يوم الأربعاء 18 سبتمبر جيد بالطبع لكامالا هاريس. فهو سيكون مبعث ارتياح مباشر للمستهلكين فـيما يتعلق بتكلفة فائدة الاقتراض. وسيكون مؤشرا على تجاوز ارتفاع التضخم. وتصريح باول كما فعل فـي مؤتمره الصحفـي بأن الاقتصاد «فـي حال جيدة» ينبغي أن يكون مفـيدًا لمرشح رئاسي عضوٍ فـي الحكومة التي تتولى إدارة الاقتصاد حاليا.

وكما هو متوقع تماما سارع دونالد ترامب إلى الإيحاء بأن البنك الفـيدرالي ربما «يلعب سياسة».

لكن فـي حين أن قرار البنك ستكون لديه بالتأكيد عواقب سياسية إلا أنه ليس قرارا سياسيا. فمن الواضح أن الحجة الاقتصادية التي استوجبت خفض سعر الفائدة كانت دامغة. ومبرر إجراء خفضٍ كبير قويٌّ جدا. بل عدم خفض سعر الفائدة هو الذي سيكون سياسيا. واقع الحال، البنك الفـيدرالي لم يسمح بالتَّنمُّر عليه كي لا يفعل شيئا.

بول كروجمان أستاذ اقتصاد متميز بمركز الدراسات العليا - جامعة مدينة نيويورك وحاصل على جائزة نوبل فـي الاقتصاد عام 2008.

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: البنک الفـیدرالی سعر الفائدة سعر فائدة

إقرأ أيضاً:

حقوق إنسان الشيوخ: وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل خطوة يجب استكمالها سياسيا

أكدت الدكتورة رشا إسحق، أمين سر لجنة التضامن الاجتماعي وحقوق الإنسان بمجلس الشيوخ، أن إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل يمثل خطوة مبدئية لاحتواء التصعيد الذي هدد أمن المنطقة واستقرار شعوبها، مشيرة إلى أن الموقف المصري ظل ثابتا منذ البداية، داعيًا للحوار وخفض التوتر ورفض الانزلاق نحو مواجهات موسعة.

وشددت إسحق في تصريحات صحفية لها اليوم، على أن هذا التطور لا يجب أن ينظر إليه كحل نهائي، بل يجب البناء عليه نحو مسار سياسي شامل يعالج جذور الصراعات في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، موضحة أن لا استقرار حقيقي في المنطقة دون إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، ووقف العدوان على غزة، والالتزام بمبدأ حل الدولتين وفقًا لقرارات الشرعية الدولية.

المصريين: وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل لن يحقق الاستقرار دون حل أزمة غزةسيناء تنتعش على وقع حرب إيران وإسرائيل .. قفزة سياحية بـ300% رغم النيرانCNN : ترامب ينجو من مقبرة حرب إيرانالمؤتمر: اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل خطوة نحو تهدئة إقليمية شاملة

وثمّنت الجهود المصرية المكثفة التي قادتها القيادة السياسية على مدار الأشهر الماضية من أجل وقف العدوان على غزة، وتوفير المساعدات الإنسانية، والدفع في اتجاه التهدئة، مؤكدة أن مصر تتحرك بثبات ومسؤولية، وتعمل من منطلق التزامها الأخلاقي والإنساني تجاه الشعوب العربية، وهو ما تأتى فى تأكيد  الرئيس السيسي على إدانة مصر انتهاك يمس سيادة دولة قطر الشقيقة.

وأوضحت أن الظرف الحرج لما تعانيه المنطقة يستدعي الاصطفاف الكامل خلف القيادة السياسية، وتفويت الفرصة على كل من يحاول ضرب استقرار الدولة أو تشويه مواقفها، مؤكدة أن الرهان الحقيقي هو على وعي المصريين، وثقتهم في أن الدولة لا تفرّط في أمنها ولا في قضايا الأمة العادلة، وفي مقدمتها فلسطين.

طباعة شارك وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل إيران وإسرائيل الدكتورة رشا إسحق مجلس الشيوخ لجنة التضامن الاجتماعي

مقالات مشابهة

  • بنك المغرب يبقي على سعر الفائدة دون تغيير.. خبير: توجه يحمل مخاطر حقيقية على الإقتصاد الوطني
  • البنك المركزي المصري يحسم مصير أسعار الفائدة 10 يوليو المقبل
  • حقوق إنسان الشيوخ: وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل خطوة يجب استكمالها سياسيا
  • البنك المركزي يسحب 412.2 مليار جنيه من فائض السيولة بالجهاز المصرفي
  • بئر السبع.. مشاهد للدمار الكبير الذي خلفته الصواريخ الإيرانية / فيديوهات
  • لايستطيع أحد أن ينكر أو يشكك الدور الكبير الذي قامت به الحركات المسلحة في حرب الكرامة
  • الضبابية الاقتصادية تتفاقم عقب الهجوم الأمريكي على إيران
  • راعب الروس.. قدرات خارقة لصاروخ «توماهوك» الأمريكي الذي قصف إيران
  • تفاصيل السلاح الأمريكي الذي قصف منشآت إيران النووي
  • فوربس تحذر من انهيار وشيك في الأسواق بسبب ترامب