الذكرى الأولى لـ"طوفان الأقصى"
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
تَحِلُّ علينا اليوم الذكرى الأولى لملحمة طوفان الأقصى المجيدة، هذه الملحمة التي أيقظت الأمة من سباتها العميق وأحيت فيها روح النضال والجهاد والتحدي والكبرياء، بعد عقود من ترديد ثقافة البؤس والفجيعة وكأنها قضاء وقدر.
لم تكن ملحمة طوفان الأقصى كغيرها من الملاحم في حياة الأمة، رغم كثرتها في تاريخها الطويل، لكنها ملحمة خاصة واستثنائية في زمن خاص واستثنائي في تاريخ هذه الأمة العظيمة التي تُشبه نخيلها الباسق في عطائه وكبريائه وصموده.
تفرَّدت ملحمة طوفان الأقصى عن غيرها من الملاحم بأنها هزمت العقل الصهيوني؛ حيث تفوَّقت على جميع ابتكاراته وتقنيته في الرصد والمتابعة والانذار المُبكر، وهزمت السرديات الصهيونية المتمثلة في "الجيش الذي لا يُقهر"، و"الموساد اليد الطولى" للكيان الصهيوني، وبأحقية الصهاينة تاريخيًا في أرض فلسطين.
كما تفرَّدت ملحمة طوفان الأقصى عن غيرها من الملاحم بأنها وبجميع فصولها ومراحلها دارت داخل جغرافيّة فلسطين المحتلة، وبأنها هزمت الهزيمة بداخلنا وأحيت الوعي، ورمَّمت الإرادة، وبالنتيجة وضعت قضية فلسطين والانتصار لها قضية أحرار العالم قاطبة، وقضية ضمير عالمي. كما تفرَّدت ملحمة طوفان الأقصى عن غيرها من الملاحم بأنها ملحمة شعب خذله نظامه الرسمي وتنكَّر لتاريخه وحقوقه معًا، فهبَّ هذا الشعب لينتصر لكرامته وشرفه، ولينتصر لنظامه الرسمي ويُحرِّره من قيود العبودية والاحتلال والمهانة، لهذا رأينا "وحدة الساحات" وتعدُّد الجبهات بصورة غير مسبوقة. كما تفرَّدت ملحمة طوفان الأقصى عن غيرها من الملاحم بأنها رسَّخت قول الحق تبارك وتعالى "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ"؛ حيث ترجمت معاني جُمل ومفردات تاريخية قِيلت في وصف الصراع الوجودي العربي الصهيوني؛ إذ قال مؤسس الكيان بن جوريون: "نهاية الكيان على أيدي الجيل الثالث"، وهؤلاء هم الجيل المقصود بزعامة نتنياهو. وقال هنري كيسنجر لمناحم بيجن رئيس حكومة الكيان بُعيد توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع مصر وإخراجها من معادلات القوة: "لقد سلمتك أمَّة نائمة فاحرص على ألّا تستيقظ"! وها هي الأمة اليوم بكامل يقظتها بفعل الطوفان وفضله.
وقد وصف مُنظِّر العنصرية برنارد لويس الأمةَ العربية وخطرها على الغرب بأنها "أمة تمتلك كل عناصر وأدوات التفوق على مدنية الغرب، من رصيد حضاري، ودين، ولغة، وموقع جغرافي، وثروات بشرية وطبيعية، ومن الخطورة تركها مستقرة لأن في استقرارها بوادر بعث تلك القوى المدمرة لمدنية الغرب وتفرده بالعالم".
برهن طوفان الأقصى على أن الصراع بيننا وبين الكيان الصهيوني ورعاته، هو صراع إرادات أولًا، وبعدها يأتي السلاح. كما برهن طوفان الأقصى على أن التطبيع مع العدو الصهيوني والإقرار له بما يدَّعي ليس هزيمة تاريخية نكراء لأمة عظيمة؛ بل جريمة تاريخية بحق الأمة العربية ومن خلفها الإنسانية جمعاء.
برهن طوفان الأقصى على أن أرض فلسطين مقبرة حقيقية لمطامع الغزاة للأمة، فكما قبرت فلسطين أحلامَ المغول ونابليون، ها هي تستعد اليوم لقبر حلم الصهيونية العالمية ورعاتها على أرضها العصية الطاهرة.
قبل اللقاء:
اهْدَأ.. فأَرْضُك هذي حيثما تَقِفُ
وَإِنه شَرَف مَا بعْدَهُ شرَفُ
اهدَأ، وَلَوِّحْ لأَرْض قدْ نزلت بها
حَتى لأَوْرَقَ في أَضْلاعِك الأَنَفُ
ما كنت مرتجفًا، فالنخل عَلّمني
لا يَرْجف الجَذع إنَّ الرَّاجِفَ الْسَّعَفُ
(رعد بندر).
وبالشكر تدوم النعم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الردع الإيراني لمواجهة الكيان الصهيوني
حاتم الطائي
◄ إيران تُلقن إسرائيل درسًا قاسيًا ستتجرع مرارته لعقود
◄ إسرائيل كيان مُجرم وأمريكا شريكة أصيلة في كل جرائمه
◄ غطرسة القوة لن تحقق الأمن والسلام.. والدبلوماسية هي الحل الأوحد
لا يكتفي الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، ومُواصلة أقبح احتلال عرفته البشرية؛ بل يتمادى لانتهاك سيادة الدول واغتيال قادتها وعلمائها، وهو ما نُشاهده على الهواء مُباشرة منذ يومين، مع بدء الكيان الصهيوني شن عدوانه الهمجي والبربري على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتنفيذ عمليات اغتيال غادرة بحق كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين، في مشهد يعكس مدى خسِّة ووقاحة هذا الكيان الغاصب.
لم تمض سوى ساعات قليلة، وبدأت إيران ردها العنيف، وقصفت عدة مواقع عسكرية، منها مُحيط وزارة الدفاع الإسرائيلية ومناطق واسعة مما يعرف بـ"تل أبيب الكبرى"، علاوة على تدمير مقرات وأبنية في قلب عاصمة الكيان الإسرائيلي. الرد الإيراني اشتمل على إطلاق مئات الصواريخ الباليستية ومئات الطائرات المسيرة، ولأوَّل مرة إطلاق صواريخ من غواصة إيرانية، باتجاه إسرائيل.
وتأكيدًا على فداحة الخسائر، تعمدت إسرائيل فرض حالة من التعتيم التام على الأضرار التي لحقت بقواعدها العسكرية، لا سيما تلك التي انطلقت منها الموجة الأولى من الغارات العدوانية على طهران، كما استهدفت نقاطًا عسكرية، أعلنت عنها إيران، لكن إسرائيل سعت للتغطية عليها.
كشفت الصور والفيديوهات المرصودة، حجم الدمار الكبير الذي لحق بأجزاء عدة من تل أبيب، لتؤكد أنَّ منظومة ما يُسمى بـ"القبة الحديدية" فشلت في صد الهجوم الإيراني، رغم أنَّ القوات الأمريكية في المنطقة تُساعد إسرائيل في تنفيذ عمليات دفاع جوي، سواء من خلال الدفاعات الأرضية أو الجوية.
المشهد الذي نراه الآن لا يعكس سوى حقيقة واحدة، وهي أن إسرائيل كيان مُجرم، اعتاد على تنفيذ جرائمه وتلطيخ يده بدماء الأبرياء، دون رقيب أو حسيب، وذلك لأنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تقف خلفه في كل خطوة، وقد ثبت أنَّ ما أُثير عن "خلافات" بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومجرم الحرب بنيامين نتنياهو، لم يكن سوى جزء من المخطط الشيطاني الذي يستهدف خداع الجميع، والإيهام بأنَّ أمريكا ليست راضية عن تصرفات نتنياهو، ومن المؤسف أنَّ القوة العالمية التي كان منوطاً بها أن تعمل على حفظ الأمن وإرساء الأمن والعدل في المنطقة والعالم، هي التي تدافع وتحمي هذا الكيان المجرم، بل وتشاركه في عمليات الخداع وقيادة الأطراف إلى الأفخاخ، ومن ثم الانقضاض عليهم.
أمريكا التي يجب أن تحمي مصالحها في المنطقة، بعد أن حصلت على تريليونات الدولارات، تتعمد إشعال الشرق الأوسط بحرب مُدمرة، لا أحد يعلم عواقبها الخطيرة، فلقد استهدفت إسرائيل عدة مواقع نووية إيرانية، ولولا كفاءة التخطيط الإيراني وعمليات التحصين النوعية لهذه المواقع، لكانت كارثة نووية وقعت خلال الساعات القليلة الماضية، وستكون دول الخليج والمنطقة أوَّل من يتعرض للمخاطر البيئية والصحية. فهل يُمكن أن تؤتمن أمريكا على أمن المنطقة بعد اليوم بعدما سمحت للمجنون والمُختل العقلي نتنياهو بأن يتعامل مع الخطر النووي باستهتار وغباء، فقط لأنه يُريد إشعال نار الجحيم في الشرق الأوسط.
لا يُنازعنا شك في أنَّ البرنامج النووي الإيراني يستهدف الاستخدامات المدنية وحسب، وأن مزاعم الكيان المُجرم وقادته المُختلين بأنَّ إيران تسعى لامتلاك قنبلة نووية، ليست سوى ادعاءات لتبرير شن العدوان العسكري على قوة عسكرية عظمى في المنطقة وهي إيران، والدليل أنَّ طهران أبرمت اتفاقًا نوويًا في 2015، بينما انسحب منه ترامب في 2018، لتنطلق المفاوضات النووية هذا العام 2025 من جديد من الصفر. وكما لم تُمهل إدارة ترامب طهران الوقت لتنفيذ اتفاق 2015، كررت السيناريو ذاته، وأعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لشن عدوانها، دون أن تمنح إيران الفرصة لخوض المفاوضات والتوصل لاتفاق، رغم أنَّ ترامب أعلن إمكانية إبرام الاتفاق وأنه في متناول اليد. وهذا عين التناقض الأمريكي، لأن ساكن البيت الأبيض لا يريد سوى الدمار والحروب، من أجل إنعاش الصناعة العسكرية التي تُدر على بلاده مليارات الدولارات.
إنَّ الهدف الحقيقي من هذا الإجرام والعربدة الصهيونية في المنطقة، يتمثل في سعي هذا الكيان المُجرم للهيمنة على الشرق الأوسط، وإضعاف جميع الدول، وتدمير القوى المركزية فيه، لترسيخ نموذجه الاستعماري البغيض، القائم على اغتصاب الأراضي وإبادة البشر، لضمان خضوع الجميع لسطوة هذا الكيان الحقير. فبعدما ابتلع الضفة الغربية ودمّر قطاع غزة، وسرق القدس، وبالتالي اغتصاب الأرض الفلسطينية كاملةً، يخطط الآن لابتلاع المزيد من الأراضي العربية، بعدما نجح- بمساعدة أمريكا- في تدمير دول مركزية، مثل العراق وسوريا.
هذا الكيان المُجرم يُمارس غطرسة القوة بلا حسيب أو ضابط، لقناعته بأنَّ الولايات المتحدة ستظل توفر له الحماية الدبلوماسية والسياسية والعسكرية والاقتصادية، لأنَّ إسرائيل كما نؤكد دومًا هي المشروع الاستعماري الغربي المغروس في قلب الأمة العربية، من أجل ضمان تحجيم قوتها البشرية والاقتصادية، والحفاظ على سيادة وتفوق هذا الكيان المارق، الذي يؤدي دورًا وظيفيًا يخدم أمريكا والغرب، ويعمل على تدجين المنطقة العربية لصالحه، مُستخدمًا مخالب الصهيونية المجرمة.
ويجب أن يُدرك الجميع أنَّ الرد الإيراني الذي شاهدناه ليس سوى بداية المعركة، التي لم يسع لها يومًا، بل فُرِضَت عليه، وقناعتنا أن إيران ستُواصل إلحاق الضرر والأذى بإسرائيل التي جنت على نفسها بأن استفزت العملاق الفارسي، وجرته إلى ساحة حرب ظل يسعى طوال الوقت أن يتفادها، بحكمةٍ وصبر استراتيجي طويل جدًا، والإعلان الإيراني عن اعتزام طهران إطلاق 2000 صاروخ باليستي خلال المعارك الدائرة حاليًا، يؤكد أن هذا الكيان قد كتب السطر الأخير في حياته المحكوم عليها مُسبقًا بالإعدام، لأنه كيان غاصب وغير شرعي. وقد نجحت إيران في التعافي من صدمة الضربة الأولى المُفاجئة، والتقطت أنفاسها سريعًا خلال ساعات، للدفاع عن نفسها ورد الاعتبار. كيان الاحتلال كان يستهدف في عدوانه الغاشم، إسقاط النظام الإيراني، لا تدمير البرنامج النووي الإيراني، لكن التَّعاطي الإيراني وتماسك الجبهة الداخلية الإيرانية، كل ذلك وَأَدَ المسعى الإسرائيلي.
إننا اليوم أمام إيران القوية، إيران التي ترد على العدوان بهجمات غير مسبوقة على الكيان الصهيوني، بإرادة سياسية وعسكرية مُستقلة، وهو ما لا تريده إسرائيل ولا أمريكا ولا الغرب، فهؤلاء لا يريدون أي دولة مستقلة في الشرق الأوسط، لذلك يرون إيران تهديداً مُباشرًا لهم، وباتت إيران الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمثل تهديدًا عسكريًا- وتحديدًا عبر قوتها الصاروخية- لإسرائيل.
ويبقى القول.. إنَّ الإجرام الإسرائيلي في الشرق الأوسط سيضع كل الدول على حافة حرب عالمية، لأنَّ مختلًا عقليًا يُريد إشعال المنطقة ويتلقى كل الدعم من أمريكا، ولذلك يجب على عقلاء العالم أن يتحدوا في مواجهة غطرسة القوة لدى إسرائيل وأمريكا، وأن تتحد دول المنطقة لمواجهة الخطر الوجودي غير المسبوق.
رابط مختصر